أعلن وزير الثقافة يوم الاثنين الماضي عن تعيين درّة بوشوشة مديرة للدورة الخامسة والعشرين لأيام قرطاج السينمائية التي لا يعرف إلى حد الآن موعد انتظامها، ولئن كانت السيدة درة بوشوشة إلى حد قريب تنفي بشدة رغبتها في العودة إلى دفة القيادة لأعرق مهرجان سينمائي عربي وإفريقي فإن المتابعين للشأن السينمائي في تونس كانوا يتوقعون تعيين درة ولا أحد غيرها مديرة لأيام قرطاج السينمائية لعدة أسباب إذ أن فشل المدير السابق محمد المديوني في إدارتها سنة 2012 جعل كثيرين يترحمون على أيام قرطاج السينمائية في نسختيها سنتي 2008و2010 بإمضاء درة بوشوشة التي نجحت في جلب عدد من النجوم وباقة محترمة من الأفلام وخلق شيء من البهرج المطلوب في ما يبدو لمهرجان سينمائي ، كما ان ضيق الوقت لم يعد يسمح بالمجازفة بتعيين وجه جديد لإدارة المهرجان ، أما درة بوشوشة ففريقها جاهز ومكاتب شركتها مفتوحة لاحتضان أيام قرطاج السينمائية ورصيد علاقاتها جنوبا وشمالا يسمح لها بضمان الحد الأدنى لتنظيم دورة «محترمة». كما أن الأجواء بين السينمائيين عموما يتوفر فيها الحد الأدنى من التوافق -ولو من باب المجاملات- رغم ما يتردد عن برود علاقات المديرة العائدة مع المنتج نجيب عياد والمخرجة كلثوم برناز وآخرين ...أما خارج تونس فمعروف أنّ علاقة درة بوشوشة ليست على أحسن ما يرام بالمدير العام للمركز السينمائي المغربي نور الدين الصايل ، ولا مصلحة لأحد في إستمرار هذا البرود . ولافت للإنتباه أن قرار وزير الثقافة لم يثر أي موقف سلبي من مختلف الجمعيات والنقابات الفاعلة في القطاع بل إن رضا التركي رئيس الغرفة الوطنية لمنتجي الأفلام الطويلة رحب بتعيين بوشوشة وعبّر عن إستعداد الغرفة للتعاون معها لإنجاح المهرجان في دورته الخامسة والعشرين ، ومعلوم ان رضا التركي إنسلخ عن الغرفة النقابية لمنتجي الأفلام ليؤسس غرفة نقابية جديدة فيما ظلت درة بوشوشة عضوا أساسيا في الغرفة القديمة . أما عبد العزيز بن ملوكة أحد أهم المنتجين السينمائيين فصرّح لنا بأن درة قادرة على النجاح متى مدت يديها للفاعلين في القطاع مضيفا أن «المهرجان ليس ملكا لأحد ونجاحه مسؤوليتنا جميعا : وزارة الثقافة وإدارة المهرجان والجمعيات والنقابات والصحافة والجمهور، ومساندتي لدرة بوشوشة هي مساندة لأيام قرطاج السينمائية التي ينبغي أن تعود إلى مدارها الطبيعي» من جهة أخرى علمت «التونسية» أن السيد فتحي الخراط مدير عام إدارة السينما بوزارة الثقافة زكى فكرة تعيين درة بوشوشة وأثنى على أدائها خلال دورتي 2008و2010، كما تحتفظ درة بعلاقات طيبة مع عدنان خضر المدير العام للمركز الوطني للسينما والصورة الذي سيكون طرفا رئيسيا لا محالة في تنظيم المهرجان . بقي أن نسوق بعض الملاحظات للسيدة درة بوشوشة التي باتت خلال السنوات الأخيرة عنوانا بارزا للسينما التونسية غربا وشرقا فهي تحظى بثقة عدة مؤسسات ثقافية وسينمائية على وجه الخصوص في أوروبا (وفرنسا تحديدا) وفي منطقة الخليج العربي (أبو ظبي بوجه خاص) وهي متابعة جيدة للمستجدات السينمائية في العالم وقد شاءت الظروف أن نلتقي في أكثر من مهرجان ، ولا يمكن لأي عاقل أن ينكر على درة بوشوشة متابعتها للشأن السينمائي وذكاءها وقدرتها على التنظيم ولكننا ندعوها إلى أن تنتبه إلى أن المناخ الثقافي -السياسي تغير في تونس من 2010 إلى اليوم وعليها أن تكون أكثر تعاونا مع الجمعيات والنقابات مهما كان الإختلاف في الرأي. كما أن إدارة المهرجان لا يمكن ان تكون حكرا على الثقات المقربين فهناك طاقات وكفاءات من خارج دائرة الأصدقاء يمكن ان تقدم الإضافة، فليس شرطا ان يكون المرء صديقا للوزير او للمدير ليأخذ فرصته فالكفاءة لا صلة لها بالعلاقات الإنسانية مهما كان نبل المشاعر . ودرة بوشوشة إمرأة عقلانية وبرغماتية لا ينقصها الذكاء لتدرك أن تونس تغيرت بعد 14جانفي 2011 والوصفة التي نجحت قبل الثورة لا يضمن نجاحها اليوم. ومهما إختلفت التقييمات تظل درة بوشوشة - في التصور الحالي لإدارة ايام قرطاج السينمائية - هي الأقدر على إنجاح المهرجان بعيدا عن الثورجية الزائفة ونأمل أن تولي إهتماما أكبر للجانب الإتصالي فلا يعقل أن يكون لكل دورة موقعها الخاص على الواب(حاليا يوجد موقعان لأيام قرطاج السينمائية واحد لدورة 2008 وآخر لدورة 2012) ولا يقبل أن تستمر نشرية المهرجان بحالتها تلك التي لا يرجى منها لا خير ولا شر بل هي مبرر لصرف مكافآت هزيلة لعدد من المرضي عنهم ، كما لا يقبل ان نستمر في دعوة فئة من الصحافيين العرب خصوصا لا يكتبون سطرا عن المهرجان، وعلى درة بوشوشة أن تعي ان هناك جيلا من الصحافيين والنقاد بات يشكل اليوم قوة تأثير في عدد من المهرجانات العربية من المهم إستقطابه وكسبه حليفا للسينما التونسية بوجه عام، ونأمل ان تكون ايام قرطاج السينمائية مناسبة لرقمنة عدد من القاعات وإعادة تهيئتها والتفكير في صيغ تنظيمية تجنب الجمهور والمدعوين الاكتظاظ والتدافع من ذلك تنظيم حفلي الإفتتاح والإختتام في قصر المؤتمرات مثلا على ان ينقلا مباشرة في قاعة الكوليزي وبذلك نضمن الإستجابة لأكبر عدد ممكن من طلبات الحضور في حفلي الإفتتاح والإختتام ، كما يمكن التفكير في برمجة عروض صباحية (الساعة الحادية عشر صباحا) يتمتع فيها الصحافيون والمهرجانيون بالأولوية القصوى لتخفيف الضغط على العروض المسائية ، ولا بد من التفكير في فضاء يتيح للصحافيين لقاء ضيوف المهرجان للقطع مع ما ألفناه من ركض وراء معلومة تقدم «بالوجوه» لمن رضي أولو الأمر عنهم ولقطع دابر التسلل إلى غرف الضيوف وما يثيره من تأويلات . وندعو السيدة درة بوشوشة إلى برمجة عدد من عروض الأفلام التونسية المناسبة في مراكز رعاية المسنين وقرية الأطفال بقمرت والسجن المدني بالمرناقية... وعموما فإن الأفكار والمقترحات بلا حساب، المهم أن تجد من يستمع إليها ....