ليس من باب الإلحاح في الحديث والتحليل والتمحيص في تفاصيل وأبعاد ما ورد في اللافتة التي رُفعت في ملعب 15 أكتوبر ببنزرت والمتضمنة لإساءة وإهانة لأهلنا في ساحلنا العزيز والمناضل في ظل تعدّد القراءات وتنوع زوايا النظر التي تجمع بين السياسي والاجتماعي مثلما هي أيضا ومضة انفعالية من شباب لا يتعدى سنهم الثامنة عشرة، أعجبهم ما تم تداوله في ملاعب أخرى ليعيدوا الكرّة بعيدا عن كل أشكال التوظيف... وهذا ليس تقليلا من حدّة الإهانة الواردة باللافتة ولكنّه في عمقه لا يناقش أبعادا ثقيلة المعاني... صحيح هي إهانة وإساءة وخروج عن نصّ الأخلاق الحميدة وتكريس للجهويات وهي نعرة أخشى ما نخشاه جميعا أن تكبر وتستفحل في غفلة منّا، خاصة وأن الأرضية الخصبة لذلك للأسف متوفرة... ولكن ضيق أفق من أسّس لكتابة تلك اللافتة وحوّلها بمفعول الزمن الى ما يشبه الأزمة التي ترافق النجم الرياضي الساحلي في تنقلاته غاب عنه أن النجم والافريقي والترجي والنادي الصفاقسي أندية عابرة للجهات... بمعنى أن أنصار هذه الفرق لا يوجدون فقط في معاقلها ونعني مدنها بل هم منتشرون في مختلف أنحاء الجمهورية وحتى خارجها... ثم إننا اليوم نعيش اختلاطا في كل المدن من مختلف الجهات... فالساحلي تجده في العاصمة وفي بنزرت والوطن القبلي والجنوب مثلما تجد الصفاقسي والبنزرتي ومن هو من أصيلي العاصمة... وهو ما ترتب عنه اختلاط في النسب والعلاقات الأسرية، بما يُلغي ويُفرغ كل لافتة تقصد الإهانة الى جهة معينة من محتواها... نحن لسنا في الكالشيو الإيطالي عندما يدخل جمهور نابولي الجنوبي الى ملعب ميلانو ليجد في انتظاره لافتات تقول له «مرحبا بكم في إيطاليا...» ولسنا في فرنسا لنرى ما نرى في مباريات باري سان جرمان وأولمبيك مرسيليا من جهويات... نحن في تونس الحبيبة التي أعطى أبناؤها المثل الرائع للعالم في صدر الثورة عندما كانوا ومازالوا متراحمين ومتراصي الصفوف ولن يقوى أي تيار على جرّهم الى مستنقعات التفرقة والجهوية... فيوم أهدى النادي البنزرتيتونس كأسه الافريقية الأولى في تاريخها لم تكن الفرحة في بنزرت فقط ويوم لمع نجم النجم الرياضي الساحلي في سماء العالمية في اليابان كنا جميعا نستيقظ باكرا لتشجيع النجم التونسي... وآخر عيّنة رائعة جاءتنا من ملعب حمدة العواني بالقيروان عندما هتف جمهور الشبيبة وفريقه منهزم أمام النادي الصفاقسي باسم الفرجاني ساسي لأنه زرع الفرحة في قلوب كل التونسيين بهدفه الثمين مع المنتخب الوطني ضد السينغال... هكذا نحن التونسيون... متآزرون... متحابون... ومن في يده حجر فليسقطه لأننا نخشى أن يُصيب به الروح في الصميم. الوقاية خير من العلاج الاجراءات الوقائية التي تلغي كل امكانية لتكرار ما حدث في ملعب بنزرت متاحة وممكنة وليست بعيدة المنال.. فالمعروف أن أحباء الأندية التي تلعب على ميادينها عادة ما تقوم بوضع الأعلام واللافتات قبل بداية المباراة وقبل دخول الجماهير بساعتين على الأقل وهنا مربط الفرس... فلماذا لا تقع عملية مراقبة من الأطراف المعنية من هيئة مديرة وأمن لإلغاء كل لافتات تحمل شعارات منافية للأخلاق وتدعو الى الجهويات وعندما تحدث العملية قبل دخول الجماهير ستكون مؤمنة ومضمونة ولن تثير أيّة ردود فعل... مع تشديد المراقبة على أبواب دخول الجماهير... فمنذ سنوات والرابطة الوطنية قد تحوّلت الى قباضة مالية جرّاء استعمال الشماريخ فتواصلت الخطايا المالية ولم تتمكن من تجفيف المنابع التي تأتي منها الشماريخ... وقس على ذلك. ومتى كانت المراقبة صارمة ودقيقة ستكون الوقاية خير من العلاج... ثم إن ما حدث في لقاء قوافل قفصة والنجم الساحلي عندما تمسك الحكم يوسف السرايري بعدم اعلان بداية المباراة إلا بعد أن تكف الجماهير عن العنف اللفظي وفعلا فقد انطلقت المقابلة بشيء من التأخير بعد أن تمت الاستجابة لما طلبه حكم المقابلة... وعليه فإن ما قام به السرايري يتعين تعميمه في كل الملاعب في حال الخروج عن النصّ... وبمعنى أوضح الحلول الوقائية موجودة ولا تنتظر غير تفعيلها.