في باب ان الشيء اذا بلغ الحدّ.. انقلب الى الضدّ.. تحولت حيرة الاولياء في البداية الى قلق وتوتر ثم امست صيحة فزع يتوجهون بها الى الدكتور فتحي الجراي بعد ان صار الأطفال الصغار من التعليم الابتدائي خاصة تحت رحمة التوقيت المدرسي ولم يعد لهم متسع من الوقت لممارسة هواياتهم وزيارة المتاحف ومدن العلوم والنوادي الثقافية حتى يعادلوا بين كل ما هو تعلّمي وترفيهي ليشبّوا متوازنين معرفيا وروحانيا. وقد لاح «الزمن المدرسي» كإحدي نقاط الضعف في منظومتنا التربوية واتضح ان خبراء التربية لدينا واصحاب القرار لم يدرسوا جيدا هذا العنصر المؤثر في النشاط اليومي للطفل خاصة ان كل العائلات التونسية تتحرك في كل وقت حسب التوقيت المدرسي لأبنائها.. ولأن هذا التوقيت لم يحترم واقع الطفل فقد اختنقت لأجله العائلة ولازمت البيت مختنقة لا تقدر على التحرر من غول الزمن المدرسي حيث صار الطفل يقضي يومه في المدرسة.. فتلاميذ الدرجة الأولى يدرسون 3 أيام بنظام 4 ساعات..ويومين بنظام 5 ساعات كاملة يذوقون فيها عذاب الوقت وهم كفراخ صغيرة غضة وطرية فارقت احضان الامهات الدافئة ووجدت نفسها بين جدران قاعة لا تتسع لحريتهم.. وتلاميذ الدرجة الثانية يدرسون بنظام حصتين يوميا لمدة اسبوع كامل بين مجالات اللغة العربية واللغة الفرنسية والعلوم والتنشئة الفنية والبدنية وهو نفس التمشي تقريبا لتلاميذ الدرجة الثالثة مع زيادة مواد الاعلامية واللغة الانقليزية والتربية البدنية مما يجعلهم لا يجدون الوقت ليتنفسوا. احد الاولياء قدم لنا على سبيل المثال جدول وقت ابنه الذي يدرس بالسنة الخامسة اساسي خلال يوم الاربعاء حيث يدرس من الساعة 8 الى الساعة 10 مواد اللغة العربية ومادة الاعلامية من الساعة 10 الى الساعة 11 ليتوجه جريا نحو منزله فيغير ادواته المدرسية ويتناول ما قل ودل من غدائه ويعود في سرعة البرق الى مدرسته ليدرس مواد اللغة الفرنسية من الساعة 12 الى الساعة 15... ثم يمر الى الدرس الخصوصي من السنة 15 و30 دق الي الساعة 16 ،30دق.. وبعده ينتقل الى درس التدارك من الساعة 17 و15 دق الى الساعة 18 و30دق.. ومباشرة «من الطبق... الى بيت النار» إذ يشرع التلميذ «المكابد» في انجاز تمارينه وحفظ ما يجب حفظه من قواعد ومفاهيم وقصائد واحاديث نبوية وسور قرآنية لنفهم بوضوح ان الامر لا يطاق حيث تحول صغارنا الى آلات لا تهدأ ولا تستريح بعد ان طغى الكم على الكيف ولم يرحم المشرّع الاطفال الابرياء مما جعل الاولياء يتوجهون بكل ود الى وزير التربية ليفتح ملف الزمن المدرسي والسير على خطى المدارس التربوية في الدول المتقدمة حيث يدرس ابناؤها في فترة بين 3 و4 ساعات صباحا لتخصّص فترة ما بعد الزوال الى الانشطة الرياضية والثقافية والموسيقية والمدنية حتى يشب الطفل لديها متوازنا كامل الأوصاف.