ترامب ينشر صورة بزيّ بابا الفاتيكان    غارات إسرائيلية عنيفة تستهدف مواقع مختلفة في سوريا    علماء يحذرون.. وحش أعماق المحيط الهادئ يهدد بالانفجار    دعما للتلاميذ.. وزارة التربية تستعد لإطلاق مدارس افتراضية    تفاصيل الاحكام السجنية الصادرة في قضية "التسفير"    الدوريات الأوروبية.. نتائج مباريات اليوم    جلسة عمل بين وزير الرياضة ورئيسي النادي البنزرتي والنادي الإفريقي    نصف نهائي كأس تونس لكرة اليد .. قمة واعدة بين النجم والساقية    ملكة جمال تونس 2025 تشارك في مسابقة ملكة جمال العالم بالهند    مهرجان «كنوز بلادي» بالكريب في دورته 3 معارض ومحاضرات وحفلات فنية بحديقة «ميستي» الاثرية    عاجل: ألمانيا: إصابة 8 أشخاص في حادث دهس    تونس: مواطنة أوروبية تعلن إسلامها بمكتب سماحة مفتي الجمهورية    تحيين مطالب الحصول على مقسم فردي معدّ للسكن    الاتحاد الجهوي للفلاحة يقتحم عالم الصالونات والمعارض...تنظيم أول دورة للفلاحة والمياه والتكنولوجيات الحديثة    عاجل: بينهم علي العريض: أحكام سجنية بين 18 و36 سنة للمتهمين في قضية التسفير مع المراقبة الإدارية    القيروان: هلاك طفل ال 17 سنة في بحيرة جبلية!    تحسّن وضعية السدود    معدّل نسبة الفائدة في السوق النقدية    اللجنة العليا لتسريع انجاز المشاريع العمومية تأذن بالانطلاق الفوري في تأهيل الخط الحديدي بين تونس والقصرين    مأساة على الطريق الصحراوي: 9 قتلى في حادث انقلاب شاحنة جنوب الجزائر    تونس تسجّل أعلى منسوب امتلاء للسدود منذ 6 سنوات    عاجل: إدارة معرض الكتاب تصدر هذا البلاغ الموجه للناشرين غير التونسيين...التفاصيل    عاجل/ تحويل جزئي لحركة المرور بهذه الطريق    تونس تستعدّ لاعتماد تقنية نووية جديدة لتشخيص وعلاج سرطان البروستات نهاية 2025    اتخاذ كافة الإجراءات والتدابير لتأمين صابة الحبوب لهذا الموسم - الرئيسة المديرة العامة لديوان الحبوب    النّفطي يؤكّد حرص تونس على تعزيز دور اتحاد اذاعات الدول العربية في الفضاء الاعلامي العربي    عاجل/ زلزال بقوة 7.4 ودولتان مهدّدتان بتسونامي    الشكندالي: "القطاع الخاص هو السبيل الوحيد لخلق الثروة في تونس"    الليلة: أمطار رعدية بهذه المناطق..    جريمة قتل شاب بأكودة: الإطاحة بالقاتل ومشاركه وحجز كمية من الكوكايين و645 قرصا مخدرا    مدنين: مهرجان فرحات يامون للمسرح ينطلق في دورته 31 الجديدة في عرس للفنون    عاجل/ تسجيل إصابات بالطاعون لدى الحيوانات..    غرفة القصّابين: أسعار الأضاحي لهذه السنة ''خيالية''    منوبة: احتراق حافلة نقل حضري بالكامل دون تسجيل أضرار بشرية    سليانة: تلقيح 23 ألف رأس من الأبقار ضد مرض الجلد العقدي    مختصون في الطب الفيزيائي يقترحون خلال مؤتمر علمي وطني إدخال تقنية العلاج بالتبريد إلى تونس    فترة ماي جوان جويلية 2025 ستشهد درجات حرارة اعلى من المعدلات الموسمية    الانطلاق في إعداد مشاريع أوامر لاستكمال تطبيق أحكام القانون عدد 1 لسنة 2025 المتعلق بتنقيح وإتمام مرسوم مؤسسة فداء    حزب "البديل من أجل ألمانيا" يرد على تصنيفه ك"يميني متطرف"    جندوبة: انطلاق فعاليات الملتقى الوطني للمسرح المدرسي    فيلم "ميما" للتونسية الشابة درة صفر ينافس على جوائز المهرجان الدولي لسينما الواقع بطنجة    كلية الطب بسوسة: تخرّج أول دفعة من طلبة الطب باللغة الإنجليزية    بطولة افريقيا للمصارعة بالمغرب: النخبة التونسية تحرز ذهبيتين في مسابقة الاواسط والوسطيات    خطر صحي محتمل: لا ترتدوا ملابس ''الفريب'' قبل غسلها!    صيف 2025: بلدية قربص تفتح باب الترشح لخطة سباح منقذ    تطاوين: قافلة طبية متعددة الاختصاصات تزور معتمدية الذهيبة طيلة يومين    إيراني يقتل 6 من أفراد أسرته وينتحر    الأشهر الحرم: فضائلها وأحكامها في ضوء القرآن والسنة    الجولة 28 في الرابطة الأولى: صافرات مغربية ومصرية تُدير أبرز مباريات    الرابطة المحترفة الثانية : تعيينات حكام مقابلات الجولة الثالثة والعشرين    الرابطة المحترفة الأولى (الجولة 28): العثرة ممنوعة لثلاثي المقدمة .. والنقاط باهظة في معركة البقاء    ريال بيتيس يتغلب على فيورنتينا 2-1 في ذهاب قبل نهائي دوري المؤتمر الاوروبي    أبرز ما جاء في زيارة رئيس الدولة لولاية الكاف..#خبر_عاجل    صفاقس ؛افتتاح متميز لمهرجان ربيع الاسرة بعد انطلاقة واعدة من معتمدية الصخيرة    "نحن نغرق".. نداء استغاثة من سفينة "أسطول الحرية" المتجهة لغزة بعد تعرضها لهجوم بمسيرة    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    أولا وأخيرا: أم القضايا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عمر الشاهد (الأمين العام ل «حزب الغد» ل «التونسية») ذهبت «الترويكا» وجاءت «الدّويكا»
نشر في التونسية يوم 30 - 11 - 2014

البرلمان الجديد ليبيرالي، والمعارضة الجديدة...في الشارع
حملات الانتخابات الرئاسية...«بازار سياسي»
خطر التغوّل قائم...باسم الديمقراطية
المرحلة القادمة...اجتماعية بامتياز
حاوره : عبد السلام لصيلع
في حوار اليوم تستضيف «التونسية» الأستاذ عمر الشّاهد الأمين العام ل «حزب الغد» والذي تحدّث عن رؤيته لتونس ما بعد الإنتخابات التّشريعيّة والرّئاسيّة، وبيّن أنّ جيلا سياسيّا سينتهي بعد هذه الانتخابات وأن قوى أخرى شبابيّة ستصعد وتغيّر المشهد السّياسي بالكامل ملاحظا أنّ المستقبل للقوى صاحبة المشاريع والبرامج بعدما عصفت الإنتخابات بالأحزاب القويّة والضّعيفة على حدّ السواء.
تفاصيل الحوار في السطور التالية : لماذا لم يتحصّل «حزب الغد» على مقاعد في الانتخابات التشريعية وقد تقدّم بقائمات في 14 دائرة انتخابيّة؟
هذا سؤال وجيه، لماذا لم نحصل على مقاعد؟ في الحقيقة خضنا التّجربة من بابها الواسع وبذل مناضلونا ومناضلاتنا جهودا كبيرة وهائلة... ولكن كما تعرفون حسمت المعركة، بين مزدوجين، في المنافسة بشكل غير شريف على الأرض...حسم الأمر المال السّياسي. يعني مكوّنات مجلس نوّاب الشّعب تقريبا حجم ما أنفقته من مال يساوي عدد مقاعدك في المجلس، فالذين اكتفوا بمنحة التّمويل العمومي أو بمنحة الدّولة أغلبهم لم يحصّل شيئا في هذا المجلس.
لكن ماهو رأيك في نتائج هذه الإنتخابات؟
عموما، نتائج هذه الإنتخابات، في الحقيقة، جاءت مخيّبة للآمال وأرى أن أكثر من 80 ٪ من البرلمان الجديد يميني وإستئنافا للأيديولوجيّة التّقليديّة. لماذا؟ لأنّ الخمسة أحزاب السياسية الأولى تتبنّى خيارات ليبيراليّة، مازالت تراهن على اقتصاد السّوق وعلى نفس العلاقات الدّوليّة وعلى نفس منوال التّنمية ونفس السّياسيات، وهي تصنّف جميعها في خانة الخطّ الفرنكوفوني أو الفرنكوفيني لذلك فإنّها ستستّمر في نفس السّياسات...وعلاقات مع الجهات الدّولية المانحة : البنك الدّولي..والبنك العالمي..صندوق النّقد الدّولي...لذلك أنا متشائم جدّا من هذا البرلمان القادم، زيادة على أنّه جاء هذه المرّة ليفرض على الشعب منطق الإستقطاب الثّنائي ومنطق الثّنائية..بدلا من «الترويكا» السياسية أصبحنا نتحدثت عن «دُويْكَا» سياسيّة، نموذج أمريكي في الحكم يقوم على الثّنائية . وبقيّة القوى المناضلة والقوى التي كان لها دور في تفجير الثّورة بتونس وفي الحراك الكبير الذي حصلّ كلّه وجدت نفسها خارج المجلس وماعدا بعض النواب الذين صعدوا بشكل طبيعي أو حالفتهم الظّروف المحليّة والجهويّة فإن هناك أغلبية صعدت بفضل المال السياسي.
إلى جانب ما قلته ماهي الدّروس التي خرجت بها من الإنتخابات التّشريعيّة؟
من حقّنا حتّى قبل انتهاء الإنتخابات الرّئاسيّة أن نبدأ في عمليّة قراءة حقيقيّة للواقع السياسي بالبلاد. وفعلا ، اليوم، أين هي أهداف الثورة؟ أين هي طموحات الشّعب التّونسي؟ أين هو حقّ الشّعب التّونسي في واقع أفضل وأحسن؟ حلم هذا الشعب وضحّى ودفع ضريبة قاسية وغالية من أبنائه ومن جهده وحياته من أجل أن تكون تونس في ظروف أحسن وأفضل، ولكنّ المحصلة الآن، كما تلاحظون مجلس هو على غرار المجلس التأسيسي لا يعكس إرادة الشعب وتطلّعاته... نخشى اليوم من عمليّة تغوّل حقيقي على السّلطة والدّولة...يعني ربّما بإعادة إنتاج منظومة النّظام القديم ولكن هذه المرّة باسم الدّيمقراطية وباسم صناديق الإقتراع...تمّ تزييف عال وواسع لإرادة النّاس ولعقولهم. وهذا هو الخطير في العمليّة أن تزيّف عقول النّاس وأن تُشْترى ذممهم وأن تباع أصواتهم. وكما لاحظتم حجم المقاطعة الكبير خاصّة في أوساط الشّباب...وهو مجلس لا يعكس إرادة التّوانسة بل يعكس أصوات عدد من الشّيوخ وفي كثير من الحالات تمّ شراء ذممها واستعمال كلّ الأساليب والطّرق الملتوية للحصول على هذا المجلس.
هل هناك مخاوف على المسار الدّيمقراطي من الإستقطاب الثّنائي الذي ظهر بعد الإنتخابات التشريعيّة بين «نداء تونس» و«النّهضة»؟
المرحلة القادمة هي مرحلة اجتماعيّة بامتياز... قضايا الفقر والبطالة والتّشغيل ومنوال التّنمية وقضايا المدرسة والإصلاح في العمق لكلّ قطاعات الحياة، توضع في الميزان وأيّة حكومة وأيّة سلطة سياسيّة قادمة ستجد نفسها في مواجهتها...وتتعارض تطلّعات الشعب من الآن مع طبيعة القوى التي ستستلم السّلطة، القوى اللّيبيراليّة تراهن على نفس المنوال في إدارة البلد، وهو المنوال الغربي. يكفي أن نقول إنّ الجامعات التّونسيّة تخرّج سنويّا 70 ألف طالب وأن الاقتصاد التونسي بمقتضى المنوال الحالي لا يستطيع تشغيل أكثر من 10 أو 15 ألف خريج ولدينا 106 آلاف حالة تسرّب مدرسي سنوي...يعني أنه بعد 5 سنوات من حكم حكومة قادمة أو مجلس نوّاب قادم سنجد أنفسنا حيال مليون متخرّج طالبي شغل في السّوق، زيادة على الموجود. هل بالإمكان بمنوال التّنمية الحالي أن نواجه مثل هذه الصّعوبات؟ لذلك أعتقد أنّ المرحلة القادمة وهذا استشراف. هي مرحلة اجتماعيّة بامتياز وتصاعد لموجات ربّما العنف الإجتماعي قد تخلق مناخات للإرهاب على نطاق أوسع.
وأعتقد أنه بهذا منوال لن تستطيع أيّة حكومة مهما كان نوعها مواجهة الّصعاب القادمة، نحن نحتاج إلى إصلاحات في العمق وإلى مراجعة العلاقات الدّولية ونحتاج إلى منوال تنمية جديد وإلى إجراءات حقيقية وعميقة قد تجعلنا في مواجهة العديد من الجهات، هذا هو قدر تونس..لا أعتقد بأن اللّيبيرالييّن الذين سيتسلّمون السّلطة القادمة قادرون على الإيفاء باحتياجات الشّعب والأيّام بيننا.
من خلال متابعتك للحملة الإنتخابيّة الرّئاسية، ماهو تقييمك لنوعيّة خطاب المترشّحين ولوعودهم للنّاخبين؟
أنا أقول إنّه «بازار» سياسي حيث المزايدة والبيع والشّراء وتدنّي مستوى عدد من المترشّحين..تدنّ كبير، عجز عن التّعبير، عجز عن مخاطبة النّاس والنّاخبين خلط فظيع في أذهانهم حتى أن بعضهم يجهل دور رئيس الدولة وفي المقابل في نفس الوقت كما حصل في «التّشريعيّة» كان هناك إنفاق هائل من الأموال على الحملة الإنتخابيّة رغم عجز الكثير من المترشحين عن الوصول إلى الجهات، هناك جهات عديدة غاضبة وخاصّة المناطق الجنوبيّة والمناطق الدّاخلية التي تعتبر ظهير البؤس حيث الفقر والبطالة والصّعوبات وحيث تفجّرت الأوضاع في الثّورة وفي كثير من الحالات وحتى في المناطق التي وصلوا إليها قدّموا وعودا وكأنّهم مرشّحون لمجالس بلديّات وليس لرؤساء دول.. هي وعودهم غير قادرين على الإيفاء بها...نحن كنّا شبه متأكدين من هذا الخلط، وهذا التّهافت الشّديد على المناصب، لذلك لم يقدّم «حزب الغد» مرشّحا للرئاسة واتخذ قرارا بألاّ يدعم أي مُترشّح خلال الدّورة الأولى.
هل تنتظر مفاجأة في الدور الثاني من «الرئاسية»؟
المفاجأة واردة...ولكن يبدو ان عمليّة بسط البساط الأحمر انطلقت منذ فترة. وكلّ ما حصل هو، مع احترامنا للمترشّحين، أنّ كثيرا منهم وجودا أنفسهم «كومبارس» في العملية دورهم كان أن يؤثثوا المشهد لذلك كان أغلبهم خارج السّباق، ضعيف النّتائج لتحسم في النّهاية لصالح طرفين بقيا للدّور الثاني.
أيّة تحالفات سياسية تراها في المستقبل؟
أعتقد أننا لن نجد داخل مجلس نوّاب الشعب تحالفات بالمعنى الذي يرتقي إلى مشروع الدّيمقراطيّة الناشئة في تونس، يعني معارضة قويّة وسلطة قويّة. لن تكون المعارضة في البرلمان، المعارضة ستكون خارج البرلمان الذي سينقسم إلى مجموعتين واضحتين، مجموعة «نداء تونس» ومجموعة حركة «النهضة»...ستتقاسمان السّلطة أو ستتنافسان عليها في الخمس سنوات القادمة.
وفي كلتا الحالتين هو مشكل حقيقي لتونس، فإذا تنافستا مشكل، وإذا تراضيتا مشكل..وفي الحالتين بعض المجموعات الصّغيرة جدّا أو بعض المستقلّين سيجدون أنفسهم أقلّية غير مؤطّرة في العدد، وفي أحسن الحالات ستكون حاضرة بتصريح للإعلام هنا أو هناك، بينما المعارضة الحقيقيّة هي خارج المجلس في صفوف النّاس، خاصّة أنّ الانتخابات عصفت بمفهوم الأحزاب القويّة والأحزاب الضّعيفة...هذا المفهوم الذي تداوله الإعلام لثلاث سنوات كاملة...سقطت مكوّنات «الترويكا» ماعدا حركة «النهضة» لتجد نفسها خارج الحساب وصعدت قوى أخرى بقوّة المال لتجد نفسها سلطة حاكمة أو في تنافس على السّلطة السّياسية وأعتقد ان هذه الرّمال المتحرّكة في السّاحة السّياسيّة ستجعل المعارضة الصّادقة والوطنيّة والحقيقيّة خارج مجلس نوّاب الشّعب.
من هذا المنطلق كيف ترى المشهد السّياسي الجديد بعد الإنتخابات الرّئاسية؟
أيّة معارضة سياسيّة حقيقيّة لا يمكن أن تنشأ إلاّ على أرضيّة تصوّر ورؤية اجتماعيّة حقيقيّة تستبطن بالضرورة قضايا النّاس، ولا يخفى عليكم حجم الإرتفاع الشديد في الأسعار والتّآكل الشّديد للقدرة الشّرائيّة للمواطن...ولا يخفي عليكم أيضا أن العشرة أشهر الأولى من سنة2014 شهدت عددا كبيرا من الإضرابات والإعتصامات، وهذه الأيّام هناك اضرابات بالجملة في قطاعات أساسيّة وحيويّة وأعتقد أنّ هذا سيزيد.
ولمّا نسمع تصريحات لوزير من وزراء الحكومة الحالية القائمة الذي يقول فيه إنّ «الحكومة القادمة مدعوّة إلى إجراءات مؤلمة» وكلمة «مؤلمة» تعني أنّ أي حكومة قادمة أيّا كان لونها وأيّا كانت صبغتها، حكومة تقنوقراط، حكومة كفاءات، حكومة وحدة وطنيّة، ستجد نفسها في مواجهة إملاءات واشتراطات وإكراهات دوليّة قاسية سيدفع ضريبتها بالضرورة المواطن من الطّبقات الفقيرة والمتوسّطة..ومن هنا فإن الأرضيّة الحقيقيّة للعمل السياسي القادم هي أرضيّة اجتماعيّة. والبرلمان إمّا أن يواجه هذه الإكراهات وينتفض ويتّخذ قرارات تاريخيّة وإمّا أنّه سيركب ركاب ما يحصل منذ خمسين سنة وستكون المعارضة في الشارع بأتمّ معنى الكلمة.
ماهو موقع الأحزاب القوميّة في هذا المشهد ونحن نعرف نضالك القومي على مدى عقود؟
لا يخفى عليكم أنّ «حزب الغد» اختار أن يبتعد عمّا هو إيديولوجي أكثر ما يمكن وأن يكون حزب برنامج وقوّة اقتراح في تونس يركّز على قضايا النّاس...في «حزب الغد» خليط من المناضلين جاؤوا بتجارب متعدّدة بثوابت حقيقيّة هي ثوابت هوية تونس وعروبتها وإسلامها...وثوابت المقاومة والإنتصار لقضايا المقاومة والإنتصار لقضايانا وعلى رأسها القضيّة الفلسطينيّة... والانتصار لكلّ قضايا الحق في العالم، لقضايا المظلومين والمقهورين في كامل أنحاء العالم...هذه من ثوابت «حزب الغد» الذي يتبنّى خيارا إقتصاديا يقوم على ربط علاقات دوليّة جديدة والبحث عن شراكات مع القوى الصّاعدة في العالم..وفكّ الإرتباط مع القوى التّقليدية التي تعتبر السّبب في ما نعاني من إشكاليات سواء كانت ماليّة أو سياسية أو أمنيّة أو غيرها.
وبما أنّ السؤال يتعلّق بالتيّار القومي عموما فإنّ التيار يحتاج إلى إعادة قراءة حقيقية نقدية جادّة لأساليب عمله السياسي ولكثير حتى من العناصر نحن في «حزب الغد» نطرح الاقتصاد الاجتماعي والكثير من مكوّنات التيّار القومي مازالت متمسّكة بمقولة الإشتراكيّة في عصر راجعت فيه الشّعوب والدّول المدارس الكلاسيكيّة لصالح رؤية جديدة صاعدة في العالم. فعلا يحتاج القوميّون إلى مراجعة الكثير من المسائل الاقتصادية والاجتماعية. تبقى ثوابت النضال العربي الحضاري معروفة...نحن ننتصر لصالح مشروع الهويّة بمعناه الواسع والشّامل الذي يحتضن الكلّ وينتصر لخيار المقاومة. في هذا الجوّ وبهذه الروح فإن «حزب الغد» مفتوح للقومييّن ولكل المناضلين الشّرفاء في تونس الذين سيجدون فيه طبعا طموحاتهم التاريخية.
قلت إنّ «حزب الغد» ليس قوميّا بل هو حزب وطني. بالإضافة إلى الشّرح الذي قدّمته،هل من توضيح أكثر؟
نعم، ليس حزبا قوميّا بالمعنى الإيديولوجي المتعارف عليه، بالمرجعيّات الفكريّة والأدبيّات التّقليديّة المعروفة بقدر ما هو حزب له ثوابت تُعظّم القيم الإيجابية للمدارس التّقليدية في تونس ومفهوم الإنتماء الحضاري ومفهوم الوحدة العربيّة ومفهوم المقاومة ومفهوم العدالة الاجتماعية والحرّيات... هذه المفاهيم الأساسيّة لا يختلف عليها التّونسيّون وناضلوا من أجلها لستة أجيال كاملة، تعتبر الرّكائز التي يقوم عليها مشروع «حزب الغد» في مقابل أنّنا نتقدّم ببرنامج عملي ناجز للتّغيير الإجتماعي في تونس.
كنت من المؤسّسين ل «حركة الشعب» ثمّ انسحبت وأسّست «التيار الوطني الشعبي» ثم أسّست «حزب الغد»...ماهي أسباب هذه التحوّلات ؟
منذ نعومة أظافري، وأنا في العمل السياسي وأناضل من أجل مجموعة من القيم والأهداف الكبرى ولم أغادر مواقع النّضال بالمرّة، لا في سنوات الدكتاتوريّة ولا أيام الثورة، وكان لي شرف أن أكون جزءا من هذا الحراك وأن أسهم في عمليّة تأطيره وتطويره...هذا حقيقي... تبقى التّعبيرة التّنظيميّة فأنا خضت لأكثر من ثلاثين سنة تجربة العمل السرّي...وتجارب العمل السرّي المضنية فيها أدب كامل يمكن أن يكون موضوع حوار في فرصة أخرى طويلة لأن فيها أسرارا ومعارف. يبقى الإنتقال من العمل السرّي إلى العمل القانوني وتجربة العمل القانوني في تونس ضعيفة لدى كلّ العائلات السياسيّة... الكل يتحسّس طريقه..الكلّ يتحسّس الطريقة التعبيريّة التّنظيميّة التي ترتقي إلى مستوى ما يطمح إليه.
لذلك نعتقد أنّنا في مدرسة «حزب الغد» هذه المدرسة الأخلاقية والسياسية الجديدة في تونس وجدنا أخيرا الإطار التّنظيمي الذي نحلم به منذ سنوات وبالنسبة للإنتقال من تعبيرة إلى أخرى، فإن «التيار الوطني الشّعبي» كان جبهة سياسية...و«حركة الشعب» كان لي شرف أنّي من الذين أسّسوها وكنت ناطقا رسميّا باسمها...يبقى أنّي وجدت أنّ التجربة هناك ظلّت متحلّقة حول ماهو إيديولوجي صرف، وقد أثبتت الأيّام صحة خيارنا لمّا ناضلنا ودافعنا من أجل مشروع قائم على برنامج وتصوّر، لا على الإيديولوجيا والجميع الآن يذهب إلى هذا بقطع النّظر عن أيّة تعبيرة كانت.
كيف ترى المستقبل السّياسي في تونس انطلاقا من واقعها الرّاهن؟
المستقبل السياسي في تونس يبنى على المعطيات الآتية : 70 ٪ من الشعب شباب تحت الأربعين سنة و 80 ٪ من الشعب تحت الخمسين سنة ، و65 ٪ من الشعب تحت الخمس وثلاثين سنة، و52 ٪ من الشعب التونسي نساء، وثلاثة ملايين تونسي يعيشون تحت خطّ الفقر بما يقلّ عن دولارين في اليوم الواحد، ومليونان من التّونسييّن أمّيون بنسبة أمّية عالية، ونسبة بطالة تتجاوز 15 ٪ في نفس الوقت هناك إمكانات مادية كبيرة لهذا الشعب نحن لنا إمكانات هائلة عكس ما روّج لسنوات طويلة...لذلك فإن مستقبل تونس يجب أن يُبنى علي تكوّن جبهة سياسيّة واسعة تتبنّى خيارا وطنيّا بديلا يستثمر الامكانات المادّية والبشرية العائلة لهذا الشعب رغم أنّ عدد السّكان ليس كبيرا ولكن قياسا بتجارب عالمية في شمال أوروبا وأمريكا الجنوبية نحن نمتلك إمكانات الإنطلاق الحقيقي. نعتقد أنّ جيلا سياسيّا بعد الإنتخابات الرئاسية سينتهي هذا واضح...أنّ هناك عمليّة تفكّك وتحلّل لعدد كبير من القوى مقابل صعود قوى أخرى هي أقرب ما تكون إلى المؤسسات الاقتصادية أو إلى الشركات، مبرّرات وجودها مادية وأحزاب ضرورة، هي نفسها تتفكك وتتحلّل بسرعة مهما كان حجمها، هي إلتقاء أو كتل لمصالح كبرى وظيفيّة جعلت وستتفكّك. وسيبقى هذا الأمر في يد القوى التي لها برامج. من يمتلك مشروعا وبرنامجا سيستمرّ وسيكون هو ملمح المجتمع التّونسي القادم وملمح المستقبل السياسي لتونس ولو بعد خمس أو عشر سنوات خاصة في يد جيل من الشباب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.