محمد بوغلاب يبدو أن ما كتبناه عن تعيين درة بوشوشة مديرة لأيام قرطاج السينمائية فاجأ كثيرين حتى درة نفسها التي لم تصدق أننا باركنا تعيينها. أما وجهة النظر الرافضة لعودة درة إلى مهرجان قرطاج السينمائي بعد تجربة دورتين في 2008و2010 فلامني أصحابها كيف لم أذكر أن درة كانت قريبة من القصر وبأنها لمعت في دورة 2010 صورة ليلى بن علي من خلال إحداث جائزة منظمة المرأة العربية التي كانت ترأسها آنذاك من كانت تدعى «سيدة تونس الأولى»... الحقيقة أن كلا الطرفين يحمّلانني ما لا طاقة لي به، فلست الصحافي الوحيد الذي يكتب عن السينما ، وبصراحة بت أخشى على نفسي من التورط في معارك أجد نفسي وحيدا في أوجها ... ومن يلوم درة على موالاتها قبل 14جانفي حري به أن يبدأ بلوم نفسه لأنه لازم الصمت مثل جلنا حين كان الكلام جلاّبا للمتاعب ... لن أتراجع عن موقفي، نعم درة بوشوشة هي الحل الأفضل في الظروف الحالية والتصور الراهن لأيام قرطاج السينمائية، ومن يملك خطة بديلة فليتفضل بإعلانها، المشكل يا سادتي ليس في درة بوشوشة بل في طريقة تعيينها والذي عينها ، فالسيد وزير الثقافة الذي أطلق على نفسه وزير الهيكلة والإصلاح العميق والجذري لم ير ضرورة في التشاور مع الجمعيات والنقابات السينمائية واكتفى في حوار مع الزميلة «المغرب» بالقول بأنه « تشاور مع الفاعلين في القطاع» دون أن نعرف من يقصد، وقد قمنا بعملية مسح لمن يفترض أنهم الفاعلون في قطاع السينما أفرادا وجماعات فتأكد لدينا أن الوزير لم يخاطب أحدا في الموضوع ويبدو أن الوزير اكتفى بإعلام مدير عام السينما بالوزارة السيد فتحي الخراط ساعات قبل إعلانه القرار لوسائل الإعلام ، ولا نظن أن الحديث إلى فتحي الخراط يعد استشارة أو تشاورا ...بطبيعة الحال السيد الوزير حرّ يفعل ما يريد ما دام في كرسي الوزارة وسيجد من حوله من يزينون له كل قرار وسيقولون له لا تعبأ ببوغلاب وأمثاله فهم حاقدون أو يعملون لجهات معادية أو يخدمون أجندات خاصة... تلك التهم والافتراءات نعرفها كما نعرف قائمات المتمتعين سابقا بمكافأت وزارة الثقافة الشهرية حتى تقال كلمة طيبة في الوزير والوزارة ...كل ذلك لا يهم وهي ممارسات تتجدد أشكالها لتحقيق الغايات نفسها ...ولكن تفرّد الوزير بالقرار بحجة أنه يتحمل المسؤولية يتناقض مع روح التوافق التي بعثت حكومة مهدي جمعة للوجود ويتناقض مع سياسة رئيس الحكومة نفسه، ولا نظن أن السيد مهدي جمعة ألزم في رسالة تكليفه لوزير الثقافة بأن ينزوي جانبا رفقة مستشارتيه الأثيرتين وينتهي الأمر بندوة صحفية يضيّق فيها على الصحافيين بطرق مختلفة حتى لا يطرح أي سؤال مزعج على الوزير ولا يُدعى أي من الصحافيين المزعجين والمشاكسين إلى عرين الوزير في القصبة أو تكتفي المستشارة الاتصالية ببلاغ صحفي على صفحة فايسبوك الوزارة ...وتنتهي القصة ... وأمام ما تقدم فدرّة بوشوشة ضحية سياسة الوزير، فما الذي ينبغي أن نفعله إزاءها؟ أن نعاقبها لأنها قبلت أن تكون مديرة لأيام قرطاج السينمائية أو أن نسلط عليها الضغط الإيجابي لتعتمد سياسة تشاركية لا تقصي الفاعلين الحقيقيين في قطاع السينما الهش من منتجين وسينمائيين وصحافيين سينمائيين ونقاد ومنظمات وجمعيات ونقابات ...ولتنسج درة على منوال سمير فريد رئيس مهرجان القاهرة السينمائي الذي فرض على وزارة الثقافة في بلده مصر إحداث مؤسسة المهرجان يسيرها مجلس إدارة يضم ممثلي أهم مكونات الصناعة السينمائية المصرية ولننسج على منوال مهرجان مراكش الذي تديره مؤسسة مستقلة يرأسها شقيق الملك نفسه، ولنقتد بأعظم مهرجان سينمائي في العالم ونعني به مهرجان «كان» الذي يرعى شؤونه بنفسه دون وصاية من وزارة الثقافة الفرنسية ... لست في موقع من ينصح أهل السينما ولكن رفض تعيين درة بوشوشة لن يغير شيئا من الواقع فالوزير لن يتراجع في قراره ، والصواب في تقديري أن ننطلق في العمل للمحافظة على أيام قرطاج السينمائية حتى لا تتحول إلى مناسبة تكدس فيها الأفلام القديمة أو البضاعة السينمائية الكاسدة فمهرجانات دبي وأبو ظبي والدوحة تشترط حصرية العرض في المنطقة العربية للأفلام التي تدعمها ماديا فما الذي بقي لقرطاج أن تعرضه ؟ والأفارقة جنوب الصحراء وجهتهم منذ سنوات مهرجان الفسباكو في جارتهم بوركينا فاسو أو البحث عن فرص في مهرجانات دولية ولم تعد أيامنا السينمائية تثير حماستهم ... على السينمائيين التونسيين أن يحددوا أرض معركتهم وخصومهم ودرة بوشوشة ليست وزيرة الثقافة بل هي منتجة سينمائية أذكى من أن تبيع قضية السينما من أجل منصب زائل وحتى إن لم تصرح- بحكم واجب التحفظ- فنخالها ترغب في شيء من الاستقلالية للمهرجان الذي يفتقر إلى أرشيف وإلى مقر وإلى إدارة قارة أو حتى فريق عمل مستمر طيلة العام ...لقد إكتفى وزراء الثقافة المتلاحقون بالمحافظة على الوضع كما هو، وهو وضع مناسب لوجاهتهم في ما يبدو حتى يخطبوا في الإفتتاح ويوزعوا الجوائز في الاختتام ويتسنى لهم التقاط الصور التذكارية مع من يحل من نجوم الشاشة الكبيرة بيننا وخاصة من فاتنات السينما المصرية ولو كن في الخمسين من العمر... لا أحد من وزراء الثقافة امتلك شجاعة اتخاذ القرار بقطع حبل الصرة بين المهرجان والوزارة... آثر وزراؤنا السلامة والجلوس على الربوة أسلم فما بالك بالجلوس في كرسي الوزارة أطول فترة ممكنة وخاصة لمن حملتهم «الصدفة الغبية» إلى الحكم... ومن الأسئلة التي ينبغي على السينمائيين الإجابة عليها سريعا هو موعد تنظيم أيام قرطاج السينمائية في دورتها الخامسة والعشرين. فقد اقترحت الغرفة النقابية لمنتجي الأفلام الطويلة في محضر جلسة لقائها اليتيم بالوزير يوم 10فيفري الماضي أن يلتئم المهرجان نهاية سبتمبر أو في بداية أكتوبر-وأوصى الوزير يومها بالتنسيق مع مهرجان «موسيقات» الذي كان الوزير قد أسسه وأداره طيلة سنوات- غير أن درة بوشوشة ترغب في تأخير المهرجان إلى شهر جانفي 2015 لتفادي الاكتظاظ مع مهرجانات القاهرة وأبو ظبي ودبي ...وقد علمنا أن درة بوشوشة راسلت زملاءها تجس نبضهم حول هذا المقترح الذي يستحق الدرس لا الرفض سريعا بحجة المحافظة على الموعد التاريخي للمهرجان. كما يتعين منذ الآن حسم قصة دورية الأيام إذ لم يبق مجال لتنظيم المهرجان مرة كل سنتين، وعلى درة بوشوشة مسنودة بالسينمائيين أن تعلن القرار دون انتظار بيروقراطية الإدارة المقيتة وليتحمل كل طرف مسؤوليته ... سيتعلل بعض المتفقهين بأن تونس تنتظر موعدا انتخابيا قد يتأخر إلى مطلع العام الجديد وليكن، - وإن كنا لا نتمنى خرق الدستور- فالانتخابات إن تأخرت ستنتظم في شهر مارس 2015 كما يتردد في كواليس صناع القرار وبين الأيام والانتخابات متسع من الوقت لا يزعج أحدا ... لن تربح السينما التونسية شيئا من عراك بيزنطي بين درة بوشوشة والرافضين لها ...ولكن أيام قرطاج السينمائية قادرة على استرجاع شيء من مجدها الضائع إن تضافرت الجهود وخاض الجميع المعركة الصحيحة في الأرض المناسبة وضد العدو الحقيقي .