التونسية (تونس) رجّحت مصادر رفيعة المستوى أن يدخل رئيس الحكومة الحبيب الصّيد تحويرا جزئيا على تركيبة الحكومة مع العودة السياسية وذلك بهدف زيادة نجاعة العمل الحكومي خاصة في خضم تعمّق الأزمة الاقتصادية جرّاء تداعيات ضربة سوسة. ولا يستبعد أن يؤول المخاض الذي سيفضي إلى التحوير الحكومي المرتقب والذي قد يكون بدأ فعلا إلى استنساخ ذات الأجواء التي أحاطت بالحركة الأخيرة في سلك الولاة والتي جسّمها الصيد بمعنى آخر بالانتصار إجمالا لمفهوم الدولة إذ أنّ هذا المخاض سيمرّ بمنطقة مطبّات جويّة نتيجة «الصراع البارد» بين مقاربة الحبيب الصّيد التي تستند إلى معايير الكفاءة والنجاعة وغيرها من مكوّنات «مفهوم الدولة» وبين الضغوطات التي تحاول خنق هذا التوجّه والتي تغلب مفاهيم المحاباة والولاء السياسي والناشئة عن شكل الحكم ذاته. ويرجّح أن يكون هذا الصّراع البارد قد انطلق فعلا مع بوادر وجود تقييم للأداء الحكومي بعد نحو ثمانية أشهر من تشكل الحكومة وهو صراع بين تقييم موضوعي يستند إلى النتائج الحاصلة داخل كلّ حقيبة وآخر ذاتي أو سياسي يقوم أساسا على معيار الولاء وأجندات خاصة بالمحطات الانتخابية القادمة. تضارب مصالح هذا الصراع يخفي وراءه تضارب مصالح على الساحة السياسية والمدنية وحتى صلب المكونات المشكلة للحكومة.. فرغم وجود ائتلاف حاكم في الظاهر فإن «نداء تونس» أو بالأحرى عمقه يتحمل القسط الأكبر من تبعات الحكم إن لم يكن المسؤولية برمتها لدى الرأي العام الداخلي والخارجي فيما بقيّة الأطراف لا تكاد تظهر في الصورة أصلا بل إن بعضها يحتفظ بقدم داخل الحكومة مقابل أقدام كثيرة على الضفة المقابلة بما يسمح لها بالانتقال إلى المعارضة متى شاءت. بل إنّ تلك الأطراف قد يلائمها أكثر أن تستعيد تموقعها القوي في الحكم على أنقاض فشل حكومة الصيد في إدارة أوضاع البلاد وقد تكون ضمن المكونات الفاعلة لأجندا اشتغلت منذ تشكل حكومة الصيد وبدا جليا على امتداد الأشهر الأخيرة أنّها سعت بأشكال مختلفة إلى إحباط أي مسعى لتحقيق تغيير ملموس في الأوضاع العامة يمر وجوبا عبر تحقيق انتعاشة اقتصادية حقيقية تبدو بمثابة الكلمة المفتاح لهذه المرحلة وحجر الزاوية في مهمة الإنقاذ بالغة الصعوبة التي ألقيت على كاهل الصيد. تسريح العمّال والواضح أنّ هذا الصراع بدأ بتقاطع مع وعي متنام صلب الحكومة بأنّ الأوضاع لم تعد تتحمّل مزيدا من التأزم بعد أن نزلت نسبة النمو إلى أدنى مستوياتها ولاحت البوادر الأولى لسيناريو مماثل لأزمة اليونان عكسها بوضوح قانون المالية التكميلي الذي ورغم شحّ الموارد أقرّ إجراءات اجتماعية لمجابهة أزمة السياحة ولا سيما تسريح العمال الذي تجاوز جدران الفنادق ليطال عدة قطاعات أخرى مرتبطة بالسياحة وكذلك قطاع الصناعات التحويلية. بمعنى آخر إن أيّة هزة أخرى ستزيد في تعميق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية بشكل يؤول إلى تفاعلات شعبية لا يمكن التكهن بشكلها أو تبعاتها ولا يستبعد أن تنفخ فيها أو تغذيها أطراف متربّصة بحكومة الصيد. أزمة السياحة بل إنه من الواضح أن أزمة السياحة التونسية وتبعاتها على كثير من القطاعات قد تشكل لدى قطاعات واسعة أهمّ معيار في تقييم أداء حكومة الصيد وربما الدافع الذي سيعجل بالتحوير الحكومي والذي ستحركه مخاوف متنامية من تحمل مسؤولية مزيد تأزم الأوضاع وارتداداتها في الشارع التونسي. تلك هي حدود مساحة المناورة التي سيتفاعل داخلها مخاض التحوير المحتمل صلب الحكومة والذي سيتأثر أيضا باستقراءات أخرى تهم المعطى الإقليمي وسط تطوّرات متسارعة قد تفضي إلى تحوّلات من الوزن الثقيل يبدو الوضع في ليبيا أهمّ رهاناتها. تقاطع أجندات والواضح في هذا الصّدد أنّ المنطقة تعيش على وقع تقاطع قد يكون بلغ ذروته بين أجندا غربية تدفع باتجاه تعميق الهوّة التي تشكلت على الأراضي الليبية وأخرى عربية ستسعى بكلّ الوسائل بما في ذلك التدخل العسكري الذي لم يعد مستبعدا إلى تحوّل عميق قد يكون مشابها للسيناريو المصري وسط مخاوف متعاظمة من تأثير توسّع بؤرة التطرّف على الأراضي الليبية على الأمن القومي لا فقط لبلدان الجوار وإنما أيضا على كثير من البلدان العربية ولا سيما الخليجية. الدولة أو «الدواعش» والواضح أنّ التطوّرات المحتملة في ليبيا والمواقف منها لن تؤثّر فقط على المعطى الأمني في تونس وإنّما بالأساس على الملف التنموي أو بالأحرى على فرص تحقيق انتعاشة اقتصادية خلال الأشهر القادمة.. بل إنّ تلك التطوّرات قد تكون من الأسباب التي دفعت بتونس إلى مزيد تحصين أراضيها ضد احتمالات تسلّل الأسلحة والعناصر الإرهابية إليها. بل إنّه من المفارقات أن ما يحدث في تونس اليوم قد يكون بشكل مختلف استنساخا لذروة تقاطع الأجندات حول الملف الليبي.. إذ يبدو جليا أنّ البلاد تعيش اليوم ذروة الصراع وربّما آخر لحظاته بين التيار الوطني الحداثي المنتصر أساسا لمفهوم الدولة وبين تيار التخريب الذي يلتحف بمسميات كثيرة أهمّها مصطلح «الدواعش». ورقات رابحة والواضح أيضا أنّه رغم الهزّات العنيفة التي عرفتها البلاد فإنّ تيّار البناء سيتغلّب في آخر المطاف على أيّ تيّار تخريبي لجهة أنّ تونس مازالت تمتلك الكثير من الورقات الرابحة التي تؤهّلها لاستعادة مسار مراكمة المكاسب قبل تسريعه بشكل تدريجي لكن تفعيل تلك الورقات سيحتاج وجوبا إلى إدخال نفس جديد على عمل الحكومة يرجّح أن يقوم على توسيع دائرة النجاعة التي شملت بدرجات متفاوتة عدة ملفات أهمها التربية والأسعار والأمن والمشاريع الكبرى للطرقات والجسور والتصرّف في أملاك الدولة. تيّار معاكس بالمحصلة إنّه بقدر ما تبدو الصورة قاتمة فإنّ فرص خروج تونس من الأزمة الراهنة تظلّ قويّة متى لازم الحبيب الصّيد نهج الانتصار لمفهوم الدولة بكلّ ما يتطلّبه ذلك من حسم وحزم وتوظيف كامل خزان الكفاءات الذي تمتلكه الإدارة.. وما لم يتأثر بتيار معاكس بدا جليا في الفترة الأخيرة أنّه سعى إلى زيادة حجم الضغوطات على مواقع النجاعة في هرم الحكومة وبالتالي فهو يدفع إلى أن يسلك تقييم أداء الحكومة الاتجاه الخطأ. ويبدو جليا أن هذا التيار يدفع باتجاه تشكل مناخ يضعف كيان الدولة بوسائل مختلفة منها تأبيد آليات الانتقالي أو بالأحرى إعادة الدولة إلى الوضعية التي تقوقعت فيها خلال السنوات الأخيرة وجعلتها تحت الأحزاب وعدد من مكونات المجتمع المدني.