كشفت أمس مصادر سياسيّة وُصفت بأنّها رفيعة المستوى في تل أبيب النقاب عن بوادر أزمة ديبلوماسيّة حادّة بين إسرائيل وفرنسا. حسب المصادر عينها، فإنّ ما يُطلق عليها المحادثات الإستراتيجية بين باريس وتل أبيب، والتي جرت الأسبوع الماضي في القدس الغربيّة، تحولت إلى مواجهات حادة بين كبار الديبلوماسيين من الطرفين، وذلك حول مبادرة وزير الخارجية الفرنسية لوران فابيوس في مجلس الأمن الدوليّ في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية. وحسب المصادر عينها، فقد تمحورت الخلافات بشكل أساسيّ حول المبادرة الفرنسية وتصريحات وزير الخارجية الفرنسية بشأن العدوان الإسرائيلي العام الفارط على قطاع غزة ومكانة إسرائيل في الاتحاد الأوروبيّ. وشدّدّت صحيفة «هآرتس» الإسرائيليّة، التي أوردت النبأ الحصريّ، في سياق تقريرها على أنّ الطرف الإسرائيليّ شنّ هجومًا لاذعًا على المُبادرة الفرنسيّة، مُعتبرًا أنّ باريس تقوم بخطوات ديبلوماسيّة دون أن تُبلغ إسرائيل، وتقوم بعملية إقصاء لتل أبيب، حسب المصادر الإسرائيليّة التي تحدثت للصحيفة العبريّة. وذكرّت الصحيفة أنّ المحادثات الاستراتيجيّة بين تل أبيب وباريس تُعقد مرّة كلّ عامٍ، من قبل وزارتي الخارجيّة في البلدين، مُشيرةً إلى أنّ المُدير العام لوزارة الخارجيّة الإسرائيليّة، نيسيم بن شيطريت، هو الذي ترأسّ الوفد الإسرائيليّ، فيما كان نظيره الفرنسيّ، كريستيان مساه، رئيسًا لوفد بلاده في المحادثات المذكورة. وشدّدّت المصادر ذاتها على أنّ الهدف من الاجتماع الذي عُقد بالقدس الغربيّة كان إجراء مشاورات في مسائل أمنيّة وسياسيّة والتعبير عن التنسيق الوثيق والحوار الداخلي بين الطرفين، إلا أنّ اللقاء الأخير كان غير عادي منذ اللحظات الأولى. وأضافت الصحيفة العبرية أنّه حسب وجهة النظر الإسرائيليّة، تشمل المُبادرة لحلّ الصراع الإسرائيليّ-الفلسطينيّ، بندًا ينصّ على أنّ الحلّ يجب أن يكون على أساس حدود الرابع من جوان من عام 1967 مع تبادل الأراضي، وتحويل مدينة القدس إلى عاصمة للدولتين، وأنه بالإضافة إلى ذلك، جاء في المُبادرة الفرنسيّة، صياغة معينّة للاعتراف بإسرائيل كدولة يهوديّة، علاوة على تحديد جدول زمنيّ لإنهاء المفاوضات، وتشكيل لجنة سلام دولية. وحسب مزاعم وزارة الخارجيّة الإسرائيليّة، كما أكّدت المصادر في تل أبيب، فإنّها حصلت على معلوماتٍ جاء فيها أنّ فرنسا بدأت في مشاورات بباريس ونيويورك مع الفلسطينيين ومع دولٍ عربيّةٍ، ومع عددٍ من الدول الأعضاء في مجلس الأمن بشأن نص اقتراح القرار الذي تدفع به، دون إبلاغ إسرائيل حول هذه الخطوات، ولكنّ الصحيفة شدّدّت على أنّ الجانب الفرنسيّ نفى أن تكون باريس قد قامت بعرض مبادئ مفصلة على الفلسطينيين والدول العربية، مؤكّدًا على أنّ المسائل ما زالت في مرحلتها الأولى فقط. وقال ديبلوماسيّ فرنسيّ للصحيفة، شارك في الاجتماع المُشترك مع الوفد الإسرائيليّ إنّ كلّ المسعى في مجلس الأمن هو لصالح إسرائيل، لافتًا إلى أنّ فرنسا تعمل على بلورة معادلة تكون مقبولة من الطرفين، وتسمح بتجديد ما يُطلق عليها بالعملية السياسيّة بين الإسرائيليين والفلسطينيين. علاوة على ذلك، لفت مُراسل الشؤون السياسيّة في الصحيفة، باراك رافيد، إلى أنّ الطرف الإسرائيليّ لم يقتنع بالردود الفرنسية، وعندها تحولّ الحوار إلى مواجهات، وتدهور حتى صار حوار طرشان، على حدّ وصف ديبلوماسيّ إسرائيليّ شارك في الحوار. وحسب المصادر عينها، فإنّ «حوار الطرشان» لم يقتصر على المُبادرة الفرنسيّة في مجلس الأمن الدوليّ بل تعدّى ذلك، وأن نقاشا حامي الوطيس دار بين الطرفين في ما يتعلّق بتصريحات وزير الخارجية الفرنسيّ الذي قال إنّ الدولة العبريّة قامت بارتكاب مجزرة في قطاع غزة خلال عدوان السنة الفارطة. وحول هذا الموضوع، قال الطرف الإسرائيليّ إنّ باريس تقوم باتهام تل أبيب بارتكاب مجزرة في قطاع غزة، وعند ذلك، ردّ الفرنسيون بالقول إنّه كان هناك المئات من القتلى المدنيين في غزة، ووجّه كلامه للإسرائيليين قائلا: أنتم لا تعرفون ماذا فعل ذلك في الرأي العام في فرنسا؟ بالإضافة إلى ذلك، قالت الصحيفة، سُجلّت مواجهات بين الإسرائيليين والفرنسيين في ما يتعلق بمكانة إسرائيل في أوروبا، حيث زعم الجانب الإسرائيليّ أنّ فرنسا هي التي تقوم بقيادة المبادرات المناهضة لإسرائيل في الاتحاد الأوروبيّ، مثل وضع علامات على منتجات المستوطنات أو إعداد قائمة عقوبات اقتصادية، وأشارت الصحيفة، نقلا عن المصادر ذاتها إلى أنّ الفرنسيين ردّوا على المزاعم الإسرائيليّة بالقول إنّهم قاموا بالرد على إسرائيل أن ترفع مكانتها في الاتحاد الأوروبيّ، مُقابل التقدّم في ما تُسّمى بالعملية السلميّة مع الفلسطينيين، ولكنّ صنّاع القرار في تل أبيب رفضوا النقاش في العرض الفرنسيّ، حسبما أكّدت المصادر. وكتبت «هآرتس» أن الطرفين اتفقا على أن اللهجة الحادة في الحوار الإستراتيجي تعبر عن وضع العلاقات بين الطرفين اليوم. ونقل عن ديبلوماسي فرنسي قوله إن «الجمود في عملية السلام» والإحساس في أوروبا بأن إسرائيل تنوي مواصلة توسيع المستوطنات، والانتقال إلى مبادرات دولية وأخرى في الأممالمتحدة، تعطّل التفاهمات الواسعة في مواضيع أخرى مثل النووي الإيراني وسوريا وحزب الله. وأضاف الديبلوماسي نفسه أنه «في الشأن الفلسطيني هناك عدم اتفاق حقيقي، وهناك خيبة أمل متصاعدة في أوروبا». وتجدر الإشارة إلى أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس، أعلن مساء الثلاثاء عندما جاء إلى تونس، أن الفرنسيين يريدون أن يقدموا باسم الفلسطينيين مشروع قرار إلى مجلس الأمن الدولي من دون أن يحدد مضمون المبادرة الفرنسية.