قتلى ومصابون في تدافع بمعبد هندي    غارات إسرائيلية عنيفة تستهدف مواقع مختلفة في سوريا    علماء يحذرون.. وحش أعماق المحيط الهادئ يهدد بالانفجار    دعما للتلاميذ.. وزارة التربية تستعد لإطلاق مدارس افتراضية    تفاصيل الاحكام السجنية الصادرة في قضية "التسفير"    الدوريات الأوروبية.. نتائج مباريات اليوم    جلسة عمل بين وزير الرياضة ورئيسي النادي البنزرتي والنادي الإفريقي    نصف نهائي كأس تونس لكرة اليد .. قمة واعدة بين النجم والساقية    ملكة جمال تونس 2025 تشارك في مسابقة ملكة جمال العالم بالهند    مهرجان «كنوز بلادي» بالكريب في دورته 3 معارض ومحاضرات وحفلات فنية بحديقة «ميستي» الاثرية    عاجل: ألمانيا: إصابة 8 أشخاص في حادث دهس    تونس: مواطنة أوروبية تعلن إسلامها بمكتب سماحة مفتي الجمهورية    تحيين مطالب الحصول على مقسم فردي معدّ للسكن    الاتحاد الجهوي للفلاحة يقتحم عالم الصالونات والمعارض...تنظيم أول دورة للفلاحة والمياه والتكنولوجيات الحديثة    عاجل: بينهم علي العريض: أحكام سجنية بين 18 و36 سنة للمتهمين في قضية التسفير مع المراقبة الإدارية    القيروان: هلاك طفل ال 17 سنة في بحيرة جبلية!    تحسّن وضعية السدود    معدّل نسبة الفائدة في السوق النقدية    اللجنة العليا لتسريع انجاز المشاريع العمومية تأذن بالانطلاق الفوري في تأهيل الخط الحديدي بين تونس والقصرين    مأساة على الطريق الصحراوي: 9 قتلى في حادث انقلاب شاحنة جنوب الجزائر    تونس تسجّل أعلى منسوب امتلاء للسدود منذ 6 سنوات    عاجل: إدارة معرض الكتاب تصدر هذا البلاغ الموجه للناشرين غير التونسيين...التفاصيل    عاجل/ تحويل جزئي لحركة المرور بهذه الطريق    تونس تستعدّ لاعتماد تقنية نووية جديدة لتشخيص وعلاج سرطان البروستات نهاية 2025    اتخاذ كافة الإجراءات والتدابير لتأمين صابة الحبوب لهذا الموسم - الرئيسة المديرة العامة لديوان الحبوب    النّفطي يؤكّد حرص تونس على تعزيز دور اتحاد اذاعات الدول العربية في الفضاء الاعلامي العربي    عاجل/ زلزال بقوة 7.4 ودولتان مهدّدتان بتسونامي    الشكندالي: "القطاع الخاص هو السبيل الوحيد لخلق الثروة في تونس"    الليلة: أمطار رعدية بهذه المناطق..    جريمة قتل شاب بأكودة: الإطاحة بالقاتل ومشاركه وحجز كمية من الكوكايين و645 قرصا مخدرا    مدنين: مهرجان فرحات يامون للمسرح ينطلق في دورته 31 الجديدة في عرس للفنون    عاجل/ تسجيل إصابات بالطاعون لدى الحيوانات..    غرفة القصّابين: أسعار الأضاحي لهذه السنة ''خيالية''    منوبة: احتراق حافلة نقل حضري بالكامل دون تسجيل أضرار بشرية    سليانة: تلقيح 23 ألف رأس من الأبقار ضد مرض الجلد العقدي    مختصون في الطب الفيزيائي يقترحون خلال مؤتمر علمي وطني إدخال تقنية العلاج بالتبريد إلى تونس    فترة ماي جوان جويلية 2025 ستشهد درجات حرارة اعلى من المعدلات الموسمية    الانطلاق في إعداد مشاريع أوامر لاستكمال تطبيق أحكام القانون عدد 1 لسنة 2025 المتعلق بتنقيح وإتمام مرسوم مؤسسة فداء    حزب "البديل من أجل ألمانيا" يرد على تصنيفه ك"يميني متطرف"    جندوبة: انطلاق فعاليات الملتقى الوطني للمسرح المدرسي    فيلم "ميما" للتونسية الشابة درة صفر ينافس على جوائز المهرجان الدولي لسينما الواقع بطنجة    كلية الطب بسوسة: تخرّج أول دفعة من طلبة الطب باللغة الإنجليزية    بطولة افريقيا للمصارعة بالمغرب: النخبة التونسية تحرز ذهبيتين في مسابقة الاواسط والوسطيات    خطر صحي محتمل: لا ترتدوا ملابس ''الفريب'' قبل غسلها!    صيف 2025: بلدية قربص تفتح باب الترشح لخطة سباح منقذ    تطاوين: قافلة طبية متعددة الاختصاصات تزور معتمدية الذهيبة طيلة يومين    إيراني يقتل 6 من أفراد أسرته وينتحر    الأشهر الحرم: فضائلها وأحكامها في ضوء القرآن والسنة    الجولة 28 في الرابطة الأولى: صافرات مغربية ومصرية تُدير أبرز مباريات    الرابطة المحترفة الثانية : تعيينات حكام مقابلات الجولة الثالثة والعشرين    الرابطة المحترفة الأولى (الجولة 28): العثرة ممنوعة لثلاثي المقدمة .. والنقاط باهظة في معركة البقاء    ريال بيتيس يتغلب على فيورنتينا 2-1 في ذهاب قبل نهائي دوري المؤتمر الاوروبي    أبرز ما جاء في زيارة رئيس الدولة لولاية الكاف..#خبر_عاجل    صفاقس ؛افتتاح متميز لمهرجان ربيع الاسرة بعد انطلاقة واعدة من معتمدية الصخيرة    "نحن نغرق".. نداء استغاثة من سفينة "أسطول الحرية" المتجهة لغزة بعد تعرضها لهجوم بمسيرة    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    أولا وأخيرا: أم القضايا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. عادل اللطيفي ل «التونسية»: شعار الوحدة ضد الإرهاب أصبح شماعة لطمس دور البعض في انتشاره
نشر في التونسية يوم 22 - 07 - 2014


المساجد لم تعد أماكن للعبادة
هل يمكن بناء ديمقراطية بحرمان الشعب من حقه في الاختيار؟
لل «ترويكا» نية إفراغ الانتخابات من محتواها
الجيش في حاجة إلى قرار سياسي لشن حرب شاملة على الإرهابيين
حوار: أسماء وهاجر
برز الدكتور عادل لطيفي أصيل فريانة من ولاية القصرين والمفكر اليساري أستاذ تاريخ العالم العربي المعاصر بجامعة باريس الثالثة بمواقفه في النقاش السياسي الدائر منذ 14جانفي 2011 دون أن يحصر نفسه في لون حزبي أو سياسي ولكنه لم يتردد لحظة في الدفاع عن مدنية الدولة .
وعادل لطيفي خريج دار المعلمين العليا بسوسة، ناضل صلب الإتحاد العام لطلبة تونس، وعمل مدرّسا بفريانة مسقط رأسه سنوات 1990-1995.
ناقش أطروحة دكتورا سنة 2001 حول تاريخ الزاوية التليلية بفريانة والطرق الصوفية في العصر الحديث والمعاصر. صدرت له بفرنسا ثلاث دراسات علمية عن الإسلام في بلاد المغرب كما صدرت له مقالات بجريدتي «البيان» و«أخبار العرب» بالإمارات العربية المتحدة ،وهو كاتب بموقع «الجزيرة» نات منذ سنة 2004 . «التونسية» التقته في حوار خاص تطرقت فيه معه الى العديد من النقاط الساخنة على الساحة السياسية منها قراءته للحادثة الارهابية الاخيرة بهنشير التلة والاجراءات التي اتخذتها الحكومة بعد الواقعة الأليمة ورأيه في تعاطي الاعلام مع الارهاب الى جانب رأيه في مبادرة «النهضة» حول ترشيح شخصية توافقية لرئاسة البلاد واقتراح الباجي قائد السبسي التمديد في آجال التسجيل للانتخابات وغيرها من المواضيع الاخرى.
كيف تقرأ الجريمة الإرهابية الأخيرة في هنشير التلة؟
هذه العملية تطرح علينا عديد الأسئلة ويجب أن نقف لحظة صراحة مع النفس كي نتمكن من رصد الخلل دون أن يعني ذلك التشكيك في جهود قوات الأمن والجيش. العملية مباغتة لكن لا يمكننا أن نتحدث عن عملية مباغتة في ساحة حرب. استعمال القنابل اليدوية يعني أن الإرهابيين كانوا قريبين من المعسكر ولم يتم التفطن إليهم. التقرير الجزائري يطرح كذلك أكثر من سؤال حول محتواه وحول الطريقة التي تم التعامل بها معه. الجانب الآخر الخطير حسب رأيي هو أن بعض الإرهابيين الذين شاركوا قدموا من القصرين حسب بعض الأنباء. وهذا يجعل من فضاء الحياة المدنية أرضية خلفية للإرهاب. وبالتالي لا بد للسلطات الأمنية أن تنتبه إلى وضعية بعض الأحياء سواء في المدن الكبرى أو في المدن الداخلية.
أعلن رئيس الحكومة جملة من القرارات العاجلة منها غلق المساجد المارقة ومؤسسات اعلامية تحرض على الارهاب هل تعتقد ان لمثل هذه الاجراءات جدوى ؟
هذه الإجراءات الزجرية أمر مطلوب منذ مدة لكن السلطة تأخرت للأسف في القيام بها. طرح البعض إشكالية حرية التعبير في مسألة غلق ما سمي ب«مؤسسات إعلامية» تحرض على العنف. وتم إدراج هذه الإجراءات في خانة التعدي على حرية الصحافة وعلى حقوق الإنسان. علينا أن نفهم أن الوضع دقيق ويتطلب إجراءات عاجلة تذكر على الأقل بسلطة الدولة. من جهة ثانية لا يستقيم الحديث عن الحريات دون الحديث عن إطارها وهو التنظيم الدولتي الذي تضبطه قوانين وتشرف عليه مؤسسات. المشكل اليوم أن هذه القوانين تجد صعوبة في تطبيقها كما أن المؤسسات ومنها الداخلية والعدل تشهد إخلالا تسييريا يحد من فاعليتها. زد على ذلك أن «الهايكا» لم تقم بأي إجراء من شأنه أن يفرضها كسلطة. وبالتالي لا بد من إعادة ترتيب وضعية المؤسسات وتفعيل القانون بما يتماشى وحالة الحرب الاستثنائية التي نعيشها. في مسألة غلق بعض المساجد علق الحبيب خضر بأن في ذلك مساسا بحق العبادة ومسا بالدستور. لكن يبدو أن السيد النائب نسي بأن هذه المساجد لم تعد أماكن عبادة بل أصبحت وللأسف فضاءات للدعوة إلى العنف ولتأطير الشباب. يعني أن الغلق يستهدف وظيفة إرهابية مستحدثة ريثما تعود العبادة التي تم إقصاؤها.
ما تعليقك على تصريح الأستاذة رجاء بن سلامة «الإرهاب في حرب علينا ونحن في سلام معه» واتهامها المجلس التأسيسي بالتباطؤ في المصادقة على قانون الإرهاب ؟
قد تكون الأستاذة رجاء بن سلامة تقصد بأن الإرهاب، وربما القصد هنا الإرهابيون، هو من يبادر باستهداف الوطن والمواطنين. هؤلاء (مجموعة سليمان) تمتعوا بعد الثورة بالعفو التشريعي العام والدولة التي متعتهم به كانت أول المستهدفين باعتبارها طاغوتا حسب تفكيرهم. لكن في الجهة المقابلة لم يهاجم أحد هؤلاء المتشددين وكانوا يقومن بخيماتهم الدعوية ولكن في نفس الوقت يكدس البعض منهم السلاح ويهاجمون المقاهي والنزل والحانات. هذا الفكر المتطرف يرفض الآخرين ويرفض الدولة. أما بالنسبة لقانون الإرهاب فأرى بالفعل أن هناك تأخيرا متعمدا بالرغم من أننا نعرف منذ سنتين أن قانون 2003 غير متأقلم مع حقوق الإنسان. الحقيقة أن طرح مسألة وجوب تناغمه مع حقوق الإنسان لتبرير التأخير مسألة مفتعلة لأنه من السهل حلها وبسرعة لو وجدت إرادة سياسية. يوجد تعريف دولي للإرهاب مثلا لم يتم اعتماده. مناقشة إدراج تجارة السلاح بالإرهاب أو لا والتردد في قبولها يعطينا مثالا على استراتيجيا ربح الوقت. تجب الإشارة كذلك إلى أن بعض النواب الذين غابوا عن المعركة الحقيقية من أجل حقوق الإنسان عند مناقشة الدستور نجدهم اليوم من أكبر المتحمسين للدفاع عنها في هذا القانون. النائب سمير بن عمر يجسد قمة هذه الانتهازية عندما قال بأن قانون الإرهاب يشجع على الإرهاب لأنه يمنع الإعدام. فكأنه يستغل النقاش الحالي لفتح ملف آخر غير الإرهاب.
أثارت تصريحات قيادي بنقابة أمنية جدلا واسعا حول سوء التعامل مع المعلومة الأمنية حتى أن وزارة الدفاع لوحت بمقاضاته، كيف تفسر ذلك؟
ليست لي معطيات كي أتناول جانب المحتوى الذي ورد في هذه الوثيقة. لكنني أريد التأكيد على جملة من النقاط. أولها بالفعل أنه يوجد خلل ليس بين المؤسسات فقط بل داخل المؤسسة الواحدة. وثيقة البراهمي وإخفاء التقرير البالستي في قضية شكري بلعيد ورصد مخيم كشفي على أنه مركز تدريب عسكري تؤكد ذلك. المشكل الثاني أننا لم نسمع عن هذا التقرير إلا بعد فوات الأوان. من جهة أخرى هناك ملاحظة مهمة فحواها أن كل ما قيل على أساس أنه تسريبات أو معلومات خطيرة من طرف النقابات الأمنية تأكدت صحته، وهذا ما يطرح لغزا قد يحله القضاء العسكري.
تعالت عدة أصوات تدعو إلى الوحدة وعدم الحط من معنويات المؤسسة الأمنية ومؤسسة الجيش، بعيدا عن بلاتوهات التلفزات فما الذي يجب فعله لرفع معنويات جيشنا وقدراته ؟
شعار الوحدة ضد الإرهاب أصبح شماعة لطمس دور البعض في انتشاره. لا بد من تحمل المسؤوليات قبل كل شيء خاصة أن بعض الأطراف ما زالت تدافع ولو بشكل غير مباشر عن مبررات الإرهاب ولكم في تصريحات الحبيب خضر مثال على الشحن ضد الدولة وإظهارها بموقف المعادي للعبادات. ثم يجب أن نفهم أن قضية الإرهاب قضية وطنية ويجب أن نتحدث فيها وعلى الصحفيين أن يتناولوا الموضوع بكل حرية. المشكل الذي لم يفهمه المسؤولون الأمنيون أن وراء ما يمكن تسميته بالانفلات الإعلامي حول الإرهاب ثلاثة عوامل. أولا أن هؤلاء المسؤولين غير متعودين على التعاطي الإعلامي الحر بهذه الكيفية. ثانيا يجب الإقرار بأن السياسة التواصلية للسطات الأمنية ضعيفة ولا ترتقي إلى مستوى التحديات وما تقتضيه الحرب على الإرهاب. عديد المعلومات التي قدمتها وزارة الداخلية تبين في ما بعد أنها غير دقيقة. ثالثا لا يمكننا أن ننكر وجود خلل في سير المؤسسة الأمنية كما ذكرت سابقا من خلال أمثلة وثيقة البراهمي وإخفاء التقرير البالستي. مختلف هذه العوامل تجعل من التسريبات التي تغذي المادة الإعلامية مسألة طبيعية. حسب رأيي.
أما بالنسبة لرفع معنويات الجيش فأنا ضد هذه العبارة في الحقيقة وأعتقد أنه لا يجب استعمالها. فكأننا سلمنا بأن معنويات الجيش منهارة ويجب مساعدته على رفعها. هذا غير صحيح لأن معنوياته مرتفعة وحرفيته تجعل من ارتفاع معنوياته مسألة بديهية وقيادته تعلم ذلك. المؤسسة العسكرية تحتاج إلى التفاف وطني حولها من خلال المساندة الشعبية والسياسية خاصة انها مرهقة منذ قيام الثورة بسبب عدم الاستقرار. المؤسسة العسكرية في حاجة إلى عتاد وإلى تجهيز في مستوى المتطلبات الميدانية للحرب الجديدة. ثم أخيرا هي في حاجة إلى إسناد المؤسسة الأمنية لكن دون إخلالاتها التسييرية كما بينا وكذلك هي في حاجة إلى قرار سياسي واضح بشن حرب شاملة على الإرهاب.
يحمّل البعض مسؤولية تنامي الإرهاب إلى حكومتي الترويكا وخاصة إلى بعض قيادات «النهضة» فهل أنت مع هذا التشخيص؟
أعتقد أن السؤال المطروح في تونس حول أن نحمل حكومة «الترويكا» النهضوية مسؤولية الإرهاب أو لا نحمّلها ينطلق من خلل منهجي. فهو يفترض أن الإرهاب جاء متزامنا مع حدث سياسي بعينه والحال أن هذه الظاهرة أشمل. ولهذا السبب نجد رأيين متعارضين. واحد يحمل المسؤولية مباشرة ل «الترويكا» النهضوية وبالتالي ينسى الأبعاد الأخرى للظاهرة. ثم تيار ثان يحاول أن يبعد مسؤولية «الترويكا» من منطق سياسي ولو أنه يبرر موقفه هذا بعدم تسييس القضية واستغلالها سياسيا. وهذا موقف مجموعة البحث المكلفة بدراسة التيار الجهادي داخل مركز الدراسات الاستراتيجية والتي تدافع في الواقع عن رؤية سياسية مغلفة بمنطق تعقد الظاهرة. لذلك أرى أن مواقف هذا المركز هي نموذج للتعتيم المعرفي عن الإرهاب. أعتقد أن الدراسة الموضوعية لظاهرة الإرهاب يجب أن تنطلق من ثلاثة مستويات. مستوى ما يمكن تسميته بالعرض، أي الفكر الجهادي كموقف سياسي تتم الدعوة إليه ويمكن أن نفهمه في إطار تشكله التاريخي والجيوستراتيجي (منذ الحرب الأفغانية). ثم مستوى ثان هو مستوى الطلب والمتمثل في الشباب المقبل على هذا العرض أي الفكر الجهادي وما يتطلبه من دراسة لمستواهم الدراسي وجذورهم الاجتماعية. لكن مستوي العرض والطلب لا يدرسان في المطلق بل ضمن إطار سياسي وأمني داخلي وعالمي. وهذا ما يريد في الحقيقة تغييبه بعض من يدافع عن «الترويكا» بحجة الاقتصار على البعد الاجتماعي والأمني. الوضع السياسي بعد 23 أكتوبر ساهم بشكل مباشر في دفع الإرهاب وفي انتشاره وليس في نشأته. لكن تهاون السلطات الأمنية والسياسية مكنته من الانتشار كخطر أمني. كيف يمكن أن ندرس تغول الإرهاب في تونس دون أن نذكر بأن وزير الداخلية علي العريض غطى على وجود مراكز للتدريب؟ كيف يمكن أن ننكر تهاون السلطات الأمنية عن دخول السلاح؟ كيف يمكن أن ننكر تغول الإرهاب في تونس دون أن نطرح السؤال حول غض حكومة «الترويكا» الطرف عن عمل الجمعيات الدعوية؟ كيف ندرس تغول الإرهاب في تونس وراشد الغنوشي يطلب من الجهاديين الانتظار لأن الجيش غير مضمون. «الترويكا» وعلى رأسها «النهضة» تتحمل على الأقل المسؤولية السياسية والأخلاقية في انتظار الكشف عن أبعاد جزائية.
ما الذي تنتظره من المؤتمر الوطني للإرهاب؟
لا أنتظر شيئا لثلاثة أسباب. أولا لأن مقاومة الإرهاب تتطلب دولة قوية وخطابا سياسيا قوي وهذا غير موجود الآن ونأمل في إيجاده في الانتخابات المقبلة. ثانيا الكل ينادي بمؤتمر وطني حول الإرهاب وكأنه أصبح شماعة تبيض عليها مسؤوليات البعض. ثالثا وعلى المستوى التقني توجد اختلافات عميقة بين الأطراف السياسية مما يجعلها ستخرج بحلول توافقية عرجاء وغير مجدية. وسائل مقاومة الإرهاب في كل دول العالم معروفة ولسنا أول دولة.
ما موقفك من دعوة قائد السبسي التمديد في آجال التسجيل للانتخابات؟
تمديد آجال التسجيل أمر مفروض منه خاصة أن الهيئة المستقلة للانتخابات اعترفت بمسؤوليتها عن بعض الإخلالات خاصة التقنية منها. يعني أن الهيئة مجبرة على تعويض ذلك الوقت. وهذا ينطبق خاصة على التونسيين في الخارج والذين وجدوا صعوبات كبيرة في التسجيل خاصة بسبب بعدهم عن القنصليات. لكن هذا لا يعني تأجيلا للانتخابات وهذا ما تتفق عليه أغلب الأحزاب. لكن في نفس الوقت لا بد من الوقوف على نوع من المقايضة التي تطرح عدة أسئلة. فقد أضاع المجلس التأسيسي وقتا كبيرا ووضع لجنة بات من الواضح أنها دون مستوى التحديات والأهداف. كما أن ضرب العملية الانتخابية بدأ قبل ذلك من خلال رفض التمديد للجنة كمال الجندوبي ولو لإتمام عملية التسجيل. وبذلك جئنا في وقت متأخر وأصبحت المعادلة إما أن نلتزم بالمواعيد وبالجوانب القانونية حتى لو تم إقصاء عدد كبير من التونسيين من حقهم في الانتخاب أو أن نضمن انتخابات تجمع أكبر عدد من التونسيين ونعطي لنتائجها سندا شعبيا وقاعدة قوية. لكن يبدو أن أنصار الجوانب التقنية غير معنيين بهذا السند الشعبي، هذا إن لم يكن هناك سعي أصلا من أجل انتخابات ضعيفة شعبيا. أرى أن هناك نية سياسية من قوى «الترويكا» وأحوازها لإفراغ الانتخابات المقبلة من محتواها كاختيار شعبي لهذا الطرف أو ذاك من القوى السياسية التي قد تكون معارضة لها. ربما لن يتقبل البعض تلك اللحظة التي يختار فيها شعب مسلم قوى سميت علمانية ويترك أحزابا جعلت من حماية الإسلام رأس مالها السياسي.
يقال كلام كثير عن تزكية «النهضة» لهذا المرشح أو ذاك وعن مباركة أمريكية لهذا المرشح أو لآخر، إلى أي مدى يمكن الحديث عن إستقلالية القرار الوطني في ما يتعلق بإختيار الرئيس القادم؟
أولا فكرة رئيس توافقي جاءت من حزب يشهد فراغا سياسيا كما يفتقر إلى زعامات كاريزمية نوعية قادرة على خوض رهان الرئاسيات. فمن المفارقات في عالم السياسة أن تجد حزبا يقدم نفسه على أنه أكبر قوة سياسية ويفتقر إلى مرشح للرئاسة. ثانيا فكرة الرئيس التوافقي ربما تدخل ضمن ما أشرت إليه من رغبة في إفراغ الانتخابات من محتواها كاختيار شعبي حر. ثالثا كيف يمكن أن نبني ديمقراطية بحرمان الشعب من حقه في الاختيار؟ رابعا يوجد إشكال تقني في حال التوافق. فما فائدة الانتخاب عندها وهل سنجري انتخابات يعرف الكل أنها إجماع؟ أعتقد فكرة الرئيس التوافقي هي تغيير للانتخاب بما يشبه البيعة. نحن لسنا في سقيفة بني ساعدة.
كيف تتوقع أن يكون المشهد السياسي في قادم الايام؟ هل ستنتصر الروح البورقيبية ومدنية الدولة ام يواصل الاسلام السياسي صولاته وجولاته في تونس ؟
أعتقد أنه لا بد من توضيح بعض المسائل قبل الإجابة عن السؤال. أولا المواجهة اليوم ليست بين الإسلام السياسي والروح البورقيبية. هذه القراءة يروجها بعض الإسلاميين لضرب بعض رموز الحداثة في البلاد. الرهان اليوم هو بين مشروع الدولة الحديثة بما يعنيه من عقلنة تسيير الشأن العام وعقلنة تسيير جهاز الدولة وعقلنة العلاقة بين الأنشطة الاجتماعية في إطار استقلاليتها (النشاط السياسي، النشاط الثقافي، النشاط الديني...). ثانيا الحداثة التونسية سابقة لبورقيبة وتدخل ضمن سياق تاريخي كامل ابتدأ من إصلاحات النصف الأول من القرن التاسع عشر وتواصل خلال الفترة الاستعمارية وبورقيبة يدخل ضمن هذا التيار التاريخي. لكن لا أحد ينكر دور الشخص هنا من خلال تكوينه وسعة ثقافته ونظرته البعيدة وخاصة شجاعته السياسية في إدراج إصلاحات تحديثية مهمة. ثالثا المدنية هي مظهر من مظاهر التسيير العقلاني للدولة وليست موقفا إيديولوجيا كما يريد البعض تصويره. أما الإسلام السياسي، وهو اعتبار الإسلام مشروعا سياسيا في إطار الدولة، فقد ظهر في الحقيقة في أواسط القرن التاسع عشر كرد فعل محافظ أمام الإصلاحات الدولتية المتولدة عن عهد التنظيمات. فالأطراف الاجتماعية التقليدية لم تقبل مثلا احتكار الدولة للتشريع ولذلك بدأت في إبراز مفهوم الشريعة كمنظومة قانونية بديلة عن منظومة الدولة. كما أن الدولة الحديثة أنتجت طبقة بيروقراطية عوضت الأئمة والفقهاء والقضاة التقليديين. لكن هذا الخط المحافظ بقي مكبوتا وراء جبروت دولة البايات وغيب نسبيا زمن الاستعمار بفعل هيمنة الحركة الوطنية ثم همش بعد الاستقلال. بعد الثورة شهدنا ما يشبه بعودة المكبوت التاريخي. لكن تجربة الحكم بعد 23 أكتوبر بينت أن الإسلام السياسي طوباوية تستفيد من النظرة الأخلاقية للسياسة في مجتمعاتنا. ومستقبل الإسلام السياسي هو التوطين بما يعنيه من عقلنة وعلمنة أو الاندثار.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.