تجرّع الترجي الرياضي التونسي مرارة الهزيمة للمباراة الثانية على التوالي في دور مجموعات كأس رابطة ابطال افريقيا, الهزيمة جاءت هذه المرّة ضدّ منافس يصنّف عادة ضمن فرق الصفّ الثاني ولا يملك من سمعة المسابقة سوى شرف المحاولة... أهلى بنغازي بطل ليبيا فعل بالترجي ما اشتهى وأراد ووجّه صفعة قوية لممثلّ كرة القدم التونسية مفادها انّ الألقاب والتاريخ لا يصنعان بمفردهما بطلا سوى على الورق وهو الدرس الذي تعلمّه الاهلي المصري... صحيح انّ كلّ فريق مهما علا شأنه يبقى عرضة للهزّات وللرجّات وصحيح كذلك ان الهزيمة مهما كانت مرارتها تدخل في قانون اللعبة ويوم ليك ويوم عليك لكن ما حصل للترجي في مباراة المهيري لم يكن مجرّد عثرة عابرة أواستراحة محارب أنهكه القتال على عدّة واجهات بل كان نتاجا طبيعيا لرزمة الخلافات التي طوّقت الفريق في الأسابيع الأخيرة منذ وصول ركب المدرّب الهولندي رود كرول وما خلّفه ذلك من نشوب حرب زعامة مغلوطة بينه وبين المدير الرياضي سيباستيان دوسابر الذي بقي اسما فاعلا في بنك الترجي رغم تفعيل مراسم عزله إداريا... أصل البليّة... قد تكون المجموعة الحالية للترجي شارفت على عتبة سنّ اليأس الكروي وقد يكون رفاق خليل شمام في حاجة الى ضخّ دماء جديدة بما ان التركيبة الحالية تجاوزتها الاحداث وفقدت شهيّة ونهم التتويجات لكن كلّ هذا لا ينفي انّ إدارة الترجي في شخص رئيسها حمدي المدّب ارتكبت عديد الاخطاء وساهمت بعمد أو دونه في توتير الاجواء داخل مركّب الفريق وافتعال أزمات ما كان لها مكان في خارطة الترجي لولا آفة الطمع المشروع التي سوّلت لبعض الحالمين بمعانقة الاميرة الافريقية تحويل وجهة مدرّب نجح في برّ الجنوب وصنع من جديد عناوين المجد المسلوب فظّن الجماعة وبعض الظنّ إثم انّه يملك عصا سحرية فحاولوا استنساخ التجربة "الصفاقسية" على خلاف الصيغ الاخلاقية فكانت النتيجة كارثية لم يعهدها أبدا شيخ الاندية التونسية... حمدي المدّب رئيس الترجي يتحدّث كثيرا لغة المال بل ربّما لا يجيد سواها لذلك لا يجد حرجا في تغيير بيادقه بين الحين والآخر مهما كانت طبيعة مهامهم مدرّبين كانوا أو فنيّين أو حتى مسؤولين... فالخسارة المادية لا تعنيه كثيرا وكلّ ما يشغله هو البقاء في القمّة ولانّ قاموسه لا يعترف بمفردات الفشل تهزّه مجرّد نسمة عابرة ويخلخل أركان بيته من الداخل كلّ همس جاحد أو رأي ناقد خاصة اذا تسّرب صداه الى العلن... لعبة الغربال... رئيس الترجي أخطأ وأخطاؤه تواترت تباعا بشهادة مؤّيديه قبل منتقديه وهذا الطرح لا يحتاج كثيرا من الاجتهاد بدليل قرار إقالة الهولندي وتعويضه بالمدرّب القديم الجديد سيباستيان دوسابر وهو اعتراف ضمني بالخطإ و في الحقيقة القرار كان يطبخ في الكواليس على مهل ولا ينتظر سوى سيناريو مماثلا ليرى النور والسؤال الآن على من سيأتي الدور في لعبة الغربال خاصة إذا علمنا أنّ حلف كرول المعادي لدوسابر مازال يعشّش في كلّ زوايا الحديقة "ب" كما أنّ الاشكال الحقيقي الذي يعيشه الترجي منذ فترةوالذي يسعى البعض للتعتيم عليه يكمن في خروج الرجل الفاعل والعقل المدبّر في الفريق من حسابات الرئيس ومن بيت الطاعة الذي كان يؤمّ الجميع... من الباب الصّغير... قدر الترجي ان يكون دوما كبيرا لذلك مهما علت صيحات الاستهجان وتعاظمت مخاوف الاحباء سيعود المارد الاحمر والاصفر عاجلا أم آجلا الى رشده والى موقعه الطبيعي لكن الدرس الذي استخلصناه هو أنّ "الطمّاع يبات ساري" حتى لو كان هولندي اللون والهوى والتعاقد مع رجل بلا مبادئ هو تورط في الممارسة لان المشاركة في الغش اشتراك في الجريمة والهزيمة... كرول الذي نال الاشادة والاستحسان في تجربته الموسم الفارط مع النادي الصفاقسي حطّم كلّ المجد الذي بناه مع فريق عاصمة الجنوب وأكّد دون ان يشعر لكلّ محيطه انّه لم يكن سوى رقم صغير في دفاتر النجاح الصفاقسية... كرول عاد مدرّبا صغيرا كما جاء...نكرة كما كان...خسر ثقة "المكشخين" وكلّ ما بناه في هذه السنين... نهاية علاقة كرول مع الترجي هي نهاية رجل "طمّاع" لهث وراء المال والبهرج الخدّاعفحصد ما زرعته نواياه الخبيثة...لم يكن جرما انّ يصبع الهولندي لونه الى أحمر وأصفر لكنه العيب بعينه بعد أن فقأ عينه وتنكرّ للبيت الذي آواه وللجماهير التي صنعت منه سوبر زمانه... الى هنا قد تكون تجربة المدرّب الهولندي في ملاعبنا التونسية شارفت رسميا على النهاية لتطوى الصفحة لتبقى سوى الذكرى ولكن من يدري قد يستفيد "كرول" من "غباء" البعض أو ربّما من خبثهم ومن طمع مماثل ويجد بيتا آخر يحتضنه قد لا يكون بعيدا جدّا عن بيت الترجي...