ليس هذا بكتاب متسلسل بل هو مجموعة من الحوارات أجراها الصحفي اللبناني غسان شربل إثر إندلاع الثورة في ليبيا مع عدد من رفاق القذافي الذين عاشوا في ظله وشاركوه السلطة ونشرها في صحيفة «الحياة» اللندنيّة. المعلومات التي يسوقها «الشهود» تدوّخ وتكشف عن جنون رجل جمع طيلة 40 عاما كل خيوط اللعبة بين يديه وغالبا ما كان يهرب إلى الصحراء تحت خيمة ليتأمل ويخطط قبل أن ينفّذ. لم يسلم من عنترياته بلد أو زعيم وكان في بلاده «القائد» الذي لا يناقشه أحد... استباح كل شيء حتى كانت نهايته المعروفة. «التونسية» عادت إلى أرشيف صحيفة «الحياة» وانتشلت من رفوفه 5 حوارات أجراها الصحفي المذكور مع كل من عبد السلام جلود وعبد المنعم الهوني وعبد الرحمان شلقم وعلي عبد السلام التريكي ونوري المسماري. كيف كانت علاقة القذافي بالرئيس السوداني جعفر النميري؟ في البداية كانت جيدة، لكنها ساءت لاحقا في آخر أيام النميري ذهب القذافي الى السودان في زيارة رسمية وحرص على رؤيته وهو مشلول تظاهر القذافي بالتأثر وراح يسأله عما يريد، وطبعا كان القصد إذلاله لكنه إعلاميا يبرمج الأمور في شكل آخر. هل كان يحب الصادق المهدي؟ كلا، لكنه سانده بقوة. وعلاقته بالرئيس عمر حسن البشير؟ في الفترة الأخيرة كانت سيئة، بسبب دعم القذافي جنوب السودان. وعلاقته بالزعيم الجنوبي جون قرنق؟ زاره قرنق كثيرا، وبعد وفاته كانت زوجته تأتي للحصول على مساعدات للجنوب، والتقاها في كمبالا. هل كنت معه عندما التقى عيدي أمين؟ حين تنحّى عيدي أمين وأتى الى ليبيا كنت مرافقه. شخصيته مرحة لكنه كان غبيا. ما قصة ملك ملوك أفريقيا؟ ملوك افريقيا هم الملوك التقليديون إنهم نوع من السلاطين المحليين وشيوخ القبائل. أحبّ القذافي أن يتقرّب منهم. هناك من أوحوا اليه بامكان تشكيل مجلس لهؤلاء. أدخلوا في دماغه أن هؤلاء «الملوك» يؤثرون في قبائلهم وشعوبهم، فدخلت الفكرة دماغه وراح يلتقي بهم. ولاحقا كلّف بشير صالح رئيس ديوانه أن يتكلم مع الدكتور رافع المدني الذي كان يرأس مكتبا لشيوخ أفريقيا وسلاطنها. خلال اجتماع قال له: نريد من اجتماعكم أن تعلنوا أن معمر القذافي ملك ملوك أفريقيا. طبعا الدكتور رافع أحرج، وقال له نحن لا دخل لنا، نحن لسنا دولة. الملوك يجتمعون والدول تجتمع ليعينوا امبراطورا عليهم، فهذه توجب اتفاقات ومعاهدات. قال بشير صالح: طُلب مني ذلك، طبعا رفضوا وأحرجوا، وبقي المسكين يحاول، وطلب بشير صالح تاجا فتبين أن أحد الملوك لديه تاج من الذهب، أخذوا التاج وأعلنوه ملك ملوك أفريقيا وألبسوه إياه. مسرحية طلبها القذافي وكان مصرا عليها. في القمة العربية في قطر أورد أميرها بشيء من الاستهزاء لقب ملك ملوك أفريقيا، وفي القمة عدّد القذافي ألقابه، وقال: أنا عميد الحكام العرب وملك ملوك أفريقيا.. الى آخر المعزوفة. كان لا يريد أن يسمع لقب رئيس أو ما شابه. كان يطالب رسميا بمناداته بالقائد معمر القذافي، ملك ملوك أفريقيا. أرسلنا مذكرات للاتحاد الافريقي والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، وفيها أن التسمية الرسمية للقذافي هي قائد الثورة معمر القذافي، ملك ملوك أفريقيا. كيف كانت علاقته بالمال؟ ليست له أية علاقة بالمال، أولاده كانوا يهتمون بالمال. ألم يكن صاحب الأمر في إقرار المساعدات؟ أكيد، لا يخرج مليم واحد الى رئيس دولة أو حزب إلا بأمر منه. كان يوقع أوراقا؟ تقدم اليه مقترحات في صورة نقاط ويضع شارة صح فقط قرب ما يعجبه، فيبدأ التنفيذ. ماهي قصة ثيابه الغريبة؟ هذه ثياب افريقية، هو ملك ملوك أفريقيا وينادي بالاتحاد الافريقي ويلبس كل ما يتعلق بأفريقيا. كان لديه ميل الى الثياب المزركشة ويرتدي أيضا ثيابا شبه نسائية. هل لديه حسابات خارجية؟ نعم، أعتقد بأن لديه حسابات سرية. أولاده كان لديهم المال الكثير؟ أول من أهلك معمر القذافي هم أولاده. القذافي كان يحب الجلوس مع المثقفين. هل كان يسبب لكم احراجات في هذا الموضوع، مثلا حين يذهب الى القاهرة ويجمع المثقفين؟ أجل، كان يجمعهم كي يهنيهم، كان يظهر لهم الكلام الذي فيه خطأ ويدلهم عليه ويقول لهم: هذه لا تكتب هكذا (...) وهذا ما يسبب لنا الإحراج. كان ينفق على الإعلام؟ فقط الذين يلّمعونه، وكان غير مقتنع بالإعلام الليبي. هل صحيح أنه لبس ذات يوم قفازات بيضاء في القمة العربية حتى لا يصافح الملك الحسن الثاني؟ كلا، حتى لا يصافح حسني مبارك، وكانت القمة في المغرب حين سألناه لماذا القفازات البيضاء قال: لا أريد أن أصافح مبارك بسبب اسطبل داود، وكان يقصد كامب ديفيد. وقيل إنه قبل ذلك تحسس مسدسه وهدد بقتل الملك حسين؟ نعم، حصلت مشادة بينهما بعد «أيلول الأسود» وكان يريد الاعتداء عليه، حينها صدر قرار بعدم السماح للرؤساء بدخول اجتماعات القمة بسلاحهم. هل كان معجبا بجمال عبد الناصر؟ في بداية الثورة كان معجبا به، ولكن لاحقا حين أصدر القذافي ما سماه الكتاب الأخضر، كان يسخر من الميثاق الذي أصدره جمال عبد الناصر، ولو كان عبد الناصر حيا لاصطدم به. هل كنت تعمل أثناء الغارة الأمريكية؟ كلا مادا كان شعورك حين شاهدت مقتل القذافي على الشاشة؟ للأمانة، كان يجب ألا يقتل كان يجب أن يحاكم كما حوكم صدام، كي نسمع ما لديه ليقوله، ولكن للأسف كان هناك غيظ وكراهية، وهناك أناس تعذبوا كثيرا وتألموا كثيرا من أعماله، خصوصا خلال أحداث «ثورة 17 فيفري» كان لدى الناس دافع للانتقام ممّا جعلهم يتصرفون التصرف الذي حصل، كان تصرفا لا شعوريا، لم يكن أمرا مرتبا، وأعتقد أيضا بأنه كانت هناك أجندة خارجية لا تريد أن يصل القذافي الى المحكمة، لئلا يتحدث عن الأسرار التي كانت لديه. من تقصد؟ حكاما من الغرب والشرق. هل صحيح أنه قال لباراك أوباما في قمة الدول الثماني في ايطاليا: يا ابني؟ نعم، يستخدم هذه الطريقة عمدا، وهو يقصد التصغير. كنا نقول له: نرجوك لا تردد كلمة «يا ابني» في مخاطبة الحكام. عبد الرحمن شلقم قال له ايضا، فكان يرد: لا، لا، هذا شغلي أنا، هؤلاء أولادي. كان يقولها لبشار الأسد وملك الأردن وملك المغرب وقالها لأوباما. نصحنا بشير صالح (مدير مكتبه) بعدم اثارة الموضوع مجددا معه لأنه كان مصرا على استخدام هذا الأسلوب.