بقلم الأستاذ مختار الحجلاوي (المحامي والباحث في تصحيح الفكر الإسلامي) [email protected] نواصل في هذا الجزء الثالث عرض الشواهد على ارتباط المفاهيم والممارسات الداعشية بالموروث الفقهفكري المنسوب زوراً للإسلام.. وللتذكير –فقط- فإنّنا لا نجد أيّ فرق بين ما تقول به داعش وتفعله في الواقع والذي يبعث على التقزّز والغثيان وبين ما تتبنّاه كافّة الحركات الإسلاموية بما فيه تلك التي تدّعي الوسطية والتسامح.. فالمنطلقات الفكرية واحدة والغايات كذلك واحدة ولا اختلاف إلاّ في الأسلوب وترتيب الأولويات.. هاكم الدليل: حتّى لا يصحّ قولي فليتجرأ أحد مما أعني ويعلن قطيعته مع خَبَل مورورثنا الفقهفكري البالي، ويتبنّى موقف إنكار قيام الإسلام على مركزية فكرة التكفير ويصرّح بألاّ وجود لحدّ القتل على المرتدّ، ويعلن أنّ الروايات المتناثرة في الكتب الصفراء حول إقدام أبي بكر وعلي بن أبي طالب على حرق الأحياء والتنكيل بهم وسبي النساء والذراري روايات مزيفة لا تهدف لغير غرض الإساءة للإسلام والمسلمين، ويعترف أنّ كتب أئمته من مدوّني الحديث المكذوب على الرسول(ص) وكتب السيرة والفقه طافحة بأبغض الأكاذيب على الرسول(ص)، ويتنصّل من أكذوبة الناسخ والمنسوخ باعتبارها من الجنايات الكبرى على القرآن والإسلام عموماً إذ كانت المطية التي امتطوها لطمس كلّ المفاهيم والقيم النبيلة السامية في الإسلام وإحلال هبل وتخاريف بدلاً عنها ما أدّت إلاّ إلى الفرقة والجهل والحقد والتخلّف، وما أنتجت غير التيه والضلال.. حينها أعلن خطئي وألتمس منه اعتذاراً.. أبغض الكذب على الرسول(ص) زخمُ الكذب على الرسول، بهدف الطعن في الدّين الحقّ وقيمه العادلة والذي يحتويه الموروث ويسوّق على أنّه دين الله، كبير، لا تسعه مقالة في صحيفة ولا دراسة أو كتاب وإنّما تلزمه مجلّدات ومجلّدات.. لهذا سنكتفي ببعض الأمثلة ننقلها من كتب توصف بعضها عند جمهور المسلمين وأئمتهم بأنّها أقدس الكتب بعد القرآن الكريم، وهل كان العمل البشري مهما ارتقى وعلا شأنه مقدّساً؟.. ونعني بذلك كتابي البخاري ومسلم: هذه رواية تُلفقّ على عائشة تُجيز إرضاع الكبير البالغ مبلغ الرجال ترد في كتاب «صحيح» مسلم: حديث رقم2637: (( حدّثنا... عن عائشة أنّ سالماً مولى أبي حذيفة كان مع أبي حذيفة وأهله في بيتهم فأتت –تعني ابنة سهيل- النبيّ صلى الله عليه وسلّم فقالت إنّ سالماً قد بلغ ما يبلغ الرجال وعَقَلَ ما عقلوا وإنّه يدخل علينا وإنّي أظنّ أنّ في نفس أبي حذيفة من ذلك شيئاً فقال لها النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أرضعيه تحرُمي عليه)) !!. وهذا حديث رقم790 في كتاب «صحيح» مسلم ينسب للرسول(ص) تشبيهه المرأة بالكلب، وهي في بعض الروايات كالكلب الأسود تحديداً، والحمار، وكيف أنّها تقطع الصلاة: ((حدّثنا... عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: يقطع الصلاةَ المرأةُ والحمارُ والكلبُ ويقي ذلك مثل مؤخرة الرجل)). وهذا حديث رقم2561 في كتاب «صحيح» مسلم، لو أنّه أُخرج سنمائياً لكان أشّدّ إذاية وانحطاطاً من جميع الأشرطة السنمائية وجميع الرسوم الكاريكاتورية التي استُهزئ بها على الرسول الكريم ولأقام الكثيرون الدنيا ولم يُقعدوها، ولكن لا بأس عندهم ما دامت هذه الرواية وغيرها في كتب الحديث التي هي عندهم أقدس الكتب بعد القرآن العظيم كما يتهيّأ لهم !!.. يقول الحديث: ((حدّثني... وجُمع السبي، فجاءه دحية فقال: يا رسول الله أعطني جارية من السبي، فقال: اذهب فخُذ جارية، فأخذ صفية بنت حُيَي، فجاء رجل إلى نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا نبيّ الله أعطيتَ دحية صفيّة بنت حيي سيّد قُرَيْظة والنضير، ما تصلح إلاّ لك، قال: أدعوه بها، قال: فجاء بها، فلمّا نظر إليها النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: خذ جارية من السبي غيرها، قال: وأعتقها وتزوّجها)).. هكذا يُفترى على رسول الله، فيُصوّر على أنّه كان يسبي النساء ويُحوّلهن إلى جواري يُستعملن للمتعة وتلبية النزوات الجنسية البهائمية، وهو براء من ذلك على الإطلاق، فهو الأعلم بحكم الله أنّه لا تزر وازرة وزر أخرى، بمعنى لا دخل للنساء في الحروب إذا لم يشاركن فيها، وحتّى إن شاركن فإنّهن يأخذن حكم الأسرى، ويمضي عليهنّ حكم الله في الأسير وهو إمّا إطلاق سراحه منّاً أو عن طريق الفداء مثلما نصّ على ذلك صريح القرآن، فلا حكم فيه لقتل الأسير أبداً مهما كان سنّه أو جنسه أو خطورته.. ويُقَدَّم - زوراً وبهتاناً- على أنّه يُنصت لأقوال المخبرين والوشاة ويشتهي النساء فيختار الواحدة لنفسه بعد أن يُمعن النظر إليها ويفتكّها من غيره، وأنّه من الذين يُخلفون الوعد، والذين يُؤثرون أنفسهم... ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله.. وهذا حديث آخر أورده البخاري في «صحيحه» تحت رقم4853 يقول: ((حدّثنا... عن أبي أُسَيد رضي الله عنه قال: خرجنا مع النبيّ صلّى الله عليه وسلّم حتّى انطلقنا إلى حائط يقال له الشوط، حتّى انتهينا إلى حائطين فجلسنا بينهما، فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: اجلسوا ها هنا ودخل وقد أُتِيَ بالجونية فأنزلت في بيت في نخل في بيت أميمة بنت النعمان بن شراحيل ومعها دايتها حاضنة لها، فلمّا دخل عليها النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: هبي نفسك لي، فقالت: وهل تَهَبُ الملكة نفسها للسوقة، قال: فأهوى بيده يضع يده عليها لتسكن، فقالت: أعوذ بالله منك، فقال: قد عذت بمعاذ، ثمّ خرج علينا فقال: يا أبا أُسَيْد اكسها رازقتين وألحقها بأهلها...)).. وإنّه لعَمري غير منطلي إلاّ على ضعاف العقل مرضى النفوس، ولكنّه في الموروث حديث صحيح يُتّهم بالزندقة ويُرمى بالكفر كلّ من يشكّك فيه رغم وضوح كذبه من خلال قرينة بسيطة وهي أنّ الراوي لم يدخل مع الرسول إلى البيت المزعوم إحضار الجونية إليه بصريح قوله: ((فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم اجلسوا ها هنا ودخل..)) وقوله ((ثمّ خرج علينا فقال...)) بما يعنى ضرورة أنّ الراوي لم يكن ملازماً للرسول، ورغم ذلك روى ما زَعم أو زُعم أنّه استمع إليه وشاهده.. ومع كلّ ذلك يُراد لنا ولأبنائنا أن نصدّق هكذا خرافات.. فهل مازال فيكم من يسأل: من أين ظهرت لنا «داعش» ومن في فلكها، وهم كثر !!.. وإن تساءل أحدنا: من أين جاءت الرغبة الجامحة في القتل لدى الأفّاكين المعتوهين عبّاد الموروث وأصنامه من دعاة العلم والمشيخة والتفقّه في الدّين على شاكلة ما يُظهره «الدواعش» ويضمره الكثيرون؟.. فليتأمّل هذا الحديث الوارد في «صحيح» مسلم تحت رقم4975: ((حدّثني... عن أنس أنّ رجلاً كان يُتّهم بأُمّ ولد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعليّ اذهب فاضرب عنقه، فأتاه عليّ فإذا هو في ركيّ يتبرّد فيها، فقال له عليّ: اخرج، فناوله يده فأخرجه فإذا هو مجبوب ليس له ذكر، فكفّ عليّ عنه ثمّ أتى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله إنّه لمجبوب ما له ذكر)).. والحقيقة أنّ في كتب التراث على اختلاف تصنيفاتها ما هو أشنع من ذلك وأبغض، لُفّق على الدّين تلفيقاً وجُعل من ثوابته.. ولكنّنا نكتفي بهذه الشواهد على أبغض الكذب على الرسول الكريم ذي الخُلق العظيم بشهادة الحقّ جلّ وعلا... لنتطرّق لاحقاً لفرية الناسخ والمنسوخ.. (يتبع)