وصفت الحركة القضائية لسنة 2014 - 2015 ب«الضخمة» باعتبار أنها شملت 852 قاضيا من مختلف الرتب وبمختلف المحاكم مما يجعلها تضاهي من حيث اهميتها بل وتتجاوز عدد القضاة الذين شملتهم الحركة القضائية لسنة 2013-2014 والذي بلغ 781 قاضيا. وقد تم بموجب الحركة القضائية ترقية 114 قاضيا من الرتبة الاولى إلى الرتبة الثانية ويشكلون مجموع القضاة الذين قضّوا احدى عشرة سنة كاملة بالرتبة الاولى وجزءا هاما من القضاة الذين قضّوا 10 سنوات كاملة بالرتبة الأولى. كما تمت ترقية 70 قاضيا من الرتبة الثانية إلى الثالثة وهم ممن قضّوا ثمانية عشر عاما من العمل القضائي منها ست سنوات بالرتبة الثانية. كما مسّت الحركة القضائية على خلاف الحركة القضائية للسنة الماضية عددا هاما من الخطط القضائية السامية، فقد تم بموجبها تعيين مدير عام للدراسات والتشريع ومدّع عام للشؤون المدنية بوزارة العدل، كما شملت 36 خطة قضائية مخصصة لرؤساء الدوائر بالتعقيب و33 مسؤولا قضائيا أول بالمحاكم الإبتدائية والإستئنافية منهم 20 رئيس محكمة و13 مدّعيا عاما كما تم نقل وترقية اكثر من 215 قاضيا من قضاة الرتبة الثالثة و228 قاضيا من الرتبة الثانية و401 من قضاة الرتبة الاولى منهم 200 ملحق قضائي. كما ان استحداث محكمتي استئناف بسيدي بوزيد والقصرين أفرز حالات شغور هامة بالرتبتين الثانية والثالثة بما سمح بزيادة عدد القضاة الذين شملتهم الترقية خصوصا من الرتبة الأولى إلى الثانية. وتميزت هذه الحركة عن كل الحركات القضائية التي سبقتها باستبعاد أحكام الأمر العلي المؤرخ في 19-2- 1959 والذي يسند إلى رئيس المحكمة العقارية صلاحية إجراء الحركة الداخلية للمحكمة ليتم فرض ولاية الهيئة الوقتية للإشراف على القضاء العدلي على الحركة الداخلية للمحكمة العقارية. وقد أثارت الحركة القضائية لسنة 2014 التي نشرتها مؤخرا هيئة القضاء العدلي ردود افعال مختلفة، فقد اعتبر شقّ انها لا ترتقي إلى ما هو مطلوب وكانت أساسا محاباة لبعض القضاة على حساب الآخرين كما وصفوها بأنها حركة قضائية مسيّسة وجاءت للتنكيل ببعض القضاة خاصة الناشطين في المجال النقابي.، في حين اعتبرها البعض الأخر ان قد احترمت جلّ الطلبات التي تمسك بها القضاة ودافعوا عنها طيلة السنة القضائية المنقضية. موقف جمعية القضاة التونسيين من جهتها أكدت رئيسة جمعية القضاة روضة القرافي أنّ هيئة القضاء العدلي اتخذت في الحركة القضائية الحالية قرارات جريئة، مشيرة الى انّ هناك نيّة واضحة وجليّة لاصلاح المنظومة القضائية. وأكدت أن هيئة القضاء العدلي تمكنت من خلال الحركة القضائية من رفع مظالم عن عدد هامّ من القضاة الذين كانوا محرومين وقامت بتسوية جلّ الوضعيات، مشيرة الى أنّ الحركة القضائية ليست قرارات وامتيازات تهم الحياة المهنية للقضاة فحسب وإنما هي قرارا ت تتعلق أساسا بصفة جوهرية بالتأسيس لقضاء مستقل خلال المرحلة الانتقالية. واعتبرت رئيسة جمعية القضاة انّ الحركة القضائية لسنة 20142015 «مقبولة اجمالا»، لكنها لا تخلو من انتقادات خاصة في ما يتعلق بمسألة الملحقين القضائيين. ولاحظت أن الهيئة اعتمدت على توزيع الملحقين القضائيين حسب الترتيب في النتائج، مشيرة الى انّه لم يتمّ ادراج اي اصلاح في هذا الخصوص مع العلم انّ قرار الترتيب يعود اساسا الى قرار منفرد اما للمعهد الاعلى للقضاء أو الى رئيس المحكمة التي قضىّ فيها الملحق تربصه، وهي قرارات غير قابلة لا للطعن ولا للنقاش. وأفادت روضة القرافي أن هذا المعيار لا يستجيب لمتطلبات الثورة في المساواة بين الجهات. واعتبرت أنّ من أهمّ النقاط التي تثير الجدل في الحركة القضائية المعلن عنها هو عدم التوازن، غير المبرر، في توزيع القضاة بين المناطق الامر الذي من شأنه أن يكون مميّزا بين القضاة في تونس، مشيرة الى أنّ محاكم تونس الكبرى والمدن الساحلية تعتبر محظوظة بالنسبة للمحاكم الداخلية التي يتم فيها تعيين المجموعة الاخيرة في الترتيب. اضافة الى ذلك، افادت القرافي بانّ الحركة القضائية الاخيرة شملت بعض القضاة الذين يحوم حولهم جدل واسع خاصة وانهم عرفوا في وقت سابق بأدوارهم السيئة والسلبية الا انّ الحركة الحالية مكنتهم من مسؤوليات هامّة. كما اكدت تمسكها بإلغاء العمل بآلية التمديد للقضاة بعد سنّ التقاعد باعتبارها آلية تمس باستقلال القضاء والقضاة وتفتح الباب أمام الولاءات للسلطة التنفيذية. واعتبرت أن من شأن الآلية المذكورة أن تسمح للسلطة التنفيذية بالتدخل بواسطتها في الهيئات الدستورية الجديدة كهيئة القضاء العدلي والهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين وذلك بتوجيه قراراتها من خلال التحكم في تركيبتها باستعمال آلية التمديد لأعضائها من القضاة. نقابة القضاة: احترازات «هناك جملة من الاحترازات تتعلق أساسا بتوجيه الخطط الوظيفية و المعاملة خاصة التي تمتّع بها بعض القضاة خلال السنة القضائية الأخيرة على عكس ما كنّا نتوقع»هكذا علّقت رئيسة نقابة القضاة روضة العبيدي. ولاحظت انّ هناك إشكالا هاما يتعلق بنقل القضاة حيث اتخذت هيئة القضاء العدلي جملة من القرارت في الغرض دون أن تقوم بإعلام المعنيين بذلك الأمر الذي يعتبر بمثابة «الكارثة» لبعض العائلات التي تشتت بسبب هذه النقل على حدّ تعبيرها. وقد صرحت العبيدي بان الحركة تضمنت العديد من التسميات بالخطط الوظيفية والتي لا تتوفر فيها الشروط القانونية وأنه سيكون هناك عدد هام من الاعتراضات التي ستتضاعف لا محالة بعد دراسة الحركة القضائية وتقييمها. من جهته صرح الكاتب العام السابق لنقابة القضاة التونسيين عصام لحمر أن الحركة القضائية ل 24 جويلية المنقضي تضمّنت خروقات ، منها أن الفصل 107 من الدستور نص على أن نقلة القاضي لا تتم الا برضاه. وأضاف أن الفصل 12 من القانون الأساسي المحدث للهيئة الوقتية للقضاء العدلي الصادر في 2013 نص في الفقرة الثانية منه على عدم نقلة القاضي الا برضاه المعبّر عنه بمطلب كتابي مشيرا الى ان هذا ما لم يتم في حالته وفي عديد الحالات الأخرى. واشار عصام لحمر الى ان القانون 67 نصّ على انه لا تتم نقلة القاضي خلال الخمس سنوات الموالية لآخر قرار تعيين وأنه بالتالي والى حدود سنة 2013 غير معني بالحركة القضائية مشيرا الى انه كان رئيس خلية بحث في مركز الدراسات القانونية والقضائية وأنه في اطار الحركة القضائية تم تجريده من المسؤولية وتمت اعادته الى مستوى الرتبة الثالثة (مستشار بمحكمة التعقيب) مضيفا ان انه ثمة زملاء له كانوا في نفس وضعيته ولكن تمت المحافظة على خططهم الوظيفية. واعتبر لحمر أن الحركة القضائية جاءت للتنكيل به وبغيره من القضاة على خلفية عمله ككاتب عام سابق لنقابة القضاة ولوجود خلافات بينه وبين بعض الأعضاء المنتمين لجمعية القضاة التونسيين وبعض القضاة المتواجدين في الهيئة الوقتية للقضاء العدلي، هذه الهيئة التي خالفت القانون وفق تعبيره وبالتالي لا يمكن الإطمئنان الى قضاة لا يحترمون القانون حسب تصريحاته. وأكد لحمر أنه سيرفع قضية على هيئة القضاء العدلي على خلفية الإعتداء على الحريات النقابية الى هيئة الحريات النقابية الموجودة في منظمة العمل الدولية وهي أحد فروع منظمة الأممالمتحدة كما أكد أنه سيتولى في الأيام القادمة الكشف عن ملفات مهمة تتعلق بسير العمل بوزارة العدل كان تعهد بها في اطار عمله بمركز الدراسات القانونية والقضائية، وتتعلق باخلالات كبيرة بالوزارة قائلا إنه تمسك بالقانون وامتنع عن مخالفته فتم تجريده من خطته بمركز الدراسات القانونية والقضائية وتم تعويضه بقاضية أقل كفاءة منه حسب ذكره. وقد أكد لحمر في تصريح له أن معلومات بلغته مفادها أن أشخاصا لا علاقة لهم بالقضاء مرتبطين بالعمل السياسي ولديهم علاقات بالأحزاب السياسية تدخّلوا في الحركة القضائية مما يكشف بأن هذه الحركة مسيّسة حسب تصريحاته . وأشار الى أن هناك ما لا يقل عن ثلاث حالات منها ما هو موضوع احالة على مجلس التأديب ومع ذلك أسندت إليه خطّة وظيفية وأن هناك من شملته أبحاث تحقيقية وأسندت له خطّة وظيفية ولم تتّم نقلته من العاصمة، وهناك قاض ثالث موضوع بحث لدى التفقدية العامة بوزارة العدل ومع ذلك أسندت إليه خطّة وظيفية. واعتبر عصام لحمر أنه تم عبر هذه الحركة القضائية تركيز قضاة لخدمة أجندات سياسية واضحة وأنه وقع التنكيل بعدد كبير من القضاة الآخرين خاصة الذين لديهم نشاط نقابي مثلما أشار الى ذلك سابقا خاصة الذين تمت نقلتهم الى محكمة الإستئناف بالقصرين دون إسناد خطط وظيفيّة إليهم. وأشار الى ان حوالي 70 قاضيا سيرفعون قضية أولى لدى المحكمة الإدارية في ابطال الحركة القضائية والثانية استعجالية لدى الرئيس الأول بالمحكمة الإدارية في ايقاف تنفيذ تلك الحركة ملاحظا أنه يجري التنسيق بينه وبين زملائه المعترضين للقيام بدعوى مدنية لدى الدائرة المدنية بتونس ضد أعضاء الهيئة الوقتية للقضاء العدلي في التعويض عن الضررين المادّي والمعنوي نتيجة الخطإ الفادح حسب ذكره الذي ارتكبه أعضاء الهيئة الذين خالفوا القانون وتحميلهم المسؤولية عن الخطأ الشخصي مشيرا الى انه سيتم تحديد قيمة الضررين المادي والمعنوي لاحقا. وقد اصدرت الهيئة الوقتية للقضاء العدلي تذكيرا للسادة القضاة بمقتضيات الفصل 15 من القانون عدد13 لسنة 2013 المؤرخ في 2 ماي 2013 في خصوص رفع الاعتراضات على الحركة وآجالها والذي جاء فيه: « يرفع التظلم من قرارات الترقية والنقلة والتسمية بالخطط الوظيفية إلى الهيئة في أجل أقصاه سبعة أيام من تاريخ نشر الأمر المتعلق بها بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية».