العلاقة بين المثقّف والسياسي ليست على ما يرام اتحاد الكتاب تحوّل الى «وكالة أسفار» حاوره ٬ عبد السلام لصيلع للأديب عثمان الجلاصي الشّريف نشاط متعدّد «الإهتمامات وله إسهامات واضحة في إثراء الحركة الثقافية والابداعية في تونس.. فهو شاعر وكاتب قصّة وناقد، بالإضافة الى دوره في ترجمة نصوص من الأدب العالمي إلى اللغة العربية. صدرت له الى حدّ الآن مجموعتان شعريتان هما: «ارتطام على جدارالصّمت» و«أيّها الطّين تشكّل»، وفي القصة أصدر نصوصا قصصيّة مترجمة، نذكر منها كتابه «الغزالة وقصص أخرى» وكتابه «القلعة»، وفي النقد، نذكر له هذه العناوين :«عالم الرّؤية، عالم الطفولة مقولات في الشعر التونسي» و«موريس كارام شاعر الحبّ والسلام» و«شيء من الحياة» و«فسيفساء فكريّة، مقالات في الفكر والسياسة». «التونسية التقته فكان معه الحوار التالي: أنت شاعر وقاصّ وناقد، كيف تستطيع التعايش مع هذه الأجناس الادبية المختلفة؟ - أن تكون مثقّفا أي أن تأخذ من كل شيء بطرف لكن أخذك هذا سيكون بدرجة أعلى في مجال من المجالات. أما بالنسبة الى الاديب أو الكاتب متعدّد الاختصاصات فالاهتمام بمختلف الاجناس الادبية من شأنه أن يثري التجربة الابداعية نظرا لتعدّد المناهل. والابداع ليس تجربة حسيّة أو حالات نفسية يعيشها المبدع فيعبّرعنها في شكل قصائد وقصص وروايات بل لا بدّ للمبدع من زاد لغوي وثقافي ومعرفي وفكري يستطيع بفضله التفاعل مع الواقع وقراءته بعين واعية وعارفة فيلتقط منه مواقف يؤثث بها ابداعاته الشعرية أو القصصصية أو الرّوائية أو غيرها في حبكة تتوفّر على حرفيّة. أما في ما يخص مسألة النقد فالناقد قبل كلّ شيء قارئ جيّد وهو في الآن نفسه عارف بمسألة التقييم وممتكل لأدوات تحليلية يسلطها على النصوص ومن الافضل في رأيي ان يكون الناقد مبدعا متشبّعا بتقنيات الكتابة سردا وشعرا. وحتى لا تكون العلاقة بينه وبين النصوص التي يشتغل عليها علاقة ميكانيكية فتفزر نصوصا نقدية جافة لأنه كما قيل من قبل «الكلام على الكلام صعب». كذلك أنت تهتم بالتّرجمة، ألا يؤثر ذلك على عالمك الابداعي؟ - الترجمة عمل مهمّ في تجربة المبدع إذ هي النافذة التي نطلّ منها على الثقافات الاخرى وعلى إبداعات الاخرين. وهذا التراكم سيؤثر حتما في أعمال الاديب المهتمّ بالترجمة لكنه تأثير واع. وبقدر ما نطّلع على آداب الشعوب الاخرى يزداد اقترابها منها والتواصل معها. في تونس هناك إنتاج أدبي متنوّع، فهل يلقى مواكبة نقدية كافية؟ - رغم توفر انتاج أدبي متنوع في تونس فإن هذا الانتاج لا يلقى مواكبة نقدية كافية، وذلك في نظري للأسباب التالية٬: أ- قلة عدد المهتمين بالنقد الادبي مقارنة بعدد السّاردين والشّعراء ب- محدودية اهتمام الجامعيين بالنصوص الابداعية التونسية مع استثناء بعض الاسماء مثل الدكتور حسين العوري والدكتور محمد صالح بن عمر والدكتور محمود طرشونة على سبيل الذكر لا الحصر ت- محدوديّة الحيّز الذي تخصّصه الصّحف اليومية والاسبوعية لتقديم الاصدارات الجديدة تقديما يتجاوز مستوى الاخبار عن اصدارات لترغيب القارئ في قراءة الكتابات التونسية. ماهي الأسباب التي لا تجعل الأدب التونسي ينتشر خارج الحدود؟ - يعود هذا الامر الى محدودية حركة ترجمة الادب التونسي الى لغات اخرى مثل الانجليزية والفرنسية والالمانية والصينية، والى غياب سياسة توزيع على درجة عالية من الحرفيّة. ولمجابهة هذه الوضعية أقترح مزيد تدعيم المركز الوطني للترجمة ليقوم بالدور الذي أحدث من أجله على أفضل وجه، وتدعيم المبادرات الفردية التي يقوم بها مفكرون ومبدعون وجامعيون من قبل الدولة ممثلة في وزارة الثقافة. كيف هو وضع الحياة الثقافية والأدبية في تونس؟ - الثقافة والادب في تونس يعيشان وضعا غائما لم تتّضح فيه الرؤية بعده وحتى الأحزاب السياسية وفي ما اطلعت عليه من برامج انتخابية لم تول الشأن الثقافي المنزلة التي يستحقها. نلاحظ أن العلاقة بين المثقف والسياسي في تونس ليست على ما يرام. لماذا؟ نعم، العلاقة بين المثقّف والسياسي ليست على مايرام في تونس ففي القديم كان النظام يعبتر الثقافة رافدا من روافده ما دام هذا المثقف أو المبدع تابعا له مدافعا عن خياراته. وفي الفترة الانتقالية مرّ موقف السياسيين من المثقفين والمبدعين بثلاث مراحل ، هي: أ- مرحلة التهميش الكامل والرّيبة باعتبار أن المبدع نافر يعسر ترويضه، وقد بلغ هذا الموقف أحيانا حدّ التفكير. ب- مرحلة ذرّ الرماد على العيون بالتركيز على بعض التظاهرات المركزية الكبرى مع التخفيض في الميزانية المخصّصة للثقافة عموما. ج - مرحلة الوعود بإعادة الاعبتار الى الثقافة والمثقفين عندما تتوفّر الشروط الموضوعية والتصدّي للأوليات التي تفرضها وضعيّة البلاد. ماهو المطلوب لإعادة الاعتبار الى الثقافة والأدب في تونس؟ - لردّ الاعتبار الى الثقافة والادب في تونس اليوم يجب أن يكون الاهتمام بالشأن الثقافي مسؤولية وطنية بالدرجة الاولى أي مسؤولية الدولة نظرا لاهيمة الابداع في التخيفض من العنف داخل المجتمع وتربية الاجيال على قيم الجمالية في تنوّعها وكونيتها، ولما يبنيه الابداع من جسور تواصل مع الشعوب. كذلك على أصحاب الثورات أن يقدموا على الاستثمار في القطاع الثقافي لأمرين اثنين هما: 1- لأنه كما هو معروف في البلدان التي لها تقاليد الصناعات الثقافية هو قطاع مربح من ناحية، ولأنه باستطاعته توظيف عدد هام من حاملي الشهائد العليا والتقنين ذوي الاختصاصات ذات الصلة بالصناعات الثقافية. 2- ولإعادة هذا الاعتبار لا بدّ من تفعيل حقيقيّ لدور المنظمات والجمعيات والاتحادات المتدخلة في ميدان الثقافة عموما (أدب - فنون - تشكيلية - مسرح - سينما).. وفي هذا السياق أشير الى المنظمة التي كنت أنتمي اليها أعني اتحاد الكتاب التونسيين الذي تحوّل الى وكالة أسفار عوضا عن خدمة الاهداف التي ينصّ عليها نظامه الاساسي أي خدم الادب والادباء لا سيما في مجالي النشر والتوزيع والتشجيع على المطالعة. وماهو المطلوب لخدمة الادب العربي بواسطة الترجمة في العالم؟ - لخدمة الادب العربي عن طريق الترجمة يجب مزيد تطوير الامكانيات المالية والموارد البشرية واللّوجيستية المتوفرة لدى مراكز الترجمة في الوطن العربي، والتشجيع على احداث مراكز ترجمة علمية وأدبية خاصة بناء على كراس شروط بضبط مواصفات هذه المراكز وأهدافها وتنظيمها وطرق سيرها وشروط إسناد رخصها مع تمكين هذه المراكز الخاصة من مساهمة الدولة في مواردها المالية بتكليفها بأعمال معينة أو من خلال الشراءات ما هو كتابك القادم؟ - سلّمت مؤخرا الى دار «سنابل» للنشر أكثر من 10 قصص للأطفال، ولديّ مشروع دليل بيداغوجي موجه الى المشغلين في قطاع التربية المختصة والتّأهيل الاجتماعي. بالاضافة الى هذا لديّ عدد هام من الاعمال شعرا ونثرا قمت بترجمتها وأنا أعمل الآن على توظيبها للنشر. وأخيرا؟ أتوجه بكلّ لطف الى أصحاب القرار السياسي لأذكرهم بأنه لا يمكن لأي مشروع مجتمعي أن ينجح إذا لم يول البعد الثقافي المكانة التي يستحقها.