بقلم: مصطفى قوبعة إن بلادنا في طريقها إلى تحقيق رقمين قياسيين عالميين، الأوّل في عدد شبّانها المجندين للقتال في سوريا بعد أن تحوّلت ظاهرة الإلتحاق بالمجموعات الجهادية من مبادرات فردية معزولة إلى عملية مٌمأسسة والثاني في عدد المترشحين للانتخابات الرئاسية القادمة. يبدو من الوهلة الأولى أنه ليس ثمة رابط أو علاقة بين الظاهرتين ولكن بقليل من التعمق نقف على أن الجامع بينهما هي ثغرات الديمقراطية. فهذان الرقمان القياسيان العالميان ينضافان إلى تراكم أرقام قياسية وطنية تسجلها بلادنا في مختلف المجالات كالأرقام القياسية في تردي خدمات المرافق العامة وفي مقدمتها المرفق العام التعليمي والمرفق العام الصحي والمرفق العام البلدي، والأرقام القياسية التي بلغتها أنشطة التهريب وتبييض الأموال والأرقام القياسية التي تعكس حالة الإنكماش الاقتصادي والأرقام القياسية في نموّ الإقتصاد الموازي وفي تنفّّذ المحتكرين والمضاربين والأرقام القياسية في ضحايا الارهاب والأرقام القياسية في حالات الاجرام الاجتماعي والأرقام القياسية في استهلاك المشروبات الكحولية، والأرقام القياسية الخاصة بالاكتظاظ في السجون وغيرها من الأرقام القياسية... وفضلا عن هذه الأرقام الكميّة «quantitatives» التي يمكن قياسها بدقة ووفق القواعد العلمية المعلومة، فإن بلادنا لم تسلم كذلك من تداعيات تطور أرقام بلغت مستويات قياسية هي من باب المظاهر الكيفية «qualitatives» ويصعب قياسها علميا بدقة ولكنها تبدو بارزة للعيان كالتنامي الغير مسبوق لمظاهر الكسل والتواكل واللامبالاة والتدني المحيّر لسلوكنا الحضاري المواطني وتفشي مظاهر الدجل والشعوذة والتحيل والابتزاز ونزوع المواطن التونسي عموما نحو الأنانية المفرطة في كل مواقع الحياة العامة والمهنية والخاصة، وحالات الانفلات الاعلامي. إنّها أرقام قياسية عالمية وأخرى وطنية لا يمكن فهمها ومقاربتها خارج سياق ثغرات ديمقراطيتنا الناشئة والثقافة والقيم التي تحملها والتي تبقى حتى الآن نقيض الثقافة والقيم المشتركة للمشروع المجتمعي المنشود. إن ثغرات ديمقراطيتنا الناشئة الكمية والكيفية وما أكثرها لم تؤثر سلبا على فعل المشهد السياسي وعلى نجاعته في التعاطي مع الاستحقاقات المطروحة فحسب بل وألقت بظلالها، وهذا الأخطر، على سلوك المواطن التونسي باختلاف انتمائه الاجتماعي وموقعه المهني بما يهدّد بتفكيك ما تبقّى من تماسك المجتمع بعد حالة التفكك التي هو عليها المشهد السياسي. إن سبيل خلاصنا لا يتوقف فقط على حسن الاستعداد للمحطّات السياسية القادمة بل يكمن كذلك وبالتوازي في التعاطي مع ثغرات ديمقراطيتنا الناشئة بكل وعي ومسؤولية وجرأة وإلا نكون قد عبّدنا بأيدينا طريق العودة الى الاستبداد من الباب الكبير لآليات الانتقال الديمقراطي.