عمل قدر الإمكان على تجاوز النتائج الهزيلة و المخيبة للآمال التي حصدها في انتخابات 23 أكتوبر 2011، و سعى جاهدا إلى الحفاظ على تواجده و تماسك بنيانه، فحاول أن يستخلص الدرس ويعيد ترتيب بيته الداخلي بعد الرجة التي احدثتها نتيجة الانتخابات ليعود إلى المشهد السياسي بفكر و اسم جديدين...ترك خلفه الحزب «الديمقراطي التقدمي» بسلبياته و انتكاساته و شكّل الحزب «الجمهوري» الذي تكون بادئ الأمر بانصهار ثلاثة أحزاب هي «الديمقراطي التقدمي» سابقا و«آفاق تونس» و«الجمهوري التونسي» . و لكن الانصهار لم يعمر طويلا، فقد غادر شقّ واسع من قيادات الحزب القديم «الديمقراطي التقدمي» قاعة المؤتمر التّأسيسي ليشكّلوا بعد ذلك «التحالف الدّيمقراطي» برئاسة محمد الحامدي، في حين خيّر عدد آخر منهم أن «يهاجر» في إتّجاه حزب «نداء تونس» الفتيّ. لم يتوقف نزيف الاستقالات عند هذا الحدّ، فقد غادر ممثلوا حزب «آفاق» و أعادوا تشكيل حزبهم خارج إطار «الجمهوري» ، وحتّى بقاء حزب «الأمّة الديمقراطي» لم يطل كثيرا حيث قرّر بدوره مغادرة الحزب الذي التحق به حديثا ، وصرّح عضو هيئته المركزيّة نجيب العوني آنذاك، أن الكتلة اتخذت هذا القرار بسبب سياسة «التفرّد بالرأي داخل الحزب»، مؤكدا أن أحمد نجيب الشابي لم يتّعض من أخطائه السابقة رغم الاستقالات التي شهدها حزبه سابقا،حسب قوله. خارج السّرب ويرى بعض المحلّلين و المهتمين بالشأن السياسي،ان الحزب «الجمهوري» من هواة «العزف المنفرد» و«التغريد خارج السّرب»، مستشهدين في ذلك بحلقات مسلسل انسحاباته المتكرّرة و المتتابعة انطلاقا من الانسحاب من «الكتلة الديمقراطية» بالمجلس التأسيسي إلى إعلان الانسحاب النهائي من تحالف «الاتحاد من اجل تونس» ثم من «جبهة الإنقاذ» في ديسمبر 2013... و يفسّر محللون، الانسحابات المتتالية التي أعلن عنها «الجمهوري» في وقت وجيز ،بسعيه إلى «التنصّل» من كل التحالفات وإحداث «فوضى خلاقة» في المشهد السياسي تجعل منه محط أنظار الجميع وتمكنه من إيجاد أرضية ينفد من خلالها رئيس هيئته التأسيسية احمد نجيب الشّابي إلى قصر قرطاج في الانتخابات الرئاسية التي تعلقت بها آمال الحزب أكثر من الانتخابات التّشريعة، و هو الأمر الذي يفسّر النتائج السلبية التي حصدها الحزب في انتخابات 26 أكتوبر 2014، على حد تعبير بعضهم. بعد الانسحابات...استقالات وحتى بعد انفصاله عن كل التحالفات التي أقامها عقب انتخابات 23 أكتوبر 2011، لم تنته، حسب المتابعين، أزمة الجمهوري حيث انتقل إلى مرحلة «التخبّط في مشاكله الداخلية الهيكلية» والتي يرى الملاحظون انها مرتبطة أيضا بالخط السياسي وبالأخطاء الاستراتيجية التي عمقتها نتائج الانتخابات التشريعية ومن بعدها الرئاسية. و قد مثل التنافس على رئاسة القائمات الانتخابية،حسب البعض، سببا رئيسيا في اجتياح موجة الاستقالات لمرافئ الحزب، حيث تقدّم عدد من مناضلي الحزب بمنوبة في شهر أوت من السنة الجارية باستقالاتهم وذلك لرفضهم ما سمّوه تعيين رئيس القائمة دون تشريكهم أو استشارتهم،كما أعلن منسق عام دائرة صفاقس وعضو اللجنة المركزية وكاتب عام جامعة صفاقس 1 للحزب الجمهوري إضافة إلى الأعضاء المنتمين إليها والكتاب العامين لفروع ساقية الزيت ومنزل شاكر وبئر علي بن خليفة والحنشة وساقية الدائر عن استقالتهم من الحزب ومن جميع المسؤوليات الحزبية الجهوية والوطنية صلبه وتشكيل قائمة مستقلة للترشح للانتخابات التشريعية المقبلة تحمل اسم «صوت المواطن». كما لم يتوان أعضاء فرع منزل بورقيبة ليعلنوا ،في ذات الشهر، عن استقالتهم من كل نشاط تابع للحزب احتجاجا على عدم إنصاف مدينة منزل بورقيبة وتتويجها لرئاسة قائمة بنزرت.وتحدث كاتب عام فرع منزل بورقيبة وعضو جامعة بنزرت، في هذا الصدد، عن «نكران للجميل وعدم الاعتراف بما قدمه جميع الأعضاء للحزب وللفرع من تضحيات جسام في سبيل تركيزه بمدينة منزل بورقيبة التي تعتبر من المعتمديات المهمة بولاية بنزرت، حسب قوله ،مؤكدا أنه تولى تأسيس الفرع وعزّزه بطاقات وإطارات ناشطة لا تسعى سوى للرقي بالحزب وإشعاعه بمنزل بورقيبة ولكنهم لم يجدوا سوى التهميش في هذه الانتخابات التشريعية وتم حرمانهم وحرمان المدينة من فرصة التواجد في مجلس النواب. و بالتوازي مع موجة الاستقالات بالجهات، اعلن عدد من قياديي الحزب عن استقالتهم من مسؤولياتهم فيه ، على غرار الاستقالة المدوية والتي وصفت ب «الضربة الموجعة» التي تلقاها الجمهوري والمتمثلة في استقالة النائب رابح الخرايفي عن دائرة جندوبة شمال غرب البلاد الذي أعلن بالتوازي مع ذلك عن سحب تزكيته لأحمد نجيب الشابي في الانتخابات الرئاسية. نزيف الاستقالات يتواصل و ما قد يؤكد عمق الأزمة التي يمرّ بها الجمهوري في الوقت الراهن ، هو استقالة 6 قياديين بالحزب و هم كل من زينب التركي(مدير الحملة الانتخابية لأحمد نجيب الشابي في الرئاسية) وماجد الحاج علي (رئيس قائمة الحزب بدائرة المهدية في التشريعية) ومحمد الحشيشة والطيّب الهويدي وتوفيق ميلاد وحمادي عبيد، احتجاجا منهم على موقف الحياد الذي تبناه الحزب بخصوص المترشحين للدور الثاني من الانتخابات الرئاسية. الحديث عن نزيف استقالات لم يتوقف بعد، إذْ يؤكد بعض المحللين ان تتالي الهزائم التي حصدها الحزب في الانتخابات التشريعية ثم الرئاسية «تسبب في انهيار الاعمدة التي يستند عليها»، مشددين على أن خيارات قيادييه التي وصفوها ب «المتذبذبة» و«غير الثابتة»، تعكس قراءة غير سليمة للأوضاع وأن ذلك جعل الحزب يدفع فاتورة باهظة و يفقد الكثير من إشعاعه و بريقه و يخسر عددا من قيادييه و قواعده الهامة على غرار وزير التشغيل السابق سعيد العايدي.