بودربالة والسفير الإيطالي: ضرورة تكثيف جهود مواجهة الهجرة غير النظامية    جامعة التعليم الأساسي: ترسيم 850 عونا وقتيا    وزارة التربية تتعهّد بانتداب 1000 أستاذ نائب    مدير عام وكالة النهوض بالبحث العلمي: الزراعات المائية حلّ لمجابهة التغيرات المناخية    عاجل/ بشرى سارة للفلاحين: التخفيض في سعر هذا الصنف من الأعلاف    عاجل : القبض على شخص متهم بالإنتماء إلى تنظيم إرهابي    بطولة الرابطة المحترفة الاولى (مرحلة التتويج): حكام الجولة الخامسة    رقم قياسي جديد ينتظر الترجي في صورة الفوز على صن داونز    القلعة الصغرى : الإحتفاظ بمروج مخدرات    المنيهلة : إصابة 5 ركاب في حادث مرور    معتز العزايزة ضمن قائمة '' 100 شخصية الأكثر تأثيراً لعام 2024''    عاجل/ في ارتفاع مستمر.. حصيلة جديدة للشهداء في غزة    تم انقاذها من رحم أمها الشهيدة: رضيعة غزاوية تلحق بوالدتها بعد أيام قليلة    في مبادرة تضامنية نوعية مع فلسطين: أطفال تونس يصنعون الحدث ويدخلون تاريخ الإنسانية من الباب الكبير    شركة النقل تتفاعل مع "الشروق": نحرص على عودة النسخة الشعبية ل "إيبيزا" في أقرب الأوقات    توزر: المخيم الوطني التدريبي للشباب المبادر في مجال الاقتصاد الأخضر مناسبة لمزيد التثقيف حول أهمية المجال في سوق الشغل    الرئيس المدير العام لمركز النهوض بالصادرات: واقع المبادلات التجارية بين تونس وكندا لا يزال ضعيفا    وقفة احتجاجية لعدد من أصحاب "تاكسي موتور" للمطالبة بوضع قانون ينظم المهنة    هرقلة: ضبط كمية من "الكوكايين" و"الزطلة" بسيارة    مأساة جديدة في المهدية: يُفارق الحياة وهو بصدد حفر قبر قريبه    70 بالمئة من الأمراض تنتقل من الحيوانات ..مختصة في الثروة الحيوانية توضح    مؤتمر وطني علمي حول الأنشطة البدنية والرياضية بمدينة طبرقة    تراجع إنتاج التبغ بنسبة 90 بالمائة    كم تبلغ معاليم مسك الحساب بالبريد التونسي؟    تقلص العجز التجاري الشهري    13 قتيلا و354 مصابا في حوادث مختلفة خلال ال24 ساعة الماضية    السعودية على أبواب أول مشاركة في ملكة جمال الكون    وقفة احتجاجية ضد التطبيع الأكاديمي    الوكالة الفنية للنقل البري تصدر بلاغ هام للمواطنين..    الحكومة الإسبانية تسن قانونا جديدا باسم مبابي!    الرابطة الأولى: كلاسيكو مشوق بين النجم الساحلي والنادي الإفريقي .. وحوار واعد بين الملعب التونسي والإتحاد المنستيري    فاجعة المهدية: الحصيلة النهائية للضحايا..#خبر_عاجل    تسجيل 13 حالة وفاة و 354 إصابة في حوادث مختلفة خلال 24 ساعة    لاعب الترجي : صن داونز فريق قوي و مواجهته لن تكون سهلة    فريق عربي يحصد جائزة دولية للأمن السيبراني    أخصائي في أمراض الشيخوخة: النساء أكثر عُرضة للإصابة بالزهايمر    وزارة المرأة : 1780 إطارا استفادوا من الدّورات التّكوينيّة في الاسعافات الأولية    تُحذير من خطورة تفشي هذا المرض في تونس..    هرقلة: الحرس البحري يقدم النجدة والمساعدة لمركب صيد بحري على متنه 11 شخصا    أمين قارة: إنتظروني في هذا الموعد...سأكشف كلّ شيء    دورة مدريد : أنس جابر تنتصر على السلوفاكية أنا كارولينا شميدلوفا    بطولة انقلترا : مانشستر سيتي يتخطى برايتون برباعية نظيفة    عاجل : القبض على منحرف خطير محل 8 مناشير تفتيش في أريانة    وصفه العلماء بالثوري : أول اختبار لدواء يقاوم عدة أنواع من السرطان    طقس الجمعة: سحب عابرة والحرارة تصل إلى 34 درجة    تنزانيا.. مقتل 155 شخصا في فيضانات ناتجة عن ظاهرة "إل نينيو"    إثر الضجة التي أثارها توزيع كتيّب «سين وجيم الجنسانية» .. المنظمات الدولية همّها المثلية الجنسية لا القضايا الإنسانية    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    الفنان رشيد الرحموني ضيف الملتقى الثاني للكاريكاتير بالقلعة الكبرى    جريمة شنيعة: يختطف طفلة ال10 أشهر ويغتصبها ثم يقتلها..تفاصيل صادمة!!    قبلي : اختتام الدورة الأولى لمهرجان المسرحي الصغير    تتويج السينما التونسية في 3 مناسبات في مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة    أكثر من نصف سكان العالم معرضون لأمراض ينقلها البعوض    في أول مقابلة لها بعد تشخيص إصابتها به: سيلين ديون تتحدث عن مرضها    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"المرزوقي":غدا احسم قراري حول الترشح للرئاسية ..علاقتي مع "النهضة" استراتيجية وليست انتهازية..واقتراح الرئيس التوافقي كلام "فارغ"
نشر في التونسية يوم 19 - 09 - 2014


الديمقراطية ليست أن تجتمع النخب وتختار رئيساً
"داعش" هو ثمرة الخطايا والأخطاء التي ارتكبتها الأنظمة العربية المستبدة طيلة 50 عاماً
هاجسي الأكبر هو ليبيا، التي تمثل فضاءنا الحيوي
الأخوة المصريون لهم نموذجهم ونحن لنا نموذجنا
الثورة التونسية حققت أهدافها في بناء أسس الديمقراطية وصياغة دستور جديد
أفشلنا محاولة انقلابية
اجرى موقع "العربي الجديد" الالكتروني حوار مطولا مع محمد المنصف المرزوقي رئيس الجمهورية تطرق فيه الى عدة ملفات مهمة تتعلق اساسا بترشحه الى رئاسة الجمهورية والى مقترح الرئيس التوافقي كما تحدث فيه عن علاقته بحركة النهضة وبمكونات المشهد السياسي وعن احباط الثورة المضادة والوضع الاقليمي المحيط بتونس وعن داعش وغيرها من المواضيع التي جاءت في الحوار التالي:
* هل قررتم خوض الانتخابات الرئاسية؟
- عذراً عن عدم الإجابة الآن، لأن قراري النهائي سأعلن عنه يوم 20 سبتمبر.
* لو قررتم خوض الانتخابات، ما رأس المال الذي ستستندون عليه؟ هل سيكون رصيدكم في ذلك تحملكم مسؤولية رئاسة الدولة بعد الثورة أم لديكم معطيات أخرى؟
- يمكنني القول إني خدمت الشعب التونسي منذ ولادتي بحكم أني ابن أسرة مناضلة. لقد عشت السنوات الأخيرة من مرحلة الاستعمار، ثم عايشت الصراع الذي اندلع بين البورقيبيين واليوسفيين، إذ تمكن والدي من الهروب خارج البلاد، ولجأ إلى المغرب وبقي هناك 33 عاما إلى أن توفي بعيداً عن وطنه. وقد اضطررت مع عائلتي أن نلتحق به حتى لا نموت من الجوع. ليست لي حياة خاصة، وإنما حياتي ارتبطت بهذا البلد. وبعدما تخرجت من الجامعة عدت إلى تونس لأخدم هذا الشعب كطبيب للفقراء. ثم تشرفت لكي أكون رئيساً للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان. ودافعت عن حقوق المواطنين بالكتابة والممارسة، وهو ما أثار غضب السلطة، إذ طردت من عملي وأدخلت السجن، وتعرضت لمختلف أنواع التنكيل بما في ذلك المساس بشرفي، والحرص على إخراجي من بلادي.
كنت أول من قال إن نظام زين العابدين بن علي (الرئيس المخلوع) لا يصلح ولا يُصلح. وكنت أول من ظهر على تلفزيون "الجزيرة" ليؤكد أن النظام لن يسقط إلا بثورة شعبية سلمية يُسهم فيها الشباب ويستفاد خلالها من تكنولوجيا الاتصال. سخروا مني يومها، لكن هذا ما حدث فيما بعد. وقد تم تشريفي بأن أكون أول رئيس عربي ينتخب في تونس لمدة ثلاث سنوات، خدمت خلالها هذا الشعب بكل إخلاص. وسيكتب المؤرخون أني أفشلت الثورة المضادة وحافظت على الحقوق والحريات. هذا هو رصيدي، حياة كاملة من دون انقطاع من النضال وخدمة هذا الشعب.
* هل لديكم استعداد لقبول مقترح الرئيس التوافقي الذي طرحته حركة "النهضة"؟
-الحديث عن رئيس توافقي لا معنى له (كلام فارغ). التوافق ضرورة في مرحلة ما. لا أعتقد أنه كان بالإمكان كتابة دستور بطريقة انتخابوية تعطي الأولوية لأغلبية بنسبة 51 في المائة. الدستور لا يمكن إلا أن يكون توافقياً. وكذلك الشأن بالنسبة للمراحل الانتقالية، إذ يفرض فيها التوافق كحل فريد. لكن بعد ذلك يجب أن يطلع الشعب على مواقف وبرامج مختلفة. يجب أن نسمح للديمقراطية بأن تلعب دورها.
الديمقراطية هي رفض فكرة الإجماع. تاريخ العرب قائم على فكرة الإجماع، لكن دائماً يتضح أنه إجماع مزيف وإجماع عنيف. إذن الوفاق مرحلي واستثنائي، في حين أن المجتمع تعددي، والديمقراطية هي النظام الذي يتولى تنظيم هذه التعددية التي يفرضها وجود مصالح وآراء مختلفة. على الأحزاب والأفراد التوجه نحو الشعب لتقديم اختياراتهم. ليست الديمقراطية أن تجتمع النخب لتختار رئيساً ثم تطلب من الشعب أن يبصم على ذلك. أنا مع الوفاق عندما يجب الوفاق، ولكن أنا مع الديمقراطية التي يجب أن تلعب دورها.
* كيف تقيمون تجربتكم مع حركة "النهضة"؟ أي إلى أي مدى حافظتم على استقلاليتكم تجاهها؟
- الفكرة الرئيسية التي تميز التجربة التونسية أن المجتمع قائم على التعددية، وهو منقسم بين من هو مع الحداثة وبين من هو مع الهوية. لكن ليس صحيحاً أن كل حداثي هو معادٍ بالضرورة للهوية، أو العكس. فكثير مثلي من المتمسكين بالهوية والحداثة.عندما يكون المجتمع منقسما على ذاته، هناك من ينصب نفسه وصياً على غيره، ويعتبرهم قصراً ويحاول أن يفرض نفسه عليهم. اكتشفت منذ التسعينيات أن هذا التقسيم بين العلمانيين والإسلاميين سيؤدي إلى كارثة، ودعوت إلى ضرورة إلغائه واستبداله بالعمل على التوفيق بين الحداثة والهوية.
بناءً عليه، علاقتي بحركة "النهضة" علاقة استراتيجية وليست انتهازية. ويذكر الأخ صلاح الدين الجورشي أنه عندما اندلع الخلاف حول ميثاق رابطة حقوق الإنسان، انحصر الخلاف في أربعة أو خمسة مبادئ مثل الإعدام وحرية المعتقد وحرمة زواج المسلمة بغير المسلم. ودارت يومها معركة طاحنة، لكن دعوت شخصياً الجميع إلى الاعتماد على الجزء الأكبر مما تم التوافق عليه، وأن نترك بقية البنود المختلف حولها إلى ما بعد وذلك من أجل توحيد الجهود ضد الدكتاتورية.
كنت دائماً مقتنعاً بأن السياسية يجب أن تبقى فوق الأيديولوجيا، وألا نسمح للمجتمع بأن يصبح ضحية الاستقطاب الثنائي. فأنا في حاجة إلى حركة النهضة لبناء النموذج التونسي، الذي لا يقوم على التمييز بين المواطنين، ويوفر الحرية للجميع. هذا لا يمنع قيام الخلافات. وعلى هذا الأساس كتبت رسالة قُرئت في افتتاح حزب المؤتمر أكدت فيها أن العلاقة مع حركة النهضة استراتيجية، لكن أشرت فيها أيضاً إلى اختلافي معها حول عدد من المسائل تتعلق بأدائها خلال حكم الترويكا، وهو ما أثار ضجة ودفع بالبعض من كوادر حركة النهضة إلى الانسحاب من القاعة. هذه هي علاقتي بالنهضة، تعاون استراتيجي مقابل اختلافات حول مسائل اقتصادية أو اجتماعية.
* إذاً أنتم مدركون الخلاف الإسلامي العلماني الموجود في أكثر من بلد عربي؟
- نعم، أعرف ذلك، وأرى فيه كارثة. نحن في تونس لدينا علمانيون معتدلون أفتخر بالانتماء إليهم، كما يوجد عقلاء وحكماء من التيار الإسلامي، وأحييهم بالمناسبة، وفي مقدمتهم الشيخ راشد الغنوشي. فالذي يجمع بيني وبينه الكثير. نحن مثقفان ومفكران، وجمعتنا في بيته بلندن نقاشات مطولة. وأذكر أنه يوما جاءنا إلى باريس وهو متخف لأنه كان ممنوعاً من دخول فرنسا، وكانت بيننا نقاشات فكرية مطولة. ثم قررنا أن نتعاون بعدما اقتنعنا أن تونس في حاجة إلى تحقيق مصالحة بين الديمقراطية والهوية. فالديمقراطية ليست ديناً يُنافي ديناً آخر، وإنما هي طريقة عمل وحل للخلافات والصراعات السياسية. وبذلك تفادينا الصدامات الموجودة في البلدان الأخرى. ولو عاد النظام القديم لا قدر الله، نعود إلى أجواء التسعينيات من أجل الدفاع عن نفس القضايا والتوجهات. فعدونا الأساسي هو الفقر والتخلف.
* تحدثتم عن المحاولة الانقلابية، هل يمكن أن نعرف ضد من قامت؟
- كلما قامت ثورة، إلا وقامت بعدها مباشرة ثورة مضادة. فالذين فقدوا السلطة لن يبقوا مكتوفي الأيدي. وهؤلاء كانوا بمئات الآلاف، سواء الذين كانت لهم الكعكة الكبرى أو الفتات. ولهذا حدثت خلال السنوات الثلاث الأخيرة محاولات كثيرة من أجل استعادة خسائر هذه الأطراف. يومياً كنا نصارع الثورة المضادة. فالدولة العميقة موجودة في الإدارة وفي الإعلام، ثم صارت محاولة انقلابية بأتم معنى الكلمة. فعندما تمت محاصرة المجلس التأسيسي، ورفعت أصوات تطالب أعضاءه بالرحيل، في حين أن هذا المجلس منتخب. ثم ماذا يعني مطالبة رئيس الجمهورية بالاستقالة رغم كونه منبثقاً عن المجلس التأسيسي باعتباره السلطة العليا الشرعية في البلاد. كما دعا هؤلاء الجيش إلى التدخل، وانطلقوا في تشكيل حكومات جديدة. كما وجهوا إنذارات إلى الولاة من أجل إثارة الرعب في صفوف الشعب التونسي. كل هذه المؤشرات تدل على وجود رغبة للانقلاب على الشرعية. لست أنا الذي أفشل هذا الانقلاب، وإنما هو الشعب التونسي الذي لم يستجب لتلك الدعوات. والذي أفشل هذا الانقلاب هو الجيش وكذلك الأمن الجمهوري الذي أفشل تلك الدعوات ووقف إلى جانب الشرعية. بطبيعة الحال قمت شخصيا بدوري، ولكن لولا الشعب والجيش والأمن لتحقق ما أرادوا. وهكذا استمر المجلس التأسيسي، وبقيت مؤسسة الرئاسة ثابتة. أما انسحاب حركة النهضة من الحكومة فقد حدث ذلك بموجب التوافق فيما بيننا. وهكذا فشلت هذه المحاولة، وبقيت منظومة 23 أكتوبر/تشرين الأول 2011.
* ما الدرس الرئيسي من التجربة التونسية؟
- لقد اخترنا الطريق الصحيح. في المقارنة مع دول أخرى، حافظنا على الدولة وعلى الحريات وعلى السلم المدني وعلى المسلسل الانتخابي، وبقي الاقتصاد يدور رغم ما واجهه من صعوبات. وبعد ذلك قارن ما حدث في البلدان العربية الأخرى، والتي غلّبت منطق الأيديولوجيا على المصالح. ومهما كانت الأوضاع والكلفة سنذهب إلى الانتخابات.
لقد حققت الثورة أهدافها، وهي بناء أسس الديمقراطية وصياغة دستور جديد. وبعدها نتجه إلى الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي لا تزال متعثرة.
* هل لديكم تعليق عن الأخبار المتعلقة بالوضع الصحي للمرشح الرئيسي المنافس لكم في الانتخابات الرئاسية الباجي قايد السبسي.
- لا ليس لدي تعليق
* كيف تفسرون عودة رموز النظام القديم بعد ترشح خمسة أشخاص منهم على الأقل؟
- أنا من قرّاء التاريخ إلى جانب حبي الشعر. وقد قرأت كثيراً عن تاريخ الثورات المضادة في دول كثيرة. والتاريخ تجارب، وبالاطلاع عليها تصبح أكثر قدرة على تنسيب الأمور. وفي تونس الأمور تسير على أفضل حال بعد التغلب في الجولات السابقة على الثورة المضادة. ففي المثال الفرنسي تم قطع الرؤوس، وكان الرد السوفييتي بإنشاء الغولاك.
نحن في تونس ساعدنا الله على ذلك. وأنا فخور بتونسيتي. وغداً عندما يدرّس تاريخ الثورات، أعتقد أنه سيدرج في ذلك التجربة التونسية. وللثورة المضادة وسائل متعددة من بينها إثارة الفوضى ونشر العنف، مع أنها في تونس فقد اتخذت منحى جديداً يسهل عملية الإجهاز على الثورة عن طريق الانخراط في الانتخابات، لكن الشعب التونسي ليس غبياً ليعيد انتخاب رموز أوصلوا البلاد إلى حالة الإفلاس. عليك أن تكون قوياً، واثقاً من نفسك وفي شعبك. فالثورة المضادة تحاول أن تستعيد مكاسبها السابقة بالفوضى، وهي الآن تعمل على تحقيق ذلك من خلال الانتخابات، لكن كما لم تسترجعها بالفوضى والتهديد بالانقلاب، فلن تسترجعها بالانتخابات.
* وماذا عن العمليات الإرهابية التي شهدتها تونس في الفترة الماضية؟
- هذه الجماعات جزء مستورد وآخر محلي. وأول عملية إرهابية حدثت في تونس كانت في 2006. وقد ظننت يومها بكونها خدعة من النظام، لكن تأكد لي بكونها صحيحة. وقد أكدت يومها على ضرورة انتهاج التغير السلمي لأنه إن لم ينجح ذلك فإن العنف سيصبح هو البديل. كنا في سباق، ولو لم تقع الثورة السلمية الديمقراطية لواجه النظام هذه الجماعات مضروبة في ألف. وقد أثبتت الأحداث أن هذه الجماعات لها مشروع مجتمعي آخر. وقد بقيت هذه الجماعات مترددة في البداية قبل أن تقرر الدخول في صدام مع القوى التي سحبت منها البساط وأخرجتها من دائرة الفعل. لقد كان هناك سباق بين المشروعين وأعتقد بأن المشروع العنفي قد سقط في تونس سابقاً لمصلحة المشروع الديمقراطي السلمي. وفي اعتقادي أنه سيسقط هذا المشروع في المستقبل لأن هذا النظام القائم حالياً في تونس ليس فاسداً، وهو شرعي ويخدم مصلحة الشعب، ولذلك ستبقى هذه الجماعات في تسلل ثم ستبقى بالأساس أيادٍ خارجية لضرب الثورة. ثم إن هذا الشعب ليس كبقية الشعوب العربية، فهو متجانس وليس به طوائف، إضافةً إلى كونه يتميز بطبقة وسطى، ويمتع بثقافة واسعة، وقد ذاق الحرية وهو ما يجعل هذه الجماعات بدون منفذ للتأثير على المواطنين.
* راهنتم كثيراً على ليبيا، فهل أصبحت اليوم تشكل تهديداً خطيراً على تونس. كيف حصل هذا التحول؟
- صدقني إذا قلت لك إن هاجسي الأكبر هو ليبيا، لأنه عندي ثقة كبيرة في تونس. لقد حسمنا المعركة ووضعنا الدستور، وننظم حالياً الانتخابات. وبغض النظر عمن سيفوز فإن تونس لها من المتانة ما يجعلها قادرة على تذليل كل الصعوبات ومواجهة كل المخاطر، لكن المشكلة تبقى في ليبيا التي تمثل فضاءنا الحيوي. إذا كان هناك شعبان متواصلان فإنهما الشعب التونسي والشعب الليبي، إذ يعيش بيننا مليونا ليبي في بلد لا يتجاوز عدد سكانه عشرة ملايين نسمة. نحن شعبان ممسوكان من نفس الصدر، ولذلك نحن نتابع يومياً تطورات الحالة الليبية. وحسب اعتقادي فإن ليبيا أمام نموذجين، أولاً: الاستقطاب الثنائي بين علمانيين وإسلاميين كل يفكر في تصفية الآخر. أما نحن نحاول أن نقدم النموذج التونسي وأن نقنع الليبيين بأن المطلوب منهم تحقيق وفاق وطني وإنجاز دستور للبلاد. وهذا ما نشتغل عليه يوميا بشكل رسمي ومن وراء الستار.
* هناك تحالف من 40 دولة ضد تنظيم "داعش" هل هذه مناورة أو حقيقة؟
- بالنسبة ل"داعش" هذا العنف الذي يمارسه غير مقبول مطلقاً. وأنا بالنسبة لي فإن استهداف الأقليات المسيحية والأيزيدية أمر يندى له الجبين، وكمسلم وحقوقي أؤكد على تضامني مع هذه الأقليات وغيرها. ومن شرفنا أن ندافع عن هذه المجموعات ونعتبرها جزءاً لا يتجزأ من أمتنا.
نحن الآن أمام مشروعين: مشروع تدافع عنه تونس وهو حكم المعتدلين وتحقيق التعايش بين الديمقراطية والهوية، ونشر العدالة الاجتماعية. وفي المقابل مشروع التصادم بين مكونات المجتمع الواحد أو الهروب إلى الأمام عبر هذه الجماعات الرادكالية.
المعركة مع "داعش" ليست معركة أمنية إنما هي معركة تصورات ومشاريع، أي معركة حضارية. في اعتقادي "داعش" هو ثمرة الخطايا والأخطاء التي ارتكبتها الأنظمة العربية المستبدة طيلة 50 عاماً. ولولا ذلك لما ظهر "داعش" ولا غيره. إنه من الثمار المرة التي ولّدتها هذه الأوضاع.
هذا يؤكد أن المعالجة العسكرية والأمنية ليست الحل، ومن يراهن على ذلك فهو واهم. أنتم تعلمون أن في صفوف "داعش" شباباً تونسيين ومن بينهم حاملو شهادة دكتوراه. وهذا هو الشيء الذي يجب أن نسأل أنفسنا عنه. صحيح قد نصبح لا خيار لنا أمام اللجوء إلى المعالجة العسكرية، لكن في اعتقادي أن ذلك من شأنه أن يغذي "داعش" ولا يقضي عليه. إذا أردنا القضاء على هذه الجماعات علينا أن نشكل في كل بلد حكومات وطنية، إطلاق سراح المساجين السياسيين وبناء جبهات داخلية تقوم بإصلاحات اقتصادية.
* الساحة الفلسطينية أمام استراتيجيتين: "حماس" والسلطة، فإلى أي طرف تميل تونس؟
- لا هذه ولا تلك، هاجس تونس هو تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية. فتونس ليست دولة جوار وهي تعلمت من التجارب أن الذين حاولوا التدخل في الشأن الفلسطيني أضرّوا بالقضية. وتونس لا تنوي الوقوع في هذا الخطأ. وعندما التقيت الأخ خالد مشعل أخيراً أو الرئيس محمود عباس الذي سأراه قريباً في نيويورك (الجمعية العامة للأمم المتحدة) أؤكد دائماً أن تونس في خدمة الجميع، نحن معكم ولكننا لسنا بديلاً عنكم وما تقررونه نحن نلتزم به.
* هل من جديد في العلاقات التونسية المصرية بعد وصول الرئيس عبد الفتاح السيسي للحكم؟
- نحن نعتبر أن مصر دولة شقيقة وكبرى ومستقلة. والأخوة المصريون لهم نموذجهم ونحن لنا نموذجنا. نحن متمسكون بالنموذج التونسي الذي قام على دستور وإخلاء السجون من المساجين السياسيين واحترام للحريات. نحن متمسكون بهذا النموذج ولا نريد تصديره لأحد وفي المقابل لا نريد أن يفرض الآخرون علينا نموذجهم.
* وماذا عن علاقتكم بالجزائر؟
- العلاقة جيدة جداً، مبنية على الثقة وعلى نفس الرؤية. الجزائريون يرفضون التدخل العسكري في ليبيا، ونحن أيضاً نؤيد هذا التوجه، وإن كنا نحن مع جميع دول المغرب العربي إلى جانب علاقتنا الطيبة مع الموريتانيين ومع جميع الدول العربية.
* هل أنتم بصدد الإعداد لكتاب جديد؟
- أنا هاجسي القراءة والكتابة، وأقرأ في اليوم بين ساعة وساعتين على الأقل. هناك كتاب سيصدر قريباً في الأسبوع المقبل عن النموذج التونسي وإشكاليات الربيع العربي. وهذا هو قدر المثقف العربي سواء كان رئيساً أم في موقع آخر. ما هو المثقف؟ هو الذي يلتقط الأحداث، وهو الذي يفكر داخل المجتمع وهو الذي يلتقط التفكير الجماعي. والكاتب الجيد هو الذي يحسن كشف الروابط والتعبير عنها.
* آخر كتاب أنتم بصدد مطالعته؟
- أنا أطالع كثيراً، وفي هذه الأيام أقرأ رواية جيمس جويس (يوليسز)، ورواية مائة عام من العزلة لغبريال ماركيز وكتاب ثالث عن الثورة التكنولوجية. فأنا أطالع بين ثلاثة وأربعة كتب في نفس الوقت.
* أهم لقاء فكري نظّمته أو شاركت فيه وأثر فيك؟
- حاولت في البداية أن أنظم في القصر الرئاسي لقاءات فكرية، لكن تطورات الأحداث السياسة في تونس حالت من دون تواصل التجربة. آخر لقاء كان مع المفكر اللبناني جورج قرم الذي قرأت الكثير من كتبه وأعجبت بها. وقد فتح النقاش معه العديد من الآفاق وهو ما جعلني أدعوه من جديد إلى تناول الإفطار صباحاً بعدما بقيت جائعاً لمعرفة بقية أفكاره. وهو شخص مهم من ناحية فكره الاقتصادي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.