بقلم : عبد السّلام لصيلع المتأمّل في الكمّ الكبير من الجرائد التونسية الصادرة في تونس اليوم، يوميّة وأسبوعية، يشعر بالغّثيان والدّوار...فالعناوين متشابهة، والمضامين نفسها، وعبارات السبّ والشّتم والمسّ بأعراض النّاس والتّطاول على الأخلاق تتكرّر، وقصص الفضائح والجرائم والمشاكل العائلية هي المهيمنة في تنافس محموم ورديء مع حروب السياسة والسياسييّن ، كلّ هذا وغيره جعل القارئ التونسي الجدّي والجيّد والمحترم يهجر هذه النوعيّة من «صحافة» آخر زمان ويبحث عن جريدة تحترم نفسها، لا تجري وراء الإثارة والإستفزاز، ولا تبتزّ جيوب النّاس بالأكاذيب والإشاعات ولا تتهافت على خدمة الأجندات الدّاخلية والخارجيّة، ولا تتاجر بالدّين والوطن... يبحث عن جريدة متوازنة ومتّزنة، ليس هدفها الرّبح التجاري في المقام الأوّل... يبحث عن جريدة يتعلّم منها ويستفيد بالمعلومة الصّحيحة والرّأي السّديد والفكرة الصّادقة، بلغة عربيّة سليمة تجعل سيْبويه ينام مطمئنا في قبره، على عكس ما نرى اليوم في جرائد تونس، نرى لغة لا نعرف هل هي فصحى أم دارجة أم خليط من لغات أجنبيّة؟ من هذا المنطلق نفهم لماذا انخفضت مبيعات جرائد تونس وتراجعت ولم يستطع القارئ مواصلة استنزاف جيبه باقتناء جريدة لا يجد فيها المواصفات التي يريدها. وهنا نطرح سؤالا يطرحه كل المثقفين والأدباء والكتّاب والمبدعين في بلادنا هو : أليس من المحيّر أنه لم تعد جرائد تونس تهتمّ بالثقافة والأدب والإبداع ؟ فعلا إنّه أمر محيّر... ولكنّ المسألة واضحة ومفهومة في النهاية عندما نعرف أنّ المجالات الثقافية والأدبيّة والإبداعية هي الخاسرة والمتضرّرة في هذه السنوات الثلاث التي مرّت. وكان من المفروض والواجب ألاّ تتخلّى جرائد تونس عن الثقافة والمثقفين، وعن الأدب والأدباء، وعن الإبداع والمبدعين. وليس من باب المجاملة عندما أقول إنّ جريدة «التونسية» تسعى لتكون مختلفة بتقديم مادّة صحفية نظيفة بعيدة عن «المستنقعات» وأن يكون لها موقع في مقدّمة المشهد الصّحفي والإعلامي، بلغة الحقيقة والعقل، وبالقطع مع العادات السيّئة في العمل الصّحفي التي جعلت أعدادا كبيرة من القرّاء يقاطعون الجرائد. وقد اهتدى فريق التحرير في جريدة «التونسية» إلى وضع خطّ تحريري سليم جعل النّاس يقتنعون بما تنشره، حيث نشاهدهم يحملونها في الحافلة والمقهى والإدارات وفي الحديقة العموميّة وفي المستشفى، وفي مختلف المرافق العامة والخاصّة... وهذا يفرض على أسرة «التونسية» مسؤولية مواصلة الجهد للمحافظة على شعارها وهو «الخطّ المستقيم» مع تطوير أدائها ومزيد الإرتقاء بمحتواها وإخراجها والإقتراب أكثر من شواغل كلّ الناس وجميع مناطق البلاد. ونظرا لخطّها المستقيم وجدّيتها واعتدالها، أكتب في «التونسية» وأحاول أن أكون حرّفا جادّا من حروفها على درب الكلمة الهادفة المعبّرة عن هموم الطّيّبين وآمالهم وآلامهم وطموحاتهم وتطلّعاتهم هذه خواطر.. عطرة إلى «التونسية» وطاقمها وقرائها بمناسبة صدور العدد الألف في مسيرتها الموفّقة.