تحقيق: خولة الزتايقي «الأمّهات العازبات»... ضحايا أم مذنبات؟ سؤال يتداول في المجتمع، رغم أن في النظرة الأولى والعامة لهنّ اتهام... نساء مغيّبات اجتماعياً، وأطفال يعيشون مأساة يومية، نظرا لعدم تقبلهم في مجتمع سيطرت عليه العادات والتقاليد، ممّا حول حياتهم مع أمهاتهم الى واقع مرير، يواجهونه يوميا، إضافة إلى تجاهل الدولة أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية. «التونسية» تسللت الى عالم هؤلاء النساء، ورصدت معاناتهن، فكان التحقيق التالي: «صفية»، فتاة ريفية من عائلة فقيرة، جاءت إلى العاصمة لتزاول تعليمها الجامعي، ولكنها عجزت عن مجابهة مصاريف الحياة الباهظة .. تعرفت على شاب غني، كان يغدق عليها المال والهدايا بانتظام، مما حسّن من مستواها المعيشي، وجعلها تنعم بكل مقومات العيش الكريم. ونتيجة لوعوده الرنانة لها بالزواج، والعيش تحت سقف واحد، وإنجاب البنين والبنات، انساقت «صفية» وراء عاطفتها، لتجد نفسها مورطة في علاقة جنسية مع شخص، تخلى عنها بمجرد علمه بحملها، بل ذهبت به أنانيته الى نكران معرفتها أصلا. التجأت صفية إلى منزل والديها، إلا أنها قوبلت بالصدّ والمقاطعة، ممّا دفعها الى العودة الى العاصمة، بحثا عن عمل لتعيل نفسها وجنينها، وارتضت العمل كمعينة منزلية. «مريم» فتاة في التاسعة عشر من عمرها، تعرفت على أيمن ( 25 سنة)، عاشت حسب ما أكدته ل«التونسية»، أروع وأسوأ قصة حب معه، فأيمن كان صديقها ورفيقها منذ أيام الطفولة، كان يرعاها ويقدم لها يد العون، كلما كانت في حاجة إليه، وبمجرد اجتيازها مناظرة الباكالوريا، ودخولها الجامعة، انتقلت إلى مدينة سوسة، لتزوال تعليمها هناك، وكان أيمن يزورها بين الفينة والأخرى ليطمئن على أحوالها، وفي أحد الأيام، جاءها وطلب مقابلتها على وجه السرعة، من أجل أمر طارئ. وبالتوجه لمقابلته، وجدته في حالة اكتئاب شديد وتوتر، وأعلمها أنه تشاجر مع عائلته بسبب طرح موضوع زواجه بها، وأقنعها انه لا يمكن له أن يعيش دونها، ونتيجة لصغر سنها، ولسذاجتها، صدقت كلامه، وعاشرته معاشرة الأزواج لعدة أسابيع، وذات يوم توجهت إلى مكان موعدهما إلاّ انها لم تجده، فبحثت عنه في كل مكان لكن دون جدوى. حاولت الاتصال به، لكن دون مجيب، عادت إلى منزل والديها، واتجهت الى بيته، وهناك صدمت بأن أيمن سافر إلى أوروبا، دون أن يعلمها بذلك، لتكتشف في ما بعد أنها حامل، ونتيجة تعلقها الشديد به، عادت الى مدينة سوسة، لتعيش وحيدة هناك، وتعمل كمعينة منزلية محتفظة بطفلها، على أمل أن يعود أيمن ليجدها في انتظاره مع مولودها، خاصة بعد أن هاتفها بعد فترة ليعلمها أنه عائد من أجلها ومن أجل ابنيهما. م. ه. شاب عمره 32 سنة، اعترضنا في محكمة تونس، وبسؤالنا عن مشكله، أكد أنه كان على علاقة بفتاة، أثمرت إبنة غير شرعية. (م.ه) أكد أن العلاقة التي ربطته بهذه الفتاة، لم تتجاوز 5 أشهر، وأنه تعرف عليها عن طريق «الفايس بوك»، ثم قابلها في مقهى، وتكررت المقابلات، لتنتهي بمواعدتها في منزل والديها. وأكد (م.ه)، أنها كانت تتصل به لتعلمه بأن والديها قد غادرا المنزل، ليذهب على جناح السرعة إلى هناك، وفي أحد الأيام وصله استدعاء من المحكمة، يطلب منه الحضور، ليكتشف أن خليلته حامل، وأن عائلتها اكتشفت الأمر، وأنها رفعت عليه قضية، من أجل أن يتزوج ابنتها، وأن يعترف بابنته، خاصة أن حبيبته تجاوزت مرحلة الإجهاض. (م.ه) أكد أيضا، أنه أثناء ملاقاته خليلته لم تذكر له أي شيء عن مسألة حملها، الأمر الذي جعله يستغرب الأمر ويشكك في أبوته للجنين، قائلا: «شكون قال، اللي هي بنتي، ماو كيما مشات معايا، راهي مشات مع غيري». وردا على سؤالنا ما إذا كان سيقبل الزواج بالفتاة في صورة أنّ التحليل الجيني أثبت ان الرضيع من صلبه، أجاب «حتى تطلع بنتي ساعة، وكي تبدى بنتي نستعرف بها، أما العرس، أنا راني مانيش متاع عرس». قضية أخرى عرضت على أنظار النيابة العمومية بالمحكمة الإبتدائية بتونس، تتلخص وقائعها في تورط شاب في مواقعة قاصر، مما تسبب في حملها، الامر الذي دفع بالفتاة الى الهروب من منزل العائلة، دون أن تعلم أهلها، خوفا من غضب العائلة، وبعد فترة تم العثور عليها في مستشفى بعد أن وضعت مولودها، بعد أن صدرت في حقها برقية تفتيش،وقد صدمت العائلة بالخبر، وبالتحري تم التعرف على الجاني، وتقديم قضية في الغرض، وجلب المتهم للتحقيق معه. «سنية» (45 سنة) قالت ل«التونسية»: «بلغت سنّا متقدمة ولم أتزوج، وخوفا من بلوغ سن اليأس، قررت أن أنجب طفلا وأن أرعاه، ولأنني لم أتمكن من الزواج، فإنني أعلمت صديقي برغبتي في الإنجاب، واعدة إياه بعدم مطالبته لا بنفقة، ولا بزواج، ولا بأي إلتزام، فوافق على رغبتي، بعد تردد كبير، وبعد أشهر، حملت بإبني، إلا ان صديقي في النهاية، قرر الزواج بي، بعد شهر من ولادة الطفل، وكان احساسي رائعا، حتى قبل أن أتزوج، رغم أنني بقيت شهرا، أمّا عزباء». «أماني» (24 سنة) قالت ل«التونسية»، إنها عاشت ظروفا قاسية بعد وفاة والدتها، وزواج والدها بثانية، وأن ذلك دفعها إلى الهروب من المنزل، لتعمل كمعينة منزلية في أحد المنازل. «أماني» أكدت أن ابن صاحبة المنزل يتحرش بها، واعدا إياها بالزواج، ما إن يتوفر له مورد رزق، ونتيجة لحاجتها للمال ولظروفها القاسية، انساقت «أماني» وراء وعود ابن صاحبة المنزل قائلة: «سحرني بكلامو وبعينيه»، لكنها بعد مدة وجدت نفسها في الشارع بجنين في بطنها، دون أي مورد رزق، مما جعلها تجول هائمة في الشارع إلى حين بلوغ موعد ولادتها، حيث تخلت عن طفلها إلى المستشفى لعجزها عن رعايته، أو تأمين أيّ شيء من حاجاته. «سندس» روت قصتها بمرارة ل«التونسية»، قائلة «تعرفت على شاب، واتفقنا على الزواج، وفي أحد الأيام، جاءني ليعلمني برغبته في الزواج عرفيا، نظرا لأن ظروفه المادية لا تسمح، مؤكدا أننا سنشهر الزواج بمجرد أن يتحسن وضعه المادي، وبعد حديث مطوّل، أقنعني، وقد صدمت بأن الذي أشرف على الزواج كان أحد أصدقائه، وبأن «الكتب» الذي جمع بيننا ظلّ لديه، إلا أنني بعد فترة من الزمن، اكتشفت انني حامل، فأعلمته بالأمر، فوعدني بتسوية الوضعية، وطالت المدة، وهو يتملص، مما أجبرني على رفع شكاية، إلا أن القضاء طالبني بأن أقدم ما يثبت هذه العلاقة، وبما أن ورقة الزواج العرفي، كانت برفقته، فلم يكن لي أيّ مخرج من ورطتي، إلا انتظار فترة ولادتي، لأقدم قضيتي، والآن أواجه صعوبة في تربية ابنتي، بسبب ضعف مدخولي الشهري، وتخلي عائلتي عني، وعدم حصولي الى هذه اللحظة على نفقة. إحصائيات مفزعة أكدت الإحصائيات الرسمية، أن هناك ما بين 1200 و1600 مولود سنويا في تونس خارج إطار الزواج أو عن طريق الزواج العرفي، أي بمعدل ما بين ثلاث إلى أربع مواليد يوميا خارج إطار الزواج، وهو ما يزيد من عدد الأمهات العازبات في تونس. وتؤكد الإحصائيات أن أغلب الأمهات العازبات ينتمين إلى الفئات الهشة ذلك أن أغلبهن معينات في المنازل أو عاملات في المصانع أو عاطلات عن العمل. وأكدت إحصائيات رسمية، أن سن 33 بالمائة من الأمهات العازبات، يترواح بين 20 و24 سنة، وأن سنّ 27 بالمائة منهنّ يتراوح بين 15 و19 سنة، وأن أغلب الفتيات اللاتي يحملن نتيجة التحيل أو الاغتصاب أمّيات، ولا يتفطنّ حتى إلى الحمل إلا في مرحلة متأخرة ، مما يدفع بهن إلى الإجهاض، وذلك بسبب افتقارهن إلى الخبرة والمستوى التعليمي الجيد، مما ينتج عنه سهولة التغرير بهن واستغلالهن نظرا لسذاجتهن ومحدودية مداخيلهن، كما أثبتت الإحصائيات أن لدى 46 بالمائة من الأمهات العازبات مستوى تعليميا ابتدائيا، وأنّ ل٪35 منهنّ مستوى تعليميا ثانويا، في حين أن ٪3 منهنّ، لهن تكوينا أكاديميا جامعيا، دون أن ننسى وجود فئة لا بأس بها من الأمهات العازبات، اللواتي يقررن إراديا بأن ينجبن وأن يكن أمهات عازبات، وهي فئة من ذوات الدخل المحترم، القادرات على رعاية أبنائهن، دون أية حاجة للرجل، أو نتيجة رفضهن الالتزام برجل ما. ويعتبر الفقر والخصاصة وغياب الحوار والتواصل بين أفراد الأسرة، خاصة الأم، التي يكون لها الدور البارز في توعية ابنتها، من أهم الأسباب التي توقع بالفتاة في مثل هذه المشاكل. غياب التوعية والمؤسسات العمومية المشكل الأكبر الذي تعاني منه العائلات في تونس، هو غياب التوعية لدى بناتنا، إذ أصبحت الفتاة تنساق بسهولة، وراء الأحلام الوردية التي يبنيها لها الشاب، لتنقاد في مسار لا رجعة فيه، ولا أمل لها فيه. وعود رنّانة وأكاذيب لا أول لها ولا آخر، سرعان ما تصدقها الفتاة، لتجد نفسها في عالم صعب، مليء بالهزات النفسية، وسط وضع مادي مزر ونظرة مجتمع لا يرحم، إلى جانب نظرة دونية لطفل ليس له أي ذنب، سوى أنه ولد في إطار غير شرعي ويحاسب من أجل خطإ أو لحظة حب جامحة، لم يكن له دخل فيها، لا من قريب ولا من بعيد. وما يزيد الأمر سوءا، هو غياب أي تأطير من قبل الدولة لمثل هؤلاء النساء، إذ أننا نعاني في تونس، من إشكال مطروح، دون أي تدخل للدولة، من أجل الإحاطة، أو التوعية، خاصة أن معظم الأمهات العازبات يتورطن في حمل ثان وثالث، نتيجة عدم وجود إحاطة بهن. وقد حاولت بعض الجمعيات النهوض بالأمهات العزبات، على غرار جمعية «أمل للعائلة والطفل»، التي تسعى لمقاومة ظاهرة التخلي عن الأطفال المولودين خارج إطار الزواج، كما تعمل على تحقيق الاستقلالية والإدماج الاجتماعي والمهني للأم العزباء، ومساعدتها، ومحاولة الإيواء المؤقت للأم والطفل، وتوفير الحاجات الأساسية، والوساطة مع العائلة، إضافة إلى توفير المراقبة للنمو النفسي والجسمي للطفل، والقيام بالتوجيه القانوني، والإدماج الاجتماعي والمهني. ورغم تدخل بعض الجمعيات لمساعدة الأم العزباء، ما زلنا نشهد تهميشا لها وعدم إستيعاب لها أو لطفلها، نتيجة تهاون الدولة في التعامل مع هذه الظاهرة. أم... بلا حقوق؟؟ لئن منع التشريع التونسي الأم العزباء من مطالبة الأب بالزواج بها، أو حتى الإنفاق عليها، (الإستثناء الوحيد هو أن تكون الفتاة قاصرا، إذ أنه بمجرد مواقعتها، يكون على من واقعها أن يتزوجها، أو أن يزج به في السجن)، فإنه حمى الطفل المولود خارج إطار الزواج، بمجرد إثبات نسبه، سواء بإقرار الأب، أو عن طريق ثبوت الأبوة قضائيا، أي بعد القيام بالتحليل الجيني. ولا يعترف القانون التونسي بوضع خاص للأم العزباء إذ تنعدم الحقوق الذاتية لعدم قيام علاقة قانونية ملزمة بالزواج الشرعي وفي هذا الشأن ينص الفصل 227 مكرر من المجلة الجنائية التونسية على أن «الحمل والمعاشرة لا يولّدان حق الأم العزباء في مطالبة الأب بالزواج بها». ليبقى الحق الوحيد والمكفول قانونيا هو إمكانية قيام هذه الأم العزباء بدعوى قضائية على الأب البيولوجي للمطالبة بنفقة لطفلها القاصر، وتبقى هذه الأم وبقطع النظر عما اقترفته من خطيئة مؤهلة اجتماعيا لرعاية الطفل. وقد أقر الفصل الأول من القانون المؤرخ في 28 أكتوبر 1998 كما تم تعديله بمقتضى قانون 7 جويلية 2003 والمتعلق بإسناد لقب عائلي للأطفال المهملين أو مجهولي النسب، منح المولود الحق في النفقة والرعاية من ولاية وحضانة ما لم يبلغ سن الرشد أو بعده في الحالات المخولة قانونا، كما يمكن للأم أن تطالب بالترفيع من نفقة ابنها. وقد جرت القاعدة القانونية والفقهية على اعتبار أن الأبوّة البيولوجية ترتب آثارا قانونية ثابتة لا يمكن المساس بها كالحق في النسب والحق في النفقة والرعاية لكن القصور يكمن في حرمان الطفل المولود خارج الرابطة الزوجية أو خارج الفراش الطبيعي من الإرث. الحق في الإجهاض نظم المشرّع التونسي الإجهاض وقننه وبيّن شروط جوازه، إذ يجيز الفصل 214 من المجلة الجزائية قطع الحمل عمدا في حالتين: الأولى إن لم تتجاوز مدة الحمل الثلاثة أشهر الأولى، وفي الثانية يرخص الاجهاض بعد الثلاثة أشهر إذا كان يخشى أن يتسبب تواصل الحمل في انهيار صحة الأم. وفي كلا الحالتين لابد من القيام بعملية إسقاط الحمل بمستشفى أو بمصحة مرخص لها وبواسطة طبيب مباشر لمهنته بصفة قانونية تجنبا لأي خطر على صحة الأم. وفي ما عدا هذين الاستثناءين يمنع القانون الإجهاض أو محاولة إسقاط الحمل ولو برضى الحامل نفسها، ويعاقب القانون استعمال كلّ الوسائل من أطعمة ومشروبات وأدوية أو وسائل أخرى لإسقاط الحمل ويعاقب بالسجن وبالخطية أو بإحدى العقوبتين الأم المعنية بالأمر ومن ساعدها أو أشار إليها بذلك.