كشف حزب «التكتل» أول أمس أنه تقدم منذ 21 ماي الماضي بشكوى رسمية لدى المحكمة الإدارية ضد الحكومة لإبطال التمديد لشركة «كوتيسال» على خلفية احتكار استغلال الملح التونسي حتى عام 2044 في سبخة الغرة الواقعة بين ولايتي المهدية وصفاقس. وجاء في بيان «التكتل» أن الاعتراض على عقد التمديد جاء بسبب مخالفته للفصل 13 من الدستور والذي يتعلق بالتصرف في الثروات الوطنية، فيما تساءل آخرون عن سر وتوقيت «حرب الملح» التي يشنها حزب «التكتل» الذي يترأس رئيسه المجلس التأسيسي على الحكومة، حين أعلن يوم أمس عن استنكاره ورفضه لقرار التمديد لشركة «كوتيسال» في استغلال ملح سبخة الغرة. ويتزامن هذا مع الدعوة إلى اجتماع لجنة الطاقة والمناجم في المجلس التأسيسي لمناقشة ملف آخر لاحتكار الثروات الوطنية وهو ملف رخصة أميلكار لاستخراج المحروقات لشركة «بريتش غاز» في تونس والذي تحيط به الكثير من التساؤلات مثله مثل حقل الزارات في قابس، والذي يواجه نقاشا مثيرا بين نواب لجنة الطاقة، إلا أن موضوع الملح يختص بظروف غريبة جعلت الكثير من المراقبين والمدققين في صفقات المناجم يتحدثون عن «استمرار منطق الاستعمار الفرنسي»في التعامل مع ثروات البلاد، ذلك أن أول عقد استغلال لهذه الشركة التي تعددت جنسيات المساهمين فيها يعود إلى عام 1949. يجب أن نذكر أن احتكار استخراج الملح وتجارته كان امتيازا مرتبطا بالاستعمار وسابقا أو مرافقا للجيوش، لما كان للملح من أهمية حتى أن بعض الحضارات اعتبرته عملة وطنية، كما لايجب نسيان حرب الملح التي خاضها المناضل الهندي المهاتما غاندي ضد الاحتكار البريطاني والتي انتهت بمسيرة مليونية لكسر الاحتكار ومنها تحرير الهند. وفي تونس، بدأ الاستغلال الفرنسي للملح سنة 1903، وحظي بحماية سياسية وعسكرية واضحة مع اضطهاد العمال التونسيين الذين نظموا إحتجاجات وإضرابات لتحسين ظروفهم وأجورهم وقتها. الغريب أننا نجد في الوثائق القديمة المتعلقة باستغلال الملح في تونس أن شركة «كوتيسال» التي يعود بعض رأس مالها إلى شركة ملاحات فرنسية قد حصلت في عام 1949 على عقد استغلال مقابل فرنك فرنسي لكل هكتار من الملاحات سنويا. ويقول الخبراء الذين يشتغلون على هذ الملف أن ذلك تم بشروط استعمارية في ذلك الوقت تحت حماية المقيم العام وأن هذه الشركة لم تدفع شيئا لخزينة الدولة مقابل هذا الاحتكار سوى الضرائب العادية الهزيلة، وأن عقد التمديد الذي أمضاه وزير الطاقة والصناعة والمناجم في 14 مارس الماضي يحافظ على هذا «الوضع الاستعماري» حتى عام 2044. وتبعا لما جاء في بيان حزب «التكتل» وتحفظات العديد من الخبراء وكذلك نواب المجلس التأسيسي وخصوصا أعضاء لجنة الطاقة فإن هذه الشركة ستستمر في استغلال ثروة تونسية أخرى وفق شروط 1949 ولن تدفع أية لزمة أو مستحقات غير الضرائب مقابل استغلال أكثر من مليون طن من الملح سنويا، وأن تمديد العقد لم يخضع لإجراءات طلب العروض العلني القانوني حسب ما جاء في البيان و الذي يمكن الدولة من اختيار أكثر عرض مربح لها. كما أن العقد لم يعرض على نواب التأسيسي الذين طالبوا رئيس الحكومة عند تقديم فريقه الوزاري بإخضاع عقود الطاقة للنقاش في المجلس التأسيسي، وهو ما يعتبر مخالفة صريحة للفصل 13 من الدستور والذي جاء فيه: «الثروات الطبيعية ملك للشعب التونسي تمارس الدولة السيادة عليها باسمه، وتعرض عقود الاستثمار المتعلقة بها على اللجنة المختصة بمجلس نواب الشعب وتعرض الاتفاقيات المبرمة في شأنها على المجلس للموافقة».