مثلما أشرنا له في عدد سابق جمع وديع الجريء الحكام والمساعدين يوم الثلاثاء الماضي بصفة استعجالية ليستمع لشواغلهم وسبب أدائهم المهزوز مما جعل الأندية تنتفض وتزمجر وتكيل التهم للحكام بسوء النية والسرقة وتغيير النتائج و و و ...كل هذه « التحرّكات » المشبوهة اعتدناها منذ سنين طويلة وتتكرّر كل موسم وتقع الدعوة لاجتماع عاجل ويعبّر الحكام عن شواغلهم ويقع تفهّمها ثم تعطى التوصيّات والمطالبة بالمزيد من الحزم والعدل والتركيز إلى غير ذلك من العبارات المستهلكة بكثرة والفضفاضة ولكن هل تمّ القضاء على الأخطاء التحكيمية ؟ أبدا ! ولن يقع القضاء عليها إلى يوم يبعثون. طلب وديع الجريء من الحكّام التعبير عن مشاكلهم فأخذ الكلمة البعض منهم ومن التدخلات التي لفتت الانتباه والتي لم يستسغها « الجماعة »و ما قاله أمين برك الله الناطق الرسمي باسم جمعية الحكّام حيث دعا إلى « القيام بهيكلة المنظومة وتغييرات عميقة وجذرية وتشخيص الداء للقيام بعملية جراحية أو حتى عملية بتر إن لزم الأمر » وتحدث مراد بن حمزة عن التمارين والظروف الصعبة مما يجعل بعض الحكام لا يتدربون بانتظام وهو ما يؤثر على لياقتهم البدنية وبالتالي على مردودهم ورغم عدم الانتظام في التمارين يقع تعيين المتقاعسين في حين لا يقع تعيين الذين يتدربون بانتظام وفاجأ سليم الجديدي الحاضرين حين توجّه بالسؤال لبقية زملائه حول مدى رضاهم عن عمل إدارة التحكيم وهو سؤال محرج في حدّ ذاته لأن ما يتهامس به الحكام سرّا لا يقدرون على قوله جهرا ولكن علي الخالدي وأمين برك الله واسكندر الذهبي ونبيه العوّادي ( الذي أجهش بالبكاء ) رفعوا أيديهم للتعبير عن عدم رضاهم في حين امتنع البقية عن التصويت والسكوت علامة الرضا ولكنه رضا مشروط فالحكام ليسوا ضد الإدارة كإدارة وإنما ضد بعض الأشخاص فهناك من يلمّح لضعف التكوين والرسكلة والمقصود هو رشيد بن خديجة ولكنهم لم يتجرّؤوا على الخوض في الموضوع ففي ما بينهم يؤكدون أن رحيل عبد العزيز الحمروني كان خسارة كبرى وقد تساءل فريد القاسمي عن حال فشل كل تلاميذ نفس الفصل فهل أن جميعهم ضعاف أم أن المدرّس هو من لا يعرف إيصال المعلومة ويقصد من وراء ذلك ما حصل خلال الامتحان الفيدرالي الأخير حيث لم ينجح أحد رغم رفعة مستوى الحكام ( أقلهم له مستوى باكالوريا زائد 2 ) وهناك من اعتبر أن عواز الطرابلسي لم يمل كرسيه ولم يدافع عن الحكام كما يجب خلال الحصة التلفزية التي دعي إليها في مواجهة المدير السابق يونس السلمي ( أمين برك الله ). ولكن المفاجأة كانت كبيرة عندما لم يتحدّث الحكام عن مستحقاتهم فهم لم ينالوها منذ بداية الموسم ومع ذلك يضحون بالغالي والنفيس ويتنقلون إلى أقاصي البلاد على حسابهم الخاص في انتظار منحة قد تأتي بعد أشهر.«وديع الجريء» بحنكته السياسية المعهودة استمع ككل مرّة لتطلعات الحكّام ولكن هل سيمكّنهم من مستحقاتهم وهل سيستطيع توفير الظروف الملائمة للتدرب فكم من مرّة يقع طردهم من الملعب الفرعي وهل يقدر على حمايتهم والدفاع عنهم لدى من يهمّه الأمر عند الاعتداء عليهم ؟ كيف يمكن للحكم أن يكون مطمئنا عندما يكتب تقريرا للرابطة يؤكد فيه أن اللاعب«أبو آية» مثلا اعتدى عليه بالعنف فأوقف اللقاء ولكن الرابطة تقول أنها لم تشاهد في الصورة «أبو آية » يعتدي عليه ؟ ما هو شعور الحكم عندما يصرّح مسؤول على الملأ أن الحكم شبيه ب«أبو عياض» والجامعة لا تحرّك ساكنا ؟ كل هذا يعرفه ويدركه جيدا الجريء ولكن ما باليد حيلة فالأندية هي الأقوى بما أنها طالبت بتغيير المشرفين على قطاع التحكيم وطالبت أيضا بالتشهير بالحكم عند معاقبته. يا لغرائب الدنيا. هل تلجأ الأندية لفضح لاعب ما عندما لا يكون في أفضل حالاته ولا يعطي مردودا طيبا فيجعله مدربّه يركن للراحة فتقول أنه معاقب ؟ الأندية تتحدّث عن رشوة وخدمة الحكام لمصالح أندية أخرى. لنفترض أن الأمر صحيح وبما أن كلّ الأندية عن بكرة أبيها وقفت أمام حائط المبكى فإذن « الحكاية منهم فيهم » وإلا نعمل بالمثل الشعبي الذي يقول : « ما أخيبك يا صنعتي كي نشوفك عند غيري » ؟ أما الأغرب فهو أن الجامعة سايرت الأندية وإلا بماذا نفسّر وجود ثلاثة رؤساء أندية في لجنة التفكير بقطاع التحكيم ( وهو مسكّن جديد خرج للأسواق من مخبر الجامعة ) في حين أن قطاع التحكيم ممثّل بعمار عواز الطرابلسي فقط والجامعة لها ممثل وحيد ؟ أيعقل هذا ؟ الأندية تفكّر في قطاع التحكيم أكثر من أهل الاختصاص؟ أين ودادية الحكام وأين الجمعية وأين العقلاء ؟ لماذا لا يتوجّهون بالسؤال لناجي الجويني ولماذا لا تقع مراسلة الاتحادات المتقدمة تحكيميا أم هو مسحوق يقع به مسح التجاعيد؟ حتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه لن يرضيهم من الأكيد أننا لا نعيش في جمهورية أفلاطون ولكن ما هو أكيد أيضا وحسب تجربتنا الخاصة ومتابعتنا للشأن التحكيمي لأكثر من ثلاثة عقود لن يحصل إجماع ولا توافق على أي حكم أو أي مسؤول فكم من شخص تولى رئاسة لجنة التحكيم بمفهوميها القديم والجديد ؟ من هو الذي نال رضا الأندية ومن لم يقع نشر غسيله ؟ نحن متأكدون أنه في تونس الآن حتى وإن أتوا بسيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليتولى إدارة التحكيم أو ليدير الدربي لقالوا أن الذي بنى حي باب الجديد أو باب سويقة له به قرابة أو له نفس الجذور ... عندما يقع تعيين حكام دوليين أو مخضرمين يقولون أنهم «يحسبو» وعندما يقع تعيين حكام شبان يرفضون أن يكونوا «فئران تجارب » لتقع تجربة هؤلاء وكم من مرّة سمعنا مسؤولي الأندية يرددون « يتعلموا في الحجامة في روس اليتامى ». فبالله عليكم هل نجد حكما جاهزا « مايد إن تشاينا » ليقع تعيينه أو ربما استورد « كارفور» بضاعة جديدة سيتم عرضها بمغازاته ؟ لماذا رفضت الأندية فكرة المرحوم محي الدين بكّار التي تجبرها على تقديم كل ناد لحكمين شابين من لاعبيها لتكوينهم والنهوض بالقطاع ؟ لماذا لا تدفع الأندية المبالغ المالية المتخلدة بعهدتها للجامعة بعنوان منحة التحكيم ؟ لماذا تدفع الأندية المشاركة في المسابقات الإقليمية لطاقم التحكيم والمراقب بالعملة الصعبة منحتهما قبل انطلاق اللقاء ولا تدفعه للحكم التونسي . من هي الأندية التي تستقدم حكام من منطقتها لإعطاء دروس تحكيمية للاعبيها حتى يتثقفون ولا يجادلون الحكام باطلا ؟ ألف سؤال نطرحه على مسؤولي الأندية ولكن السؤال الذي نتوقف عنده هو : ماذا قدّمت الأندية لفائدة التحكيم بخلاف البكاء والعويل والتظلم ؟أما حان لها أن تراجع نفسها وتنظر للواقع الذي نعيش فيه ؟ كلامنا هذا لن يرضي البعض ولكننا نصدع به منذ سنين وسنصدع به إلى الممات.