هشام القبطني شاب من مواليد 1970 اصيل مدينة بنزرت ، اختار مكرها منذ الثورة العمل في مجال جمع ما غلى ثمنه بين النفايات المنزلية او المعروف بعالم « البرباشة» من اجل الحصول على لقمة العيش بكرامة وأنفة... هشام واحد من مجموعة كبيرة زارتها «التونسية» بمصب حي الأندلس وسط مدينة بنزرت، نفايات مكدّسة أكوام هنا وهناك ومن كل الانواع تفوح منها كل الروائح الكريهة ...ورغم تلك الوضعية كان هشام بشوشا وكريما معنا وتأثر جدا لزيارتنا له . تحدث هشام بقلب مفتوح وروى مسيرته مع عالم «البرباشة» في بنزرت الذي ينكره كثيرون في ولاية كانت تسمى « عروس الشمال» فتحولت الى « أرملة الشمال » مع الأسف...فهشام من أسرة تتركب من 5 أنفار منهم والد مريض, يلتحق بعمله بالمصب فجرا وإلى غاية الساعة الثانية بعد الزوال وعندما يكون المحصول قليلايعود ليلا « فالشقاء عنده افضل من الاحتياج». انطلق هشام يروي قصته فقال إنه بعد الثورة أغلق المصنع الايطالي الذي كان يعمل به وهرب صاحبه وقد كان يعمل فني صناعي ومن قبلها كان مستكتب عند أحد أساتذة المحاماة لكن الأجرة الزهيدة التي كان يتحصل عليها ومثله أغلب الكتبة حتّمت عليه البحث عن رزقه في أماكن أخرى كان اخرها عالم «البرباشة» ذلك العالم الغريب والمليئ بالأخطار والمفاجآت الصحية خاصة باعتبار تنوع « القاذورات» التي تلقى بالمصب ولاسيما منها النفايات الطبية وغيرها من النفايات المتنوعة ولكن الجامع بينها امر واحد وهو انها مصدر مدخول مالي لئن كان متواضعا ولا يتجاوز ال 15 او ال20 دينارا يوميا إلا أنّه يساهم في مساعدته على إعالة أسرته وبالأخص على الإعداد لحفل زواجه. سألته هل ان زوجته المستقبلية موافقة على عمله هذا فقال بصراحة متناهية ولماذا لا توافق فأنا أعمل بعرق جبيني و«الدنيا صعيب » وبقية الابواب مازالت موصدة أمامنا فقد اتصلت مثلا بشركة «مارينا» فلم يقع قبولي واتصلت واعتصمت بمصنع السكر لعلي افوز بعمل هناك لكن الجميع تم انتدابهم إلّا أنا وبقيّة أبناء حومتي.. لذلك اخترت مكرها هذا المجال للعمل والاسترزاق وان شاء الله سأشتري كل اغراض عائلتي الجديدة و « نجهز داري» من المجال وبالحلال ومن غير عقد...وسأتحمل الأمراض والأخطار وسأبني محل الزوجية وأنا فخور بذلك. طرائف من صميم الواقع سألت هشام عن اطرف الاشياء التي يجدها من حين لاخر وهل توجد بالفعل كنوز في النفايات المنزلية للبنزرتي فأجاب ضاحكا. أين ترى تلك الكنوز؟ ومن أين ؟ وممن؟ فقفّة البنزرتي وكلّ التونسيين باتت « محسوبة» ولكن في كثير من الاحيان تأتينا إمراة أو زوج يطلب منّا البحث معه في تلك النفايات عن أمر ألقاه دون أن يتفطن وهي أمور مضحكة لكنها حقيقية وواقعية ، فباستثناء القوارير البلاستيكية وبعض الحديد لا نجد شيئا ، خاصة مع المنافسة من اطراف تعمل في «الدولة» ولكن « موش مشكل الرزق على ربي» أحلام سألت هشام وأنا اتمعن في وسائل الحماية التي اعتمدها كاآليات للعمل او لنقل وسائل اللاحماية من حذاء قديم وقفازات ممزقة و « ساشيات» انتعلها كانها « كلاصت» ، سالت هشام عن احلامه فاجاب بشغف وجدية على طريقة الصغار عند التعلق بهدية او اكرامية « حلمي الحصول على عمل لائق وخاصة الادماج ضمن عملة النظافة ببلدية بنزرت والاماكن متوفرة ونحن نعلم كل كبيرة وصغيرة عن المجال والحلول الكفيلة بمعالجة اشكاليات النفايات لنا مفاتيحها بالجهة وغيرها ...وهو حلم كبير وليس بمستحيل ان وجد الآذان الصاغية المسؤولة ، فهل من مسؤول يستمع أو يقرأ حلم هشام .