عودة الدكتاتورية واردة في ظلّ الاستقطاب الثنائي غياب التخطيط الدقيق والحلول الناجعة وراء أزمة تونس حوار: أسماء وهاجر رغم الفشل في الانتخابات التشريعية وما شابها من محاولات لتقزيم بعض الاحزاب ونعتها بجرحى الانتخابات وجماعة الصفر فاصل لازال حزب «التحالف الديمقراطي» مؤمن بفكرة التّموقع عبر تحقيق برنامج اقتصادي واجتماعي يضمن الكرامة الاقتصادية والدخل والتشغيل التي تبقى السبيل الوحيد لاستمرار الكرامة السياسية التي أتت بدماء الشهداء وبنضالات رجال تونس ضدّ الاستبداد... «التونسية» التقت الدكتور المنصف شيخ روحه دكتور دولة واستاذ جامعي في المدرسة العليا للتجارة بباريس, والقيادي بحزب «التحالف الديمقراطي» والعضو السابق في المجلس التأسيسي والذي سبق له أن تقلّد العديد من المناصب الهامة والحساسة في الدولة التونسية وفي العالم. وحاورته حول «الغول والتغول» الذي من منظاره يهدد التونسيين وكذلك الخلفية السياسية لرسالة المنصف المرزوقي للباجي والبرامج الاقتصادية التي من شأنها أن تحقق كرامة التونسي وتنهض بالمناطق المحرومة وتمد يدها للشباب حتى لا يكون خياره بين الموت أو التطرف وسلك طريق «الدواعش» و«الدواحس» الى جانب رأيه في تدخل الرباعي للحوار والعديد من مستجدّات المشهد السياسي... فشل في الانتخابات التشريعية... ماذا أعددتم لترتيب البيت من جديد؟ أي حزب سياسي لا معنى له الا اذا وفر حلول عملية مجدية للشعب. كنّا واحدا من بين 13حزبا من العائلة الديمقراطية الاجتماعية وقد اخترنا الجدوى الاقتصادية والعدالة الاجتماعية والكرامة الاقتصادية ولم نختر الصراعات الإيديولوجية مع الإسلاميين. وأقصد بالكرامة الاقتصادية توفير الدخل المحترم والعيش الكريم وقد تحققت الكرامة السياسية في حين لم تتحقق الثانية والثالثة.اليوم نشهد تراجعا في إنتاج الفسفاط من 8 ملايين طن الى 3 ملايين طن وهذا ليس كما يدّعي البعض بسبب الاتحاد والإضرابات بل بسبب عدم تحكّم الدولة في تسيير شركاتها حيث تقتصر مساهمتها في إيرادات الدولة فقط بنسبة 6 بالمائة في حين ارتفع إنتاج الفسفاط في المغرب من 22 مليون طن إلى 24مليون طن. المغرب لا يصدر الفسفاط الخام بل الفسفاط المحسّن كيمياويا ويصدّر مع الفسفاط الذكاء ناهيك أن شركة الفسفاط المغربية تساهم في اقتصاد المغرب بشكل ملحوظ. حزب «التحالف الديمقراطي» أراد أن يلعب دورا هاما في تحقيق الكرامتين بالتعاون مع كل العائلة الديمقراطية الوسطية من خلال جدوى تسيير شركات الدولة وهو أمر مشروط بالأمن السياسي والاجتماعي .وبالتخطيط الذي كان في السابق وراء تحقيق نمو اقتصادي داخل المناطق المهمشة لكن سياسة بن علي كانت بالمرصاد وتمّ التخلي عن الدكتور القرقوري الذي اشرف على أهم المخططات الاقتصادية وقد كانت نيته تتجه نحو تحقيق نسق نمو داخل المناطق المحرومة أسرع من نسق نمو العاصمة والمناطق الساحلية حتى يتحقق التوازن لكن بن علي ارتأى أن يوجه الأموال التي تصرف على المخططات لمشاريعه ومشاريع العائلة الطرابلسية وبن علي . والنتيجة أن هذه المناطق المحرومة تحولت اليوم في جزء كبير منها إلى شريط إرهابي والأمر ينطبق على مناطق الظل داخل العاصمة. لقد كان هدف حزبنا تطويق هذه المسائل والإحاطة بها لكنه صُدم بالتوجه الإيديولوجي للأحزاب أنت مع أو ضد الإسلاميين؟ وعندما لم ينخرط في هذا التوجه عوقب في الانتخابات وحتى عندما حاول إنشاء تحالف كبير مع 13حزبا من نفس العائلة كانت عقبة طموح قياديي هذه الاحزاب في الوصول إلى قرطاج وشرط «دعْمو رئيسنا نتحالفو» حائلا دون تحقق ذلك. أنا لا أنفي ان الخطأ الأكبر الذي وقعنا فيه هو عدم توجهنا كفاية للشباب العاطل والشباب داخل الجامعات وتدعيم تواجدنا داخل هذه الأوساط على غرار «النهضة» والنداء رغم أننا حرصنا من خلال حملة «أعطينا رأيك» أن نتعرف أكثر على شواغل الشباب التونسي وقد توصلنا إلى معطيات مفادها وجود فار ق كبير بين تونس المنشودة وتونس بصياغة «الترويكا». لكن اليوم هناك فرصة جديدة لحزبنا والعائلة الوسطية الديمقراطية أمام الاغلبيتين النداء و«النهضة» خاصة أن «نداء تونس» ليس له برنامج طويل المدى كما أن التحالف مع «النهضة» لن يكون تحالف برامج بل هو تحالف من اجل اقتسام الكراسي.. تحالف مقاعد ليتقدّم بالبديل، فإن كان البرنامج هو المعيار وهاجس تشغيل الشباب وتوفير الدخل الكريم من أجل الكرامة الاقتصادية والاجتماعية فالتقارب وارد ولنا برامج قصيرة المدى وأخرى على المدى الطويل فنحن على استعداد لتقديم الإضافة دون أطماع قسمة أي حقيبة معهم في نطاق حكومة وحدة وطنية حقيقية. فالوطنية مشروع وليست كلمة على جرف هاو. وفي سياق المساهمة في بناء وطننا سنتوجه في نهاية شهر افريل بالتعاون مع الحكومة الألمانية والمنظمات بالإضافة إلى المجموعة الأوروبية من أجل تدارس برامج وإذا حظيت بالقبول فانه سيتم إنجازها عن طريق تمويلات يتم جلبها عن طريقهم من قبل دول الخليج من اجل الاستثمار وتمويل التشغيل في تونس والبني التحتية من اجل مد الأيادي للشباب الذي ينتظر الفرصة حتى تتحقق كراماته الثلاث وحتى نتصدى لسيناريوهات الانتحارات بكل مظاهرها. هل هناك مشاورات لتشريك «التحالف الديمقراطي» في الحكومة؟ لا توجد أية مشاورات ولا أعلم شيئا عن ذلك ولم يقع الاتصال بنا وعلى كل حزبنا لا يبحث عن مكان في الحكومة وهمّنا ليس الكراسي فقد عُرضت علينا في السابق حقائب وزارية ولكننا رفضنا. همنا برنامج اقتصادي واجتماعي ونحن منكبين على إعداده .فأزمة تونس هي أزمة برامج دقيقة تستوعب المشاكل وتتكفل بإيجاد حلول وفق مخططات قصيرة وطويلة المدى. هل ترى في تواصل الاستقطاب الثنائي بين ا«لنداء» و«النهضة» مدخلا لأزمة سياسية جديدة؟ لا أريد تخويف الناس وليس من خاصياتي نشر اليأس بين الناس لكن يمكن لهذا الاستقطاب أن يعود بنا إلى ثلاثين سنة أخرى من الدكتاتورية. اليوم تونس بحاجة إلى قاعدة برنامج مشترك وآليات وتقنيات عمل صحيحة. ما أقوله أنه اليوم لدينا فرصة كبيرة لتحقيق كرامتنا الاقتصادية والاجتماعية وهذه الكرامة لن تأتي من فراغ ولن تأتي من رفع الشعارات بل تأتي من تنجيع عمل مؤسسات الدولة التي أضعنا الكثير منها فهي إما تعاني من أزمة خانقة أو أنها أفلست والأمثلة عديدة على ذلك منها ان شركة الخطوط الجوية التونسية خاسرة وشركة الفسفاط خاسرة. ورغم كل فإنّنا في نظرتنا الوسطية الديمقراطية نرى أنّ دور الدولة أساسي في الخمس سنوات القادمة لأنه عبرها تُحلّ المشاكل وتُقام المشاريع الكبرى وتتحرك عبرها قاطرة القطاع الخاص. والعمود الفقري لكل ذلك هو التخطيط واليوم نحن بحاجة إلى هيئة تخطيط تحت إشراف المجتمع المدني وأهل الذكر من مختلف الاختصاصات وإحياء المجلس الاقتصادي والاجتماعي الذي يتكون من صحافيين ونقابين وأعراف وأطباء وكفاءات كل القطاعات تتولى دراسة مشاريع قوانين قبل عرضها على مجلس الشعب. ما تعليقك على التخويف من خطر تغوّل «نداء تونس» بعد فوزه في «التشريعية»؟ أنا ضد مبدإ شيطنة «النداء» أو «النهضة» فهما جزء من المشهد السياسي التونسي والغول الحقيقي هو عدم تحقق الكرامتين الاقتصادية والاجتماعية لان عدم تحقق الكرامتين سيفضي إلى اندثار الكرامة السياسية التي ترتبط بهما وهو يشكل العودة الحقيقية للمربع الأول مربّع الاستبداد والقهر والقمع وكل أنواع الاعتداء على الحريات. أنا متأكد أن لدينا مقدرة في الأدوات المتوفرة لتحقيق البرامج المشتركة. ينظر البعض للرسالة التي بعثها المرزوقي لرئيس الحزب الفائز في «التشريعية» على أنها مناورة نهضوية لمعرفة إن كان سيتم تشريكها في الحكومة القادمة؟ أنا لست رجل قانون ولكن يُفهم من هذه الرسالة التي توجه بها المرزوقي إلى رئيس حزب «نداء تونس» من أجل تشكيل حكومة أنها تطبيق لمقتضيات الفصل 89 من الدستور والرسالة هي حجّة كتابية تثبت أن رئيس الجمهورية المؤقت قد استجاب لمقتضيات الدستور,ولا أعتقد أنها مناورة سياسية استعملها حزب «النهضة» ليُجبر حزب الأغلبية على تحديد موقفه من تشريك «النهضة» في الحكومة من عدمه وذلك حتى تحدد بدورها موقفها من دعم السبسي في الدور الثاني أو تطلب من قواعدها مساندة المرزوقي .وهذا ليس من باب تبرئة ساحته وأنا أتصور أن لا دخل ل «النهضة» في الموضوع . لمن سيؤول السباق نحو قصر قرطاج في الدور الثاني في اعتقادكم؟ المرزوقي لم ينجح في التخاطب مع التونسيين ولم ينجح في التواصل والمقصود بالتواصل ليست الخطابات الرنانة باسم الثورة والكرامة فهذه الكلمات والشعارات يجب أن يشعر التونسي بأن لها ترجمان صادق وفعلي على أرضية الواقع عبر الصلاحيات المسندة إليه ومن خلالها وإلا فأيّ معنى لهذه الخطابات؟وعلى سبيل المثال فالخارجية التي هي من بين مشمولات رئيس الجمهورية لا تقتصر على الديبلوماسية بل هي إحدى أهم الأدوات لجلب التمويلات والمشاريع وخلق أسواق جديدة الشيء الذي يتمّ بربط علاقات دولية والقيام بندوات مع الدول التي نجحت في تحقيق قفزة اقتصادية كالأقطاب الصناعية الجديدة وربط علاقات معها ومع كل البلدان التي تتحقق معها مصلحة تونس. فالعبرة بالمصالح الوطنية أولا وأخيرا عملا بمقولة تشرشل «هناك مصالح دائمة وليس هناك صداقات دائمة»... كان يمكن أن يكون ذلك أهم عنصر تواصل مع الشباب المنهك من البطالة والباحث عن كرامته ومع المواطن الذي يبحث عن تحسين ظروف عيشه .فذلك هو معنى الثورية الحقيقية حتى لا تبقى مجرد أقوال مجازية صرفة إنشائية لا تسمن ولا تغني من جوع .فالمهم الأفعال والنتائج .والرصيد الانتخابي والنجاح في الانتخابات هو تتويج ونتيجة لجملة من القرارات والأفعال التي يقوم بها. فان توفر وتحقّق ما انتظره الشباب وما سفكت من اجله دماء الشهداء فهو جدير بثقة التونسيين وأهل لأمانة رئاسة الجمهورية التي كلفه بها الشعب. وهو ليس ملزما أن يتكئ على رابطات حماية الثورة وما شابهها من تنظيمات تم الإجماع على أنها تنظيمات عنيفة . الرباعي من جديد على الخط ألاّ يعدّ ذلك مسا من إرادة الشعب ومن قواعد اللعبة الديمقراطية؟ يجب أن لا يقرأ تدخل الرباعي على أنه التفاف على إرادة الشعب التي عبر عنها عبر صناديق الاقتراع حيث كان في فترة ما مناعة لتونس وحقن للدماء في فترة كثر فيها التشنج وبلغت الصدامات والتجاذبات الحزبية أوجُهها. وقد تمخّضت عن دوره حكومة التكنوكراط التي أمّنت الانتخابات التشريعية والانتخابات الرئاسية، فالشرعية الانتخابية يجب أن تُعزز بالشرعية التوافقية التي تكون ساندة الأولى ومقوية لها.لكن لا افراط ولا تفريط فكل تدخل للرباعي يكون مرتبطا بالجدوى فهو ليس تدخلا لمجرد التدخل بل هو رأب لما عساه أن يحصل من خلافات بين الفرقاء السياسيين والتي يمكن أن تكون مدخلا لايام الجمر التي اتعبت الشعب التونسي عقب الاغتيالين .فالمهم وحسب رأيي هو تحقيق مقاصد الشعب التونسي من الانتخابات وهي غاية الغايات التي لن توفرها فقط الشرعية الانتخابية ولنا أسوة في المثال المصري حيث لم تكن الشرعية الانتخابية كافية لخلق الوحدة الوطنية ولم شمل العائلات السياسية ولذلك من غير الممكن أن تكون «سبّاقة وجراية وما تاكلش الشعير». وأنا شخصيا مع تجميع لكل الكفاءات التونسية من نقابيين وممثلين عن منظمّة الأعراف ورجال اقتصاد وإعلاميين ...لتكوين نواة كبرى من اجل وضع توافقات على المدى القصير ووضع مخططات تحمل عصارة هذه الكفاءات لدعم مجهود الحكومة في ما أوكل لها من مهام لان خدمة الوطن ليس حكرا عليها فبقدر ما تتّفق الجهود نحو البناء بقدر ما ننتظر فيضا من الحصاد الايجابي. فتح ملفات «الرش» والاغتيالات هل يمكن أن يكون ورقة ضغط على حزب «النهضة»؟ أنا رجل مهتم ببناء هذا الوطن وان كنت لست رجل قانون فإمكاني أن أقول إن هناك قاعدة ذهبية شرّعت من اجلها كل القوانين وهي تطبيق القانون من أجل تامين الناس في حياتهم وفي أموالهم استبعادا لشريعة الغاب والتشفي التي لن تنفع الظالم ولا المظلوم. ولا معنى أن يتحول استعمال الملفات بحجة تطبيق القانون إلى أداة للحصول على منافع أو مزايا سياسية أو للقيام بعملية مقايضة «تحت الطاولة». ما هي قراءتك للمشهد السياسي القادم؟ أنا بطبعي متفائل «أتوسم الخير» شيدنا الطابق الأول من بناية الديمقراطية أنشانا دستورا وقمنا بانتخابات نزيهة وشفافة وأشرفنا على نهاية المرحلة الانتقالية الصعبة والحساسة بكل ما حملته من أخضر ويابس وأكملنا وصية الشهيد البراهمي في انتظار أن تتحمل الأجيال القادمة الطابق الثاني وان شاء الله تكون ناطحة سحاب. وأنا ثقتي كبيرة في الشباب التونسي المتهم خطأ بأنه متواكل، هو فقط ينتظر الفرصة التي حرُم منها بسبب أخطاء سابقة كلنا نعلم أسبابها ومسبّباتها حتى يمر إلى مرحلة الخلق والإبداع .وأنا انظر من خلال معاينتي الى العديد من التجارب الشبابية الناجحة بفضل فرص مُدّت إليهم فتعلقت بها هممهم وهم اليوم يستثمرون في مشاريع كبيرة وناجحة وهم الجنود الحقيقيون لوطننا في مسيرة البناء.