من موسم إلى موسم ينتظر المواطنون كما التجار حلول موعد التخفيضات سواء كانت شتوية أو صيفية وإن اختلفت أسباب هذا الانتظار ودواعيه بين طرفي هذه المعادلة التجارية. ففي الوقت الذي ينشد فيه المواطن «لبس ما ستر» بأقل الفلوس, يبحث التاجر عن نفض غبار الركود عن بضاعة تكدست في الرفوف وإنعاش «الكاسة» بعد طول كساد... وما إن حل موسم التخفيض الصيفي الذي انطلق منذ يومين حتى توافدت الجموع على المغازات وتهافتت الحشود على المحلات رغم أن «الصولد» يتواصل إلى غاية نهاية شهر سبتمبر المقبل. «التونسية» قامت بجولة بشوارع العاصمة ورصدت انطباعات الحرفاء عن «الصولد الصيفي» لهذا العام واستطلعت تقييمات التجار للحركة التجارية خلاله... كثيرون هم الذين يتوقفون أمام المحلات يتفحصون الواجهات لكن قليلون هم الذين يدلفون داخل المغازات ... وفي النهاية , قلّة هم من يخرجون محملين بمشتريات أما الأغلبية فتخرج بيد فارغة وأخرى لا شيء فيها... صولد «وهمي» في أحد المحلات المختصة في بيع الملابس النسائية ,تمعنّت إحدى السيدات مليّا في ثمن «تنّورة» وصرخت في تعجب: «13دينارا فقط ! فأجابتها البائعة في دلال: «نعم... إنه تخفيض ب ٪50. «لكن السيدة «منى» لم تسقط في فخ الثمن وإغراء التخفيض وأعادت تقليب قطعة الملابس وفحصها بعيون ثاقبة ثم أعادتها مكانها وهي تمط شفتيها قائلة في استياء :» يطمعونا بالسوم والسلعة ديشي!» ما إن تدلف قدماك, في موسم التخفيض , أحد المحلات المختصة في بيع الماركات العالمية حتى تصطدم بجحافل من البشر وحشود من الحرفاء تبتاع بدل القطعة قطعتين أو أكثر. فهناك... في تلك المغازات الفاخرة ضجيج وعجيج وتهافت على المنتوجات وتدافع في الصفوف وكأنّ الملابس ستنفدُ من الأسواق والمصانع ستكف عن خياطة الثياب ! أما حرفاء هذه المحلات فيفسرون سرّ هذا الإقبال الكثيف بالقول إن «الفرصة لا تتوفر دائما لشراء ماركة عالمية لذلك فهم ينتهزون المناسبة للتزود بحاجتهم من الملابس الصيفية منذ الساعات الأولى لانطلاق التخفيض قبل نفاد السلعة». وأمام أحد المحلات الحاملة لعلامة ماركة عالمية استوقفت «التونسية» يوسف (تلميذ) الذي كان محمّلا بالأكياس الفاخرة, فقال وقد بدا كالطفل الذي يُعدّد أسماء لعبه في فرح: «لقد اشتريت حذاء وقميصا وسروالا ووو...لكن فوجئت بأنه حتى محلات الماركات العالمية تتحيّل في ثمن بعض المنتوجات ,فصديقي اشترى قبل الصولد حذاء رياضيا ب70 دينارا واليوم وجدت ثمنه في المحل نفسه ب79 دينارا على أساس أن ثمنه كان قبل التخفيض 137 ! «وتابع «يوسف» في لامبالاة: «شخصيا لا يعنيني الصولد كثيرا بل ما يهمني هو أن أشتري ما يعجبني في أي وقت من الأوقات». «جيب مخروم ودينار مفقود» من قال إن التسوق شأن نسائي بامتياز فهو مخطئ ,فكم من الرجال مهووسون بعادة الشراء وتجذبهم واجهات المحلات وتعنيهم مواسم التخفيضات, فحتى «أبناء آدم» نزلوا إلى الأسواق مع انطلاق الصولد لأخذ نصيبهم في حدود المتاح وقدر الإمكان... وفي هذا السياق التقت «التونسية» «حسن» (موظف) «الذي قال في تحسر: «بغض النظر عن مدى جدية الصولد ونجاعته علينا أن نسأل أولا من أين لنا بالمال وقد قسمت ظهرنا المصاريف والنفقات؟ وماذا يفعل رب العائلة أمام مناسبات متلاحقة ولا ترحم... فبعد رمضان جاء العيد واليوم ها نحن على أبواب العودة المدرسية وأعتاب عيد الإضحي... وأردف «حسن» قائلا في استسلام وتشاؤم: «الشعب تاعب... تحت الصفر!». اختارت «رفقة « قطعا مختلفة من الملابس وقصدت حجرة الملابس للتأكد من المقاس المناسب قبل الحسم في اتخاذ قرار الشراء... وعن رأيها في موسم التخفيض الصيفي قالت: «من الصعب الظفر ببضاعة جيدة بتسعيرة مناسبة فأغلب المحلات تخرج في الصولد السلع الراكدة للتخلص منها أما «موديلات» الموسم فلا يشملها التخفيض لذلك فإني أقصد محلات معينة أثق في مصداقيتها لابتياع حاجتي... فالجودة والأثمان المعقولة معادلة صعبة في عالم الملابس هذه الأيام». «الصولد» في أوروبا... عالم آخر ! كانت تسير بخطى حثيثة نحو هدفها وقد اتقّت من أشعة الشمس الحارقة بقبعة على الرأس ونظارتين على العينين ,لكن الهرولة ولسعة الحرارة لم تمنعاها من التوّقف لبرهة من الزمن أمام إحدى المغازات لإلقاء نظرة على الواجهات المكتظة بشتى أنواع اللافتات وأشكال التخفيضات... ولم تلبث أن انصرفت دون أن يبدو عليها أي شكل من أشكال الاهتمام. ولدى سؤالها عن علاقتها بموسم التخفيض الصيفي تحدّثت «جوليات» بالفرنسية وبلهجة تنم عن الاستهزاء قائلة :» الموضوع لا يعنيني ...فعن أي صولد تتحدثون؟ وأضافت ساخرة: «أكاد أنفجر من الضحك حين أشاهد نسب التخفيض على واجهات المحلات... فالأمر مختلف تماما في أوروبا فهناك يوجد الصولد الحقيقي و»تكسير» الأسعار لبعضها البعض ليخرج الحريف رابحا من هذه المعركة. فأنا أعيش في تونس منذ سنوات ولاحظت أن التجار يكذبون كذبة كبرى في مواسم التخفيضات لكن للأسف الحرفاء هم أول من يصدّقونها». وفي السياق ذاته لم يختلف موقف «لسعد» (مقيم بالخارج ) عن رأي الفرنسية «جوليات» في موسم الصولد بتونس حيث قال: «نسبة ٪70 تخفيض كذبة كبرى ولا تنطلي على عاقل ,فثمة تلاعب كبير في الأسعار على عكس البلدان الأوروبية حيث يمكن للحريف أن يقارن بين الأسعار قبل الصولد وبعده عن طريق المواقع الإكترونية للمحلات التجارية .» تجّار شرفاء أما التجار فقد بدَوا مستبشرين ب«صابة» موسم التخفيض الصيفي ومعلّقين آمالا كبيرة على هذه «الفرصة التجارية» لملئ «الكاسة» وإنعاش الخزينة... «هالة» كانت واحدة من هؤلاء التجار التي فتحت محلّها هاشة باشة لعدد لا بأس من الحريفات وصفتهن ب«الوفيات» متابعة القول وقد علت علامات الارتياح محيّاها: «أنا متفائلة بالإقبال الكبير عل محلي فبضاعتي ذات جودة عالية وهو ما يجعل حريفاتي يتوافدن عليّ بكثافة خلال موسم الصولد لابتياع حاجاتهن من الملابس النسائية .. « ونفت «هالة» تورطها في حيلة التخفيض الوهمي قائلة بلهجة حازمة: «الثقة والمصداقية هما أساس استمرارنا وكسبنا وحرفائي على بيّنة بأن أسعار محلي مختلفة قبل الصولد وبعده لهذا فهم دائما يقصدونني .» كثيرا ما يتساءل المواطن عن مدى جدية الصولد وغالبا ما يوجه أصابع الاتهام إلى التجار ويدينهم بتهمة التلاعب والغش في الأسعار. وفي هذا السياق دافع التاجر «منصف» عمّن وصفهم ب«الشرفاء» قائلا: «صحيح هناك تجار يعمدون إلى التلاعب بالأسعار والتمويه في السلع لكن هذا السلوك لا يعني أن الميدان التجاري خال من الشرفاء والنزهاء فأنا مثلا أضطر إلى تخفيض بعض السلع إلى نسبة خمسين بمائة قصد التخلص من السلع الراكدة ولو كلفني ذلك بيعها برأس مالها أو حتى بالخسارة... وإلا فإني سأضطر إلى إخراجها كصدقة أو زكاة .» ٪50 تخفيض... «فيها إنّ» ! بالرغم من إعلان محله عن تخفيضات مختلفة النسب فإن هذا لم يقيه إلحاح الحريف ولم يجنبه عناء التفاوض من أجل الثمن. وفي خضم انشغاله بإقناع حريفه بأنه تجاوز معه سقف التخفيض المسموح ولم يترك لنفسه هامشا للربح قال التاجر «صالح»: «نحن لا نعتمد التخفيض الوهمي ولا نخدع الحرفاء فهم يعلمون جيدا كنه أسعارنا قبل الصولد وبعدهُ... كما إن نسبة التخفيض الحقيقية والمعقولة يجب أن تتراوح بين ٪20 و٪40...ومتى جاوزت ٪50 فهذا يعني أن السلعة ليست ذات جودة عالية...» غالبا ما يرتبط ذكر «الصولد» بالملابس والأحذية لكنه في الحقيقة لا يقتصر على الملابس والأحذية, بل ينسحب على عالم المجوهرات والعطور والنظارات.. وفي هذا الإطار قال «صبري الزواغي «(مسؤول عن محل لبيع النظارات): « لقد فكرنا في العودة المدرسية ورغبنا في تخفيف وطأة المصاريف عن الأولياء فمكناهم من تخفيض على النظارات الطبية بالخصوص التي يحتاجها التلاميذ والطلبة... «و لدى سؤاله عن موقع النظارات سواء كانت طبية أو شمسية في ميزانية العائلة التونسية=, قال «صبري»: «هناك من يأتي لشراء نظارة ثمنها يصل إلى...مليون !» وغير بعيد عن مغازات الماركات العالمية والمحلات الفاخرة ...اختار أحد أصحاب العربات المتجولة وعلى متنها كمية من التين الشوكي أن يدخل عالم «الصولد» على طريقته فهتف مناديا في الخلق: «صولد, صولد... حارة الهندي ب500 مليم ومعاها كعبة بلاش» وواصل النداء إلى أن غاب صوته في الزحام...