تعيش مدينة الكاف على وقع إيقافات متتالية في صفوف متهمين بالانتماء للتيار السلفي الجهادي ومتعاونين معه، فيما تتصاعد أدخنة حرائق لا تحصى في غابات البلوط والصنوبر غرب المدينة حتى حدود مدينة ساقية سيدي يوسف وشمالا حتى حدود ولاية جندوبة مرورا بغابات دشرة نبر. وصباح أمس، اسودت الجهة الغربية من سماء مدينة الكاف بأدخنة من حرائق مفاجئة شبت في الغابات الواقعة غرب المدينة حول حوض ملاق وجهة الحزيم على الطريق نحو مدينة الطويرف، وهي المنطقة التي يفترض أن إرهابيين يتحصنون بها غير بعيد عن التلال الغابية في ورغة. والغريب أن الناس في مدينة الكاف لا يبدون فزعين من هذه الحرائق، أو حتى من احتمالات تطور الأعمال الإرهابية، بعد سريان إشاعات مثيرة حول ظهور أشخاص يفترض أنهم إرهابيون في أطراف مدينة ساقية سيدي يوسف حاولوا اقتحام بعض البيوت. وفي مدينة ساقية سيدي يوسف، حضر سكان الأرياف بكثافة عادية إلى السوق الأسبوعية يوم السبت المنقضي دون أي اهتمام بالمخاطر ذلك أن عليهم أن يسلكوا الطرقات الريفية التي يسلكها الإرهابيون وسط غابات كثيفة جدا من أشجار الصنوبر والبلوط والضرو، حيث نصب الإرهابيون عدة كمائن للجيش الوطني خلفت أربعة شهداء. بفعل فاعل؟ بشكل متزامن وغريب، تمتد العديد من الحرائق الموضعية في ولايتي الكافوجندوبة، من أرياف معتمدية طبرقة نزولا عبر الحدود وخصوصا في المناطق التي يروج أن الإرهابيين يحتمون بها، مثل جبل الأحيرش شمال مدينة جندوبة، وخصوصا الجبال الواقعة بين مدن الكاف وساقية سيدي يوسف والطويرف ودشرة نبر، حيث تشتعل النيران في عدة أماكن في نفس الوقت، مما جعل أعوان الحماية المدنية يركزون جهودهم على حماية محيط التجمعات السكنية الريفية دون محاولات تذكر في مقاومة حرائق الجبال. أما في معتمدية طبرقة، فقد اجتازت النيران حدود الغابة إلى بعض المساكن الريفية في منطقة الروايسية والتهمت أكثر من 15 مسكنا ومحلات لإيواء الحيوانات مما جعل قوات الجيش الوطني تقسم جهدها بين محاصرة مداخل الجبال ومساعدة الحماية المدنية على إجلاء السكان المهددين يوم السبت الثاني من أوت. وفي معتمدية نبر، علت ألسنة نيران الحرائق طويلا شمال المدينة التي بدت محاصرة بالخطر من احتمال تحرك النار نحو أطراف المدينة خصوصا في ظل رياح الشهيلي القوية. وأحصى أحد ناشطي المجتمع المدني في الكاف أكثر من 26 نقطة حريق في ولاية الكاف وحدها خلال ثلاثة أيام، كلها في غابات غرب وشمال الولاية. وفسر لنا أحد ضباط الحماية المدينة بولاية الكاف بأن رياح الشهيلي التي هبت منذ يوم الجمعة بقوة وإصرار هي السبب في استمرار الحرائق وفي العجز عن إخمادها، لكنه رفض التعليق على ما يروج غرب ولاية الكاف بأن الحرائق التي نشبت في غابات النحال والبلوط كانت بفعل فاعل. والغريب أن أغلب هذه الحرائق تظل موضعية رغم قوة رياح الشهيلي بعد زوال السبت مما عزز الإشاعات التي تقول إنها بفعل فاعل، خصوصا بعد بلاغ رسمي حول إيقاف كهل في ولاية جندوبة اعترف أن «طرفا ما» لم يتم تحديده هو الذي دفع له المال لإضرام النار في الغابات. وباستثناء سكان المناطق الريفية المهددة مباشرة بالحريق، فقد أغلب الناس في المدن والقرى اهتمامهم بهذه الأحداث مقابل الحديث عن قائمة الموقوفين من السلفيين والمتهمين بالتعاون معهم وتموينهم، وقد بلغ هذا الاهتمام درجة الهوس وترويج الأخبار الزائفة مما اضطر بعض الأشخاص المعروفين إلى الظهور في الأماكن العامة لنفي الأخبار الرائجة عن إيقافهم بتهمة التورط في تموين الإرهابيين. غرباء في الساقية والحقيقة أن ثمة ما يبرر هذا الاهتمام الكبير من سكان ولاية الكاف الذين عاشوا أوقاتا صعبة وأحداثا محيرة لم يجدوا لها تفسيرا بدءا بالمواجهات العنيفة بين أنصار التيار السلفي في المدينة وقوات الأمن في حي أحمد الشريشي منتصف شهر رمضان والتي لم تسفر وقتها عن نتائج إيجابية تذكر، حتى أن بعض رموز التيار السلفي عادوا للظهور والتبجح بإفلاتهم، فيما تحدث بعض الشهود بمرارة عن عودة بعضهم للاحتفال باستشهاد وكيلي الجيش الوطني في آخر شهر رمضان في مسجد سلفي كانت السلط الأمنية قد أغلقته تنفيذا لقرار الحكومة بإغلاق المساجد غير الخاضعة لوزارة الشؤون الدينية. أما الأكثر إثارة في الجهة، فهي الشهادات التي قدمها عدد من سكان ساقية سيدي يوسف مؤخرا عن ظهور أشخاص غرباء في الفترة الواقعة بين منتصف الليل والفجر لمداهمة المنازل الواقعة في طرف المدينة، ويفترض الجميع أن هؤلاء الغرباء هم من- الإرهابيين المتحصنين بالغابات الكثيفة على بعد بضعة كيلومترات، ولأن السلط الأمنية لم تقبض على أحد بعد من هؤلاء، فقد انفتح المجال واسعا للإشاعات والأخبار الخيالية والإضافات التي لم نعثر لها على أثر ولا أصل، مثل حادثة ظهور إرهابيين مسلحين في هيئة أعوان الحرس لاعتراض طريق حافلة النقل العمومي الرابطة بين العاصمة وساقية سيدي يوسف عبر الطويرف بحثا عن أعوان أمن لقتلهم، أو عن إرهابي ظهر في الليل قبالة مركز أمن ملوحا بسلاحه لاستدراج الأعوان إلى خارج المدينة ونصب كمين لهم، وهي كلها أخبار لم نجد لها أي أصل. المزيد من المحققين والوسائل غير أن الأيام الأخيرة حملت أنباء سريعة عن حملة أمنية واسعة استهدفت المتهمين بالانتماء للتيار السلفي والمتعاونين مع الإرهابيين في الجبل، وقد تم فعلا إيقاف عدد كبير من الأشخاص، بعضهم كانت ورطته واضحة مثل شاب في العقد الرابع من العمر ضُبطت لديه 21 شريحة هاتف جوال، يفترض أنه كان سيخصصها للإرهابيين المحاصرين في الجبل، بالإضافة إلى آخرين يشبته في تورطهم في تشويه نصب الشهيد سقراط الشارني في المدخل الجنوبي لمدينة الكاف. كما ظهر محققون في مدينة ساقية سيدي يوسف للتحقيق مع المواطنين حول الأشخاص الغرباء في أطراف المدينة، واستمعوا بانتباه شديد إلى كل الشهادات وقدموا نصائح للانتباه لكل شخص مشبوه ولطرق تبليغ السلط الأمنية. وعموما، تبدو الصورة إيجابية في الأيام الأخيرة في ولاية الكاف، خصوصا بعد إيقاف أكثر من 15 شخصا من المشتبه بهم في النشاطات السلفية العنيفة والمواجهات مع الأمن في حي أحمد الشريشي، حيث يبدو الأمن مصمما أكثر مما مضى على مواجهة الظاهرة وضربها بقوة. وقد قال لنا ضابط بالحرس الوطني اشترط الاحتفاظ بهويته: «الناشطون في التيار السلفي في كامل ولاية الكاف لا يتجاوز عددهم 300 شخص، أقل من ثلثهم مورط عمليا في التعاون مع الإرهابيين، ونحن وسكان المدينة نعرفهم واحدا واحدا ونراهم يوميا أحيانا، ما ينقصنا الآن هي متطلبات التحقيق العدلي:المزيد من المحققين والمزيد من الوسائل لتوفير الحجج والأدلة التي تمكن من إحالتهم إلى القضاء ومحاكمتهم».