اختلفت القراءات والتأويلات حول فحوى وأبعاد الزيارة التي يؤديها كل من الأمين العام لحركة «نداء تونس» محسن مرزوق ورئيس حركة «النهضة» راشد الغنوشي ورئيس حزب «المبادرة الوطنية الدستورية» كمال مرجان إلى أمريكا، خاصة من حيث تزامنها في التوقيت، و ذلك بحكم ما يمثله هذا الثالوث من مسؤولية سياسية وحزبية في تونس. فالأول هو أمين عام الحزب الأغلبي في البلاد والثاني هو رئيس الحزب الثاني برلمانيا، في حين يمثل مرجان كتلة الدساترة وما تشكله من امتدادات تاريخية وفكرية وسياسية واجتماعية في البلاد خلال حقبتي بورقيبة وبن علي. فبينما اعتبر ملاحظون أن تزامن زيارة مسؤولي الحزبين الأغلبيين في تونس ورئيس حزب «المبادرة» إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية يصب في خانة الحج السياسي إلى هذا البلد الذي تربطنا به علاقات تعاون، إضافة إلى علاقات تاريخية واستراتيجية، خاصة أن أمريكا دعمت تونس في مرحلة الانتقال الديمقراطي،يؤكد آخرون أن زيارة الثالوث في وقت واحد ليس صدفة وانما بتدخلات وإملاءات وتعليمات أجنبية وتحديدا أمريكية تحدد مصير ومستقبل البلاد وقرارات ائتلافها الحاكم. «التونسية» طرحت الموضوع على عدد من السياسيين من الائتلاف الحاكم والمعارضة، وخرجت بالاستنتاجات التالية: رئيس كتلة «النهضة» بالبرلمان نور الدين البحيري أوضح أن زيارة رئيس الحركة راشد الغنوشي إلى أمريكا تتنزل في إطار فوزه بجائزة من إحدى المنظمات الدولية على دوره الفعال في تجاوز الأزمة التي شهدتها تونس خلال المرحلة الفارطة وكذلك لجهوده في تعزيز الشرعية الانتخابية وتكريس مبدإ التوافق الذي هو اكتشاف تونسي بامتياز. و أشار البحيري، في اتصال مع «التونسية» أمس إلى أن الغنوشي سافر لتسلم الجائزة التي فاز بها مناصفة مع رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي لدورهما في تجاوز الأزمة التي عاشتها تونس خلال الفترة الفارطة، مضيفا أن فوز الغنوشي بالجائزة المذكورة هو اعتراف دولي بدوره وبدور «النهضة» في تجاوز تأزم الوضع السياسي الذي شهدته تونس قبل تجربة الحوار الوطني. واعتبر تزامن سفر الغنوشي إلى أمريكا مع زيارة مرزوق ومرجان مصادفة ليس إلا لا تستدعي التأويل أو نسج القصص حولها. و لاحظ البحيري في السياق ذاته أنه لا وجود لخطر داهم من هذا التزامن وأن المسألة لا تتعلق بأية إملاءات أمريكية على الائتلاف الحاكم، مستطردا أن تونس لا تقبل الإملاءات من أي طرف مهما كان وأنها متمسكة بقرارها الوطني وكذلك بإرساء علاقات تعاون مع الدول الأخرى في إطار الإحترام المتبادل، خاصة وأن أمريكا دعمت وساعدت تونس في مرحلة الانتقال الديمقراطي. و تابع رئيس كتلة حركة «النهضة» بالبرلمان بأنه لا وجود لطبخات تطبخ من وراء زيارة الغنوشي ومرزوق ومرجان إلى أمريكا، مؤكدا أن تونس لا تقبل الإملاءات الأجنبية، منهيا بتقديم تهانيه لرئيس الحركة وابنائها وكل التونسيين على نيل الغنوشي الجائزة المذكورة. تدخل في مصير البلاد وإملاءات من جهته، قال رئيس كتلة «الجبهة الشعبية» بالبرلمان أحمد الصديق ل «التونسية» إن المبدأ العام لتبادل الزيارات يكون بهدف تبادل وجهات النظر وجلب الدعم الخارجي لبلادنا وهو هدف محمود، إلا أن زيارة كل من رئيس حركة «النهضة» راشد الغنوشي والأمين العام لحركة «نداء تونس» محسن مرزوق ورئيس حزب «المبادرة» كمال مرجان إلى أمريكا تؤكد مرة أخرى أن مصائر البلاد، وفي جزء كبير منها تحدّد من طرف القوى العظمى ومن بينها أمريكا على حدّ تعبيره. وأوضح أن زيارة بهذه التشكيلة إلى أمريكا تبين أن هذه الأخيرة لا بد أن تتدخل في الأوقات الحرجة لصياغة توافقات داخل الفريق الحاكم، مضيفا أن «الجبهة الشعبية» تشتّم من زيارة الثالوث رائحة املاءات اجنبية وضمانات متبادلة لهندسة مستقبل البلاد والفاعلين السياسيين فيها. و لاحظ رئيس كتلة «الجبهة الشعبية» أن تشكل الثالوث الذي يزور أمريكا من الأمين العام للحزب الأغلبي ورئيس الحزب الثاني في البلاد ومن قيادي محسوب على النظام القديم يؤكد استمرار نفس النهج وذات الأساليب في طريق البحث عن سند أجنبي للفريق اليميني الحاكم. التحالف الجديد سيدوم 10 سنوات أما النائب عن حركة «آفاق تونس» بالبرلمان علي بنور، فقد بيّن ان كلاّ من «نداء تونس» و«النهضة» والدساترة يشكلون التحالف الجديد في تونس، مضيفا أن الدساترة متواجدون في «نداء تونس» وأن «النهضة» تحالفت معهم من قبل، وانه لذلك تندرج زيارة «هذا التحالف» الى أمريكا في إطار الدعم الأمريكي له. ولاحظ أن الولاياتالمتحدة لا تدعم إلا الأحزاب اليمينية لأن مصلحتها مع اليمين لا مع اليسار، معقبا بأن لكل بلد مصالحه وأجنداته الخاصة وأن زيارة الثالوث إلى هذا البلد تدخل ضمن هذه الأجندات. ليست صدفة و أكد علي بنور ان تزامن زيارة كل من مرزوق والغنوشي ومرجان إلى أمريكا لا يمكن أن يكون صدفة نظرا لما يمثله هؤلاء من وزن باعتبارهم أقطاب سياسية كبرى في البلاد. و أعقب بنّور بأن التحالف بين الأقطاب السياسية المذكورة سيدوم 10 سنوات، راجيا أن يكون هذا التحالف في مصلحة تونس خاصة أنها تمر بمرحلة انتقال ديمقراطي هش. اسألوا مرزوق عن فحوى الزيارة من جانبه، قال نائب حركة «نداء تونس» بالبرلمان وليد الجلاد ل «التونسية» إن زيارة الأمين العام للحزب إلى أمريكا منفصلة عن زيارتي كلّ من الغنوشي ومرجان، مبينا أنه لا علاقة لسفر محسن مرزوق إلى الولاياتالمتحدة بزيارة رئيسي حركة «النهضة» وحزب «المبادرة» إلى نفس البلد. قيادي ثان في نداء تونس، أشار بدوره إلى أن زيارة مرزوق إلى أمريكا يسأل عن فحواها هذا الأخير عند عودته إلى تونس.