عاجل/ رئيسا الجزائر وليبيا في زيارة الى تونس    حجز أكثر من 13 الف طن من الفلفل والطماطم بهذه الجهة    وزارة الفلاحة ترصد 11 مليون دينار لتطبيق بروتوكول مقاومة الحشرة القرمزية    فرنسا: ترحيل امام جزائري بتهمة التحريض ضد اليهود    إنتخابات الجامعة التونسية لكرة القدم: غلق باب الترشحات .. وتنافس منتظر بين ال3 قائمات    أبطال إفريقيا: تشكيلة الترجي الرياضي في مواجهة صن داونز    عائدات العمل والسياحة تغطي 54 % من خدمات الدين الخارجي    وزارة العدل: تسمية عدد من المسؤولين الراجعين لها بالنظر أعضاء بالمجالس الجهوية    مفاجأة اللحظات الأخيرة .. واصف جليل يتحد مع هذه الشخصيات ويودع ترشحه لإنتخابات الجامعة    عاجل/ حادث انقلاب الحافلة السياحية: مستجدات الوضع الصحي للمصابين    مداهمة نوادي ليلية في قمرت.. وهذا ما تم تسجيله    معرض الدولي للكتاب: جناح خاص بوزارة الأسرة ومشاريعها    القصرينية تحسم الجدل حول خبر طلاقها من زوجها    حجز مخدرات وضبط مروّجيها بمحيط مؤسسات تربوية في هذه المناطق    جلسة بين وزارة الصناعة وشركة صينية لتعزيز استخراج الفسفاط    رئيس جمعية القضاة يتّهم وزارة العدل بالتنكيل به    تايوان ترصد 21 طائرة عسكرية صينية حول الجزيرة    أداة ذكاء اصطناعي تحول صورة ومقطعا صوتيا ل"وجه ناطق" بتوقيع مايكروسوفت    الامارات: بن زايد يكرّم تونسية ساهمت في إنقاذ 8 اشخاص من حريق    القصرين: وفاة 4 أشخاص وإصابة 4 آخرين في إصطدام سيارة نقل ريفي بشاحنة    تونس: "لم نتفاجئ من فشل مجلس الامن في إقرار عضوية فلسطين بالامم المتحدة"    خطير/ العالم الهولندي يحذّر من مشروع لحجب الشمس.. يدعمه بيل غيتس!!    رئيس الإمارات يكرّم فتاة تونسية قامت بعمل بُطولي    دراسة تكشف أصول "القهوة الصباحية".. كم عمرها؟    يساهم ب 16% في الناتج المحلي: الاقتصاد الأزرق رافد حيوي للتنمية    عاجل/ إضراب مرتقب في قطاع المحروقات.. وهذا موعده    قفصة : الاعدادية النموذجية تتحصل على أفضل عمل متكامل    جندوبة: انطلاق بناء مدرسة اعدادية بجاء بالله طبرقة    شملت شخصيات من تونس..انتهاء المرافعات في قضية "أوراق بنما"    جبنيانة: حجز 72 طنا من الأمونيتر    عاجل/ إتحاد الفلاحة: "تدهور منظومات الإنتاج في كامل البلاد"    طقس السبت: رياح قوية والحرارة بين 18 و28 درجة    منظمة الصحة العالمية تعتمد لقاحا جديدا عن طريق الفم ضد الكوليرا    المنستير للجاز" في دورته الثانية"    جندوبة: حجز أطنان من القمح والشعير العلفي ومواد أخرى غذائية في مخزن عشوائي    منوبة: حجز طُنّيْن من الفواكه الجافة غير صالحة للاستهلاك    بنزرت: القبض على تكفيري مفتش عنه ومحكوم ب8 سنوات سجنا    عبد الكريم قطاطة يفرّك رُمانة السي آس آس المريضة    رئيس الجمهورية يشرف على افتتاح الدورة 38 لمعرض تونس الدولي للكتاب    هزيمة تؤكّد المشاكل الفنيّة والنفسيّة التي يعيشها النادي الصفاقسي    لجنة التشريع العام تستمع الى ممثلين عن وزارة الصحة    الصالون الدولي للفلاحة البيولوجية: 100 عارض وورشات عمل حول واقع الفلاحة البيولوجية في تونس والعالم    أبرز مباريات اليوم الجمعة.    تواصل حملات التلقيح ضد الامراض الحيوانية إلى غاية ماي 2024 بغاية تلقيح 70 بالمائة من القطيع الوطني    كلوب : الخروج من الدوري الأوروبي يمكن أن يفيد ليفربول محليا    معرض تونس الدولي للكتاب يفتح أبوابه اليوم    رابطة ابطال افريقيا (ذهاب نصف النهائي) : الترجي الرياضي يواجه صان داونز بحثا عن تعبيد الطريق الى النهائي    وفاة الفنان المصري صلاح السعدني    انتشار حالات الإسهال وأوجاع المعدة.. .الإدارة الجهوية للصحة بمدنين توضح    برج السدرية: انزلاق حافلة تقل سياحا من جنسيات مختلفة    طقس الجمعة: رياح قوية وانخفاض نسبي في درجات الحرارة    اسألوني .. يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    منبر الجمعة .. الطفولة في الإسلام    خطبة الجمعة..الإسلام دين الرحمة والسماحة.. خيركم خيركم لأهله !    ضروري ان نكسر حلقة العنف والكره…الفة يوسف    شاهدت رئيس الجمهورية…يضحك    حيرة الاصحاب من دعوات معرض الكتاب    موعد أول أيام عيد الاضحى فلكيا..#خبر_عاجل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. رفيق عبد السلام ل «التونسية»:عنوان المرحلة هو الشراكة السياسية
نشر في التونسية يوم 18 - 09 - 2014


استقرار البلاد يتطلّب رئيسا توافقيّا
نعم نتوسّط بين الفرقاء الليبيين لأنّ تونس معنيّة بالوضع في ليبيا
«داعش» ظاهرة عجيبة وغريبة أفرزها الوضع بالمنطقة
حاوره: عبد السّلام لصيلع
في حديث شامل وصريح تناول ما له صلة بالانتخابات التشريعية والرئاسية القادمة في تونس والمشهد السياسي والتونسي حاضرا ومستقبلا، بالإضافة إلى الأوضاع داخل ليبيا وانعكاساتها المباشرة على تونس ودول الجوار... إلى جانب ما تفرزه الظروف الخطيرة في العالم العربي من تهديدات على أمنه واستقراره ومستقبله، كان هذا الحوار الخاصّ مع الدكتور رفيق عبد السلام وزير الخارجية الأسبق والقيادي البارز في حركة «النهضة» المسؤول عن علاقاتها الخارجية والباحث والخبير الإستراتيجي في الشّؤون والقضايا العربيّة والدّولية.
تستعدّ تونس للإنتخابات التشريعية القادمة يوم 26 أكتوبر المقبل ولإنتخاب برلمان جديد هو مجلس نوّاب الشّعب، كيف تنظر الى هذا الحدث السياسي الهامّ؟
سيكون حدثا هامّا في المسار السياسي لتونس ولمستقبلها باعتبار أنّ محطّة الانتخابات هي علامة دالّة على تقدّم المسار الديمقراطي التونسي، ونحن نتّجه اليوم للخروج من المرحلة الإنتقالية التي دامت أكثر من اللّزوم إلى مرحلة شبه دائمة، بمعنى أن يكون هناك تفويض للحكومة لمدّة خمس سنوات تتحمّل فيها مقاليد السلطة بما يوفّر شروط الاستقرار والنموّ والتطوّر للبلد.
ولا شكّ أن تونس انتقلت من وضع إلى وضع، انتقلنا من نظام تحكّمي استبدادي إلى شكل من أشكال الديمقراطية لا تخلو من بعض مظاهر التسيّب ولكن حان الوقت الآن أن تكون هناك ديمقراطية منضبطة بسلطة القانون حتى نوائم بين مطلبي الحريّة والأمن والإستقرار.
في رأيك ما هي الظّروف والضمانات التي يجب أن تتوفّر لتجري هذه العمليّة الانتخابية على أحسن ما يرام؟
أوّل شيء حياد الإدارة، من المهمّ أن تكون هناك إدارة محايدة تشرف على هذه الانتخابات، وبحمد ا& لدينا اليوم هيئة مستقلّة تشرف على العملية الانتخابية وهي بعيدة عن الإدارة وبعيدة عن الأحزاب السياسية وموضع رضى وقبول من مختلف مكوّنات السّاحة السياسية التونسية. والجانب الثاني أن تجري في مناخات آمنة وسليمة وألا تكون هناك تهديدات وأن لا يكون هناك إكراه... وأن يتّجه النّاس إلى صناديق الاقتراع في مناخ من الحريّة الكاملة ليختاروا أو يفوّضوا من يروهم صالحين لإدارة شؤون الحكم في الخمس سنوات القادمة. طبعا هناك تهديدات أمنية وخاصة شبح الإرهاب ومن المؤكّد أن تمثل خطرا على هذه العمليّة. ولكن أنا متأكّد أن لتونس أجهزة أمنيّة ولديها ما يكفي من أدوات المناعة الذاتيّة لصدّ كل العمليات الإرهابية ولتجري هذه الانتخابات في أحسن الظروف الممكنة.
إلى جانب الخطر الأمني هل هناك أخطار أخرى يمكن أن تهدّد الانتخابات؟
هناك أخطار أخرى متأتّية من المحيط. يعني نحن نعيش في محيط ضاغط. فأوضاع الاضطراب في ليبيا تؤثّر بشكل أو بآخر في أوضاعنا الداخلية. وما يجري في المحيط العربي بصفة عامّة، ما يجري في العراق وسوريا واليمن، كلّه يؤثّر على أوضاعنا الداخليّة بشكل أو بآخر... وكذلك ما يجري في جنوب الصحراء.. في مالي ضعف مؤسسات الدّولة وصعود الجماعات المسلّحة والمجموعات الانفصالية... كل هذا يجعل المناخ الإقليمي غير آمن على نحو أو آخر. ولكن نحن حريصون على إنجاح هذه التّجربة التونسية لأنّه ليس لدينا بديل آخر... البديل عن ذلك هو الفوضى، والحمد & أن تونس تمتلك الكثير من مقوّمات المناعة الذاتيّة لتنتقل إلى مرحلة آمنة.
مجلس نوّاب الشّعب
ما هي أبرز المهام التي سيضطلع بها مجلس نوّاب الشعب القادم؟
مجلس نوّاب الشعب سيضطلع بالمهمّة الوثقى للصلاحيات الدستورية الموكولة إليه باعتباره مؤسّسة تشريعية رقابيّة في نظام مزدوج، نظام رئاسي برلماني. طبعا كان توجّهنا في حركة «النهضة» أقرب الى النّظام البرلماني ولكن طبيعة التوازنات السياسية وضرورة التّوافق الوطني أملت علينا أن ننتهي في نهاية المطاف الى نظام مزدوج يجمع بين البعدين الرئاسي والبرلماني. بالتأكيد هذا البرلمان سيقوم بمهمّته الرقابيّة على الحكومة. وستتشكّل الحكومة وفق الأغلبيّة البرلمانية وتفوّض لإدارة المرحلة القادمة.. وهذا البرلمان سيكون عنوان الديمقراطية التونسية الوليدة بشكل أو بآخر.
هل سيكون لتونس نظام برلماني متطوّر عن مفهومه المتعارف عليه؟
يعني هو ليس برلمانيّا ولكنّه نظام رئاسي برلماني هو نظام مزدوج في حقيقة الأمر صلاحياته ستكون موزّعة بين البرلمان ورئيس الدّولة.
ما هو تفسيرك للصّراعات والخصومات والاستقالات داخل الأحزاب بسبب القائمات المترشّحة للتّشريعية؟
شيء من هذا طبيعي، يجري في مناخ ديمقراطي بعد عقود طويلة من الكبت السياسي، يعني الحياة السياسية في تونس ليست ناضجة بما يكفي. والجانب الثّاني هو أنّ هناك أحزابا وليدة وحديثة العهد... وبعض هذه الأحزاب ربّما تضخّمت أكثر من حجمها الحقيقي بسبب الظّروف الاستثنائية التي تمرّ بها تونس ولم تمتلك ما يكفي من إمكانيات ومؤسّسات التنظّم ومن هياكل صنع القرار واختيار الرّجال ممّا أحدث صعوبات وأزمات داخل هذه الأحزاب.
حركة «النهضة» شهدت من ناحيتها حالات من هذه الصّراعات والخصومات والإستقالات، ما هو تأثيرها على مسار الحركة؟
حتّى في «النهضة» بالتأكيد هذا أمر طبيعي أن يقع هناك اختلاف في التقديرات السياسية. ولكنّ «النهضة» لها آلياتها ومؤسّساتها لإفراز القرار المناسب ولاختيار الرجال المناسبين. يعني نحن نعتمد في اختيار رجالنا أو قائماتنا الانتخابية على الآليات الديمقراطية، أي التصعيد التحتي الذي يتمّ من خلال المكاتب الجهويّة ثم يتدخّل المكتب التنفيذي، المؤسسة التنفيذية عند الضرورة لتوجيه هذه القائمات ولكن الاختيار يبقى اختيارا ديمقراطيا مفرزا من طرف المؤسّسات التحتية وخاصة المكاتب الجهوية وما يتبعها أيضا من مكاتب محليّة.
وحركة «النهضة» تملك المناعة الكافية وهي: لا أستطيع أن أقول دون تكبّر أو مبالغة، هي من أكثر الأحزاب تهيكلا وتنظّما ومن أكثر الأحزاب تجذّرا في التقاليد الديمقراطية والمؤسساتية.
هل تعتبرون، في «النّهضة» بعض الإنشقاقات عن الحركة أمرا عاديّا؟
إنّه أمر عادي... لا توجد إنشقاقات كبيرة.. هناك بعض التعبيرات البسيطة التي ظهرت على يمين أو على يسار الحركة.. وهذا أمر طبيعي، خاصة بالنّظر إلى الخيارات أو الإنعطافات الساسيّة التي شهدها مسار الحركة. فبعد خروجنا من الحكومة اتّخذنا قرارات صعبة ومكلّفة، ولكن مع ذلك تمكّنا بحمد ا& من ضمان وحدة الحركة وتمسّكها الداخلي بفعل الآليات الشوريّة والديمقراطية المتوفّرة داخل الحركة ولكنّ الجسم متماسك ولدينا هدف رئيسي الآن أن نذهب إلى الانتخابات القادمة حتّى نضع البلد على سكّة سليمة ونصل بها إلى برّ الأمان بغضّ النظر عن الموقع الذي ستكون فيه حركة «النهضة» سواء في الحكم أو في المعارضة.
هناك تململ داخل نوّاب من كتلة «النهضة» في المجلس الوطني التأسيسي لأنّهم لم يجدوا أنفسهم في قائمات الحركة للإنتخابات القادمة. ما تعليقكم؟
هذه طبيعة الديمقراطية، نحن زكّينا وتمّ اختيار ما يقرب من الثلث من أعضاء المجلس التأسيسي السّابق ولكنّي أستطيع أن أقول إن الأغلبيّة السّاحقة وبنسبة ربّما تفوق ٪95 امتثلوا لقرار مؤسّسات الحركة ووضعوا أنفسهم وإمكانياتهم على ذمّة حركتهم. نحن لا نعتبر تولّي مواقع القيادة التنفيذية تشريفا بل هي تكليف، ويمكن للشّخص أن يشتغل في أي موقع تختاره مؤسّسات الحركة سواء أكان في مواقع تنفيذية أو تشريعية.. في مواقع أولى أو وسطى بحسب حاجيات الحركة وحاجيات البلاد.
قريبا تنتهي مهمّة هذا المجلس التأسيسي ويعلّق نشاطه. في رأيك هل أدّى المجلس الأهداف التي جاء من أجلها؟
أنا تقديري ربّما تمّ تمديد أو تمدّدت الآماد الزمنيّة أكثر من اللّزوم ولكن أستطيع أن أقول إننا أنجزنا المهام التأسيسيّة بقدر كبير من النجاح... تونس بحمد ا& لديها اليوم دستور ديمقراطي يشرّفها ويشرّف التونسيين. ومثلما كان لتونس فضل الرّيادة التاريخية في سنّ أوّل دستور في العالم الاسلامي، دستور عهد الأمان، كذلك اليوم لديها دستور ريادي في العالم العربي وفي العالم الإسلامي، أفرزنا هيئة مستقلّة لتشرف على الانتخابات... حدّدنا تاريخ الانتخابات.. ثمّ إفراز الآليات والمؤسّسات الضروريّة التي تسمح بإجراء العمليّة الانتخابية في أحسن الظروف الممكنة.
وأستطيع أن أقول إن تونس نجحت في إنجاز المهام التأسيسية الكبرى... ربّما الأوضاع الاقتصادية ليست مثاليّة بالنّظر الى الصّعوبات التي تمرّ بها البلاد في مرحلة انتقال... وبالنّظر الى الهزّات السياسية الكبرى التي مرّت بها تونس بعد الثّورة ولكن أستطيع أن أقول إنّنا أمّنّا المستقبل السياسي لتونس بحول ا& ووضعناها في الموقع السليم وفي الخيار السليم.
هناك غضب شعبي ضدّ المجلس التأسيسي لأسباب كثيرة، في رأيك ما هي مبرّرات هذا الغضب الشعبي؟
قد تكون هناك مبالغات بسبب عمليّة الشّحن الإعلامي ولكن بالتأكيد المهام التأسيسية طالت أكثر من اللّزوم والنّاس ضاق صبرهم لأنهم يتوقّعون أن تتغيّر أوضاعهم بسرعة البرق، مثلما أنجزوا ثورة سياسيّة وأطاحوا بالنّظام السابق في بضعة أسابيع، تصوّروا أن أوضاعهم الإقتصادية والإجتماعية ستتغيّر بصورة سريعة ولكن الصعوبات والتحديّات كبيرة، لم يلمس الناس تغيّرات حقيقية وملموسة على مستوى المعيش وعلى مستوى تحسّن الخدمات وعلى مستوى تحسّن التعليم والصحّة... أستطيع أن أقول إنّ كلّ هذه المهام مؤجّلة الى المرحلة القادمة بعد استكمال المرحلة التأسيسية.
إيجابيات وسلبيات
في تقييمك لأعماله ونتائجه، ما هي في نظرك إيجابيات المجلس التأسيسي وسلبياته؟
من الإيجابيات أنّ المجلس استكمل المهام الموكولة إليه باعتبارنا نستعيد تقريبا نفس المهمّة التاريخيّة للمجلس التأسيسي الأوّل بعد الاستقلال سنة 1959م. ومن ناحية انجاز المهام التأسيسية الكبرى أستطيع أن أقول إن المجلس قام بواجبه ونجح على هذا الصعيد ولكنّ المجلس أيضا ربّما دخل في كثير من المناكفات السياسيّة والصّراعات التي انعكست على المناخ العام وأجواء العمل في المجلس التأسيسي، كان من الممكن تجنّبها والتركيز بالأساس على المهام التأسيسية الكبرى ولكن على كلّ حال في المجمل أستطيع أن أقول إنّ مهمّة المجلس كانت موفّقة لأن انجاز دستور مثلما ذكرت والذّهاب بتونس الى انتخابات ديمقراطية أمر ايجابي...
لكن ما هو تفسيرك لتأخير المجلس النّظر في قانون الارهاب المعروض عليه منذ مدّة طويلة؟
في الحقيقة لا يوجد فراغ تشريعي لأن لدينا قانونا للإرهاب منذ سنة 2003 لكنّ هذا النقاش مبرّر لأنّنا أمام معادلة حسّاسة جدا، أي كيف يمكن أن يتجنّد الجميع في مقاومة الإرهاب، أن تتجنّد مؤسّسات الدولة وأن يتجنّد كل المواطنين في مواجهة هذه الآفة وفي نفس الوقت كيف يمكن أن نحفظ الحريّات باعتبارها عنوانا من عناوين الثّورة ومكتسبا من مكتسبات الثّورة؟... وهذا الذي يفسّر ربّما شيئا من التجاذبات الحاصل داخل المجلس وخارجه بين من ينظر إلى هذا الملفّ من زاوية حقوق الإنسان والحفاظ على الحريّات الخاصة والحريّات المدنيّة وبين من ينظر الى ضرورات الأمن في مواجهة المجموعات الإرهابية... إن الإشكال هو كيف نوفّق بين هذين المطلبين، أي نقاوم ظاهرة الإرهاب بقدر كبير من الصّرامة والجديّة ولكن في نفس الوقت أن نحفظ حقوق النّاس وحريّاتهم ولا نعتدي على ثوابت الحريّات وحقوق الانسان واحترام الكرامة الإنسانية.
بعد انتخاب مجلس نوّاب الشّعب سيتوجّه التونسيون والتونسيات إلى صناديق الاقتراع يوم 26 نوفمبر المقبل لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، ما هو رأيك في ظاهرة العدد الكبير من المترشّحين للرّئاسة في بلد صغير مثل تونس؟
هذه الظاهرة ربّما تعود الى صعود طموحات السياسيين أكثر من اللزوم... هناك طفرة وهناك تضخّم في طموحات السياسيين كأن البلد يحتاج الى 100 أو الى 120 رئيسا بينما البلد يحتاج الى رئيس واحد.
من الجانب الآخر أيضا أنّه ما لم يكن متاحا في السابق أصبح متاحا اليوم، فكثير من طموحات السياسيين كانت مكبوتة ولا تستطيع أن تترجم نفسها على أرض الواقع... اليوم أصبح أمر الترشّح متاحا لمن يتوفّر على الحدّ الأدنى من الشّروط يستطيع أن يتقدّم للإنتخابات الرئاسية، ولكن كثيرة، فإن ٪90 من هذه الترشّحات لم يأخذها التونسيون مأخذا جديّا، وفي نهاية المطاف سيكون هناك خمسة أو ستّة مرشّحين جدّيين سيتقدّمون الى هذه الانتخابات، أما بقيّة الأسماء فربّما هي فرصة للتعرّف بأسمائهم وليس أكثر من ذلك.
الرّئيس التوافقي
هل مازلتم في «النهضة» متمسّكين باقتراحكم حول الرئيس التوافقي؟
نعم نحن مازلنا عند توجّهنا في اختيار رئيس توافقي بشروط أن يفهم هذا المعنى على الوجه الدّقيق. فالذي نقصده بالرئيس التّوافقي ليس إلغاء للعمليّة الانتخابية ولكن نريد أن نجمع أكثر ما يمكن من الأصوات ومن التّوافقات الوطنية حول شخصيّة معيّنة بما يضمن الاستقرار السياسي للبلد في المرحلة القادمة. وبالتأكيد هذا الرّئيس التوافقي، تقديرا لن يكون من داخل حركة «النهضة»، نحن نريد أن نختار شخصيّة سواء أكانت حزبيّة أو مستقلّة ولكن تحظى بأكثر ما يمكن من التّوافق الوطني حتى نوفّر عوامل المناعة والاستقرار لبلدنا في المرحلة القادمة ونجنّبها شرور الاستقطاب السياسي والهزّات السياسية التي لا يحتملها اقتصادنا ولا الوضع العام في البلد.
في رأيك ما هي شروط نجاح رئيس تونس القادم؟
شروط نجاح الرئيس القادم أن يكون رئيسا توافقيّا يجمع كلمة التونسيين وأن يكون فوق الصّراعات وأن يكون متجرّدا من المصالح الذاتيّة وأن يجمع كلمة التونسيين على السّواء وأن يدفع القاطرة التونسية نحو الحركة والنموّ والتقدّم الاقتصادي، لأن مثلما ذكرت فإنّ المرحلة الانتقاليّة دامت أكثر من اللّزوم وحان الوقت أن تتحرّك العجلة وأن تتجاوز تونس العقبات التي كبّلتها خلال المرحلة الماضية وهي مكبّلات عادية في ظلّ مرحلة انتقالية حسّاسة وصعبة كانت تمرّ بها تونس وتمرّ بها المنطقة عامّة.
لماذا لم نجدك على رأس إحدى قائمات «النهضة» في الدّاخل أو في الخارج؟
لأنّني لم أتقدّم للتّرشح وخيّرت ذلك رغم أن هناك اقتراحات كثيرة من داخل مؤسسات الحركة.. ولكن خيّرت أن أبتعد عن المواقع التنفيذيّة والتشريعية في هذه المرحلة وأشتغل في إطار الحزب لأنّ المرحلة تقتضي بناء مؤسّسات الحركة وليس مهمّا أن أكون في هذا الموقع أو ذاك، المهمّ أن لا يبخل الإنسان بجهده في خدمة هذه المرحلة الجديدة في تونس وفي بناء المؤسّسات الوليدة وتأمين المسار الديمقراطي لتونس.
لماذا قرّرت «النهضة» عدم ترشيح شخص من داخلها للإنتخابات الرئاسية؟
الحركة لم تقدّم مرشّحا لها من داخلها وستعمل على دعم مرشّح توافقي جدير بنيل ثقة التونسيين والقوى السياسية وأغلب القوى السياسية بما من شأنه، كما ذكرت، أن يضمن الأمن والإستقرار في المرحلة القادمة لتونس... لأنّ عنوان هذه المرحلة هو الشّراكة السياسيّة. نحن حتّى في المرحلة الماضية لم نتقدّم لموضع الرئاسة، نحن الآن أعطينا أولويّة للانتخابات التشريعية وقدّمنا مرشّحينا للانتخابات التّشريعيّة..وفي نفس الوقت نحن معنيّون على نحو أو آخر بمن سيدخل قصر قرطاج ولكن سنبحث عن الرئيس الذي يمكن أن يكون جديرا بثقة التّونسييّن وأن يضمن الإستقرار والأمن في المرحلة القادمة، ومازلنا نتخيّر الشّخصية المناسبة من بين عديد من المرشحين المطروحة أسماؤهم اليوم في السّاحة.
هل يمكن أن نعرف من هي الشخصية التّوافقيّة الجديرة بدعمكم في «النهضة»؟

كلّ الأسماء متساوية ومتعادلة اليوم...من مصطفى بن جعفر... إلى المنصف المرزوقي...إلى كمال مرجان...إلى السيّد الباجي قائد السبسي، كل هذه من الأسماء إلى حدّ الآن مطروحة للنّقاش داخل الحركة.
هل من الممكن أن يكون من بين هؤلاء الشّخص التّوافقي؟

ممكن...ممكن...سنرى من هو الأجدر بأن ينال ثقة التونسييّن وأن يكون أكثر قابليّة لجمع كلمة التونسييّن وتوحيدهم.
وبالنسبة للمنصف المرزوقي؟

هو إحتمال من بين احتمالات أخرى. وإلى جانب السيد المرزوقي هناك شخصيات أخرى...هناك السيد كمال مرجان...هناك مصطفى بن جعفر...هو اسم من بين أسماء أخرى مطروحة في السّاحة.
هل ننتظر أن تكون في موقع وزاري بعد الإنتخابات؟

لا أرغب في ذلك في هذه المرحلة ولكن كل شيء ممكن في عالم السّياسة.
ماهي حظوظ نجاح حركة «النهضة» في الإنتخابات التشريعية القادمة؟
تقديري أنّ حظوظ «النهضة» وافرة في الإنتخابات التشريعية...ستظلّ «النهضة» هي الحزب الأكثر تهكيلا وتنظّما في تونس، ولها قاعدة إنتخابيّة صلبة...ستنعكس هذه في صناديق الإقتراع.
«النهضة» تتنافس مع الأحزاب الأخرى في التشريعيّة...ولا تتقدّم بمرشح من داخلها للرئاسية...ولا تدخل في المنافسة على هذا الموقع رغم أنّها معنيّة بالإنتخابات الرئاسية. هل في هذه الإستراتيجية فلسفة معيّنة؟
يعني هي فيها فلسفة التّوافق الوطني والشّراكة السياسيّة، لأن تونس في العشريّة القادمة تحتاج إلى توافقيات سياسية وإدارة الحكم بروح الشّراكة الوطنيّة بعيدا عن منزع الإنفراد وعدم الإكتفاء بالآلية الديمقراطية لسنا في موقع الحزب الأغلب الذي يحكم بصورة كاملة، وبقيّة الأحزاب تكون في المعارضة. نحتاج إلى أن نشترك مع بعضنا بعضا كأحزاب سياسيّة رئيسيّة لتحمّل أعباء وتحدّيات المرحلة...الأعباء الإقتصادية والسياسية والأمنية وهي كبيرة تحتاج إلى قدر كبير من الشّراكة السيّاسية .
اعتمادا على ما سبق ذكره، كيف تتصوّرون المشهد السياسي التونسي بعد الانتخابات التشريعية والرئاسية؟

أتصور أنّ المشهد السياسي التونسي ربّما ستدخل فيه متغيّرات جديدة. والمتغيّر الجديد هو أنّ هناك أحزابا كبرى اليوم خلافا للمرحلة الماضية لم تكن هناك أحزاب كبيرة باستثناء حركة «النهضة». ومن المؤكد أنّ النظام القديم له رموزه وعاد إلى السّاحة بشكل أو بآخر ولكنّه لا يستطيع أن يتسيّد المشهد السياسي. ستظلّ حركة «النهضة» الحركة الرئيسيّة إلى جانب أحزاب سياسية أخرى.
بالتأكيد سيكون المشهد السياسي أكثر توازنا ممّا كان عليه في المرحلة الماضية.
أوضاع ليبيا
من خلال متابعتك للأوضاع المؤلمة داخل ليبيا، إلى أين يتّجه هذا البلد؟

كلّ الإحتمالات واردة في هذا البلد. فإمّا أن تتّجه ليبيا نحو مصالحة وطنيّة، أن يجسل الليبيون إلى بعضهم البعض ويسجّلوا تنازلات متبادلة لمواجهة التحديّات والمخاطر التي تواجه بلدهم، وأكبر هذه المخاطر هي انتشار السّلاح وضعف مؤسسات الدّولة وظهور النزاعات الجهويّة والقبليّة، إمّا أن يتنازل اللّيبيّون إلى بعضهم البعض...وإما أن يدخل البلد في نفق مظلم لا قدّر اللّه فتنهار مؤسسات الدّولة ومن شأن ذلك أن ينعكس على عموم المحيط. نحن معنيّون بصورة مباشرة بما يجري في ليبيا، ولذلك كنّا ومازلنا نبذل جهودا لجمع كلمة اللّيبييّن ليتجنّب البلد السيناريوهات المخيفة التي تتهدّد ليبيا وعموم المحيط. مازلت متفائلا بأنّ ليبيا تمتلك مقوّمات الوحدة إنّما توجد انقسامات عموديّة في بلد لا توجد فيه انقسامات طائفية ولا عرقيّة. إذا توفّرت الإرادة السياسية ووجدت الحكمة السياسية فمن الممكن لليبيا أن تتجاوز هذه المرحلة بأقلّ التكاليف الممكنة.
ماهي إنعكاسات الأوضاع الليبيّة على تونس خاصّة وعلى دول الجوار عامة؟

هناك انعكاسات مباشرة على الوضع التونسي لأن لدينا حدودا كبيرة مع ليبيا ومصالحنا الاقتصادية والأمنية متداخلة إلى حدّ كبير إلى جانب التداخل الإجتماعي والأسري.
يعني أن عددا كبيرا من التونسيين لديهم امتدادات في ليبيا، امتدادات علاقات قرابة...والعكس صحيح. والغرب الليبي خاصة مرتبط إلى حدّ كبير بتونس، وتونس مرتبطة أيضا بما يجري داخل ليبيا، هناك انعكاسات على المحيط كبيرة..كلّ المحيط الإقليمي يتأثر بما يجري في ليبيا، سواء تحدّثنا عن المحيط المباشر، يعني دول الجوار المباشر العربي والافريقي. أو تحدّثنا حتى عن التأثيرات الإقليمية في جهة المتوسّط التي تطال أوروبا، ولذلك فإن أمن ليبيا واستقرارها مصلحة عربيّة
وافريقية وأوروبية ودوليّة.
هل أنت على علم بوساطات ومساع حميدة لإنهاء التقاتل في ليبيا وإقناع الأطراف اللّيبية المتنازعة بقبول الحوار والمصالحة الوطنية لإنقاذ ليبيا؟
نعم، نحن نقوم بهذا الجهد، نحن لسنا فقط على علم بل نحن نقوم بهذا الجهد، وأنا شخصيا إلتقيت العديد من الإخوة الفرقاء اللّيبيين بمختلف تكويناتهم سواء تعلّق الأمر بمجموعة مصراته أو الزّنتان أو مجلس ثوّار ليبيا أو مجموعات أخرى من الشرق الليبي فيديرالييّن وغيرهم...ونأمل أن يتواصل الجميع مع بعضهم البعض وأن يصلوا إلى حلول توافقيّة لأنّنا نحن كتونسييّن لدينا مصلحة مباشرة في أمن ليبيا واستقرارها. نحن نتابع الشأن الليبي بل نبذل جهودا إلى جانب غيرنا لضمان وحدة ليبيا واستقرارها وتجاوز هذه الأزمة التي تعصف بالبلد.
هل تقوم حركة «النهضة» بجهود معيّنة في هذا الإطار؟

نحن نقوم إلى جانب غيرنا، طبعا نحن لا نحلّ محل الدولة، ونرفض أن نحلّ محلّ الدولة بل أدورانا تتكامل سواء تعلّق الأمر بما يسمى ب «الديبلوماسية الشعبيّة» أو ب «الديبلوماسية الرسميّة» ولكن العديد من الأطراف الليبية من مختلف أطراف الصّراع الليبي طلبت منّا مساعدة في حلّ المشكالات باعتبار أن هناك نوعا من القبول للتجربة التونسية أو النّموذج التونسي في اقتراح التّسويات والمصالحات بين مختلف الفرقاء السياسييّن.
تونس ليس لديها طموحات في ليبيا، وربّما هذا يبعث على الإطمئنان من الأشقّاء اللّيبييّن للدّور التونسي أكثر من غيره، ولكن أيضا نحن نتعاون مع بقيّة دول الجوار وخاصة مع الجزائر الشقيقة لضمان حلول توافقيّة في هذا البلد لأنّ أمننا واستقرارنا في المحيط عامّة مرتبطان إلى حدّ كبير بما يجري في ليبيا.
هل هناك نتائج إيجابية لهذه الجهود؟

أهمّ هذه النتائج هو تجاوز الحواجز النفسيّة أمام الليبين ليجلسوا إلى بعضهم بعضا... ويستمعوا إلى بعضهم بعضا.. اليوم كيف يمكن أن نوائم ونوفّق بين شرعيّة الأمر الواقع والشرعيّة التّوافقيّة؟ أهم الدّرس المستخلص من التجربة التونسية أن الشرعيّة الانتخابية لا تكفي لوحدها. نحن اضطررنا إلى أن نغادر الحكومة رغم تمتّعنا بشرعية إنتخابية غير مشكوك فيها لأننا غلّبنا الوفاق الوطني ولأنّ البلد في مرحلة انتقالية يحتاج إلى توافقات وطنية ولا يمكن الإعتماد على الشرعيّة الانتخابيّة فقط. بهذه الرّوح يمكن أن تصل ليبيا إلى حلول، أن نوائم بين شرعية انتخابية يجب أن يعترف بها الجميع إلى جانب شرعيّة الأمر الواقع...هناك متغيرات تجري اليوم في الساحة الليبية، متغيرات عسكرية على الميدان لا بدّ أن تؤخذ بعين الاعتبار مع احترام الشرعيّة الانتخابية.
وأستطيع أن أقول إنّ الحلّ في كيفية التوفيق بين هاتين الشرعيّتين، بين شرعيّة المؤتمر الشرعيّة السابقة المجسّدة في المؤتمر الوطني العام اللّيبي وشرعية برلمان طبرق حتى نصل إلى حلول توافقيّة تجمع طرفي النّزاع والصراع.
لقاء تشاوري
حضرت في الجزائر مؤخرا اللّقاء الذي تمّ بين الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتقليقة والشيخ راشد الغنوشي. ماهي أهميّة هذا اللّقاء في هذا الوقت بالذّات وماهي نتائجه؟

هو لقاء تشاوري خاصّة في ما يتعلق بما يجري في المحيط. تحدّثنا عمّا يجري في ليبيا وأكدنا مجموعة من الثوابت المشتركة من أهمّها رفض التدخلات الخارجية...والجانب الآخر معالجة مشكلات ليبيا بروح التوافق الوطني، أي الحوار بين اللّيبييّن واستمعنا إلى مواقف واضحة وقاطعة من الطرّف الجزائري أن الجزائر الشقيقة أكدت أن هناك ثابتا من ثوابت سياستها الخارجيّة هو عدم التدخل في شؤون الآخرين وعدم السماح للآخرين بالتدخّل في شؤوننا الدّاخلية . بهذه الرّوح نتعاون مع الجزائر الشقيقة لضمان حلّ توافقي في ليبيا لأن في ذلك مصلحة ليبيّة ومصلحة تونسيّة وجزائرية على السّواء.
كذلك تداولنا في شأن الأوضاع العامة في المنطقة وصعود مجموعات العنف والإرهاب التي تتهدّد الأمن والإستقرار في المنطقة. وتحدّثنا عن التعاون الإستراتيجي بين تونس والجزائر في المجالات الإقتصادية والأمنية بما من شأنه أن يعزّز العلاقات الثنائية ويرتقي بالشّراكة بين البلدين إلى أعلى المستويات الممكنة.
هل صحيح أن الشيخ راشد الغنّوشي كلّف من قبل الرئيس بوتقليقة للقيام بوساطة تصالح بين الجماعات اللّيبية المتصارعة؟

الأمر ليس دقيقا. نحن تحدّثنا عن التّعاون والشراكة مع الشقيقة الجزائر لحلّ مشكلات المنطقة وخاصة في الجوار اللّيبي. المسألة لا تتعلّق بتكليف أو تفويض بقدر ما يتعلق الأمر بتأكيد مبدإ عام، مبدإ التّعاون المشترك ثم التأكيد على مجموعة من الثّوابت في السياسة الخارجيّة التي تجمع بلدينا، خاصة في ما يتعلق بالملف اللّيبي.
أنت كباحث وخبير إستراتيجي ماهو بالنّسبة اليك الحلّ للأزمة الليبية؟

لا توجد حلول كثيرة... الحلّ هو أن يجلس اللّيبيّون إلى بعضهم البعض وإبعاد ليبيا عن التّجاذبات الإقليمية لأن المشكلة أيضا في ليبيا هناك في بعض الأحيان صراعات بالوكالة..يعني ليست من مصلحة أيّ طرف عربي تعطيل مسار الإستقرار في ليبيا، أي ربّما يرى البعض أن هنالك مصالح آنية وقريبة ولكن على المدى البعيد سيتضرّر الجميع من اضطراب الأوضاع في ليبيا، وبالتّالي أقول إنّ استقرار ليبيا والوصول إلى حلول توافقيّة ونجاح تجربتها السياسيّة، في كلّ ذلك مصلحة عربيّة عامّة. وإنّ أهمّ مدخل لمعالجة الأزمة اللّيبية هو أن يتنادى اللّيبيّون إلى بعضهم البعض وأن يدركوا أنّ أمور بلدهم لا يمكن أن تدار بالغلبة. يعني ليبيا بحمد الله تتوفّر على ثروات كبيرة ولديها الكثير من الإمكانيات ويستطيع جميع اللّيبييّن أن يضمنوا الرّخاء والأمن والإستقرار في هذا البلد الذي يتوفّر على ثروات وإمكانيات كبيرة.
يمرّ العالم العربي بظروف خطيرة جدّا لا أحد يعرف كيف ستنتهي . فكيف ترى المستقبل العربي على ضوء (الواقع المتردّي)؟
العالم العربي يمرّ اليوم بأزمات كبرى وهزّات عميقة ناتجة عن معطيات داخلية وأخرى خارجيّة، نحن نعاني من مخلفّات حروب خارجيّة فاشلة في المنطقة، من حرب التدخّل الأمريكي في العراق وقبل ذلك في أفغانستان، أحدث آثارا مدمّرة في المنطقة.. وأيضا الأزمة السّورية وما يعانيه هذا البلد منذ سنة 2011 ...واضطراب الأوضاع في العراق وصعود جماعات التشدّد والعنف مثل «داعش» التي تمثّل خطرا وتهديدا لعموم دول المنطقة...لا يمكن معالجة هذه المشكلات إلاّ بتعاون عربي عربي وتجاوز مخلّفات الماضي والدّفع باتّجاه مصالحات كبرى في المنطقة، يعني تعميق الأزمات والمشكلات الدّاخلية والإستقطاب السّياسي والفكري من شأنه أن يوفّر مناخا جاذبا لهذه المجموعات العنيفة وأن يضعف مقوّمات المناعة في العالم العربي. وبالتالي أستطيع أن أقول إنّ الحلّ هو في المصالحات السياسيّة الدّاخليّة وفي إصلاح العلاقات العربيّة البينيّة لتوجد رؤية عربيّة مشتركة لمواجهة هذه التحدّيات والمخاطر.
وقد جرّبت الحلول الأمنيّة في السابق في مواقع كبيرة من العالم العربي ولكنّها كانت حلولا مكلّفة وفاشلة ولا مجال لمراجعة ظاهرة «داعش» إلاّ بمزيد من التعاون العربي وبتجاوز مخلّفات الماضي وبإجراء مصالحات عربيّة بين الحكومات وبين شعوبها، وبين الحكومات العربيّة فيما بينها .
ظاهرة عجيبة وغريبة
في رأيك ماهي ظاهرة «داعش» من أين جاءت؟ من وراءها؟ من يموّلها ويسلّحها؟ وماهي أهدافها الحقيقية؟

إنها ظاهرة عجيبة وغريبة. «داعش» صعدت بسبب المناخ المأزوم في المنطقة. يعني حالة الفراغ السياسي التي تولدت في العراق، ثم حالة الإضطراب في سوريا، وتراجع حضور القوى الدّولية الكبرى في المنطقة أحدث فراغات سياسيّة... وصعود فكر التّشدّد أيضا نتيجة المناخات السياسيّة المأزومة، لأن الأوضاع المتأزمة تستدعي أكثر الظواهر تأزّما وانحرافا وأكثر الأفكار تأزما وانحرافا.
بالتأكيد هذه الظواهر تحاول أن تستدعي بعض النصوص المنحرفة في التاريخ الإسلامي ربما تعود جذورها إلى «الخوارج» ولكن الواقع السياسي العربي المأزوم هو الذي يدفع إلى استدعاء هذه الظّواهر وهذه النّصوص في الواقع العربي الرّاهن. وبالتّأكيد كلّ هذه المناخات أثرت على نحو أو آخر في أوضاع المنطقة ووفّرت أرضية خصبة لصعود «داعش» والمجموعات العنيفة التي هي وليدة المناخات العامّة في المنطقة ربّما العامل الخارجي تدخّل على نحو أو آخر ولكنّ تشكل هذه الظاهرة وصعودها موجود في المناخ السياسي العربي الرّاهن.
مع هذه المجموعات مال قويّ وسلاح كبير، من يقف وراءها؟

أتصوّر أنّ هناك تدخلات إقليمية ودوليّة بالتأكيد، ولكنّ هذه التدخلات الإقليمية والدولية استندت إلى معطيات موجودة على الأرض هي صعود هذه الظاهرة، وجود ظاهرة «داعش» ثم دخل المال والسّلاح لدعمها ولمدّها بمقوّمات الحياة والإستمراريّة.
ولكن الواقع العربي المأزوم استدعى هذه الظاهرة المرضيّة المأزومة التي تسمّى «داعش».
الغريب في الأمر أن الأمّة العربيّة بالذّات تتعرّض حاليا إلى هجمة إرهابيّة شرسة في وقت واحد، من مشرقها إلى مغربها ماهي قراءتك لذلك؟

هذا دليل على تداخل الأوضاع العربية وربّما هناك مخطّطات كبرى تعمل على إشاعة الفوضى والإضطراب في المنطقة، وهناك تدخّلات خارجيّة، وإقليمية عملت على تغذية هذه الظاهرة لهدم مقوّمات الإستقرار في العالم العربي لذلك أقول إنّه لا سبيل لمعالجة هذه الظاهرة إلا بمصالحات داخلية وبتجنب فكر المواجهات مع الإعتراف بالواقع السياسي العربي والمصالحات مع القوى السياسية الرئيسية بما من شأنه أن نوفّر سدّا منيعا في مواجعة ظاهرة التشدّد والتطرهف. لا يمكن مواجهة هذه الظّواهر المنحرفة أو «الإسلام المنحرف» إلا بالتّعايش والمصالحة مع التيّارات الوطنية الإسلاميّة المعتدلة.
هل من إضافة في نهاية هذا الحوار؟

العالم العربي يمرّ بمرحلة صعبة ولكنّني متفائل بمستقبل الأوضاع العربيّة رغم كلّ العقبات والصعوبات . المهمّ أن تتوفر الإرادة السياسية الفكريّة اللاّزمة لاتخاذ قرارات جريئة وشجاعة وأن يتعالى العالم العربي على جزئيات الأمور وينظر إلى القضايا الكبرى بوجهة استراتيجية وتقدير المصلحة العربيّة المشتركة بعيدا عن الحسابات الضيّقة والصغيرة، هنا وهناك.
وفي الختام، ماهو كتابك القادم؟
للأسف نحن منشغلون الآن بالشأن السياسي ولكني أفكّر في أن أكتب شيئا، هي تأمّلات عمّا يجري في العالم العربي من تحوّلات سياسية سواء في تونس أو في المحيط العربي الأوسع...تأمّلات في ما سمّي ب«الربيع العربي» لعلّها تكون مفيدة لهذا الجيل وللأجيال القادمة.
والكتاب تحت الإعداد مازال في خطواته الأولى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.