انخفاض في جرحى حوادث المرور    مناقشة مقترح النظام الاساسي للصحة    مصطفى عبد الكبير: "معلومات شبه مؤكدة بوجود المفقودين في مركب هجرة غير نظامية غادر سواحل صفاقس الاثنين الماضي، في التراب الليبي"    بوعرقوب: انطلاق موسم الهندي الأملس    مصر تعلن تَأَثّرها بالهجوم السيبراني على مطارات أوروبا    رابطة الأبطال ...الترجي بخبرة الكِبار والمنستير لاسعاد الأنصار    كاس الكنفدرالية: الملعب التونسي يفوز على الجمعية الثقافية نواذيبو الموريتانية 2-صفر    تونس تشارك في بطولة العالم لألعاب القوى لحاملي الاعاقة بالهند من 26 سبتمبر الى 5 اكتوبر ب11 متسابقا    منوبة : انتشال جثتى شقيقين حاولا انقاذ كلبة من الغرق    أولا وأخيرا... سعادتنا على ظهور الأمّهات    تونس ضيف شرف مهرجان بورسعيد السينمائي الدولي: درة زروق تهدي تكريمها إلى فلسطين    في تظاهرة غذائية بسوسة ...«الكسكسي» الطبق الذي وحّد دول المغرب العربي    عاجل: إيقاف اكثر من 20 ''هبّاط'' في تونس    وزير خارجية ألماني أسبق: أوروبا مجبرة على التفاوض مع تونس بشأن ملف الهجرة    عاجل: إنهيار سقف اسطبل يتسبب في وفاة شاب وإصابة آخر    عاجل: الأمطار تعمّ أغلب مناطق تونس خلال الفترة القادمة    العائلة والمجتمع: ضغوط تجعل الشباب التونسي يرفض الزواج    الكاف.. معرض لمنتوجات المجامع الفلاحية    شبهات فساد تُطيح بموظّفين في بنك الدم بالقصرين: تفاصيل    عاجل: شيرين عبد الوهاب أمام القضاء    جمال المدّاني: لا أعيش في القصور ونطلع في النقل الجماعي    كل نصف ساعة يُصاب تونسي بجلطة دماغية...نصائح لإنقاذ حياتك!    التيار الشعبي يدعو الى المشاركة في اضراب عالمي عن الطعام دعما لغزة    التنس: تأهل معز الشرقي الى نهائي بطولة سان تروبيه للتحدي    كرة اليد: منتخب الصغريات يتأهل إلى نهائي بطولة افريقيا    بنزرت: تنفيذ اكثر من 80 عملية رقابية بجميع مداخل ومفترقات مدينة بنزرت وتوجيه وإعادة ضخ 22,6 طنا من الخضر والغلال    مسرحية "على وجه الخطأ تحرز ثلاث جوائز في مهرجان صيف الزرقاء المسرحي العربي    "أمامكم 24 ساعة فقط".. كبرى الشركات الأمريكية توجه تحذيرا لموظفيها الأجانب    تحذير هام: تناول الباراسيتامول باستمرار يعرّضك لهذه الأمراض القاتلة    عاجل: وفاة عامل بمحطة تحلية المياه تابعة للصوناد في حادث مرور أليم    هذا ما تقرّر ضد فتاة أوهمت شبّانا بتأشيرات سفر إلى الخارج.. #خبر_عاجل    معاناة صامتة : نصف معيني مرضى الزهايمر في تونس يعانون من هذه الامراض    زغوان: غلق مصنع المنسوجات التقنية "سيون" بالجهة وإحالة 250 عاملا وعاملة على البطالة    سليانة: وضع 8 ألاف و400 قنطار من البذور منذ بداية شهر سبتمبر    رابطة الأبطال الافريقية: الترجي الرياضي والاتحاد المنستيري من أجل قطع خطوة هامة نحو الدور الثاني    كتائب القسام تنشر "صورة وداعية" للأسرى الإسرائيليين إبان بدء العملية في غزة    غدا الأحد: هذه المناطق من العالم على موعد مع كسوف جزئي للشمس    الاحتلال الإسرائيلي يغتال عائلة مدير مجمع الشفاء في غزة    عاجل/ بشائر الأمطار بداية من هذا الموعد..    بنزرت: حجز أطنان من اللحوم والمواد الغذائية المخزّنة في ظروف غير صحية    تكريم درة زروق في مهرجان بورسعيد السينمائي    عاجل/ ترامب يُمهل السوريين 60 يوما لمغادرة أمريكا    لكلّ من فهم بالغالط: المغرب فرضت ''الفيزا'' على هؤلاء التوانسة فقط    صرف الدفعة الأولى من المساعدات المالية بمناسبة العودة المدرسية في هذا الموعد    الكاف: قافلة صحية تحت شعار "صحتك في قلبك"    أكثر من 100 ألف تونسي مصاب بالزهايمر ومئات الآلاف من العائلات تعاني    لماذا يضعف الدينار رغم نموّ 3.2 بالمائة؟ قراءة معمّقة في تحليل العربي بن بوهالي    "يوتيوب" يحظر حساب مادورو    عاجل/ عقوبة سجنية ضد الشاب الذي صوّب سلاحا مزيّفا تجاه أعوان أمن    بعد موجة من الانتقادات.. إيناس الدغيدي تلغي حفل زفافها وتكتفي بالاحتفال العائلي    اليوم: استقرار حراري وأمطار محدودة بهذه المناطق    القيروان.. 7 مصابين في حادث مرور    استراحة «الويكاند»    عاجل/ البنك التونسي للتضامن: إجراءات جديدة لفائدة هؤلاء..    ما تفوتهاش: فضائل قراءة سورة الكهف يوم الجمعة!    الرابطة المحترفة الاولى : حكام مباريات الجولة السابعة    وخالق الناس بخلق حسن    يا توانسة: آخر أيام الصيف قُربت.. تعرف على الموعد بالضبط!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. عادل اللطيفي ل «التونسية»: شعار الوحدة ضد الإرهاب أصبح شماعة لطمس دور البعض في انتشاره
نشر في التونسية يوم 22 - 07 - 2014


المساجد لم تعد أماكن للعبادة
هل يمكن بناء ديمقراطية بحرمان الشعب من حقه في الاختيار؟
لل «ترويكا» نية إفراغ الانتخابات من محتواها
الجيش في حاجة إلى قرار سياسي لشن حرب شاملة على الإرهابيين
حوار: أسماء وهاجر
برز الدكتور عادل لطيفي أصيل فريانة من ولاية القصرين والمفكر اليساري أستاذ تاريخ العالم العربي المعاصر بجامعة باريس الثالثة بمواقفه في النقاش السياسي الدائر منذ 14جانفي 2011 دون أن يحصر نفسه في لون حزبي أو سياسي ولكنه لم يتردد لحظة في الدفاع عن مدنية الدولة .
وعادل لطيفي خريج دار المعلمين العليا بسوسة، ناضل صلب الإتحاد العام لطلبة تونس، وعمل مدرّسا بفريانة مسقط رأسه سنوات 1990-1995.
ناقش أطروحة دكتورا سنة 2001 حول تاريخ الزاوية التليلية بفريانة والطرق الصوفية في العصر الحديث والمعاصر. صدرت له بفرنسا ثلاث دراسات علمية عن الإسلام في بلاد المغرب كما صدرت له مقالات بجريدتي «البيان» و«أخبار العرب» بالإمارات العربية المتحدة ،وهو كاتب بموقع «الجزيرة» نات منذ سنة 2004 . «التونسية» التقته في حوار خاص تطرقت فيه معه الى العديد من النقاط الساخنة على الساحة السياسية منها قراءته للحادثة الارهابية الاخيرة بهنشير التلة والاجراءات التي اتخذتها الحكومة بعد الواقعة الأليمة ورأيه في تعاطي الاعلام مع الارهاب الى جانب رأيه في مبادرة «النهضة» حول ترشيح شخصية توافقية لرئاسة البلاد واقتراح الباجي قائد السبسي التمديد في آجال التسجيل للانتخابات وغيرها من المواضيع الاخرى.
كيف تقرأ الجريمة الإرهابية الأخيرة في هنشير التلة؟
هذه العملية تطرح علينا عديد الأسئلة ويجب أن نقف لحظة صراحة مع النفس كي نتمكن من رصد الخلل دون أن يعني ذلك التشكيك في جهود قوات الأمن والجيش. العملية مباغتة لكن لا يمكننا أن نتحدث عن عملية مباغتة في ساحة حرب. استعمال القنابل اليدوية يعني أن الإرهابيين كانوا قريبين من المعسكر ولم يتم التفطن إليهم. التقرير الجزائري يطرح كذلك أكثر من سؤال حول محتواه وحول الطريقة التي تم التعامل بها معه. الجانب الآخر الخطير حسب رأيي هو أن بعض الإرهابيين الذين شاركوا قدموا من القصرين حسب بعض الأنباء. وهذا يجعل من فضاء الحياة المدنية أرضية خلفية للإرهاب. وبالتالي لا بد للسلطات الأمنية أن تنتبه إلى وضعية بعض الأحياء سواء في المدن الكبرى أو في المدن الداخلية.
أعلن رئيس الحكومة جملة من القرارات العاجلة منها غلق المساجد المارقة ومؤسسات اعلامية تحرض على الارهاب هل تعتقد ان لمثل هذه الاجراءات جدوى ؟
هذه الإجراءات الزجرية أمر مطلوب منذ مدة لكن السلطة تأخرت للأسف في القيام بها. طرح البعض إشكالية حرية التعبير في مسألة غلق ما سمي ب«مؤسسات إعلامية» تحرض على العنف. وتم إدراج هذه الإجراءات في خانة التعدي على حرية الصحافة وعلى حقوق الإنسان. علينا أن نفهم أن الوضع دقيق ويتطلب إجراءات عاجلة تذكر على الأقل بسلطة الدولة. من جهة ثانية لا يستقيم الحديث عن الحريات دون الحديث عن إطارها وهو التنظيم الدولتي الذي تضبطه قوانين وتشرف عليه مؤسسات. المشكل اليوم أن هذه القوانين تجد صعوبة في تطبيقها كما أن المؤسسات ومنها الداخلية والعدل تشهد إخلالا تسييريا يحد من فاعليتها. زد على ذلك أن «الهايكا» لم تقم بأي إجراء من شأنه أن يفرضها كسلطة. وبالتالي لا بد من إعادة ترتيب وضعية المؤسسات وتفعيل القانون بما يتماشى وحالة الحرب الاستثنائية التي نعيشها. في مسألة غلق بعض المساجد علق الحبيب خضر بأن في ذلك مساسا بحق العبادة ومسا بالدستور. لكن يبدو أن السيد النائب نسي بأن هذه المساجد لم تعد أماكن عبادة بل أصبحت وللأسف فضاءات للدعوة إلى العنف ولتأطير الشباب. يعني أن الغلق يستهدف وظيفة إرهابية مستحدثة ريثما تعود العبادة التي تم إقصاؤها.
ما تعليقك على تصريح الأستاذة رجاء بن سلامة «الإرهاب في حرب علينا ونحن في سلام معه» واتهامها المجلس التأسيسي بالتباطؤ في المصادقة على قانون الإرهاب ؟
قد تكون الأستاذة رجاء بن سلامة تقصد بأن الإرهاب، وربما القصد هنا الإرهابيون، هو من يبادر باستهداف الوطن والمواطنين. هؤلاء (مجموعة سليمان) تمتعوا بعد الثورة بالعفو التشريعي العام والدولة التي متعتهم به كانت أول المستهدفين باعتبارها طاغوتا حسب تفكيرهم. لكن في الجهة المقابلة لم يهاجم أحد هؤلاء المتشددين وكانوا يقومن بخيماتهم الدعوية ولكن في نفس الوقت يكدس البعض منهم السلاح ويهاجمون المقاهي والنزل والحانات. هذا الفكر المتطرف يرفض الآخرين ويرفض الدولة. أما بالنسبة لقانون الإرهاب فأرى بالفعل أن هناك تأخيرا متعمدا بالرغم من أننا نعرف منذ سنتين أن قانون 2003 غير متأقلم مع حقوق الإنسان. الحقيقة أن طرح مسألة وجوب تناغمه مع حقوق الإنسان لتبرير التأخير مسألة مفتعلة لأنه من السهل حلها وبسرعة لو وجدت إرادة سياسية. يوجد تعريف دولي للإرهاب مثلا لم يتم اعتماده. مناقشة إدراج تجارة السلاح بالإرهاب أو لا والتردد في قبولها يعطينا مثالا على استراتيجيا ربح الوقت. تجب الإشارة كذلك إلى أن بعض النواب الذين غابوا عن المعركة الحقيقية من أجل حقوق الإنسان عند مناقشة الدستور نجدهم اليوم من أكبر المتحمسين للدفاع عنها في هذا القانون. النائب سمير بن عمر يجسد قمة هذه الانتهازية عندما قال بأن قانون الإرهاب يشجع على الإرهاب لأنه يمنع الإعدام. فكأنه يستغل النقاش الحالي لفتح ملف آخر غير الإرهاب.
أثارت تصريحات قيادي بنقابة أمنية جدلا واسعا حول سوء التعامل مع المعلومة الأمنية حتى أن وزارة الدفاع لوحت بمقاضاته، كيف تفسر ذلك؟
ليست لي معطيات كي أتناول جانب المحتوى الذي ورد في هذه الوثيقة. لكنني أريد التأكيد على جملة من النقاط. أولها بالفعل أنه يوجد خلل ليس بين المؤسسات فقط بل داخل المؤسسة الواحدة. وثيقة البراهمي وإخفاء التقرير البالستي في قضية شكري بلعيد ورصد مخيم كشفي على أنه مركز تدريب عسكري تؤكد ذلك. المشكل الثاني أننا لم نسمع عن هذا التقرير إلا بعد فوات الأوان. من جهة أخرى هناك ملاحظة مهمة فحواها أن كل ما قيل على أساس أنه تسريبات أو معلومات خطيرة من طرف النقابات الأمنية تأكدت صحته، وهذا ما يطرح لغزا قد يحله القضاء العسكري.
تعالت عدة أصوات تدعو إلى الوحدة وعدم الحط من معنويات المؤسسة الأمنية ومؤسسة الجيش، بعيدا عن بلاتوهات التلفزات فما الذي يجب فعله لرفع معنويات جيشنا وقدراته ؟
شعار الوحدة ضد الإرهاب أصبح شماعة لطمس دور البعض في انتشاره. لا بد من تحمل المسؤوليات قبل كل شيء خاصة أن بعض الأطراف ما زالت تدافع ولو بشكل غير مباشر عن مبررات الإرهاب ولكم في تصريحات الحبيب خضر مثال على الشحن ضد الدولة وإظهارها بموقف المعادي للعبادات. ثم يجب أن نفهم أن قضية الإرهاب قضية وطنية ويجب أن نتحدث فيها وعلى الصحفيين أن يتناولوا الموضوع بكل حرية. المشكل الذي لم يفهمه المسؤولون الأمنيون أن وراء ما يمكن تسميته بالانفلات الإعلامي حول الإرهاب ثلاثة عوامل. أولا أن هؤلاء المسؤولين غير متعودين على التعاطي الإعلامي الحر بهذه الكيفية. ثانيا يجب الإقرار بأن السياسة التواصلية للسطات الأمنية ضعيفة ولا ترتقي إلى مستوى التحديات وما تقتضيه الحرب على الإرهاب. عديد المعلومات التي قدمتها وزارة الداخلية تبين في ما بعد أنها غير دقيقة. ثالثا لا يمكننا أن ننكر وجود خلل في سير المؤسسة الأمنية كما ذكرت سابقا من خلال أمثلة وثيقة البراهمي وإخفاء التقرير البالستي. مختلف هذه العوامل تجعل من التسريبات التي تغذي المادة الإعلامية مسألة طبيعية. حسب رأيي.
أما بالنسبة لرفع معنويات الجيش فأنا ضد هذه العبارة في الحقيقة وأعتقد أنه لا يجب استعمالها. فكأننا سلمنا بأن معنويات الجيش منهارة ويجب مساعدته على رفعها. هذا غير صحيح لأن معنوياته مرتفعة وحرفيته تجعل من ارتفاع معنوياته مسألة بديهية وقيادته تعلم ذلك. المؤسسة العسكرية تحتاج إلى التفاف وطني حولها من خلال المساندة الشعبية والسياسية خاصة انها مرهقة منذ قيام الثورة بسبب عدم الاستقرار. المؤسسة العسكرية في حاجة إلى عتاد وإلى تجهيز في مستوى المتطلبات الميدانية للحرب الجديدة. ثم أخيرا هي في حاجة إلى إسناد المؤسسة الأمنية لكن دون إخلالاتها التسييرية كما بينا وكذلك هي في حاجة إلى قرار سياسي واضح بشن حرب شاملة على الإرهاب.
يحمّل البعض مسؤولية تنامي الإرهاب إلى حكومتي الترويكا وخاصة إلى بعض قيادات «النهضة» فهل أنت مع هذا التشخيص؟
أعتقد أن السؤال المطروح في تونس حول أن نحمل حكومة «الترويكا» النهضوية مسؤولية الإرهاب أو لا نحمّلها ينطلق من خلل منهجي. فهو يفترض أن الإرهاب جاء متزامنا مع حدث سياسي بعينه والحال أن هذه الظاهرة أشمل. ولهذا السبب نجد رأيين متعارضين. واحد يحمل المسؤولية مباشرة ل «الترويكا» النهضوية وبالتالي ينسى الأبعاد الأخرى للظاهرة. ثم تيار ثان يحاول أن يبعد مسؤولية «الترويكا» من منطق سياسي ولو أنه يبرر موقفه هذا بعدم تسييس القضية واستغلالها سياسيا. وهذا موقف مجموعة البحث المكلفة بدراسة التيار الجهادي داخل مركز الدراسات الاستراتيجية والتي تدافع في الواقع عن رؤية سياسية مغلفة بمنطق تعقد الظاهرة. لذلك أرى أن مواقف هذا المركز هي نموذج للتعتيم المعرفي عن الإرهاب. أعتقد أن الدراسة الموضوعية لظاهرة الإرهاب يجب أن تنطلق من ثلاثة مستويات. مستوى ما يمكن تسميته بالعرض، أي الفكر الجهادي كموقف سياسي تتم الدعوة إليه ويمكن أن نفهمه في إطار تشكله التاريخي والجيوستراتيجي (منذ الحرب الأفغانية). ثم مستوى ثان هو مستوى الطلب والمتمثل في الشباب المقبل على هذا العرض أي الفكر الجهادي وما يتطلبه من دراسة لمستواهم الدراسي وجذورهم الاجتماعية. لكن مستوي العرض والطلب لا يدرسان في المطلق بل ضمن إطار سياسي وأمني داخلي وعالمي. وهذا ما يريد في الحقيقة تغييبه بعض من يدافع عن «الترويكا» بحجة الاقتصار على البعد الاجتماعي والأمني. الوضع السياسي بعد 23 أكتوبر ساهم بشكل مباشر في دفع الإرهاب وفي انتشاره وليس في نشأته. لكن تهاون السلطات الأمنية والسياسية مكنته من الانتشار كخطر أمني. كيف يمكن أن ندرس تغول الإرهاب في تونس دون أن نذكر بأن وزير الداخلية علي العريض غطى على وجود مراكز للتدريب؟ كيف يمكن أن ننكر تهاون السلطات الأمنية عن دخول السلاح؟ كيف يمكن أن ننكر تغول الإرهاب في تونس دون أن نطرح السؤال حول غض حكومة «الترويكا» الطرف عن عمل الجمعيات الدعوية؟ كيف ندرس تغول الإرهاب في تونس وراشد الغنوشي يطلب من الجهاديين الانتظار لأن الجيش غير مضمون. «الترويكا» وعلى رأسها «النهضة» تتحمل على الأقل المسؤولية السياسية والأخلاقية في انتظار الكشف عن أبعاد جزائية.
ما الذي تنتظره من المؤتمر الوطني للإرهاب؟
لا أنتظر شيئا لثلاثة أسباب. أولا لأن مقاومة الإرهاب تتطلب دولة قوية وخطابا سياسيا قوي وهذا غير موجود الآن ونأمل في إيجاده في الانتخابات المقبلة. ثانيا الكل ينادي بمؤتمر وطني حول الإرهاب وكأنه أصبح شماعة تبيض عليها مسؤوليات البعض. ثالثا وعلى المستوى التقني توجد اختلافات عميقة بين الأطراف السياسية مما يجعلها ستخرج بحلول توافقية عرجاء وغير مجدية. وسائل مقاومة الإرهاب في كل دول العالم معروفة ولسنا أول دولة.
ما موقفك من دعوة قائد السبسي التمديد في آجال التسجيل للانتخابات؟
تمديد آجال التسجيل أمر مفروض منه خاصة أن الهيئة المستقلة للانتخابات اعترفت بمسؤوليتها عن بعض الإخلالات خاصة التقنية منها. يعني أن الهيئة مجبرة على تعويض ذلك الوقت. وهذا ينطبق خاصة على التونسيين في الخارج والذين وجدوا صعوبات كبيرة في التسجيل خاصة بسبب بعدهم عن القنصليات. لكن هذا لا يعني تأجيلا للانتخابات وهذا ما تتفق عليه أغلب الأحزاب. لكن في نفس الوقت لا بد من الوقوف على نوع من المقايضة التي تطرح عدة أسئلة. فقد أضاع المجلس التأسيسي وقتا كبيرا ووضع لجنة بات من الواضح أنها دون مستوى التحديات والأهداف. كما أن ضرب العملية الانتخابية بدأ قبل ذلك من خلال رفض التمديد للجنة كمال الجندوبي ولو لإتمام عملية التسجيل. وبذلك جئنا في وقت متأخر وأصبحت المعادلة إما أن نلتزم بالمواعيد وبالجوانب القانونية حتى لو تم إقصاء عدد كبير من التونسيين من حقهم في الانتخاب أو أن نضمن انتخابات تجمع أكبر عدد من التونسيين ونعطي لنتائجها سندا شعبيا وقاعدة قوية. لكن يبدو أن أنصار الجوانب التقنية غير معنيين بهذا السند الشعبي، هذا إن لم يكن هناك سعي أصلا من أجل انتخابات ضعيفة شعبيا. أرى أن هناك نية سياسية من قوى «الترويكا» وأحوازها لإفراغ الانتخابات المقبلة من محتواها كاختيار شعبي لهذا الطرف أو ذاك من القوى السياسية التي قد تكون معارضة لها. ربما لن يتقبل البعض تلك اللحظة التي يختار فيها شعب مسلم قوى سميت علمانية ويترك أحزابا جعلت من حماية الإسلام رأس مالها السياسي.
يقال كلام كثير عن تزكية «النهضة» لهذا المرشح أو ذاك وعن مباركة أمريكية لهذا المرشح أو لآخر، إلى أي مدى يمكن الحديث عن إستقلالية القرار الوطني في ما يتعلق بإختيار الرئيس القادم؟
أولا فكرة رئيس توافقي جاءت من حزب يشهد فراغا سياسيا كما يفتقر إلى زعامات كاريزمية نوعية قادرة على خوض رهان الرئاسيات. فمن المفارقات في عالم السياسة أن تجد حزبا يقدم نفسه على أنه أكبر قوة سياسية ويفتقر إلى مرشح للرئاسة. ثانيا فكرة الرئيس التوافقي ربما تدخل ضمن ما أشرت إليه من رغبة في إفراغ الانتخابات من محتواها كاختيار شعبي حر. ثالثا كيف يمكن أن نبني ديمقراطية بحرمان الشعب من حقه في الاختيار؟ رابعا يوجد إشكال تقني في حال التوافق. فما فائدة الانتخاب عندها وهل سنجري انتخابات يعرف الكل أنها إجماع؟ أعتقد فكرة الرئيس التوافقي هي تغيير للانتخاب بما يشبه البيعة. نحن لسنا في سقيفة بني ساعدة.
كيف تتوقع أن يكون المشهد السياسي في قادم الايام؟ هل ستنتصر الروح البورقيبية ومدنية الدولة ام يواصل الاسلام السياسي صولاته وجولاته في تونس ؟
أعتقد أنه لا بد من توضيح بعض المسائل قبل الإجابة عن السؤال. أولا المواجهة اليوم ليست بين الإسلام السياسي والروح البورقيبية. هذه القراءة يروجها بعض الإسلاميين لضرب بعض رموز الحداثة في البلاد. الرهان اليوم هو بين مشروع الدولة الحديثة بما يعنيه من عقلنة تسيير الشأن العام وعقلنة تسيير جهاز الدولة وعقلنة العلاقة بين الأنشطة الاجتماعية في إطار استقلاليتها (النشاط السياسي، النشاط الثقافي، النشاط الديني...). ثانيا الحداثة التونسية سابقة لبورقيبة وتدخل ضمن سياق تاريخي كامل ابتدأ من إصلاحات النصف الأول من القرن التاسع عشر وتواصل خلال الفترة الاستعمارية وبورقيبة يدخل ضمن هذا التيار التاريخي. لكن لا أحد ينكر دور الشخص هنا من خلال تكوينه وسعة ثقافته ونظرته البعيدة وخاصة شجاعته السياسية في إدراج إصلاحات تحديثية مهمة. ثالثا المدنية هي مظهر من مظاهر التسيير العقلاني للدولة وليست موقفا إيديولوجيا كما يريد البعض تصويره. أما الإسلام السياسي، وهو اعتبار الإسلام مشروعا سياسيا في إطار الدولة، فقد ظهر في الحقيقة في أواسط القرن التاسع عشر كرد فعل محافظ أمام الإصلاحات الدولتية المتولدة عن عهد التنظيمات. فالأطراف الاجتماعية التقليدية لم تقبل مثلا احتكار الدولة للتشريع ولذلك بدأت في إبراز مفهوم الشريعة كمنظومة قانونية بديلة عن منظومة الدولة. كما أن الدولة الحديثة أنتجت طبقة بيروقراطية عوضت الأئمة والفقهاء والقضاة التقليديين. لكن هذا الخط المحافظ بقي مكبوتا وراء جبروت دولة البايات وغيب نسبيا زمن الاستعمار بفعل هيمنة الحركة الوطنية ثم همش بعد الاستقلال. بعد الثورة شهدنا ما يشبه بعودة المكبوت التاريخي. لكن تجربة الحكم بعد 23 أكتوبر بينت أن الإسلام السياسي طوباوية تستفيد من النظرة الأخلاقية للسياسة في مجتمعاتنا. ومستقبل الإسلام السياسي هو التوطين بما يعنيه من عقلنة وعلمنة أو الاندثار.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.