تونس تشارك في معرض ليبيا للإنشاء    غرفة القصابين: معدّل علّوش العيد مليون ونص    نيويورك: الشرطة تقتحم جامعة كولومبيا وتعتقل عشرات المؤيدين لغزة    تونس: الإحتفاظ بعنصر تكفيري مفتّش عنه    علم تونس لن يرفع في الأولمبياد    جبل الجلود تلميذ يعتدي على أستاذته بواسطة كرسي.    مهرجان سيكا جاز: تغيير في برنامج يوم الافتتاح    الفيلم السّوداني المتوّج عالميا 'وداعًا جوليا' في القاعات التّونسية    سامي الطاهري يُجدد المطالبة بضرورة تجريم التطبيع    دعما لمجهودات تلاميذ البكالوريا.. وزارة التربية تدعو إلى تشكيل لجان بيداغوجية جهوية    الطبوبي في غرة ماي 2024 : عيد العمّال هذه السنة جاء مضرّجا بدماء آلاف الفلسطينين    عاجل: وفاة معتمد القصرين    انطلاق فعاليات الاحتفال بعيد الشغل وتدشين دار الاتحاد في حلتها الجديدة    بنزرت: وفاة امرأة في حادث اصطدام بين 3 سيارات    اليوم: طقس بحرارة ربيعية    تونس: 8 قتلى و472 مصاب في حوادث مختلفة    البطولة العربية السادسة لكرة اليد للاواسط : المغرب يتوج باللقب    الهيئة العامة للشغل: جرد شركات المناولة متواصل    اليوم: تونس تحيي عيد الشغل    جولة استكشافية لتلاميذ الاقسام النهائية للمدارس الابتدائية لجبال العترة بتلابت    نتائج صادمة.. امنعوا أطفالكم عن الهواتف قبل 13 عاماً    اليوم.. تونس تحتفل بعيد الشغل    اتفاق لتصدير 150 ألف طن من الاسمدة الى بنغلاديش سنة 2024    الليلة في أبطال أوروبا... هل يُسقط مبابي «الجدار الأصفر»؟    الكرة الطائرة : احتفالية بين المولودية وال»سي. آس. آس»    «سيكام» تستثمر 17,150 مليون دينار لحماية البيئة    أخبار المال والأعمال    وزارة الفلاحة تضبط قيمة الكيلوغرام من التن الأحمر    لبنان: 8 ضحايا في انفجار مطعم بالعاصمة بيروت وقرار عاجل من السلطات    موظفون طردتهم "غوغل": الفصل كان بسبب الاحتجاج على عقد مع حكومة الكيان الصهيوني غير قانوني    غدا الأربعاء انطلاقة مهرجان سيكا الجاز    قرعة كأس تونس للموسم الرياضي 2023-2024    اسقاط قائمتي التلمساني وتقية    تأخير النظر في قضية ما يعرف بملف رجل الأعمال فتحي دمّق ورفض الإفراج عنه    تعزيز أسطول النقل السياحي وإجراءات جديدة أبرز محاور جلسة عمل وزارية    غدا.. الدخول مجاني الى المتاحف والمواقع الاثرية    هذه تأثيرات السجائر الإلكترونية على صحة المراهقين    قفصة: تواصل فعاليات الاحتفال بشهر التراث بالسند    وزيرة النقل في زيارة لميناء حلق الوادي وتسدي هذه التعليمات..    تحذير من برمجية ''خبيثة'' في الحسابات البنكية ...مالقصة ؟    ناجي جلّول: "أنوي الترشّح للانتخابات الرئاسية.. وهذه أولى قراراتي في حال الفوز"    الاستثمارات المصرح بها : زيادة ب 14,9 بالمائة    عاجل/ "أسترازينيكا" تعترف..وفيات وأمراض خطيرة بعد لقاح كورونا..وتعويضات قد تصل للملايين..!    مختص في الأمراض الجلدية: تونس تقدّمت جدّا في علاج مرض ''أطفال القمر''    يوم 18 ماي: مدينة العلوم تنظّم سهرة فلكية حول وضعية الكواكب في دورانها حول الشّمس    مدينة العلوم بتونس تنظم سهرة فلكية يوم 18 ماي القادم حول وضعية الكواكب في دورانها حول الشمس    إحداث مخبر المترولوجيا لوزارة الدفاع الوطني    أمير لوصيف يُدير كلاسيكو الترجي والنادي الصفاقسي    إصطدام 3 سيارات على مستوى قنطرة المعاريف من معتمدية جندوبة    خبراء من منظمة الصحة العالمية يزورونا تونس...التفاصيل    ربع نهائي بطولة مدريد : من هي منافسة وزيرة السعادة ...متى و أين؟    التوقعات الجوية اليوم الثلاثاء..أمطار منتظرة..    فرنسا تعزز الإجراءات الأمنية أمام أماكن العبادة المسيحية    الخليدية .. أيام ثقافية بالمدارس الريفية    زيادة في أسعار هذه الادوية تصل إلى 2000 ملّيم..    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وزير الصحة في حديث شامل ل «التونسية»:نحن وزارة صحّة ولسنا «وزارة مرض»
نشر في التونسية يوم 26 - 01 - 2015

مستشفى صفاقس سيكون جاهزا بعد عامين وكلفة بنائه 120 مليارا
تونس تستقطب 400 ألف مريض أجنبيّ سنويا وبإمكانها أن تصبح قطبا صحيا عالميا
اللّجوء الى الأطباء الأجانب «أبغض الحلال» لكنه يظلّ مطروحا!
نواجه صعوبات في تطبيق مشروع الخدمة الوطنية لأطباء الاختصاص
50 مليارا لانجاز 13 مركزا صحيّا وسيطا
نسعى الى ادماج القطاع في العصر الرقمي وقريبا خدمة Mobile Health
التونسي ينفق 189 دينارا على الصحة سنويا
أدوية السرطان تكلفنا 270 مليارا سنويا ونسعى الى تصنيعها في تونس
لا يمكن للدولة أن توفّر لأطباء الاختصاص اغراءات القطاع الخاص
2015 سنة حرجة في توفير طب الاختصاص
أجرى الحديث: فؤاد العجرودي
على امتداد نحو ساعتين أجاب الدكتور محمد الصالح بن عمار وزير الصحة العمومية على سيل من الأسئلة التي طرحتها «التونسية» حول مجمل الاشكاليات التي يعاني منها القطاع الصحي بشقيه العام والخاص.
في هذا الحديث الذي أجريناه قبيل الإعلان عن التشكيلة الحكومية الجديدة قدّم د. بن عمار موقف الوزارة وتصوراتها بشأن عديد القضايا وفي مقدمتها المعاناة اليومية للمواطن في المستشفيات نتيجة الاكتظاظ وطول الاجال ونقص الأدوية ومعضلة نقص أطباء الاختصاص في المناطق الداخلية... وآفاق الصناعة الدوائية الوطنية.. وعلاقة المستشفيات بصندوق التأمين على المرض الى جانب الحوار الاجتماعي وعلاقة الوزارة بالقطاع الصحي الخاص، وقد انطلق الحوار بالسؤال التالي:
لنبدأ بالمعاناة اليومية للمواطن جراء الأمراض المزمنة التي مازال يعاني منها القطاع الصحي العمومي على غرار الاكتظاظ وطول المواعيد ونقص الادوية الى جانب تردي الخدمات الفندقية مثل عدد الأسرة في أقسام الاقامة.. منذ سنوات تم إرساء برنامج لتأهيل هذا القطاع قبل أن يلغى بعد 14جانفي.. هل تملكون تصورا شاملا لإصلاح هذا المرفق؟
- القطاع العمومي هو ركيزة المنظومة الصحية الوطنية وينبغي أن يبقى له الدور المرجعي على صعيد العلاج والتكوين والبحث العلمي.. إصلاح الاوضاع يقتضي بالضرورة تشخيص الاسباب وأولها الاختلال في توزيع الطلب.. الاكتظاظ وما يتفرع عنه من إشكاليات متمركز أساسا في المستشفيات الجامعية الكبرى التي تشتغل بأكثر من طاقتها.. وكذلك أقسام الاستعجالي التي تؤمن سنويا 4،8 ملايين عيادة منها 80 بالمائة هي حالات غير استعجالية.. هناك أقسام استعجالي تستقبل يوميا 300 مريض؟
هذا الضغط مرده بالأساس ضعف الخط الاول.. 60 بالمائة من العيادات في مراكز الصحة الاساسية تشتغل بمعدل يوم واحد في الاسبوع.. فضاءات أخرى مثل الطب المدرسي والجامعي وطب الشغل هي اليوم غير مستغلة بالشكل الكافي.. هذا الوضع يقتضى إعادة توزيع الطلب بين الحلقات الثلاثة للمنظومة العمومية عبر تخفيف الضغط على المستشفيات الكبرى وتدعيم الخط الاول.. ومن هذا المنطلق دعمنا ميزاينة أدوية الامراض المزمنة في مراكز الصحة الاساسية كما شرعنا في إنجاز برنامج بكلفة 50 مليون دينار لإنجاز 13 مركز صحي وسيط تتوفر فيها خدمات التحاليل والتصوير وطب الاسنان وصرف الادوية ويهدف هذا التوجه الى توفير خدمات على مدار الساعة لا يجدها المواطن اليوم فيضطرّ الى التنقل الى المستشفيات الكبرى وأقسام الاستعجالي. هذا البرنامج سيمكن أيضا من اقتناء سيارات رباعية الدفع قصد تسهيل تنقل الاطباء الى المراكز الوسيطة.
لكن هذه الاحداثات الجديدة ستزيد في تعميق مشكل نقص الاطار الطبي؟
- لم نكن لنشرع في هذا البرنامج قبل الحسم في مسألة الامكانيات وخاصة الاطار الطبي وفي هذا الصدد قمنا بمجهود استثنائي من خلال انتداب 400 طبيب صحة عمومية في الاونة الاخيرة شرعوا في الالتحاق بمراكز عملهم منذ غرة جانفي.
الى جانب مسألة الاختلال في توزيع الطلب بين الخطوط الثلاثة فإن الضغط الذي تلاقيه منظومة العلاج بكل مكوناتها ناتج أيضا عن عدم مواكبة السياسة الصحية للتحولات الديمغرافية والوبائية التي شهدتها البلاد.. أي ضعف السياسة الوقائية التي تقتصر على برامج معزولة دخل بعض مكوناتها في سبات عميق في السنوات الاخيرة.. هل توجد إرادة اليوم لإرساء منظومة وقائية متكاملة؟
- هذه هي المعضلة الثانية التي سأتطرق إليها وبإمكاني القول أن أكبر خطر يتهدد المنظومة الصحية الوطنية هو تنامي الامراض المزمنة وغير المعدية في ظل تغير أنماط العيش وراتفاع مؤهل الحياة عند الولادة والسلوكيات الخطيرة وفي مقدمتها ظاهرة التدخين الاخذة في مزيد الانتشار مع الاسف فيما تتراجع في بلدان اخرى.. مقابل ذلك فإن الوقاية أهملت تماما ولا تستأثر إلا بنسبة 0٫5 بالمائة من إجمالي النفقات الصحيّة.
من هذا المنطلق ركزنا في تطوير الخط الاول على دعم البرامج الوقائية وهو ما نسعى اليه أيضا في الطب المدرسي والجامعي وطب الشغل.. أطلقنا عديد البرامج الهادفة الى تعميق الوعي بمخاطر الاستهلاك المفرط للملح والسكر ومزايا تعاطي النشاط الرياضي.
وفي نفس الاطار قمنا مؤخرا بإرساء وحدة صلب الوزارة تعني بالتكوين المستمر لفائدة الاطباء والممرضين الفنيين السامين وذلك بهدف توفير منظومة متكاملة للتكوين المستمر الذي من بين أهدافه تطوير قدرات الاطار الطبي وشبه الطبي في مجال الوقاية. لا بد من برنامج طويل المدى في هذا الاطار «نحن وزارة صحة وليس وزارة مرض»!
هذا لا يعفي الوزارة من مسألة نقص الادوية في المؤسسات الصحية؟
- بصراحة.. لا بد من إعادة التفكير في منظومة الادوية برمتها.. نحن نحرص باستمرار على أن يكون الدواء متوفرا للمريض وخاصة بالنسبة الى الامراض المزمنة التي ذكرت منذ حين أننا دعمنا الميزانية المخصصة لها في الخط الاول..
كلفة الادوية آخذة في الارتفاع بسبب عدة عوامل منها تراجع الدينار مقابل العملات الاجنبية وغلاء أسعار الادوية الجديدة.. كلفة أدوية مرض السرطان مثلا وصلت الى 270 مليون دينار سنويا.. الصناعة المحلية تؤمن 50 بالمائة من الاستهلاك الجملي ولكنها للأسف لا تنتج الادوية غالية الثمن.
لكن تونس تمتلك تقاليد هامة في تصنيع وحتي تصدير الدواء، فلماذا لا نقتحم مجالات جديدة مثل تصنيع الادوية المخصصة لعلاج مرض السرطان؟
- نحن نعمل اليد في اليد مع المصنعين ونحرص على تشجيعهم على تطوير القدرات الوطنية خاصة من خلال اقتحام مجال تصنيع أدوية علاج مرض السرطان باهضة الثمن هناك أصناف كثيرة من الادوية تجاوزت مرحلة حماية الملكية وبالامكان تصنيعها في تونس كما أنه بإمكاننا تصنيع الأدوية الجديدة وعدم الاكتفاء بالجنيسة.. هناك مساندة مطلقة من الوزارة للصناعين لخوض هذه المجالات حتى نرفع القيمة المضافة للانتاج الوطني ونتحكم أكثر في نفقات الدواء كما يجدر التذكير في هذا الاطار أنه لا يوجد أي فرق بين الادوية الجنيسة والاصلية فهي تتوفر على نفس الخصائص العلاجية.. الدواء الجنيس هو فقط الدواء الذي تجاوز فترة حماية الملكية وبالتالي لم يعد تصنيعه حكرا على صاحب براءة الاختراع.
في نفس الاتجاه تطرح مسألة تطوير صناعة التلاقيح والادوية المشتقة من البيوتكنولوجيا وفي هذا الاطار تم منذ سنوات بعث قطب سيدي ثابت.. أين وصلت المجهودات في هذا المجال؟
- قطب سيدي ثابت بصدد التقدم على مستوى استقطاب مشاريع انتاج الادوية المشتقة من البيوتكنولوجيا.. كما تسهر الوزارة على مزيد تطوير هذا الميدان وفي هذا الصدد أوفدت في المدة الاخيرة فريقا من المختصين في الدواء الى كوبا للتعرف على التجربة الرائدة التي يملكها هذا البلد في مجال صناعة التلاقيح.
بهدف الحد من التبذير في استهلاء الدواء تم أيضا منذ سنوات ارساء تجربة صرف الادوية «فراك» في مستشفى الحبيب ثامر هل يوجد توجه لتعميم هذه التجربة على المؤسسات الصحية العمومية؟
- نسعى الى تعميم هذه التجربة على 7 مستشفيات جامعية ونحن بصدد إرساء المنظومة الاعلامية اللازمة الى جانب إيجاد الحلول لمسألة صرف الادوية في العيادات الخارجية، بالتوازي مع ذلك نسعى الى توفير «الصيدلي الكلينيكي» في إطار مراجعة شاملة لمنظومة الصيدلي وحتى يكون هناك مسؤول واحد عن الدواء في كل مؤسسة استشفائية.
نأتي الآن معالي الوزير الى المعضلة الكبرى وهي مشكل نقص أطباء الاختصاص في الجهات الداخلية والتي تعد من بين أسباب تردي الخدمات في المستشفيات الجامعية الكبرى المتمركزة في الشريط الساحلي أساسا.. ما حقيقة الوضع اليوم، وهل توجد حلول جديدة في الافق لحلحلة هذه المعظلة؟
- لنا اليوم قرابة 500 طبيب اختصاص في المناطق ذات الاولوية الموزعة على 13 ولاية.. في بعض الولايات عدد الاطباء تجاوز المعدل الوطني.. لكن هذا لا يعني ان الاوضاع على ما يرام، هناك نقص حقيقي ونواجه صعوبات في انتداب أطباء اختصاص لهذه المناطق ثم في ضمان استقرارهم ووفّرنا على سبيل المثال في السنة الفارطة الاعتمادات لانتداب 457 طبيب مختص في إطار فرق طبية متكاملة لكننا لم نتمكن سوى من توظيف 47 طبيب بسب العزوف.. المشكل يتفاوت أيضا من اختصاص الى آخر.. حيث نواجه صعوبات جسيمة في توفير بعض الاختصاصات الدقيقة والاساسية أو ما يعرف ب «Les spécialités de proximité» مثل طب الاطفال وبعض الاختصاصات الجراحية والتخدير والانعاش هذا المشكل يعود الى عدة أسباب من بينها إغراءات القطاع الخاص فآخر مصحة تمّ تدشينها استقطبت 10مختصين في التخدير والانعاش أي ما يعادل ما هو متوفر اليوم في 4 ولايات.. وكذلك إغراءات العمل بالخارج خاصة أوروبا.. فلنا اليوم أكثر من 250 مختص في ذا ت الميدان يعملون خارج البلاد.. الى جانب محدودية عدد المتخرجين الجدد نتيجة ما نشهده منذ سنوات من عزوف عن الاختصاصات المذكورة في مرحلة التخصص، يجب التذكير أيضا أن هذا المشكل لا يقتصر على تونس.. هناك أزمة حقيقية على الصعيد العالمي بفضل شح عدد المختصين في المجالات الذكورة وهو ما دفع الى تسابق ومنافسة حادة لاستقطابهم.. ومن هذا المنطلق قمنا بتركيز هيئات اختصاص لتدارس الحلول الملائمة للإشكاليات المطروحة ولا سيما محدودية طاقة التكوين في تلك الاختصاصات التي يجب أيضا أن تكون متوفرة عل مدار الساعة وبالتالي لا يمكن الاكتفاء بانتداب طبيب واحد لسد النقص وهو ما يطرح صعوبات مزودجة، ينبغي الاقرار أيضا أننا وصلنا الى وضع غريب في توزيع أطباء الاختصاص.. تجاوزنا اليوم مرحلة الاشباع في ولايات الشريط الساحلي حيث يمثل عدد أطباء الاختصاص 75 بالمائة من إجمالي عدد الاطباء، كما ينبغي التذكير أن سنة 2015 هي سنة حرجة حيث ستشهد صعوبات اضافية نتيجة التمديد في مرحلة التخصص (الاقامة) الى 5 سنوات وبالتالي لن يتوفر متخرجون جدد هذا العام.
في خضم هذه الصعوبات ماهي الحلول المطروحة وهل يعني كلامكم إمكانية اللجوء الى الاطباء الاجانب من جديد بعد الغاء عقودهم سنة 2010؟
-لم نلجأ الى حد الان الى انتداب أطباء الاختصاص الاجانب الذي أعتبره بمثابة « أبغض الحلال» لكنه يبقى مطروحا والحلول حسب اعتقادي يجب أن تكون في اطار مقاربة شاملة تقوم على مبدأ التضامن بين كل الاطراف.. الدولة لا يمكنها أن تنافس القطاع الخاص على مستوى الاغراءات المادية لكن يجب إرساء حوافز إضافية للأطباء المختصين في المجالات التي ذكرتها منذ حين نظرا الى طبيعة عملهم وذلك بالتوازي مع إيجاد الحلول للترفيع في طاقة التكوين في الاختصاصات المذكورة، هذه المقاربة يجب أن تقوم أيضا على الشراكة بين القطاعين العام والخاص وإيجاد الاليات للمحافظة على الاطارات الطبية بعد تجاوز سن التقاعد ومزيد الاحاطة بأطباء الاختصاص من قبل السلط الجهوية والمحلية قصد تشجيعهم على الاستقرار.
في إطار حزمة الاجراءات التي تم إرساؤها بين 2008 و2010 لحل مشكل نقص أطباء الاختصاص في الجهات الداخلية طرح مبدأ تفعيل الاجراء المتعلق بالخدمة الوطنية لخريجي مرحلة التخصص بهدف وضعهم على ذمة المؤسسات الصحية بتلك المناطق أثناء أداء الخدمة الوطنية.. هل تم الغاء هذا الاجراء؟
- هذا الاجراء من شأنه أن يوفر نحو 600 طبيب اختصاص يوضع أغلبهم على ذمة المؤسسات الصحية في المناطق الداخلية وهناك حرص على تفعيله .. وفي هذا الاطار أبرمنا منذ حوالي 6 أشهر اتفاقا مع اتحاد الشغل لكن واجهتنا صعوبات في التطبيق تتعلق خاصة بشروط الاعفاء من الخدمة الوطنية التي مازالت محل أخذ وردّ
إذ أنّ الاطباء المعنيون يطالبون بتطبيق شروط الاعفاء العادية وفي هذه الحالة لن يوفر هذا الاجراء سوى عددا محدودا من أطباء الاختصاص.
في نفس الاطار طرح أيضا موضوع إجبارية العمل بالمناطق الداخلية لمدة عام بالنسبة الى أطباء الاختصاص قبل الانتصاب في القطاع الخاص.. هل يوجد توجه نحو تفعيل هذه الاجراء؟
- أفضل أن يتم ذلك في إطار الخدمة الوطنية خصوصا وأنه تم إقرار حوافز مالية لفائدة الاطباء المعنيين بهذا الاجراء حيث يتقاضون منحة شهرية في حدود ألف دينار .
في ذات الاتجاه برز جدل كبير حول مسألة إيجاد كليات للطب في الجهات الداخلية.. كيف تعاملت معه؟
- بعيدا عن هذا الجدل أعتقد أنه على الوزارة أن تسهل انتقال المستشفيات الجهوية الى أقطاب استشفائية جامعية كلما توفرت العناصر الضرورية لا سيما التجهيزات وعدد أطباء الاختصاص وذلك انطلاقا من مبدأ ضرورة أن يتوفر لكل مواطن في مختلف جهات البلاد طبيب استشفائي جامعي على مسافة معقولة. في هذا الاطار تحولت مستشفيات مدنين والقيروان وبنزرت الى مستشفيات جامعية وقريبا مستشفى قابس.. كل مستشفى جهوي تتوفّر فيه الشروط ولا سيما عدد الاساتذة والأقسام الجامعية يجب أن يتحول الى مستشفى جامعي حتى نستقطب طلبة مرحلة التخصص Residanat بما يعطي امكانيات اضافية على مستوى التأطير.
يبدو أن مشروع المستشفى الجامعي الثالث بجهة صفاقس قد تعطل أكثر من اللزوم.. هل وفرتم الحلول الملائمة لتدراك هذه التأخير؟
- قمت مؤخرا على هامش زيارتي لجهة صفاقس بمعاينة قطعة الارض التي ستحتضن هذه المشروع.. وأشغال التهيئة الاولية تتقدم الان على قدم وساق ونتوقع أن يكون المستشفى جاهزا بعد عامين، علما وأن المساهمة الصينيّة في تمويل المشروع أصبحت كليا هبة من جمهورية الصين مقدارها 120 مليون دينار هي كلفة البناء فقط أي دون اعتبار التجهيزات كما يوجد اليوم تعاون وثيق بين وزارتي الصحة والتجهيز لتسريع إنجاز المشروع الذي سيكون نموذجيا بأتم معنى الكلمة أي مستشفى من أعلى طراز بتصور مستقبلي.
نأتي الان الى واقع القطاع الصحي الخاص، هناك اليوم من يتحدث عن عدائية الوزارة لهذا القطاع والتي تعود جذورها الى إجراءات اتخذها سلفكم تتعلّق بالمستشفى الخاص الذي كان يهدف الى دعم قدرات تونس على استقطاب المرضى الاجانب.. ماهي حقيقة الوضع؟
- هذه المنظومة تقدمت كثيرا.. لنا اليوم مصحات من أعلى طراز.. عدد المرضى الاجانب يتطوّر من سنة الى أخرى وعرف قفزة هامة سنة 2013 ساهمت فيها الاوضاع في ليبيا حيث استقطبت المصحات التونسية نحو 400 ألف أجنبي وبالنسبة الى 2014 الارقام النهائية لم تصدر الى حد الان لكن أتصور أننا بقينا في نفس المستوى وهو ما أدى إلى تفوق الطلب على العرض ومع ذلك نعتقد أنه توجد آفاق كبيرة لاستقطاب مزيد من المرضى الاجانب خاصة من الدول الاوروبية والافريقية على خلفية أن تونس تمتلك تنافسية عالية إذ أن كلفة العملية الجراحية في تونس مع مصاريف التنقل والاقامة هي أقل من كلفتها في أوروبا مثلا.. من هذا المنطلق يجب القيام بمجهود ترويجي أكبر يركز على الاختصاصات المطلوبة في كل الاسواق.. وفي هذا الاطار أنجزنا مؤخرا دراسة مع البنك الافريقي للتنمية لدعم تموقع تونس كقطب للعلاج والخدمات الصحية ونعتقد أن تونس تمتلك المؤهلات لأن تكون قطبا عالميا في عديد الاختصاصات مثل طب الاسنان، أما بخصوص القرار الذي اتخذه وزير الصحة السابق بشأن المستشفى الخاص فكان يهدف الى دعم التوازن الجهوي خصوصا وأن الشريط الساحلي أصبح يستقطب 80 بالمائة من إجمالي العرض في المجال الصحي.. بالنسبة لي أعتقد أنه يجب إجراء مراجعة شاملة للمنظومة برمتها وطرح عديد الملفات منها المستشفى الخاص دون أحكام مسبقة.. وفي إطار مقاربة تهدف الى تطوير القدرات الوطنية في القطاع الخاص دون أن يؤدي ذلك الى تهميش القطاع العمومي الذي يجب أن يبقى المرجع.. أي أن تطوير القطاع الخاص يجب أن يتم بالتوازي مع تأهيل القطاع العام.
هذا الكلام يعيدنا الى نقطة البداية.. كيف ستؤهلون القطاع العام والحال أنه لم يتم الحسم في مسألة جوهرية وهي اعتماد الفوترة الحقيقية للخدمات في إطار العلاقة بين المستشفيات العمومية و«الكنام»؟
- الوضع اليوم كما ذكرت هو وضع غير طبيعي.. القطاع العام يستقطب 80 بالمائة من المرضى لكنه لا يستأثر سوى بنسبة 20 بالمائة من الاموال التي يدفعها صندوق التأمين على المرضى في إطار التعويضات التي يصرفها.لمسدي الخدمات الصحية، هذا الوضع ناتج عن عجز المستشفيات على مد الصندوق بفواتير مدققة حول كلفة الخدمات ومن هذا المنطلق قمنا بالتعاون مع أربع وزارات بإنجاز دراسة حول النفقات الصحيّة مكنت من تحيين كل المؤشرات ومنها معدل انفاق التونسي على الصحة الذي يعادل 189 دينار في السنة ونصيب قطاع الصحة من الناتج الداخلي الذي بلغ 7٫1 بالمائة كما شرعنا مؤخرافي إساء منظومة اعلامية متكاملة ستمكن المستشفيات من القيام بالمحاسبة التحليلية والفوترة الحقيقية.. كما أنجزنا دراسات حول كلفة بعض العمليات.. حسبناها بالمليم واكتشفنا وجود تفاوت من مؤسسة الى اخرى.. نعرف اليوم ان كلفة عملية على القلب المفتوح مثلا تناهز 10٫5 آلاف دينار لا يسترجع منها سوى 6 آلاف دينار من الصندوق فمن يدفع الفارق؟ كل هذه الاجراءات ستمكن المستشفيات من الفوترة الحقيقية لخدماتها بما يرفع من قدراتها المالية ويوفرإمكانيات اضافية لتأهيل القطاع وبالتالي تحسين مستوى الخدمات للمواطن.. كما ستتيح هذه الاجراءات الضغط على كلفة الخدمات وتوحيدها في كل المؤسسات الصحية.
الاجراءات المذكورة تدخل أيضا في تصور أشمل وهو إدماج القطاع الصحي العمومي في العصر الرقمي وهو مسار تقدمنا فيه كثيرا وسيوفر عدة حلول مثل التبادل الالكتروني للملف الطبي بما يحدّ من مشكل ضياع ملفات المرضى كما يقلص من الاخطاء الطبيّة.. كما نسعى الى توفير خدمةMobile Health عبر شبكة الاتصالات لتيسير إيصال الرسائل الوقائية الى المواطن..
لنختم بموضوع العلاقة مع الجانب النقابي.. قطاع الصحة يضم أربعة من أكبر النقابات دون اعتبار نقابات مراحل التكوين كيف تقيم العلاقة بين الطرفين اليوم؟
- ( تحدث ممسكا راية الاتحاد.. وخلفه طبعا علم تونس) أعتقد أن المجتمع المدني هو الحل وليس المشكل وهو ركيزة من ركائز القرار ومن هذا المنطلق حرصت دائما على أن تكون هناك علاقة شراكة مع اتحاد الشغل.. حاولت إيجاد الحلول لعديد المطالب.. عديد المشاكل في الجهات تم حلها بالتعاون مع الاتحاد.. مع ذلك لم تمرّ الامور بسلام في بعض الحالات وتم تنفيذ إضراب لكن ذلك لا يمس من جوهر علاقة الشراكة بين الطرفين.. في بعض الحالات كنت أتفهم دوافع الغضب لكن ليس بمقدوري توفير الحلول والامكانيات لتلبية للمطالب.. أعتقد أن حساسية المرفق الصحي واعتماده على تقنيات عالية تتطلب مزيد العناية بعون الصحة ليس من ناحية الحوافز المادية فحسب وانما ايضا على مستوى ظروف العمل والتكوين المستمر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.