نيبينزيا: على مجلس الأمن أن يدرس بشكل عاجل مسألة فرض عقوبات ضد الكيان الصهيوني    "سينما تدور": اطلاق أول تجربة للسينما المتجولة في تونس    الفضيلة    لعبة الإبداع والإبتكار في كتاب «العاهر» لفرج الحوار /1    وزير الصحة يعاين ظروف سير العمل بالمستشفى الجهوي بباجة    بطولة شتوتغارت... أنس جابر تطيح بالروسية إيكاترينا    أخبار الترجي الرياضي...يان ساس جاهز وأندري بوكيا لغز كبير    حالة الطقس ليوم الخميس 18 أفريل 2024    الكاف: القبض على ثلاثة مروجي مخدرات    لدعم الميزانية والمؤسسات الصغرى والتعليم العالي والبحث العلمي: توقيع 3 اتفاقيات مالية بين تونس وإيطاليا    غدا افتتاح معرض تونس الدولي للكتاب...إمضِ أبْعد ممّا ترى عيناك...!    يهمّ المؤسسات الصغرى التي تواجه صعوبات: برنامج إنقاذ قيمته 26.5 مليون دينار لجدولة الديون والقروض    أخبار المال والأعمال    هيئة الدفاع عن عبير موسي: هيئة الانتخابات رفضت قبول مراسلة من الدستوري الحر    عاجل/ 6 أشهر مع النفاذ في حق محمد بوغلاب..    سيدي بوزيد: حجز مواد مدعمة من اجل الاتجار بطرق غير قانونية    تونس: حجز 6 أطنان من السكر المعد للاحتكار في الحرايرية    عبد المجيد جراد رئيسا جديدا للجامعة التونسية للكرة الطائرة    الرابطة تقرّر عقوبة الويكلو على النادي الرياضي الصفاقسي    توزر: تسجيل حالات إسهال معوي فيروسي    عاجل/ هذا موعد تصويت مجلس الأمن على عضوية فلسطين بالامم المتحدة    سليانة: إخماد حريق نشب في جبل برقو    لإنقاذ مزارع الحبوب: تزويد هذه الجهة بمياه الري    جورجيا ميلوني: "لايمكن لتونس أن تصبح دولة وصول للمهاجرين"    توقّيا من مخاطر الأنترنات على الأطفال: وزارة الطفولة تصدر قصّة رقميّة    حملات أمنية بصفاقس: الأسباب    تزامنا مع زيارة ميلوني إلى تونس: منظمات تونسية تنفذ وقفة إحتجاجية أمام السفارة الإيطالية    عاجل/ القبض على شخصين متورطين في طعن عون أمن بهذه الجهة    سيلين ديون تكشف عن موعد عرض فيلمها الجديد    قتل مسنّ حرقا بمنزله: القبض على 6 أشخاص من بينهم قصّر    المركز العسكري لنقل الدّم يتحصّل على شهادة المطابقة للجودة    عاجل/ سفن حربية ومقاتلات.. هكذا تستعد إيران للهجوم الصهيوني المرتقب    سعيد يدعو إلى اعتماد مقاربة جماعية لمسألة الهجرة ومحاربة شبكات المتاجرة بالبشر    سيدي بوزيد: حجز كمية من المواد الاستهلاكية بغاية الاحتكار والمضاربة..    أبطال إفريقيا: الترجي الرياضي يفرض الويكلو على التحضيرات    بطولة شتوتغارت: أنس جابر تضع حدا لسلسة نتائجها السلبية وتتاهل الى الدور ثمن النهائي    زغوان: تطور في قيمة نوايا الاستثمار في قطاع الخدمات في الثلاثي الاول للسنة الحالية    وزيرة التربية: "البنية التحتية من أبرز أسس تطور قطاع التعليم"    الكاف : تلقيح عدد هام من قطعان الماشية والكلاب    تعيين أوسمان ديون نائبا جديدا لرئيس البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا    الغرفة الوطنية للمخابز: "أصحاب المخابز لم يعودوا قادرين على تحمّل المصاريف اليومية وتسيير عملها".    علي المرابط في لقاء مع مدير عام الوكالة الوطنية المصرية للدواء    صفاقس: حادث مرور يخلف 5 اصابات    محرز الغنوشي: الأمطار في طريقها إلينا    الحماية المدنية: 19 حالة وفاة خلال ال24 ساعة الأخيرة    رئيسة الوزراء الإيطالية ميلوني في تونس اليوم..    "المكتبات في عصر الذكاء الاصطناعي : أدوار متجددة وخدمات مبتكرة" عنوان الدورة الخامسة لملتقى بن عروس المغاربي للكتاب والمطالعة    معز الشرقي يودع بطولة غوانغجو الكورية للتنس منذ الدور الاول    إجماع على ضرورة تسريع تنفيذ مبادرة تناغم التشريعات في قطاع الأدوية بدول شمال إفريقيا    بعد صمت طويل: هذا أول تصريح لأمين قارة بعد توقّف برنامجه على الحوار التونسي    علامة ''هيرمس'' تعتذر لهيفاء وهبي    مرتبطة بجائحة كورونا.. فضائح مدوية تهز الولايات المتحدة وبريطانيا    مباراة الترجي وصانداونز: تحديد عدد الجماهير وموعد انطلاق بيع التذاكر    شيخ جزائري يثير الجدل: "هذه الولاية بأكملها مصابة بالمس والسحر"!!    معرض تونس الدولي للكتاب 2024: القائمة القصيرة للأعمال الأدبية المرشحة للفوز بجوائز الدورة    موعد أول أيام عيد الاضحى فلكيا..#خبر_عاجل    مفاهيمها ومراحلها وأسبابها وأنواعها ومدّتها وخصائصها: التقلّبات والدورات الاقتصادية    فتوى جديدة تثير الجدل..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التحليل الجيني والنّسب
نشر في التونسية يوم 06 - 03 - 2014

تشهد تونس سنويا ولادة قرابة 1600 طفل خارج إطار الزواج، أي بمعدل 4 أو 5 أطفال يوميا. وقد بلغ عدد قضايا اثبات النسب المنشورة أمام المحاكم التونسية 220 قضية سنة 2013، أغلبها نتيجة الزواج العرفي، أو قيام الزوج بإنكار نسب الطفل المولود داخل إطار الزواج. أو نتيجة لحصول علاقة خارج إطار الزواج، ويجب القول إن هذه الشريحة من الأطفال في إزدياد في السّنوات الأخيرة مع تراجع الضوابط الدينية والأخلاقيّة من جهة وتنامي العلاقات الحرّة والروابط الجنسيّة خارج إطار الزواج من جهة أخرى، فضلا على أنّ هذه العلاقات تخرج مبدئيّا عن إطار التجريم في القانون التونسي إلا إذا كانت من قبيل مواقعة أنثى دون رضاها أو كان سنّها دون العشرين سنة كاملة.
وقد أقر المشرع التونسي عدة وسائل لإثبات النسب صلب الفصل 68 من مجلة الأحوال الشخصية والذي اقتضى صراحة أنه: «يثبت النّسب بالفراش أو بإقرار الأب أو بشهادة شاهدين من أهل الثّقة .» وهنا من البديهي أن ينسب الطفل لأبيه بمجرد ولادته داخل إطار الزواج. كذلك اعتبر المشرع أن إقرار الأب أو شهادة الشهود كافية لإثبات نسب المولود وتمتعه بحقوقه الشرعية. كما اعتبر المشرع أنّ الطفل المولود قبل زواج والديه (ابن الخطيبين) هو نتيجة لزواج باطل أبرم بين هذين الأخيرين كما اعتمدت بعض محاكم الأصل الإقرار وشهادة الشّّّّهود كوسيلة لإثبات نسب الابن. أما بالنسبة للبُنوّة غير الشرعية فلم يقرّر المشرّع لها أحكاما خاصّة بها سوى أنّ الفصل 152 من مجلة الأحوال الشخصية هو الفصل الوحيد الذي تحدّث عن ابن الزنا إذ أقرّ علاقته بأمّه وقرابتها فقط ورتّب عنها آثارا منها أنّه يرث أمّه وقرابتها وترثه أمّه وقرابتها. وهو نفس المنحى أيضا المنتهج من طرف بقية التشاريع في الدّول العربية والإسلامية. أمّا المشرّع الفرنسي وعديد التشاريع الغربية فقد إعترفت بالأبناء غير الشرعيين وخوّلت لهم إثبات البُنوّة وأقرّت لهم نفس الحقوق تقريبا المقرّرة للأبناء الشرعيين.
إثبات النسب عن طريق التحليل الجيني
من خلال ما لاحظناه في المحاكم التونسية في قضايا إثبات النسب، نجد أن معظم القضايا تتعلق بإثبات نسب أطفال مولودين خارج إطار الزواج لتصل نسبتها إلى 85 بالمائة، وليبقى عدد القضايا المتعلقة بإنكار الزوج للطفل المولود داخل إطار الزواج 15 بالمائة. لكن يبقى الإشكال دائما في إنكار أحد الأبوين نسب المولود أو الجنين، ليكون على الطرف الثاني البحث عن الإثبات(عادة ما يكون الطرف الثاني هو المرأة)، وهناك أيضا حالات أخرى لأشخاص يبحثون عن آبائهم أو أمهاتهم أو عن الآباء والأمهات معا ولهذا تم إعتماد وسيلة جديدة لإثبات النسب هي التحليل الجيني. وهنا وجب التوضيح، إذ أنه لا يمكن لأي شخص في تونس أن يتقدم لإجراء تحليل جيني A.D.N بدعوى أنه يريد أن يتثبت هل أن أولاده هم حقا من صلبه، فالأشخاص الذين يخضعون للتحاليل يجب أن يكونوا مرسلين من قبل المحكمة المختصة وفي بعض الحالات من قبل وكالة الجمهورية. ولا يمكن إجراء تحليل لأي شخص إلا بإذن من المحكمة (القيام بتسخير).
لكن كيف يتمّ التحليل؟
يتم أخذ عيّنة من الشخص الذي سيتم إثبات بُنوّته (جنين أو طفل أو كهل) ثم عيّنة من الشخص الذي سنثبت (أو ننفي) أبوته أو أمومته. بالنسبة للعينات فإن أهمها الدم الذي يمكن الإحتفاظ بكمية منه (في حال إعادة التحاليل) وكذلك ما يسمى الخلايا ذات العلاقة بالغشاء المحيط بالجنين( Cellules Amniotiques ) في الإختبارات التي تجرى قبل ولادة الطفل وهناك أيضا خلايا اللعاب وتؤخذ من داخل الوجنة. وفي حالات نادرة نأخذ عينة من العظم أو الجلدة أو الشعر. وبعد أخذ العيّنات حسب الطرق الطبية والقانونية تتم دراسة 16 علامة والمقارنة بين علامات الطفل أو طالب البنوة (الكهل مثلا) وعلامات الشخص الآخر. ويكون الإثبات عندما تكون كافة علامات الأ. دي. آن (les marqueurs d'A.D.N) متطابقة. فإذا وجد اختلاف واحد في علامة واحدة فقط فإنه يتم إعادة التحاليل وإستعمال علامات أخرى. وفي حالات التطابق الكامل يتم القيام بإختبار تكميلي لتصل الى نسبة 99.99% طالما أن العلم في العالم كله لم يصل الى حد الآن الى نسبة 100 مائة. أما إذا وجدت علامتان اثنتان على الأقل غير متطابقتين بمعنى أنهما موجودتان عند الطفل وغير موجودتين عند الأب أو الأم أو العكس فإن ذلك يعني نفي النسب. ولأن امكانية الخطإ موجودة ولو بنسبة ضعيفة جدا فإنه تتم اعادة التحاليل وعند الوصول إلى نفس النتيجة فإنه يتم نفي النسب. وفي حال وفاة أحد الأطراف، تؤخذ الخلايا حتى من المقابر بشرط أساسي وهو أنه لم يقع دفن شخص آخر مع الشخص المعني بالأمر لأن الخلايا يمكن أن تختلط عندما تتحلل جثث الذين يدفنون في قبر واحد.
الآثار المترتبة عن اثبات النسب
جاء قانون 2003 الذي دعمه قانون 2005 وخاصة الفصل 429 من مجلة الالتزامات والعقود، لينص على أنه في حال إمتناع شخص عن إجراء التحليل الجيني رغم أن استدعاء المحكمة قد بلغه شخصيا يعتبر امتناعه دليل إثبات ضده.. وهذا مبدأ قانوني معمول به. ولا يمكن إجبار الشخص على القيام بالتحليل الجيني ذلك لأن الاجبار انتهاك للحرمة الجسدية التي يضمنها الدستور، والقاضي ليس في حاجة للإجبار لأنه أمام مبدإ قانوني يعتبر أن امتناع الشخص عن إجراء التحاليل دليل إثبات ضده. ويحدث كذلك أن يواصل الشخص نفي النسب رغم أن نتيجة التحاليل تكون ايجابية بنسبة 99.99% وهنا يكون القاضي أمام حقيقة علمية ويمكن له أن يسعى الى إعادة التحليل للتأكد فإذا كانت النتيجة واحدة فإنه يحكم بثبوت النسب استنادا للفصل 68 وما يليه من مجلة الأحوال الشخصية، وذلك بمنح الطفل المولود خارج إطار الزواج حقوق الطفل المولود في إطار الزواج. وبالتالي فإنه يحمل اسم ولقب وجنسية والده وله الحق في النفقة والحق في الإرث. أما إذا كان الطفل مولودا من أبوين غير مرتبطين بزواج وثبتت أبوته قضائيا (أي بعد القيام بالتحليل الجيني) على أساس الفصل الأول من القانون المؤرخ في 28 أكتوبر 1998 كما تم تعديله بمقتضى قانون 7 جويلية 2003 والمتعلق بإسناد لقب عائلي للأطفال المهملين أو مجهولي النسب، فإن ذلك يمنحه الحق في النفقة والرعاية من ولاية وحضانة ما دام لم يبلغ سن الرشد أو بعده في الحالات المخولة قانونا. وقد جرت القاعدة القانونية والفقهية على اعتبار أن البنوة البيولوجية ترتب آثارا قانونية ثابتة لا يمكن المساس بها كالحق في النسب والحق في النفقة والرعاية لكن القصور يكمن في حرمان الطفل المولود خارج الرابطة الزوجية أو خارج الفراش الطبيعي من الإرث وهو ما كان محل تذمر العديد من رجال القانون من بينهم الأستاذ ساسي بن حليمة الذي اعتبر أنه شخصيا لا يرى موجبا لتمسك المشرع بالقاعدة القانونية الواردة بالفصل 152 من مجلة الأحوال الشخصية والتي تنص على أن «يرث ولد الزنا من الأم وقرابتها وترثه الأم وقرابتها» ويطالب بتنقيح هذا الفصل وبتمتيع الطفل بالحقوق الكاملة للابن الشرعي «والقاعدة المذكورة دليل على أن المشرع لو كان في نيته إثبات نسبه لما حرمه من إرث والده وما دام حرمه من الإرث فمن باب أولى أن يحرمه من النسب إذ أن الأول متفرع عن الثاني ولا يمكن إقرار أحدهما دون الآخر حتى لا نفرغهما من معناهما إذ أن ذلك فيه حيف لا يخفى على أحد».
وقد أورد المشرع التونسي أنه في حال كان التحليل الجيني سلبيا، فإنه يتم نفي النسب، مما يترتب عن ذلك إعفاء المدعى عليه من إعطاء نسبه للطفل. وإن نفي النسب عن طفل ولد لزوجين، فإنه يتم تطبيق مقتضيات الفصل 72 من مجلة الأحوال الشخصية والذي اقتضى أنّ : «انقطاع الولد من نسب أبيه يخرجه من العصبة ويسقط حقّه في النفقة والإرث.»
الأم مجرّدة من الحقوق...
ليس للأم العزباء حقوق تجاه الأب البيولوجي للطفل سواء كان أعزب أو متزوجا، كالحق في النفقة أو الرعاية أو غيرها، ولا يعترف القانون التونسي بوضع خاص للأم العزباء إذ تنعدم الحقوق الذاتية لعدم قيام علاقة قانونية ملزمة بالزواج الشرعي وهو ما أكده الفصل 227 مكرر من المجلة الجنائية التونسية على أن «الحمل والمعاشرة لا يولد حق الأم العزباء في مطالبة الأب بالزواج بها». كما لا توجد مؤسسات عمومية لاحتضان الأمهات العازبات ما عدا بعض الجمعيات التي تعنى بالأم العزباء وتسدي لها بعض الخدمات. ليبقى الحق الوحيد والمكفول قانونيا هو إمكانية قيام هذه الأم العزباء على الأب البيولوجي بدعوى قضائية للمطالبة بنفقة لطفلها القاصر، وتبقى هذه الأم وبقطع النظر عما اقترفته من خطيئة مؤهلة اجتماعيا لرعاية الطفل.
بقلم خولة الزتايقي (ماجستير في القانون العام والعلوم السياسية)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.