حتم الوضع الاقتصادي الصعب الذي تعيش على وقعه بلادنا منذ اندلاع الثورة اللجوء إلى الاقتراض، والتداين بما يعنيه من ضغوط وإملاءات محتملة. وجاءت موافقة صندوق النقد الدولي على منح تونس قرضا ليفتح باب الجدل بخصوص المديونية. ومن الغريب في هذا الملف توافق النائب في المجلس التأسيسي والقيادي البارز في حركة النهضة الصادق شورو –وهو أحد صقور الحركة– والنائب عن حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد منجي الرحوي، فالأول يرى أن صندوق النقد الدولي لا يضع شروطا اقتصادية بل يفرض شروطا سياسية وثقافية كما فرض على النهضة تغيير موقفها من السلفيين على حدّ تعبيره، أما الثاني فقد قال إن شروط المؤسسة المالية الدولية ستزيد في نسبة الفقر فضلا على أن الشروط ستمس من سيادة القرار الوطني عبر إملاء المخططات الاقتصادية والاجتماعية على تونس. وفي نفس السياق، لسائل أن يسأل هل صندوق النقد فعلا هو المنقذ الوحيد لاقتصادنا الوطني؟ ولِمَ لمْ تنوّع الحكومة مصادر تمويلها عبر طرق باب دول عديدة؟ ولماذا لم نجد «الدول الصديقة والشقيقة» في مثل هذه الظروف الصعبة؟ أم أن صداقتها مرتبطة بمدى قيمة مصالحها مع تونس وأية مصالح لها إن لم يكن فيها جانب منها مساعدة بلادنا.. يبدو انه قد أصبح من الضروري على الدبلوماسية التونسية مراجعة مواقفها وإعادة النظر في علاقاتها مع الدول «الشقيقة» و«الصديقة»، التي لم يكن تجاوبها على النحو الأمثل مع الأزمة الاقتصادية التي تعيشها بلادنا، بل وكانت شاهدا على التجاء الحكومة إلى صندوق النقد الدولي وإملاءاته!! من بين الأسباب التي ساهمت في تردّي وضع اقتصادنا غياب الاستثمارات خاصة الخارجية وجعل رجال الأعمال الأجانب يقبلون على الاستثمار في تونس وهي من أوكد مهام بعثاتنا الدبلوماسية، ولا يجدي العمل على جلب المستثمرين إلا عبر تكثيف الاتصالات بالجهات المعنية بالخارج وعقد ندوات وملتقيات واجتماعات لإقناع أرباب المال بالانتصاب بتونس. سيثقل التداين كاهل الدولة مستقبلا، أما مستقبل العلاقة بين هذه المؤسسة المالية الدولية وتونس في قادم السنوات فإنه سيتضح من خلال توجهات الحكومة الحالية التي وعدت الصندوق بعدد من الإجراءات. عموما.. لا بدّ من البحث بجدية عن جهات تتعامل بكل شفافية عند تقديم قروض لتونس بما لا يشكل أيّ انتهاك لسيادتها.