خلال ندوة وزير التربية الفارطة وزّع المشرفون على الحاضرين وثيقة «التربية في أرقام» أعدتها «الادارة العامة للدراسات والتخطيط ونظم المعلومات» التابعة لوزارة التربية لتدعّم تدخلات الدكتور فتحي الجراي في شتى العناوين التربوية. وقد لفت انتباهنا ونحن نستقرئ الوثيقة المذكورة ما تعلق بمحتوى جدول «نفقات التربية» حيث أشارت الاحصائية الى أن ميزانية وزارة التربية لسنة 2012 قاربت 4٫51٪ من الناتج الداخلي الخام وعادلت 12٫93٪ من ميزانية الدولة... وان لاحت لنا ميزانية التربية ضعيفة مقارنة بما هو في فرنسا وألمانيا مثلا فهي تبدو محترمة مقارنة بميزانية عديد القطاعات في البلاد التونسية مثل الشؤون الثقافية والصحة والبحث العلمي وغيرها من الميادين الحساسة. ولكن تقديمها من قبل وزير التربية لامس العموميات والشكل دون النبش في جوهرها وخصوصياتها حيث تعلقت أرقامها بالكيف على حساب الكمّ اذ كان حريا بالدكتور فتحي الجراي أن يقدم بالأرقام الواضحة ويكشف عن المبالغ المالية المخصصة أساسا ل «مجهود التجديد البيداغوجي والبحث العلمي» كأساسين لبناء المنظومة التربوية وعنصري اشعاعها وتطورها مثلما هو موجود ومدعم في النظم التربوية للبلدان المتقدمة حيث أن نسبة كبيرة من نفقات التصرف في وزارتنا مخصصة لخلاص أجور أعوان الوزارة واطاراتها الى جانب الصيانة والبناء وغيرها على حساب ما يهم التجديد البيداغوجي والبحث العلمي لندرك جيدا أن منظومتنا التربوية لا يمكنها أن تخرج من عنق الزجاجة طالما أن الأمر لم يحسم جوهر الموضوع ولم يتم الاهتمام مباشرة بمقومات التعليم وظللنا نمضغ علكة التجارب التربوية المستوردة رغم أنها مثلجة ومجمدة ومحنطة لأننا لم نتوجه صوب الابتكار والخلق والتجديد حسب واقعنا وبيئتنا وخصوصياتنا ورهانات مستقبلنا في ظل نظام تربوي لا يفكر اطلاقا في اعادة بناء قواعده بعد أن هرمت وتداعت استوجبت تدخلا عاجلا لأن الأجيال أمست تتناسل عليلة ومنهكة وغير متوازنة بعد أن عاشت على أطباق تربوية بالية «مجمرة» وهبتها لنا الدول الغربية في شكل تجارب بعد أن أصبح لها حق ملكية تعليمنا والتصرف فيه كما يحلو لها... ونحن طيّعون صامتون.