التقى بدار الضيافة بقرطاج رئيس الحكومة مهدي جمعة وبحضور وزير الثقافة السيد مراد الصكلي بنخبة من المثقفين والمبدعين والفنانين في مجالات عدة تجاوز عددهم المائتين حيث ألقى كلمة بالمناسبة حيّا فيها نساء ورجال الفكر والمعرفة والثقافة والإبداع معربا عن سعادته بهذا اللقاء ومؤكدا دور النخب في مختلف المجالات في اشاعة قيم الحرية والعدالة والكرامة والديمقراطية. وأبرز رئيس الحكومة أن الحضور الكريم الذي ضمّ نخبا ثقافية من مختلف الاختصاصات والقطاعات والجهات والأجيال يعدّ صورة تونس الجديدة المتميزة بالتنوع والثراء قائلا إننا واعون بأهمّية المثقفين ودورهم في بناء تونس الجديدة، تونس الفكر والإبداع والعمل والإنتاج والتجديد، وأنه لا يمكن لهذا الدور أن يتحقق ما لم تُطرح على بساط الدرس والإنجاز قضايا محورية نظرا لأهميتها وأهمية التشاور بشأنها. وأوضح السيد مهدي جمعة أن سياسة الحكومة في هذا الميدان الحيوي والاستراتيجي ترتكز على تفعيل ما جاء في دستور البلاد الجديد من حق كلّ مواطن في الثقافة بمعناها الواسع، وحقّه في ملكية ما ينتجه ويبدعه في هذا المجال مضيفا إن الدولة لا تصنع الثقافة، ولكنها مؤتمنة على توفير المناخ الذي يساعد على الإنتاج الفكري والأدبي والفنّي، ووضع الضمانات التي تحميه وتمكّن من وصوله إلى كافة فئات الشعب وإبرازه إلى الخارج لتثبيت مساهمة بلادنا في الحضارة الكونية، وتبقى الحرّية من أهمّ هذه الضمانات فهي أساس الإبداع. ومن هذا المنطلق أبرز رئيس الحكومة أن الدولة وضعت مرتكزات سياسة ثقافية تستجيب لتطلّعات المثقفين المشروعة، وتفتح أمامهم مجالات الانتاج والإبداع والترويج لما تجود به قرائحهم مبينا أن المجلس الأعلى للثقافة سيكون بعد تفعيله واحتضانه لأهمّ الشخصيات الثقافية من مختلف الاتجاهات والقطاعات والأجيال والجهات الضامن لاستقلالية المثقفين والحامي لحريتهم. وتطرق السيد مهدي جمعة في كلمته بالمناسبة أمام المثقفين والمبدعين إلى أهمية دعم الانتاج الثقافي قائلا إنه هو واجب من واجبات الدّولة مهما كانت طبيعة اختياراتها الاقتصادية ومضيفا أن هذا الواجب يحتّم تأمين استفادة المبدع والمتلقي من هذا الدعم، لذلك سنعيد النظر في الآليات المعتمدة حاليا، وسنضع مقاييس عادلة وفاعلة، وسنسعى أيضا إلى تدعيم اللامركزية الثقافية باعتبارها جوهر ديمقراطية الثقافة، وسنؤهل المؤسّسات ونمكّنها من تطوير أدائها والارتقاء بمضامين أنشطتها وتوسيع مجالات إشعاعها، كما سنعمل على إدراجها، مثل بقية الهياكل الثقافية،على غرار مدينة الثقافة، في سياق منظومة إلكترونية متطوّرة لتعزيز هذه الثقافة التي فرضت واقعًا جديدًا وملزمًا. وأكد السيد مهدي جمعة الحاجة الأكيدة إلى توظيف هذه الخصوصية في تعديل الموازين بين تقبّل ثقافة الآخر والترويج لثقافتنا، حتى لا نبقى مستهلكين سلبيين لا إضافة لنا في الحضارة الإنسانية مبينا أن الدولة ستعيد هيكلة التظاهرات الثقافية لتساعد على ترويج إبداعاتنا والتعريف بخصوصياتنا الثقافية مع احتضان الثقافات الأخرى واستيعابها، وسنضع خطة عملية لتثمين تراثنا الزاخر، المادي منه وغير المادي، وبالتالي توظيفه توظيفا محكمًا في الدّورة الاقتصادية للبلاد وفي إثراء منتوج السياحة الثقافية، التي سنُراهن على جعلها رافدًا من روافد الحركة السياحية في شموليتها مبرزا أن هذه الأهداف لن تتحقّق إلاّ في إطار منظومة تشريعية وهيكلية متطوّرة للاستثمار، يكون فيها المجال الثقافي ملازمًا للمجالات الاقتصادية الأخرى، وهو ما سنعمل على البدء في إنجازه بتشريك الخبراء والاستئناس بالتجارب العالمية الناجحة في هذا المجال. وشدد رئيس الحكومة على أهمية الثقافة ومستقبلها الذي قال إنه سيبقى رهين انصهارها في المسيرة التنموية وتفاعلها مع الدورة الاقتصادية انتاجا وتمويلا وتسويقا ما يحتّم تشجيع المبادرات الخاصة لدعم الصناعات الثقافية وفتح آفاق اوسع امامها وخاصة منها الخدمات ذات القدرة الصناعية والتصديرية الواعدة وهي مسؤولية مشتركة بين الدولة والمثقفين والقطاع الخاص، كما أنها تبني للمستقبل وتؤسّس لجمهورية ثانية تكون فيها الثقافة هي علامتها المميّزة، ويكون فيها المثقف ضميرها الحيّ. وأشار رئيس الحكومة إلى نجاح تونس سياسيا في صياغة دستور مفخرة باعتباره مكسبا سياسيا مازال العالم يُحَيِّيه مبينا أن تجسيم قيَمِ هذا الدستور ومضامينه على أرض الواقع تحتاج منّا إلى أن نحوّلها إلى ثقافة نحياها وسلوك نمارسه وهو تحدّ كبير يستوجب الديمومة المتواصلة مضيفا إنه على يقين بأن المثقف التونسي مدرك لحجم المسؤولية الملقاة على عاتقه للمساهمة في انجاح التجربة الديمقراطية من خلال ترسيخ ثقافة الديمقراطية والحرية وقيم المواطنة والمسؤولية وهي شروط أساسية لتحقيق التنمية في مفهومها الشامل والارتقاء بتونس إلى مصاف الدول المتقدمة. وأكد رئيس الحكومة في الختام عزم الحكومة الصادق على دعم المثقفين ومنحهم الضمانات اللاّزمة وصيانة حرياتهم وتوفير الظروف الملائمة للإبداع الراقي، وترويجه حتى يصل إلى المتلقي بالداخل والخارج آملا أن يكون هذا اللقاء وغيره من اللقاءات القادمة مناسبة سانحة للحديث مع أهل الفكر والإبداع والثقافة تكريسا لها في شتى مجالات المعرفة والفن والإبداع سواء على المستوى الوطني أو الجهوي أو عبر مختلف التظاهرات والمناسبات الثقافية والإبداعية في بلادنا. وتحدث رئيس الحكومة إثر ذلك مع عدد من المثقفين والمبدعين والفنانين الحاضرين بهذه المناسبة حيث دار اللقاء حول أهم مشاغل القطاع واهتمامات أهله معبرا لهم عن سعادته بمثل هذه اللقاءات وحيّا جهودهم الثقافية والإبداعية في كل المجالات الفنية ودورهم الرائد في نحت الثقافة والإبداع في بلادنا معربا عن ثقته في تواصل مثل هذه اللقاءات مع المعنيين في القطاع الثقافي والفكري عموما. من جانبهم أعرب المثقفون والمبدعون الحاضرون عن سعادتهم واستحسانهم لمثل هذه اللقاءات لدورها الفعال في التشاور والنقاش في جملة القضايا التي تشغل أهل الثقافة والفن والإبداع مؤكدين أهمية تواصلها مستقبلا ومحيّين هذه البادرة التي دعا اليها رئس الحكومة السيد مهدي جمعة.