حوار : هاجر و أسماء من رحم المعاناة تولد الحياة من جديد.. ومن رحم الموت ينبعث أمل جديد ومن تحت الركام تظهر للمرة الألف ارادة اعادة البناء والاعمار. هذا هو التحدي الأكبر في غزة. تحدي مواصلة مشوار الكفاح على خطى الاولين على خطى القائد صلاح الدين الايوبي حتى تطوى صفحة الاحتلال الغاشم كطي السجل ....كانت هذه انفاس القوة التي تخالج عبرات الحقوقية سوسن طنبورة المكلفة بالعلاقات الخارجية بجمعية الوئام الخيرية وهي تنقل لنا مشهد الدمار في غزة والشهداء من المدنيين: اطفال ونساء وشيوخ وكهول وشباب سقطوا تحت قصف طائرات العدوّ ومدفعيته في مجازر وحشية اهتزت لصورها شعوب العالم وخلفت مآسي يكاد ينطق لبشاعتها الحجر. هل لك ان تقدمي لنا حقيقة الوضع في غزة وسط انباء متضاربة عن عدد الشهداء والخسائر المادية؟ قطاع غزة الذي تبلغ مساحته 360 كلم 2 ويبلغ عدد سكانه مليونا و816 الف نسمة والذي يعتبر من أكثر مناطق العالم اكتظاظاً بالسكان ليس ككل مناطق العالم فهو يتعرض لهجمات شرسة من قبل العدو الصهيوني ، فلا ننسى عدوان عام 2008-2009 الذي استمر لمدة 22 يوما من القصف والدمار والتشريد والذي خلف دمارا هائلا على كل الاصعدة سواء في عدد الشهداء الذي بلغ ما يقارب 1500 شهيد جلهم من الاطفال والنساء أو على صعيد الجرحى الذي كان بالآلاف أو على الصعيد الصناعي والتجاري والزراعي ..... حيث بلغت الخسائر ملايين الدولارات. ولم يكمل قطاع غزة لملمة جراحه وإعمار ما قد دمرته الالة الصهيونية الشرسة تدميرا شاملا وممنهجا ( الانسان- الحيوان- الحجر- الشجر.....) حتى عاودت اسرائيل بجيشها المجرم هجومها على قطاع غزة عام 2012 أو ما يسمى بحرب حجارة السجيل التي استمرت لمدة 8 أيام من القصف والتدمير والمجازر التي تعود عليها الصهاينة ليخلف العدوان ما يقارب 155 شهيدا ومئات الجرحى بالإضافة الى التدمير الهائل الذي طال البنية التحتية. ولم يكمل أهالي قطاع غزة اعادة بناء ما دمّره الصهاينة حتى أعادت اسرائيل الكرة مرة أخرى ولكن العدوان الاخير كان الأشرس والأعنف على كل الأصعدة حيث تم تدمير احياء كاملة وابادة عائلات كاملة ومسحها من السجلات المدنية ( حوالي 60 عائلة أو أكثر أبيدت وكأنها لم تكن موجودة بالأصل) . الوضع في غزة خطير جدا وكل شيء مستهدف في هذه الحرب: الانسان، الشجر، الحجر، البيوت تهدم فوق رؤوس ساكنيها دون سابق إنذار، لا حيّ، لا مدينة، لا قرية ، لا شارع سلم من هجمات الصهاينة البربرية وحتى مراكز الايواء التي تأوي النازحين من بيوتهم تم استهدافها وكان هناك شهداء ، بيوت الله المساجد تم تدميرها ، المستشفيات أيضاً تم استهدافها وكان فيها شهداء من الجرحى والمرضى الذين كانوا يعالجون فيها .. كلّ شيء مستباح عند هؤلاء الصهاينة المجرمين . واحصائيات وزارة الصحة في قطاع غزة تقول ان العدوان الاسرائيلي البربري أوقع حتى الآن ما يقارب من (1900 شهيد) ثلثهم من الاطفال (430 طفلا) و (243 امرأة) و (79 مسنا) فيما بلغ عدد الجرحى استنادًا لمعلومات وزارة الصحة، أكثر من (9570) جريحًا، بينهم (2877) طفلًا و(1853) امرأة و(374) مسنًّا. واستنادًا لمعطيات وزارة الصحة، أيضًا، فإنّ 153 من جرحى العدوان مايزالون تحت العناية المركزة في مستشفيات القطاع المختلفة ومازال العدوان مستمرا على أهلنا في قطاع غزة حتى اللحظة رغم الهدنات المتقطعة. وحسب وزارة الاشغال العامة والاسكان فإن العدوان دمر ما يزيد عن (10000) منزل بشكل كامل وحوالي (30000 ) بشكل جزئي وقال الاتحاد العام للصناعات الفلسطينية إنّ العدوان الإسرائيلي على غزة تسبب في تدمير 134 مصنعًا تدميرًا كليًّا أو جزئيًّا، وإحالة 30 ألف عامل بالقطاع الصناعي على البطالة. وأظهرت الإحصائية، التي أعدها الاتحاد العام للصناعات الفلسطينية ، ان الخسائر نتيجة التوقف عن العمل خلال الأربعة أسابيع من العدوان تجاوزت 47 مليون دولار. وقدرت وزارة الاشغال العامة والاسكان خسائر اقتصاد غزة بأكثر من 4 مليارات دولار أمريكي ، شاملة الخسائر الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة.وذكرت أيضا ان الناتج المحلي لقطاع غزة توقف بشكل كامل لمدة شهر تقريبا حيث كانت الحصة الاكبر للخسائر بسبب توقف الاسواق عن العمل فيما تعرضت البنية التحتية لأضرار بنسبة 70%.و أضافت الوزارة إن قطاع الإنشاءات خسر أكثر من 600 مليون دولار أمريكي، إضافة إلى خسائر ناتجة عن توقف الناتج المحلي الإجمالي لمدة 25 يومًا، بسبب توقف عجلة الاقتصاد (مليار دولار). هذه هي الاحصاءات حتى اللحظة ومازال العدوان متواصلا أي أن الخسائر يمكن أن تزيد وهذا ما لا نتمناه. ماذا قدمت جمعيتكم لضحايا وجرحى القصف في ايام الأزمة ؟ رغم الظروف الصعبة والمعقدة والخطيرة جدا ، فان فريق جمعية الوئام قام بواجبه تجاه أهلنا في قطاع غزة ونفّذ العديد من المشاريع مستهدفا مراكز الايواء وجرحى الحرب من جميع الفئات ، الشباب والاطفال وكبار السن والنساء ، بالإضافة الى المستشفيات وطواقمها التي كانت تعمل ليلا نهارا، ومن هذه النشاطات كانت: توزيع السلة الغذائية على النازحين في مراكز الايواء حيث قامت الجمعية بتوزيع أكثر من 5000 سلة غذائية بتمويل من مؤسسات محلية ودولية مختلفة منها جمعية العلماء في الجزائر الشقيقة ومؤسسة الفيومس في الدانمارك والجمعية الاسلامية لإغاثة الايتام والمحتاجين –النقب وهي مدينة في الداخل الاسرائيلي المحتل ومؤسسة Ummah global relief من بريطانيا ومؤسسات أخرى في تركيا ومتبرعين من مصر الشقيقة..... قامت أيضا بتوزيع الرغيف الخيري على متضرري الحرب والذي كان يستهدف الاسر النازحة عن بيوتها حيث مازالت تقوم بمدّ أكثر من 500 أسرة يوميا متضررة من هذا العدوان. قامت أيضا بتوزيع أغذية معلبة على النازحين في مراكز الايواء. قامت أيضا بتنفيذ مشروع توزيع ادوية ومعدات طبية كدعم لمستشفيات القطاع حيث بلغت قيمة المساعدات والمعونات التي قدمتها للمستشفيات حوالي 50000 دولار . قامت الجمعية أيضا بدعم ومساندة الجرحى حيث استهدفت ما قارب من 2000 جريح ووزعت مساعدات نقدية لهم بمعدل 50 دولارا لكل جريح واستهدفت أيضا الاطفال الجرحى وقدمت لهم ألعابا. قامت بتوزيع المياه الصحية على جميع الاقسام العاملة في مستشفى الشفاء. وما زال فريق جمعية الوئام يعمل في الميدان رغم قسوة الظروف وخطورتها ولكن هذا واجبنا نحو أبناء شعبنا المنكوب. هناك مبادرة من الهلال الأخضر التونسي تحت مسمى «موعد في غزة» لجمع تبرعات من الشعب التونسي استجابة لنداء جمعيتكم ، فهل انتم قادرون على توزيعها على محتاجيها في الظروف الحالية التي يعيشها القطاع تحت حصار مقيت؟ بداية نشكر اصحاب هذه المبادرة التي نتمنى أن تكون في ميزان حسناتهم ان شاء الله . جمعية الوئام هي جمعية خيرية تعمل في المجال الاغاثي ولها باع طويل في مجال استقبال القوافل وتوزيعها على محتاجيها وقد سبق لها ان استقبلت قافلتين من دولة الجزائر الشقيقة أولها كان بعد عدوان 2008-2009 والتي كانت قيمتها بنحو مليون ونصف مليون دولار وتنوعت بين أدوات طبية وأدوية ومواد غذائية وملابس وغيرها من الأشياء وكان ثانيها قبل العدوان الحالي بشهر تقريبا والحمد لله قامت بتوزيع مواد القافلتين بصورة ممتازة على محتاجيها وأعتقد أن الظروف الحالية رغم صعوبتها لن تكون مانعا أمام تأدية عمل الجمعية . هل هناك عوائق في وصول المساعدات لقطاع غزة وهل هناك دعم وتعاون من الدول العربية لوصولها؟ لا توجد عوائق سوى إغلاق المعابر وعلى رأسها معبر رفح البري الذي هو تحت السيطرة المصرية التي ترفض دخول أي نوع من المساعدات رغم احتياج اهل القطاع لها . نتمنى ان يقوم الجانب المصري بفتح المعبر ليتسنى دخول المساعدات. الجميع يتحدث عن صمود أهل غزة هل لك ان تبيني لنا مظاهر هذا الصمود؟ بالتأكيد ، أهل غزة صامدون على أرضهم رغم الدمار الهائل والعدد الكبير من الشهداء والجرحى ومن مظاهر هذا الصمود أنك لو سألت أي شخص في غزة سواء كان طفلا أو امرأة أو عجوزا: هل تريد مغادرة أرضك فانهم يردون: لا.. نحن صامدون هنا حتى الموت، ومن مظاهر الصمود أيضا التكافل الاجتماعي بين الاهالي خلال العدوان. القصف خلف يتامى بلا سند ما هي آليات الحماية او التدخل المقدم من طرف جمعيتكم لحالات مشابهة ؟ ام ان تدخلكم يقتصر على الاغاثة فقط دون الاحاطة الاجتماعية اللاحقة؟ بالطبع لا فنحن جمعية خيرية تقوم على اغاثة المنكوبين في مثل هذه الظروف وتقوم أيضا بالتكفل بالأيتام وتوفير الرعاية الشاملة لهم فمثلا بعد «حرب الفرقان» عام 2009 كان هناك الكثير من الايتام فقامت الجمعية بالتواصل مع الجمعيات الخيرية وأهل الخير ووفرت لهم كفالات تصلهم تقريبا كل شهر فالجمعية لا تكتفي بالعمل الاغاثي بل على توفير الكفالات للأيتام وتقوم بتقديم الرعاية الشاملة لهم مثلا رعاية صحية، اجتماعية ، نفسية .... هل فكرت جمعيتكم في احداث احتياطي ايام السلم لتأمين حاجيات الضحايا ايام الحرب؟ نعم ، لدى جمعية الوئام الخيرية مخزون احتياطي وكما تعلمون نحن نقارع عدوا لا يؤمن مكره وخداعه ومن الممكن ان يقوم في أي وقت باعتداءات على شعبنا في قطاع غزة لهذا فانه توجد بعض المخازن لدينا في الجمعية ولكنها لا تفي حتى بالقليل نظرا لحجم المأساة والمشردين من أهالي القطاع فقمنا بمناشدة أهل الخير من العالم الخارجي لمساعدتنا على ايصال المساعدات لهم والحمد لله تمكنا من تقديم المساعدة لهم قدر استطاعتنا. هل لديكم مشاريع لبناء ملاجئ يتحصّن بها الأهالي عند القصف؟ كما تعلمان فان جمعية الوئام الخيرية هي جمعية خيرية تقوم على مساعدة الفقراء والمحتاجين وكفالة الايتام واقامة المشاريع التنموية والاشراف عليها ولكن ليس من مسؤوليتها العمل على تقليل الاضرار فهي كغيرها متضررة من الحروب وأعتقد أن المسؤولية تعود لوزارة الاسكان والبلديات. أود أن أقول شيئا هنا هو أنه لو أننا قمنا ببناء الملاجئ فهي ستدمر فوق رؤوس ساكنيها وسيتعرضون للموت إما من نقص المياه والغذاء أو بسبب الهجمات الشرسة ووسائل التدمير الهائلة حيث انه في العديد من الحالات في هذه الحرب تم تدمير المنزل بما فيه الملجأ ( البدروم) على رؤوس أصحابه وتم انتشالهم شهداء أو جرحى، فعدونا عدو شرس لا يرحم لا الصغير ولا الكبير ويهدم البيوت على رؤوس ساكنيها فما الفائدة من بناء تلك الملاجئ؟ هل يمكن ان تحدثينا عن ظروف نشاطكم كجمعية بعد ان قوض العدو كل مبانيكم ؟ نحن في قطاع غزة ، نعمل حتى في أصعب الظروف وحتى لو لم تكن لدينا مبان نعمل فيها فإننا نعمل في الخيام، ونتخذ الشوارع مقرات لنا ان لزم الأمر.. نمشي على الأقدام لإيصال المساعدات للمحتاجين حتى نقوم بواجبنا. تتعاملون مع الخسائر والأضرار بعد كل عدوان . كيف تستمر الحياة في خضم كل هذه المآسي؟ الحياة في قطاع غزة لا تتوقف فبعد كل عدوان ننهض من رحم كل هذه المآسي والمعاناة وهذا قدرنا، نستمر بالحياة بمساعدة أهل الخير من إخواننا العرب والمسلمين بالإضافة الى المؤسسات الدولية التي تقوم بتقديم المساعدات لنا جزى الله اصحابها كل خير . ساعات وتنتهي الهدنة مع العدو الصهيوني ما هي الإجراءات والاستعدادات التي تعتزم الجمعية القيام بها في صورة تواصل العدوان ؟ أول شيء نتمنى ألا تعود الحرب و كجمعية خيرية ، فإننا سنواصل عملنا الخيري قدر استطاعتنا رغم قلة الامكانات لدينا . رسالتكم من غزة الصامدة الى الشعب التونسي ؟ الشعب التونسي شعب أصيل والتاريخ يشهد له بأنه من أول من ناصر القضية الفلسطينية وشعب فلسطين وهو من أول من يهب لنجدة ومساعدة إخوانه في فلسطين وقطاع غزة على وجه الخصوص ونود أن نقول لهذا الشعب المعطاء إننا صامدون، صابرون محتسبون كل شيء عن الله ولكن صمودنا يتعزز بمساندتكم لنا ودعائكم لنا بالنصر والثبات وبارك الله فيكم.