ليس غريبا أن تنفذ الطبعة الأولى من كتاب "أشخاص حول القذافي" الذي ألفه عبد الرحمن شلقم، آخر مندوب ليبي لدى الأممالمتحدة قبل أن ينشق عن القذافي، في ظرف قياسي، وتنفذ النسخ التي شارك بها اتحاد الناشرين الليبيين في صالون الجزائر الدولي للكتاب خلال الأيام الأولى للصالون، لأنّ الكتاب بالإضافة إلى كونه يكشف الكثير من الحقائق حول عدد من الشخصيات من محيط العقيد معمر القذافي، لا يخلو أيضا من الأخبار الطريفة، وبعبارة أخرى، الكتاب يعرض وليمة ضحك مجانية على القارئ العربي، أبطالها أناس أثّثوا المشهد السياسي اللّيبي لما يناهز أربعين عاما بالتمام والكمال. يضمُّ الكتاب سالف الذكر، سيرة 39 "شخصا" أو شخصية، أغلبها من صناعة معمر القذافي، وكلّ اسم من هذه الأسماء يحمل تفاصيل مثيرة، والأكثر إثارة من ذلك، هو الطريقة التي كان العقيد ينتقي بها الشخصيات التي تدور في فلكه، ويصنع منها واجهة لصورته. القذافي وقصة الغولة من القصص الطريفة التي يوردها عبد الرحمن شلقم عن إبراهيم عبد الرحمن بجاد أحد رجالات القذافي، أنه عندما كان زميلا لمعمر القذافي في المرحلة الإعدادية، كان هذا الأخير يلتقيه، فيلقّنه الأفكار على الطريقة "الأرستقراطية" يقصد " السقراطية"، نسبة إلى الفيلسوف اليوناني "سقراط"، أي يطرح عليه بعض الأسئلة ويساعده على الوصول إلى الإجابات. أكثر من ذلك كما يقول إبراهيم، إنه كان يعتقد بوجود الغولة ولا يمشي في الظلام، وحاول معمر القذافي أن يعالجه من هذه الحالة النفسية، بأن يحدّد له موعدا في الليل ويتنكر في ملابس لا يتوقّعها إبراهيم، فيتملّكه الخوف، وفي الختام يزيح معمر الغطاء عن وجهه، وبعد عدة جلسات، شُفي إبراهيم كما يؤكد بنفسه، من تلك العقدة ولم يعد يخاف من وهم الغولة. يروي شلقم قصة طريفة أخرى عن ردّ المخرج العالمي مصطفى العقاد بخصوص حرص القذافي على أن يكون ظلّه موجودا في الفيلمين العالميين "الرسالة" و"عمر المختار"، حيث رفض العقاد بقوة ذلك وبصراحة مباشرة وأكد أن إقحام القذافي بصفة مباشرة أو غير مباشرة في العمل الفني لا يفسده فقط، وإنما يلغيه، وكان العقاد يقول بصوت عال إن معمر القذافي سيكون موجودا في العملين حتما، ولكن من زاوية دعمه لهما وتشجيعه على إخراجهما للوجود، وقال العقاد للقذافي ذات مرة بحضور بعض شخصيات الفيلم "يا أخ العقيد أنا مخرج وأنت مخرج لهذا العمل، أنا أخرجه على الشاشة وأنت أخرجته للوجود بتشجيعك". ومن النكت التي يرويها الكاتب عن الشخصيات التي كانت تدور في فلك العقيد معمر القذافي ما حكاه عن فوزية شلابي التي أكد أنها صناعة القذافي إلى درجة أنه طلقها من زوجها ليزوجها أحد معارفه. تقول القصة - حسب شلقم دائما- "يُردّد البعض أن فوزية شلابي قد دُعيت ذات مرة إلى اجتماع في مكتب الرائد عبد السلام جلود، ولكنها لم تحضر، وفي اجتماع تلا ذلك عاتبها جلود بشدة على غيابها عن الاجتماع السابق، وطلب منها تبرير هذا الغياب، فقالت إن لديها ظروفا قاهرة وأصرّ جلود على معرفة هذه الظروف وظلّت تتهرب من ذكرها، ولكنه لم يتوقف وألح على معرفة الظرف فقالت وهي تضحك "كانت عليّ العادة الشهرية". العقيد يأمر بتقسيم سويسرا ويعلن عليها الجهاد في عام 2007، اندلعت مواجهة بين معمر القذافي بسبب اعتداء حنبعل ابن معمر القذافي وزوجته اللبنانية على عاملين معهما وألقت الشرطة السويسرية القبض عليهما ، اشتعل معمر غضبا، و اعلن حملة شاملة على سويسرا، نقل منها الأموال الليبية ومنع الليبيين من زيارتها، ثم أعلن عليها "الجهاد"، ورغم كل المساعي الأوروبية والتنازلات السويسرية، إلا أن القذافي لم يلن ولم يهدأ، بل اندفع في عدائه لسويسرا إلى درجة غير معقولة وغير مسبوقة، إذ طالب بتقسيم دولة الاتحاد السويسري، وأجرى اتصالات مع عدد من زعماء العالم لإقناعهم بطلبه، فتحدث مع رئيس الوزراء الايطالي سيلفيو برلسكوني باعتبار أن جزءا من الأراضي السويسرية تقطنه أقلية إيطالية، وأراد معمر القذافي أن يرفع الأمر إلى الأممالمتحدة لتتخذ قرارا دوليا بتقسيم الدولة السويسرية. بدأت الجمعية العامة نشاطها ككل سنة في الثالث من سبتمبر، وألقى الطلحي كلمة باسم ليبيا، خالية بالكامل من الإشارة إلى موضوع سويسرا، لاقت كلمته ارتياحا لدى المسؤولين الليبيين، ولكنها أشعلت غضب "القائد" وطلب نص الكلمة التي ألقاها الطلحي، طبعا، اعتبر القذافي ذلك تمردا، وطلب مني استدعاء المندوب فورا، حاولت إقناعه بالتريث إلى أن تنتهي مدة عضويتنا في مجلس الأمن، لم يكن القذافي مُلحّا في متابعة هذا الموضوع، وطلب التحقيق مع جاد الله..، بعدها عاد الطلحي إلى طرابلس بطلب منه، وتابع نشاطاته الثقافية وبخاصة في مجال الترجمة، كان مكتبه قبلة لكثير من الوزراء والمسؤولين الليبيين، هناك حائط المبكى لهم، يجترُّون البكاء على حال البلاد، والتخبط، وفساد أولاد القذافي. و يضيف شلمق في كتابه :كانت الجامعات الليبية بالنسبة لمعمر القذافي مصدر صداع وقلق، بل خوف ورعب، لم يغب ملف الطلاب يوما عن طاولة معمر القذافي، فأبدع ما لم يخطر ببال بشر، فبعد ما سُمي بثورة الطلاب، أطلق القذافي شعار "الجامعة الطلابية"، وأمر أن يتولّى الطلاب إدارة الجامعات، وأن يكون عمداء الكليات من الطلاب، ثم ارتفع شعار الجامعة لمن يخدمها، ملئت الجامعات المختلفة بعناصر الأمن، وشنّت حملة لتجنيد الطلاب في أجهزة الأمن المختلفة، وشكلت تكوينات قبلية داخل كل كلية..، وغُيّرت المناهج بما يقود إلى إبطال مفعول العلم في عقول الطلاب..، وفي كل زيارة يلقي خطابا يدعو فيه إلى الحدّ من تسليط الأساتذة على عقول الطلاب..، ووصل الأمر إلى أن قال ذات مرة: ماذا يمنع الطالب الذي يحمل الشهادة الثانوية من القسم الأدبي من الدخول إلى كلية الطب؟ ولماذا يُقبل المتفوقون فقط كمعيدين في الجامعات، وتُعطى لهم الفرص وحدهم لمواصلة الدراسات العليا؟ وقع اختيار معمر القذافي على أحمد إبراهيم ليتولى تنفيذ هذه الأفكار الثورية غير المسبوقة، وأضاف أحمد ملحا للحامض ككل مرة ليؤكد للقائد أنه الثائر المتشدد الذي لا يقبل بأنصاف الحلول، فبعد الغارة الأمريكية على بيت القذافي في عام 1986، أصدر أحمد إبراهيم وزير التعليم، قرارا بإلغاء تدريس اللغتين الفرنسية والإنقليزية في مراحل التعليم كلها في ليبيا، ولا يزال جيل كامل من الليبيين يعانون ثقل هذا القرار، وجعل الكثير من الجامعات الأجنبية تقلّل من قيمة شهائد الطلاب الليبيين، ومن الطرائف التي تدعو إلى الضحك قدر ما تدفع إلى البكاء ذلك الأسلوب الذي انتهجه أحمد إبراهيم في اختيار الطلاب الموفودين للدراسة في الخارج، فكان يستعرض بنفسه أسماء الطلاب المتفوقين المرشّحين للدراسات العليا في الخارج، وكان الاسم الذي يحمله الطالب هو الفيصل في عملية الاختيار من عدمه، فلو كان اسم الطالب مثلا "صفوت" أو "سمير" أو "زكي"، فهذا يعني أنه ينحدر من عائلة برجوازية رجعية، وبالتالي فهو مضاد للثورة ويكفيه ما حصل عليه من تعليم. أما إذا كان اسم الطالب "المبروك"، "أبوعجيلة"، "رحيل"، "الخير"، فذلك يعني أنه ينحدر من عائلة كادحة مرتبطة بالثورة، حرم أهلها من التعليم، وليس من بين أفرادها من يحمل لقب دكتور. كان سيف الإسلام كثير التندُّر على أحمد إبراهيم، ولا يخفي كراهيته له، كان يُسمّيه أحمد "البهيم" أي الحمار، وقد سألت مرة سيف عن إصراره تسميته بذلك، فتحدث مطولا عن الأضرار التي سبّبها للتعليم في ليبيا، ويجمع الليبيون تقريبا على أن أحمد إبراهيم قد ألحق بالشباب الليبيين ضررا لا يمكن جبره بتخريبه لقطاع التعليم في ليبيا. القذافي يأمر بالبحث عن الجازية و يقول شلقم :للأسماء عند معمر القذافي تصنيف، وعلى ضوئه يكون التوظيف، فقد اختار معاوية الصويعي ليكون سفيرا في موريتانيا، عندما كان يرأسها معاوية ولد الطايع، واختار رمضان بشير، ليكون سفيرا في السودان لدى رئيسها عمر البشير، رغم أن الاثنين لا سابقة لهما في العمل الديبلوماسي من بعيد أو قريب، كان الاثنان من اللجان الثورية، وكان معاوية الصويعي شبه أميّ، ولم يتعدّ المرحلة الإعدادية. اختار محمد بيت المال، ليكون وزيرا للمالية، ومن أجل اسمه "بيت المال"، غيّر اسم الوزارة من الخزانة إلى المالية، حتى ينطبق الاسم على الوظيفة، وللاسم هنا دلالة تراثية دينية مجزية في نظر القذافي، فبيتُ المال، يُشعُّ منه الموروث الإسلامي، عندما كان صندوق الدولة يحمل اسم بيت المال، والخليفة هو الآمر بالصرف منه. وقد حدثت قصة طريفة في إحدى دورات انعقاد مؤتمر الشعب العام في ليبيا، وعند اختيار أعضاء الأمانة العامة للمؤتمر، تمّ اختيار "الزناتي" محمد "الزناتي" القذافي، ليكون أمينا للأمانة واختير "أبو زيد" عمر دورده مساعدا له ، فقال القذافي ابحثوا عن امرأة تُسمّى "جازية" لتكون أمينا لشؤون المرأة، وتأخّر الإعلان عن تصعيد اللجنة، لأنه لم يتمّ العثور على امرأة تجيد القراءة والكتابة تُسمّى جازية، لقد قدح الاسمان، الزناتي وأبو زيد، قدحًا ذهن معمر القذافي، فطار إلى دنيا الماضي التي تحمل ومضات البطولة الملحمية البدوية، أي تغريبة بني هلال، بشخوصها الثلاثة، الزناتي و أبوزيد والجازية. وعندما عيّن القذافي المرحوم كامل المقهور وزيرا للخارجية في عام 1985، قام معمر القذافي بتغيير اسمه إلى المنصور، لأنه يتطيّر من اسم المقهور، والبلاد في خضمّ المواجهة مع الغرب، وقد قصف الطيران بيت القذافي في عام 1986، عندما كان المقهور وزيرا للخارجية يقود الديبلوماسية الليبية، فكان لا بدّ من تغيير اسم الوزير إلى المنتصر لتنطبق لغة الخطابة الانتصارية مع اسم من يقود المعركة الديبلوماسية.