بعد استكمال المرحلة الثالثة من التأليف...قريبا الشروع في بلورة مشروع مخطط التنمية    في قضية تدليس تزكيات .. إيداع قاض معفى .. السجن    معرض «إكسبو 2025 أوساكا» باليابان...تونس تستعرض إمكانياتها الاقتصادية وفرص التعاون والشراكة    ترامب يستقبل بوتين في ألاسكا.. و' تغيير ذو أهمية' في البرنامج    بيان من 31 دولة للتنديد بتصريحات "إسرائيل الكبرى"    وزارة التربية ...دعوة القيمين العامين المعنيين بحركة النقل إلى الإطلاع على المراكز المعنية بالحركة    حفوز .. إصابة شخص بطلق ناري من بندقية صيد    بسبب مواقفه الداعمة للكيان الصهيوني...إلغاء حفل فنان جامييكي بقرطاج وتعويضه بفيلم للفاضل الجزيري    عاجل/ الأمم المتحدة تعلن حصيلة الشهداء من منتظري المساعدات في غزة    نهاية مباراة الترجي الرياضي والاتحاد المنستيري بالتعادل الإيجابي    تنقيح الأمر المتعلق بآلات إثبات نسبة الكحول    حسم موقفه رغم الضغوط .. حزب الله: لا تسليم للسلاح    عاجل/ قتلى وجرحى إثر سقوط حافلة بمجرى وادي في الجزائر    ترامب: أوروبا لا تفرض علي شروطا لحل الأزمة الأوكرانية لكنها ستشارك في العملية    مصيف الكتاب ببني خلاد...حكايات، ألعاب وجوائز للأطفال    الكشف عن مستجدات الحالة الصحية للفنانة حياة الفهد    تاريخ الخيانات السياسية (47) ..وزراء و أمراء زمن الخلافة العباسية يحتكرون السلع    تطوير الطب الباطني وتعزيز الرقمنة لتحقيق العدالة الصحية    بطولة العالم لكرة اليد تحت 19 عاما - المنتخب التونسي ينهزم اما جزر فارو 28-32    بمناسبة الزواج: هدية سعودية غير متوقعة لرونالدو... اكتشفها    حجز أكثر من 3380 مكيفا غير مطابق للشروط الفنية    توننداكس ينهي جلساته الأسبوعية متراجعا بنسبة 20ر0 بالمائة في ظل معدل تداول يومي عند 4ر4 مليون دينار    باكستان: ارتفاع حصيلة قتلى الأمطار إلى 194 شخصا    الليلة: أمطار بهذه المناطق والحرارة تتراوح بين 22 و32 درجة    عاجل/ إضراب ب3 أيام بالبطاحات.. وهذا موعده    عاجل/ عطب مفاجئ يتسبّب في انقطاع المياه بهذه الجهة    الحملة الوطنية لمراقبة أجهزة تكييف الهواء الفردية تفضي الى حجز أكثر من 3380 مكيف هواء وتسجيل 146 مخالفة    الفنان صابر الرباعي يختتم مهرجان المنستير الدولي    بداية من 20 اوت مدينة جرجيس تحتضن تظاهرة اسبوع الطالب العالمي بمشاركة اكثر من 100 طالب من 22 دولة    المنتخب التونسي لكرة السلة يمنى بهزيمته الثانية في "الأفروباسكيت 2025"    الملعب التونسي: انتداب السنيغالي امادو نداي    تحب تسكن في الحي الجامعي؟ التسجيل بدا و الفرصة ما تتعاودش!    مونديال الكرة الطائرة للفتيات: المنتخب الوطني يفوز على نظيره الجزائري    اقتصاد تونس ينمو ب 3.2 بالمائة خلال الثلاثي الثاني من 2025    إلغاء عرض "أم كلثوم: مائة سنة من الإبداع" في مهرجان صفاقس الدولي    علاش سوم ''الكرموس والعنب'' ارتفع العام هذا؟    تصفيات مونديال 2026: طاقم تحكيم تونسي يدير مباراة موريتانيا وجنوب السودان    عاجل/ كارثة طبية..مسكّن ألم ملوّث يُودي بحياة 96 مريضا..!    ارتفاع حالات الإصابة بالكوليرا في السودان    عادات يومية تقتلك مخك و انت متعرفش ؟    انخفاض نسبة البطالة في تونس إلى 15.3%    القبض على شاب قتل والده ودفن جثته في القصرين    10 سنوات سجنا لإطار بنكي استولى على أموال الحرفاء    بعد انهاء التفرغ النقابي ..فاطمة المسدي تطرح انهاء توريث المناصب النقابية والامتيازات    أسعار ''الحوت''غلات! شنوة الأنواع الي سومها مُرتفع وشنيا الأسباب؟    عاجل: إلغاء مفاجئ للرحلات في هذه الدولة..شوفو شنو صاير    عاجل: أحلام الإماراتية توضح للتونسيين حقيقة أجرها في مهرجان قرطاج    رسالة من الدكتورة ديفاني خوبراغادي سفيرة الهند لدى تونس بمناسبة الذكرى التاسعة والسبعين لاستقلال الهند 15 آُوتْ    عاجل/ تفاصيل ومعطيات جديدة في قضية مقتل المحامية منجية المناعي على يد أبنائها..    جريمة شنيعة: مقتل طفل على يد زوج والدته..وهذه التفاصيل..    الترجي الرياضي يعلن..#خبر_عاجل    الرّهان على الثقافة    عاجل من واشنطن: تسريح 300 ألف عامل من الوظائف الحكومية    وزارة الصحة الكويتية تعلن ارتفاع حالات التسمم والوفيات الناتجة عن مشروبات كحولية ملوثة    اسألوني .. يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    خطبة الجمعة...التوسّط في الإنفاق ونبذ الإسراف والتبذير    عاجل : فلكيا...موعد عطلة المولد النبوي الشريف 2025 للقطاعين العام و الخاص    هام/ عطلة بيوم بمناسبة المولد النبوي الشريف..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الانتخابات وآليات تحريك الجمهور ( ج 4)
نشر في التونسية يوم 07 - 09 - 2014


بقلم : مصطفى قوبعة
تعرضنا في الجزء الثالث من بانوراما الانتخابات (الخطاب والجمهور) إلى أهمية الخطاب البرنامج باعتباره جوهر العملية الانتخابية التنافسية وباعتباره المحدد الرئيسي نظريا في توجيه اختيارات الجمهور الانتخابي وتخلصنا إلى استنتاج بأن «الجبهة الشعبية» تمتلك مزايا تفاضلية في المنافسة الانتخابية بفضل توفقها قبل غيرها من اللاعبين السياسيين في بلورة ملامح برنامج اقتصادي اجتماعي مرحلي منسجم مع متطلبات الوضع الراهن، ووقفنا على الأسباب الرئيسية الثلاثة التي قد تقلّل من أهمية البرنامج في عقل الجمهور الانتخابي وأولها أن الجمهور الانتخابي في تونس غير متعود تاريخيا على المنافسة بين مشاريع وبرامج، وثانيها خيبة أمل الجمهور من انتخابات أكتوبر 2011 ومن فشل البرامج التي قامت عليها وثالثها تكرار سيناريو انتخابات 2011 أمام هذا الكم الهائل من القائمات المترشحة لانتخابات 2014 والتي من شأنها أن تشتت ذهن الجمهور الانتخابي وتعمق من حيرته.
وإذا كانت هذه العوامل الثلاثة تؤثر سلبا على عقل الجمهور الانتخابي العريض، فإن هذا الأخير يبقى كذلك تحت فعل مؤثرات أخرى عاطفية ومادية ونفسانية ينقاد إليها لا شعوريا لتنعكس بدورها على أدائه الانتخابي.
وأولى المؤثرات في تحريك الجمهور هو الواعز الديني، فالجمهور الانتخابي التونسي هو جمهور مسلم، والجمهور المسلم أينما كان يبقى ضعيفا وهشّا أمام ما يقدم له من مضامين وخطب ورسائل سياسية بغلاف ديني، ومن هذا المنطلق تلعب المسألة الدينية دورا رئيسيا في تعبئة الجمهور بفعل قدرة الخطاب الديني على النفاذ بسهولة إلى وجدان وذهن هذا الجمهور.
إن أخطر ما يهدد العملية الانتخابية هو توظيف الواعز الديني واستثماره وتطويعه خاصة أن الأرضية ملائمة وجاهزة لهذا التوظيف انطلاقا من شبكة دور العبادة أولا ومن الاذاعات الدينية ثانيا ومن تدخل النسيج الجمعياتي الخيري بفضل ما يتوفّر فيه من امكانيات مادية ضخمة تفوق ما تمتلكه الكثير من الأحزاب السياسية بما يمثل خرقا فاضحا لأهم قاعدة انتخابية وهي تساوي حظوظ جميع القائمات أمام المنافسة الانتخابية.
ومن المؤسف حقا أن تواصل المئات من الجمعيات «الخيرية» التي تنشط في جلّها مناسباتيا على المتاجرة بآلام وبأوضاع الفئات الاجتماعية الأكثر فقرا والأكثر تهميشا في الأرياف وفي الأحياء الشعبية بالوسط الحضري لغايات انتخابوية فتقايض أصوات هذه الفئات بما يتيسّر من اغراءات مالية وعينية مختلفة واذا كنا قد عشنا في انتخابات 2011 الكثير من هذه الحالات فإن الكثير من الاشارات والدلائل الراهنة تدفع إلى توقّع أن تشهد انتخابات 2014 دفعا قويّا في توظيف الواعز الديني وفي استثماره بالاشكال التقليدية المعروفة كما باستحداث أشكال جديدة.
وفي هذا السياق، فإن البعض قد عيل صبره فاستبق افتتاح الحملة الانتخابية ليبتدع شكلا جديدا من أشكال التوظيف الديني من خلال تنظيم عملية بيضاء لفريضة الحج ( والحج فريضة لمن استطاع إليه سبيلا) عبر المدن اعتمادا على مجسّم متنقل للكعبة الشريفة، وبصرف النظر عما أثارته عملية الحج البيضاء في بعض الصحافة العربية من استغراب لدى البعض ومن سخرية لدى البعض الآخر فإن الداخل التونسي يتساءل عن سرّ هذه «البدعة» التونسية وعن خلفياتها الحقيقية وعن دلالاتها في هذا الوقت بالذات وقبل الاعلان عن القائمة الرسمية للحجيج التونسيين المعنيين دون سواهم بعملية حج أبيض، هذا إن صح شرعا واجتهادا الحج الأبيض بهذا الشكل وسط جدل فقهي إن كانت هذه البدعة التونسية بدعة ضلال أم بدعة «طيبة».
مع الواعز الديني الذي يفسد مقاصد العملية الانتخابية يأتي فعل المؤثر القبلي أو العشائري، فعلى امتداد الشريط الغربي لبلادنا، وخاصة في جهات الوسط الغربي وبدرجة أقل الشمال الغربي لا يزال العامل العشائري مؤثرا في مسار العملية الانتخابية، ففي هذه الجهات لا يخضع جزء كبير من الجمهور الانتخابي لأصوات الأحزاب حتى التي ينتمي إليها أو يتعاطف معها، فكلمة السرّ الأولى والأخيرة في تحديد خياراته الانتخابية هي خيار العشيرة وصوت العشيرة، وبالتالي فإن الانضباط العشائري هناك يساوي أو يفوق الانضباط الحزبي السائد في جهات أخرى ولعل أكثر الجهات التي لا تزال فيها الظاهرة العشائرية نافذة هي بدرجة أولى سيدي بوزيد وقفصة والقصرين وسليانة والكاف وجندوبة، وعلى سبيل المثال لولا عرش الحواميد أكبر عروش ولاية سيدي بوزيد والأوسع امتدادا في الجهات المجاورة لما توفقت قائمات «العريضة الشعبية» في تحقيق النتائج التي حققتها في انتخابات 2011، وإن كتب للقوائم المحسوبة على السيد الهاشمي الحامدي بعض النجاح في انتخابات 2014 فإن الفضل سيعود لعرشه ولامتداداته لاغير، وبالتالي فمن المنتظر أن تشهد العديد من الدوائر الانتخابية تنافسا عشائريا خاليا من أي رهان سياسي حقيقي سوى الرهان على الانتماء العشائري لرئيس القائمة، وهذا من شأنه كذلك أن يفسد مقاصد العملية الانتخابية. «الكاريزما السياسية» هي أيضا من آليات تحريك الجمهور الانتخابي العريض والمقصود بالكاريزما السياسية جملة الخصال والمزايا التي يمتلكها الزعيم السياسي والتي تساهم بدرجات متفاوتة في التأثير على الجمهور الانتخابي، ومن أهم هذه الخصال القدرة على الخطاب والتنويع في تمريره، وسهولة التواصل والقدرة على شدّ الاهتمام ومدى قبول صورة الزعيم لدى الآخر في شكله وفي منظره وفي حركاته وحضوره الاعلامي ومشروعيته السياسية وقياس مصداقيته إلخ....
وتبدو الكاريزما السياسية من الوهلة الأولى مهمة بالأساس بمناسبة الانتخابات الرئاسية، لكن في الحالة التونسية، فإن للكاريزما السياسية دورا مهما في الانتخابات التشريعية بحكم تحمل الزعامات للعبء الأكبر من فعالياتها ومتطلبات حضورها القوي فيها.
وعلى هذا المستوى ، تبدو جلّ الزعامات السياسية مفتقرة إلى هذه الكاريزما التي لا تزال تشدّ الجمهور الانتخابي وتبهره وتوجه أحيانا اختيارات البعض، وقد يكمن الاستثناء في شخصيتين فقط هما شخصيتا السيدين الباجي قائد السبسي وحمة الهمامي.
فالسيد الباجي قائد السبسي يستمد تأثيره من صفته السابقة كرجل دولة في وقت يرى فيه جزء من التونسيين انهم في حاجة إلى رجل دولة، ومن وقاره ومن هيبته التي تميزه عن غيره ك «بلدي» يستهوي الكثيرين وخاصة من تشبهه بالزعيم بورقيبة ومن تمثله لشخصيته.
فالجمهور الانتخابي وهو يتابع الباجي قائد السبسي يستحضر صورة الزعيم بورقيبة المؤثرة سنوات «مجده» وهي الصورة التي يحنّ إليها ويحتمي بها اليوم جزء من الجمهور الانتخابي لأسباب معلومة.
ومن جهة الكازيزما السياسية يتألق السيد حمة الهمامي زعيم «حزب العمال» والناطق الرسمي باسم «الجبهة الشعبية» يتألق بمشروعيته النضالية التي جلبت له احترام معارضيه ومنافسيه قبل احترام أنصاره وعلى هذا المستوى فهو الوحيد محلّ إجماع وطني، مثلما هو محل تقدير الكثيرين لصدقه حتى في أوساط من لا يصوتون له تقليديا، وينفذ أكثر إلى قلوب الناس بلكنته الريفية المحبوبة وبصورته العامة التي تتحسن من يوم لآخر في الشكل وفي المظهر، كما أنه خطيب جيّد ومتمكن على خلاف الكثيرين ويتقن تقنيات تبليغ وتمرير الخطاب وتغيير نسقه بتغيّر المنبر (اعلامي أو حزبي أو عام) أو بتغيّر الجمهور المستهدف، وجميع هذه الخصال والمزايا توفّر رصيدا ايجابيّا يحسب لحمة الهمامي من شأنه ان يمثل دفعا هاما في تعبئة المزيد من الجمهور الانتخابي حول قائمات «الجبهة الشعبية» لو توفقت الماكينة الاعلامية ل «الجبهة» في حسن استغلال القدرات الشخصية لزعيمها وتوظيفها التوظيف الأمثل.
والاعلام هو كذلك من الآليات الرئيسية لتحريك الجمهور الانتخابي فكيف يتقدم المشهد الاعلامي في تونس عشية الانتخابات التشريعية ؟
في ظاهره ، يشبه مشهدنا الاعلامي المشهد الاعلامي في البلدان الأكثر ديمقراطية على النمط الغربي.
فحسب الوسائط، يتوزع على الاعلام المرئي والمسموع والمكتوب والإلكتروني ويتنوع حسب الصفة بين الاعلام العمومي والاعلام المستقل والاعلام الحزبي والاعلام المواطني، مثلما يتراوح حسب الامتداد الترابي بين الاعلام الوطني والاعلامي الجهوي أو حسب المحتوى بين اعلام جامع وآخر متخصص إلخ.
وإن عرف المشهد الاعلامي منذ 14 جانفي 2011 نقلة نوعية وكمية، فإن هذه النقلة أفضت إلى ظفرة اعلامية تتجاوز في الحقيقة حجم السوق الاعلامية التونسية واحتياجاتها لتشكل احدى ثغرات الديمقراطية الناشئة.
يتبع


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.