بقلم: أيمن الزواغي عضو المكتب التنفيذي لحزب «تيار المحبة» تمر تونس بعد الثورة بوضعية اقتصادية حرجة تعود أساسا إلى الفترة الانتقالية التي شهدت تسارعا في الأحداث السياسية وتواتر عدة حكومات لم تكن لها رؤية تنموية جديدة تعيد ترتيب الأولويات وتسعى إلى تلبية المطالب الثورية للشعب التونسي. زد على ذلك عمليتي باردو وسوسة الإرهابيتين وما كان لهما من تأثير كارثي على السياحة كقطاع مفصلي في الاقتصاد التونسي وما شهده الموسم الفلاحي والزراعي من تراجع واضح ... هذه الرؤية التنموية الجديدة مطالبة بها بالخصوص الحكومة الحالية التي تمتد صلاحياتها إلى خمس سنوات. لكن وللأسف الشديد، بقي المشهد السياسي والاقتصادي في حاجة إلى نظرة إستراتيجية عميقة. فلا مجال بعد اليوم لتدارك تدني النمو الاقتصادي عبر التداين والاقتراض الأجنبي لأنه أصبح يمثل خطرا قد يؤدي لا قدر اللّه إلى إفلاس الدولة. لذلك وجب توجيه المجهود الوطني نحو خطط التنمية والاستثمار حتى يكون الاقتصاد اقتصاد إنتاج لا اقتصاد استهلاك. لكن وأمام محدودية موارد الدولة، ما الحل؟ الحل قد يبدو متاحا أمام الحكومة الحالية وأمام تونس عبر طرح جديد في الساحة السياسية التونسية جاء به حزب «تيار المحبة». يرى حزب «تيار المحبة» أن من واجب السياسة الخارجية التونسية توجيه كل مجهودها لإنقاذ الاقتصاد الوطني وذلك من خلال السعي إلى جلب الاستثمارات من الخارج. وحتى لا يكون هذا الطرح عاما وعشوائيا، جاء حزب «تيار المحبة» بفكرة تكوين الصندوق الوطني للتنمية والاستثمار، وهو مقترح قدمه الحزب ضمن برنامجه الانتخابي التشريعي لسنة 2014 وخاصة ضمن البرنامج الانتخابي الرئاسي لرئيس الحزب الدكتور محمد الهاشمي الحامدي، وهو مقترح مازال تيار المحبة متمسكا به ويراه أحد الحلول الممكنة والقابلة للتطبيق وهو موضوع الملتقى الذي نظمه الحزب بالعاصمة يوم الجمعة 21 أوت 2014 بعنوان: «السياسة الخارجية لتونس ودورها في دعم خطط التنمية والاستثمار داخل البلاد». هذا الطرح الجديد في الساحة السياسة التونسية يؤكد بالأساس على أهمية السياسة الخارجية ودورها الفعلي في دفع مشاريع التنمية في الداخل. ويرى «تيار المحبة» أن على وزارة الخارجية تكثيف إتصالاتها وتوطيد علاقاتها بمختلف الدول الصديقة والشقيقة وذلك عبر تكثيف زيارات العمل قصد إستقطاب رجال الأعمال للاستثمار في البلاد التونسية. ولا يعني حزب «تيار المحبة» بالصندوق الوطني للتنمية والاستثمار طلب الهبات والمعونات من الخارج، بل إنه يرى أن مصادر تمويل هذا الصندوق تكون عبر إعتمادات الدول الأجنبية المستثمرة فيه. ويقترح حزب «تيار المحبة» أن يكون رأسمال الصندوق الوطني للتنمية والاستثمار خمسة مليارات دولار ترصد خصوصا لتمويل المشاريع الصغرى والمتوسطة للباعثين الشبان. إن السمعة المتميزة للثورة التونسية والموقع الإستراتيجي والجغرافي الذي يميز تونس، وروح التوافق الذي إتسم به المشهد السياسي التونسي كلها عوامل تساعد على تدعيم الخطاب الديبلوماسي للحكومة التونسية. والصندوق الوطني للتنمية والاستثمار مقترح عملي جاء به حزب «تيار المحبة» لدعم المجهود الوطني قصد الخروج من الوضع الاقتصادي والإجتماعي الحرج رغم أن حزب «تيار المحبة» ليس طرفا في الحكومة ولم يتم الإعلان رسميا عن قبول إنضمامه إلى تنسيقية الأحزاب الحاكمة، وهي نظرة إيجابية تميز بها الحزب عن بقية الفاعلين السياسيين من خارج الحكومة، لأن حزب «تيار المحبة» يرى من المصلحة الوطنية تقديم المقترحات والحلول العملية والناجعة لإنقاذ الاقتصاد الوطني. ويقترح حزب «تيار المحبة» أن يكون مجال هذا العمل الديبلوماسي واسعا يشمل كل الدول الشقيقة والصديقة لتونس. فالجزائر مثلا جار أمين مصالحنا مشتركة معه، ودول الخليج العربي على غرار الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والكويت وعمان وغيرها لها استثمارات هامة جدا بمليارات الدولارات في مصر والمغرب وغيرها من الدول العربية والغربية، وعدم توجه هذه الاستثمارات نحو تونس لا يعود إلا لضعف الديبلوماسية التونسية منذ الثورة في استقطاب الاستثمارات الأجنبية. كل هذا إضافة إلى الدول الأوروبية والغربية مثل فرنسا وألمانيا... معنى ذلك أن الخمسة مليارات دولار المخصصة للصندوق الوطني للتنمية والاستثمار مبلغ سهل التحقق لو اشتغلت عليه بكل جدية السياسة الخارجية التونسية لتوفير إعتمادات هامة وضرورية لدعم الاستثمار داخل تونس، وهو حل أفضل بكثير من الاقتراض الأجنبي الذي قد يغرق تونس في متاهات الإفلاس والتبعية لا قدر اللّه، والأمثلة المعاصرة متعددة على غرار اليونان..