في نواميس الكرة وأعراف الرياضة ترفع الأعلام والرايات وتنحني الهامات لكل القامات التي تدوّن اسمها بأحرف من ذهب وتبلّل العشب بالعرق والتعب والذاكرة لا تحتفظ سوى بكبرى العناوين لمن استأثروا صباحا مساء ويوم الاحد بالحصريات والتصفيقات وحتى الآهات ونعني كبار القوم ممّن يصنفون في خانة الأكابر سواء في الرياضات الفردية أو الجماعية ولم يسبق أبدا تقريبا أن غاصت الاشادة في صنف الأصاغر أو الصغريات فما بالك بفريق كرة قدم هاو يمثّل مدرسة لم نكن نسمع عنها يوما سوى في خارطة العمد أو البلديات... الرحلة انطلقت منذ جوان الفارط عندما بدأت تصفيات بطولة كأس «جييم» في دروتها الاولى والتي تنظمها قناة الجزيرة للأطفال وشاركت في التصفيات 88 مدرسة عربية صعدت منها 10 مدارس الى النهائيات التي أُقيمت مؤخرا في قطر وقد مثّلت تونس مدرسة المنصورةبالقيروان... الى هنا لم تكن العناوين مشغولة بما خطته أقدام هذه البراعم على امتداد مشوار التصفيات قبل أن نستيقظ من المنامة على حلم جميل أشرّ لميلاد بطل جديد خالف كلّ الصيغ وراوغ كلّ التصنيفات... بطل العرب لم يكن سوى ممثّل تونس الذي ولد في صمت وعلى غفلة منّا ليخطف إعجاب كلّ العرب في بطولة صغارها عمالقة هذا الوطن... براعم من القيروان رفعوا الراية والعلم عاليا وأكّدوا بفضل سعة امكانياتهم ورفعة مخزونهم الكروي والفني أن تونس ولاّدة وأنّ هذه الأرض معطاء فقط قليل من الحرص وكثير من العدل لتكون النتائج في المستوى ويكون بالفعل فالنا عند صغارنا... مطار تونسقرطاج عاش بالأمس على ايقاع الاحتفال بعودة الأبطال الذين شرّفوا «القراوة» وأسعدوا كل التونسيّين على أمل ان نحيط بهذه البراعم ونسقيها حتى تكبر ويكبر معها حلم البطولة... النجاح في بطولة العرب لم يكن من نصيب مدرسة المنصورة فقط بل كذلك من نصيب الجامعة التونسية للرياضة المدرسية والجامعية التي كانت محلّ إشادة من اللجنة المنظمة للبطولة والتي اعتبرت ان الادوار التمهيدية التي دارت في تونس كانت الافضل تنيظيما ولوجيستيا مقارنة ببقية البلدان العربية التي شاركت في هذه الكأس التي ستبقى خالدة في ذاكرة هؤلاء الابطال. على غير العادة لئن تعوّدت باحة مطار تونسقرطاج الدولي على استقبال أبطال النخبة الذين شرفوا البلاد في كبرى المحافل العربية والإفريقية والدولية، فإن المطار كان ظهر أمس على موعد مع حدث رياضي من نوع خاص أثثته بامتياز براعم مدرسة المنصورةبالقيروان الذين رفعوا راية الوطن عاليا بتتويجهم بلقب النسخة الأولى من دورة «جيم» لكرة القدم التي أسدل الستار على فعالياتها الاثنين الماضي في الدوحة. أبطال صغار وبإمكانيات محدودة إن لم نقل منعدمة نجحوا في تحقيق انجاز تاريخي أنسو نا به بعضا من خيبات منتخب أكابر كرة القدم. ولأن ما حققه أبطال مدرسة المنصورة يعد حدثا غير مسبوق لانّه تسيّد كلّ العرب، اختارت «التونسية» أن تكسر عادة تكريم « الكبار» وأن تواكب لحظة بلحظة وصول أبطالنا الصغار في العمر الكبار في العطاء محملين بالذهب إلى أرض الوطن. بادرة طيبة لئن لم تحظ مشاركة تلاميذ مدرسة المنصورة وتتويجهم بلقب كأس «جيم» بتغطية إعلامية كبيرة فإن الأمر اختلف تماما بالأمس، حيث كان في استقبال زملاء ريان المسروقي عدد من الشخصيات السياسية والرياضية والإعلامية إضافة طبعا إلى عائلاتهم ومحبيهم.حفل الاستقبال واكبه ناجي جلول وزير التربية والصغير زويتة المدير العام للرياضة ومحمد الكشو رئيس الجامعة التونسية للرياضة المدرسية والجامعية الذي ترأس البعثة وهنؤا أبطال تونس ووعدوهم بالعناية بهم ليواصلوا تألقهم مستقبلا. ناجي جلول وزير التربية استمع كذلك إلى مشاغل أولياء اللاعبين ووعد بحل مشاكلهم بالتنسيق مع المندوب الجهوي للرياضة بالقيروان في حركة أسعدت الجميع وأكد حرص الرجل على احتضان هذه المواهب التي سيكون لها شأن كبير في المستقبل. دموع ... زغاريد والسلامية في الموعد دخول أبطال المنصورة إلى قاعة الاستقبال بالمطار كان على وقع النشيد الوطني والأهازيج وزغاريد أمهات اللاعبين اللاتي لم يقدرن على كبت دموعهن في ظل ما وجدته فلذات أكبادهن من استقبال حار من كل زوار المطار الذين استعملوا هواتفهم الجوالة لتوثيق اللحظات التاريخية ولأخذ صور مع أبطال القيروان. الأجواء الاحتفالية لم تقتصر على قاعة الاستقبال بل حرص أولياء اللاعبين على اصطحاب فرقة سلامية استقبلت أشبال المنصورة خارج المطار بأنغام تفاعل معها الحضور. «ريان» نجم فوق العادة لئن تميز كل اللاعبين خلال المسابقة الأخيرة فإن صانع ألعاب الفريق ريان المسروقي كان نجم المطار دون منازع حيث كان مطلب الجميع، حيث حرص عمال المطار والمسافرون والجماهير التي توافدت لاستقبال الفريق على التقاط صور تذكارية مع الموهبة الصغيرة التي تركت أفضل الانطباعات في قطر. جوائز بالجملة بالإضافة إلى جائزة لقب الدورة التي أحرزها الفريق والمقدرة ب200 ألف ريال قطري (100 ألف دينار تونسية) ستصل إلى مدرسة المنصورة في شكل تجهيزات رياضية وملعب معشب اصطناعيا، حصد الفريق عددا من الجوائز الأخرى حيث نال ميمون الجبنوني لقب أفضل حارس في الدورة وقد تحصل على جائزة مالية قدرها 50 ألف ريال قطري. مشاغل الأولياء لئن أدخل انجاز براعم مدرسة المنصورة الفرحة على التونسيين عامة وعلى جهة القيروان خاصة فإن ذلك لم يمنع الأولياء من مناشدة المسؤولين بالاعتناء أكثر بجهتهم حيث أفادنا بعضهم بأن أبناءهم يعانون الويلات من أجل الوصول إلى المدرسة وحضور حصص التمارين. وتمنى الأولياء أن يحظى أبناؤهم بالعناية اللازمة ليواصلوا التألق في المستقبل. قالوا عن التتويج: ناجي جلول ( وزير التربية) «هذه المدرسة التي نحب» «حضورنا اليوم هو اعتراف منا بقيمة الانجاز الذي حققه أبناء مدرسة المنصورة والذي شرف كل التونسيين وأعطى فكرة مضيئة عن الرياضة المدرسية التي ستكون من أوكد اهتماماتنا في المستقبل. لابد أن نعمل على تخليص مدارسنا من سمة الحزن والكآبة التي ميزتها في الماضي وتوفير كل السبل لتكون المدرسة كما نحبها جميعا،مصنعا لتكوين مواهب وكفاءات في كل الاختصاصات. نحن اليوم مع أبناء المنصورة الذين سنواصل رعايتهم ليواصلوا التألق في المستقبل». «محمد الكشو» ( رئيس الجامعة التونسية للرياضة الجامعية والمدرسية) «جيل من ذهب» «في البداية لا بد من تحية قناة «جييم»( الجزيرة أطفال) على فكرة بعث هذه الدورة التي كان التنافس على أشده بين عشر مدارس من عشر دول وفق فريقنا بفضل عزم لاعبيه على التتويج بلقبها. هي بداية لجيل من ذهب حاز على ثناء كل من تابع المنافسات وسنواصل رعايته من أجل مزيد من الانجازات. من جهتنا كجامعة ندعو فريق الشبيبة القيروانية والتي ينشط بها أكثر من لاعب من هذا الفريق إلى مزيد العناية بهذه المواهب التي سيكون لها شأن كبير في المستقبل. الأجيال القادمة في المنصورة ستكون مدينة لهذا الجيل الذي نجح بفضل هذا التتويج من تمكين المدرسة من ملعب معشب اصطناعيا مع تجهيزات رياضية سيتمتع بها بقية تلاميذ المدرسة». محمد فتحي السبوعي ( مدير مدرسة المنصورة) « سنواصل تأطير هذه المواهب» «أبناء مدرسة المنصورة شرفوا تونس ورفعوا رايتها عاليا في الدوحة وقدموا مستويات رائعة في النسخة الأولى من كأس «جييم». لقد ضمنا بهذا التتويج جائزة مالية هامة تقدر بمائة ألف دينار سنتسلمها في شكل تجهيزات رياضية وملعب سيسهل علينا مواصلة العمل وتأطير هذا الجيل الذي بات يحظى بمتابعة عديد الفرق التي ترغب في الاستفادة من هذه المواهب وهذا أمر يوكل بالدرجة الأولى إلى أوليائهم الذين لا بد من توجيه التحية لهم على المجهودات التي يبذلونها من أجل نجاح هذا الجيل». رضا الطالبي ( مدرب الفريق) «تتويج مستحق» « أعتقد أنه يحق لنا أن نفخر بهذا الانجاز التاريخي المستحق حقيقة والذي كان نتيجة عمل كبير وتضحيات أكبر انطلقت منذ الدورات الإقليمية التي مكنتنا من تمثيل تونس في المسابقة بعد تغلبنا في النهائي على مدرسة بنزرت وتواصلنا في المسابقة حيث وفقنا في احتلال المرتبة الثانية في المجموعة الاولى لنقابل عمان في نصف النهائي وتغلبنا عليها بضربات الجزاء بعد انتهاء المباراة بالتعادل هدف لهدف لنواجه الأردن في النهائي ووفقنا في التغلب عليها والتتويج باللقب. جيل مميز من اللاعبين نتمنى أن يواصل التألق في المستقبل». «ريان المسروقي» ( صانع ألعاب الفريق) « الشبيبة هي الحب و«بيرلو» قدوتي ريان المسروقي صانع ألعاب الفريق نجح في خطف الأضواء في المسابقة وتنبأ له الكل بمستقبل واعد بفضل ما لديه من إمكانيات رهيبة تحدث إلى «التونسية» بنبرة الواثق قائلا: «الحمد لله لقد وفقنا في الفوز باللقب وغنمنا بذلك عديد الجوائز الهامة التي ستدفعنا لمزيد العمل. شخصيا أنتمي إلى أداني الشبيبة فهي حبي الأول وأتمنى أن أتألق معها في المستقبل وإذا ما وجد عرض مناسب من فريق آخر سأقبله حتما. قدوتي لاعب اليوفي اندريا بيرلو وكما تشاهد فتقليعة شعري تشبه تقليعة شعره وأتمنى تحقيق بعض من الذي حققه». «ميموني الجبنوني» ( أفضل حارس في الدورة) «بلبولي جديد» نسج الموهبة ميموني الجبنوني على منوال حارس المنتخب الوطني أيمن البلبولي الذي توج بلقب أفضل حارس في «الكان» حيث اختير إبن المنصورة كأفضل حارس في المسابقة وقد تحدث لنا قائلا: «أنا سعيد باللقب وسعيد أكثر بالجائزة المالية التي حصلت عليها والمقدرة بعشرين ألف ريال. لقد قدمنا ما هو مطلوب منا وشرفنا تونس التي نحبها كثيرا. سأواصل العمل وأطمح أن أصبح كبلبولي النجم». محمد أمين الحجام ( مهاجم الفريق) النجم يريده الحجام كان من بين أفضل مهاجمي الدورة حيث ساهم بشكل كبير في تحقيق التتويج كان بجانب والدته التي أكدت لنا بأن الله منّ على ابنه بموهبة كبيرة وفّق في ابرازها في هذه الدورة مضيفة بأن إبنها ينشط ضمن الشبيبة القيروانية وبات مطلب النجم الرياضي الساحلي. من جهته قال محمد « انا سعيد بهذا التتويج الكبير الذي حققناه وسنواصل العمل من أجل نجاحات أخرى. شخصيا سأواصل العمل وأتمنى أن أصبح لاعبا كبيرا في أحد النوادي الكبرى». تعطية : خالد الطرابلسي