السعودية: انتخاب تونس رئيسا للمجلس التنفيذي للمركز العربي لدراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة "أكساد"    منظمة إرشاد المستهلك:أبلغنا المفتي بجملة من الإستفسارات الشرعية لعيد الإضحى ومسألة التداين لإقتناء الأضحية.    الحماية المدنية:15حالة وفاة و500إصابة خلال 24ساعة.    المدير العام لبيداغوجيا التربية:الوزارة قامت بتكوين لجان لتقييم النتائج المدرسية بداية من السنة الدراسية القادمة.    مواطنة من قارة آسيا تُعلن إسلامها أمام سماحة مفتي الجمهورية    حكم الشرع للتداين لشراء الأضحية.. التفاصيل    الهواتف الذكية تتجسس على البشرية وعلى التفاصيل اليومية ماالقصة ؟    فوز التونسي محمد خليل الجندوبي بجائزة افضل لاعب عربي    عمال المناولة بمطار تونس قرطاج يحتجون    بدرة قعلول : مخيمات ''مهاجرين غير شرعيين''تحولت الى كوارث بيئية    مجاز الباب: تفكيك وفاق إجرامي.. التفاصيل    أعمارهم بين 13 و16 سنة.. مشتبه بهم في تخريب مدرسة    أول بؤرة للحشرة القرمزية في القصرين    يهم محبي القطط : آثار ضارة على الصحة العقلية و دراسة على الخط    جدل حول آثار خطيرة للقاح أسترازينيكا مالقصة ؟    الرابطة المحترفة الاولى – مرحلة التتويج – الجولة 6: جولة القطع مع الرتابة    البحيرة: إخلاء محيط مقر مفوضية شؤون اللاجئين من المهاجرين الأفارقة    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم الجمعة 3 ماي 2024    حفاظا على توازناته : بنك تمويل المؤسسات الصغرى والمتوسطة يرفع رأس ماله الى 69 مليون دينار    الرابطة الأولى: تعيينات حكام مقابلات الجولة الأولى إيابا لمرحلة التتويج    البطولة الوطنية : تعيينات حُكّام مباريات الجولة الثانية إياب من مرحلة تفادي النزول    معهد الصحافة يقرر ايقاف التعاون نهائيا مع مؤسسة كونراد أديناور الألمانية بسبب دعمها للكيان الصهيوني    مقتل 20 شخصا على الأقل جراء حادث سقوط حافلة في واد بهذه المنطقة..#خبر_عاجل    زلزال بقوة 4.2 درجة يضرب إقليم بلوشستان جنوب غرب باكستان    اليونسكو تمنح جائزة حرية الصحافة للصحافيين الفلسطينيين    نبيل عمار يستقبل البروفيسور عبد الرزاق بن عبد الله، عميد كلية علوم الكمبيوتر والهندسة بجامعة آيزو اليابانية    حالة الطقس ليوم الجمعة 03 مارس 2024    إيقاف 3 أشخاص من بينهم مفتش عنه من أجل السرقة وحجز 3 قطع أثرية بحوزتهم    طقس اليوم الجمعة    عاجل/ الأمن يتدخل لاخلاء محيط مقر مفوضية شؤون اللاجئين في البحيرة من الأفارفة..    خطبة الجمعة ..وقفات إيمانية مع قصة لوط عليه السلام في مقاومة الفواحش    بلدية تونس: حملة للتصدي لاستغلال الطريق العام    تشيلسي يفوز 2-صفر على توتنهام ليقلص آماله بالتأهل لرابطة الأبطال الاوروبية    العمل شرف وعبادة    ملف الأسبوع .. النفاق في الإسلام ..أنواعه وعلاماته وعقابه في الآخرة !    "أنثى السنجاب".. أغنية أطفال مصرية تحصد مليار مشاهدة    إصابة 8 جنود سوريين في غارة صهيونية على مشارف دمشق    الجامعات الغربية تخاطب النظام العالمي الأنغلوصهيوأميركي.. انتهت الخدعة    بايدن يتحدى احتجاجات الطلبة.. "لن أغير سياستي"    أبناء مارادونا يطلبون نقل رفاته إلى ضريح في بوينس آيرس    وزارة الشؤون الثقافية تنعى الفنان عبد الله الشاهد    وفاة الممثل عبد الله الشاهد‬    موعد عيد الإضحى لسنة 2024    قضية التآمر على أمن الدولة: رفض مطالب الافراج واحالة 40 متهما على الدائرة الجنائية المختصة    صفاقس : غياب برنامج تلفزي وحيد من الجهة فهل دخلت وحدة الانتاج التلفزي مرحلة الموت السريري؟    الترجي يقرّر منع مسؤوليه ولاعبيه من التصريحات الإعلامية    شوقي الطبيب يرفع إضرابه عن الطعام    البنك المركزي يعلن ادراج مؤسستين في قائمة المنخرطين في نظام المقاصة الالكترونية    بحّارة جرجيس يقرّرون استئناف نشاط صيد القمبري    هام/ الترفيع في أسعار 320 صنفا من الأدوية.. وهذه قيمة الزيادة    إرتفاع أسعار اللحوم البيضاء: غرفة تجّار لحوم الدواجن تعلق وتكشف..    بنزيما يغادر إلى مدريد    وفاة الروائي الأميركي بول أستر    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم الخميس 2 ماي 2024    يهم التونسيين : حيل منزلية فعالة للتخلص من الناموس    محمد بوحوش يكتب .. صرخة لأجل الكتاب وصرختان لأجل الكاتب    وفاة حسنة البشارية أيقونة الفن الصحراوي الجزائري    القيروان: إطلاق مشروع "رايت آب" لرفع الوعي لدى الشباب بشأن صحتهم الجنسية والانجابية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



راضي المؤدّب ل«التونسية»: حكومات ما بعد الثّورة توارثت «البطاطا الساخنة»
نشر في التونسية يوم 06 - 11 - 2015


لا يمكن أن نعهد بنحت مستقبلنا إلى طرف أجنبيّ
لا معنى لأيّ نموّ في غياب العدالة الاجتماعية
لا بدّ من رفع الدّعم عمّن يتمتّع به مجانا
المصالحة لا تمرّ على حساب المبادئ
حوار: أسماء وهاجر
بعد تعاقب سبع حكومات اثر الثورة حاملة وعود التنمية تطرح تساؤلات نفسها حول ماذا تحقق من أحلام الثورة التي قدمت مئات الشهداء وأين وصلت وعود تحقيق العدالة الاجتماعية لتكريس كرامة جانب هام من المواطنين؟ كيف وصلت حدّة الأزمة الاقتصادية بالبلاد إلى تفكير الحكومة في «رهن ملعب رادس» والاستنجاد بالمؤسّسات المالية العالمية لإحياء ما ركد من القطاعات الاقتصادية الحيوية وما سر استمرار العمل بالمنوال التنموي القديم رغم فشله؟ هذه الاشكالات وغيرها كانت محور حوار «التونسية» مع السيد راضي المؤدب خريج مدرسة البوليتكنيك والمدرسة الوطنية العليا بباريس والمعهد الدولي للقانون التنموي بروما وصاحب مكتب دراسات متعدد الاختصاصات في مجال الهندسة والاستشارة والعقارات ومجموعة عمل وتنمية متضامنة والذي عرض عليه في 2012منصب محافظ البنك المركزي وترشيحه لمنصب رئاسة الحكومة لكنه رفض.
المؤدّب أكّد أنّ تونس تحتاج الى مصالحة سياسية واقتصادية ومجتمعية مشيرا إلى أنّ السياسيين اكتفوا بالاهتمام بالشأن السياسي وأهملوا الشأن الاقتصادي لتبقى التركة الثقيلة جوهر أهداف الثورة التونسية كرة تتلاقفها الحكومات المتعاقبة وسط ضجيج من يدّعون الخبرة في الاقتصاد.
شهدت البلاد مع قيام الثورة بروز العديد من السياسيين وخبراء الاقتصاد... كيف أثّر ذلك على الوضع الاقتصادي بالبلاد؟
- أسباب اندلاع الثورة كانت أساسا ثلاثة أسباب وهو ما يبرر اندلاع «الربيع العربي» في نفس الوقت تقريبا بعدد كبير من دول المنطقة بالرغم من حديث العديد عن وجود مؤامرة أو أشياء من نوع هذا. لكن تقريرا أعدّه برنامج الامم المتحدة للتنمية سنة 2002 وكان أول تقرير لتنمية القدرات البشرية في العالم العربي جاء فيه ما يلي: «العالم العربي أنجز تقدّما هامّا في العديد من الميادين على مستوى تهيئة القدرات البشرية لكن لا يزال هناك ثلاثة ميادين لم يفض فيها الى تحسين والاستجابة الى طلبات الشعوب العربية وهذه الميادين اعلاء صوت الناس في الشأن العام وتوفير خيارات اجتماعية أفضل وثالثا توفير فرص اقتصادية للأجيال الحاضرة ولاجيال المستقبل». وهو ما يلخص اندلاع الشرارة التي افضت الى الثورة في تونس. كلنا يعرف أنّ محمد البوعزيزي عندما أضرم النار في جسده كان يطالب ببيع السلع في الشارع لم يُمكّن من بديل لتحسين ظروف عيشه ثم بعد ذلك كانت المطالبة بحرية التعبير والحريات العامة التي اتت المطالبة بها لاحقا وبالتالي فوراء الثورة كانت طلبات اقتصادية واجتماعية. ما حدث منذ ذلك التاريخ اننا قطعنا أشواطا هامة في ميدان حرية التعبير حتى وان افضى ذلك في العديد من الحالات الى شيئ من الفوضى لكن على مستوى تحسين ظروف عيش المواطنين والرفع من أداء الاقتصاد عوض ان تتحسن الحالة تدهورت وتستّر السياسيون بأن الاهتمام بالاقتصاد سيكون في مرحلة ثانية وبأنّه رهين المسار الديمقراطي. وهذا افضى الى فجوة بين عالم السياسة والبلد العميق لان المطالب المشروعة التي كانت وراء الثورة وهي المطالبة بالشغل الكريم الذي يتماشى مع تكوين شباب الشهائد العليا ومع طموحه لمستقبل افضل لم ينجز منه شيئ وفي نفس الوقت لم نفتح المجال للمبادرة الاقتصادية. فقد اتّسم الاقتصاد في ال30 سنة الأخيرة باقتصاد الامتياز والريع والقرب من السلطة حيث خضعت العديد من القطاعات الى وجوب الحصول على رخص مسبقة من بنك الى مقهى والتراخيص تفضي إمّا الى اقتصاد الريعة والامتياز أو إلى «دمقرطة» الفساد. إذن لم تتم الاستجابة إلى مطالب الثورة ولم تهتد الطبقة السياسية إلى حلول لتحسين ظروف العيش وتدهورت كل المؤشرات الاقتصادية منذ ذلك التاريخ .اما بالنسبة للاقتصاد فلا توجد خبرة مستقلة واكثرهم يدجلون ويغتنمون فرصة جهل الطبقة السياسية للشأن الاقتصادي.
ترأس جمعية «العمل والتنمية المتضامنة» التي تهدف إلى إرساء منوال تنموي جديد بالبلاد، هل تغيّر منوال التنمية بعد 14 جانفي رغم أنّه كان السبب المباشر في سقوط نظام بن علي؟
- لم يتحقق اي شيء. فعندما كان العالم يتخبط في الازمة في 2008 كان منوال التنمية في تونس 2 ونصف بالمائة، كان النمو في حدود ٪1 في أوروبا وبين 4 و٪5 في تونس وهي نسبة ممتازة لكن هذا النمو لم يمنع اندلاع الثورة في تونس لأنه لم يمنع الفوارق الاجتماعية ولم يمنع تهميش شباب الشهائد العليا. هذا المنوال لم يفض الى تنمية. انعدمت العديد من المكونات فالتنمية تحتاج الى نمو لكن النمو غير كاف لإيجاد التنمية. والذي غاب حتى يفضي النمو الى تنمية هي ثلاثة عناصر: العنصر الاول المؤسسات العنصر الثاني هو الحكم الجيد واحترام القانون والعنصر الثالث هو الإدماج بالمؤسسات. رأينا بعد الثورة ان العديد مما كنا نتصور انه مؤسسة, وعلى سبيل الذكر لا الحصر البنك المركزي والمعهد الوطني للإحصاء لم تتمتع بالاستقلالية الكافية والحياد السياسي وانما وظفت لفائدة مصالح خاصة حزبوية وسياسوية. العنصر الاهم في كل ذلك هو الادماج وكيفية جعل كل تونسي وكل تونسية شابّا كان أو كهلا أو مسنّا من الجهات الساحلية او الولايات الداخلية الحدودية من الشمال أو من الجنوب من تونس الداخلية أو من الجالية بالخارج عناصر فاعلة في خلق الثروات تساهم في الخلق وتساهم في التوزيع وتتمتع بجزء من هذه الثروات ولا تقصى لا في ميدان الخلق والابداع ولا في ميدان التمتع بعائدات الانتاج والثروة والامثلة متعددة ما قبل الثورة والى اليوم مثال اليوم تقريبا هو أنّ 52 بالمائة فقط من التونسيين الرشد يمتلكون حسابا لدى البنك أو البريد بمعنى أنّ ٪48 من التونسيين مقصيون من الحلقة المالية. وانسان ليس له حساب في البنك أو في البريد يصعب عليه الحصول على قرض من مؤسسة مالية فهذا الاقصاء المالي يفضي الى الاقصاء الاقتصادي والاقصاء الاقتصادي يفضي الى اقصاء اجتماعي وسياسي في اخر المطاف. والمزعج في الامر هو ان هذه النسبة بقيت تقريبا على حالها منذ 30 سنة اذن الاهم في البحث عن منوال تنموي جديد لماذا لم يفض المنوال السابق الى تنمية رغم نجاحاته الظاهرة رغم نسب النمو المرتفعة؟ وكيف يمكن ان نعالج ذلك؟ .فما هي مواصفات المنوال الجديد الذي يجب ان تسير عليه تونس؟
يجب ان يكون اجتماعيا يعمل على تقليص الفوارق دون ان يكون ذلك التقليص عن طريق البرامج الاجتماعية بل بإعطاء الفرصة لكل تونسي وتونسية للمساهمة في الدورة الاقتصادية. وإنجاز مبادرة اقتصادية مهما كان مستواها وبثّ ثقافة المبادرة لدى التونسي منذ المدرسة الابتدائية والتخلي عن ثقافة التواكل وانتظار الحل من القطاع العام. فالقطاع العام غير قادر على الاستجابة لحاجات المجموعة ولا يمكن ان ننتظر من القطاع الخاص ان يستجيب لهذه الحاجات مثلا رياض الأطفال في الستينات كانت البلدية تتكفّل بها وعندما كبر الجيل ظهر القطاع الخاص في رياض الأطفال في الاماكن التي فيها ربح. التساؤل هنا بالنسبة للمناطق الاخرى ما هو الحل وهنا يجب المساعدة على بعث القطاع الثالث.
المنوال يجب ان يكون اجتماعيا مدمجا. الأمريكان يستعملون عبارة «امباورمانت» كيف تبعث ثقافة أخذ الحكم في كل المستويات. في المنزل كيف تجعل العلاقة بين الرجل والمرأة متساوية في العائلة بين الابوين والابناء كيف نخلق ثقافة الاحترام وليس ثقافة الجبروت والتسلط ثم في المدرسة والشارع التلميذ في علاقة بالمدرّس يجب أن تكون علاقة احترام متبادل .كيف اذن في كل مستوى يمكن اخذ ثقافة الحكم دون المساس بمصلحة المؤسسة؟
يجب أن نصل إلى مجتمع يساهم كل شخص فيه في مستواه في نحت العلاقات الحالية ونحت المستقبل ولا يُهمّش احد في استنباط الحلول ونحت المستقبل وهي ثقافة كبيرة لا تتماشى مع الثقافات السياسية الموروثة والحزبية التي تدعو الى الانضباط والتعامل العمودي وهي تمر سياسيا بتكريس اللامركزية و لن تتحقق بسهولة إذ تسبقها اللامحورية لأنها هي التي ستعطي للجهات الامكانيات المادية والبشرية الكفيلة بتحقيق المسؤوليات الجديدة المناطة بعهدة الولايات، في نطاق الادماج المجتمعي والسياسي ومن آليات أخذ الحكم آليات اخذ القروض الصغرى التي تساهم في تمكين الفئات الضعيفة من الادماج المالي والاقتصادي وتمكنها من بعث مواطن كسب رزق دون المرور عبر آليات التشغيل التي ستبقى غير قادرة على القيام بذلك .
المنوال يجب ان يكون عادلا والعدالة يجب ان تمر عبر اصلاح الجباية وهو ليس امر تقني فالجباية منظومة تكرس لفائدة مشروع سياسي. والاصلاح يقتضي محاربة التهرب الجبائي الذي يقدر بخمسين بالمائة. فلا اصلاح جبائي دون عدالة جبائية فالجباية يدفعها الاجراء وبعض المؤسسات الشفافة ولو توصّلنا الى ادماج كل تونسي وكل تونسية في هذا الواجب الجبائي لخفّ عبء الجباية عن الاجراء وبقية المواطنين وضعاف الحال. مثلا الجباية على الاجور حددت منذ عام 1989، حددنا الاسقف والنسب لكنها لم تتغير رغم تغير الاسعار والتضخم المالي. وهو ما يفضي الى تعميق التهرب الجبائي.في البلدان الديمقراطية يقع تغيير الاسقف حسب التضخم المالي وبمعنى آخر فان لم يقع التحيين تجبره ضمنيا على التهرب الجبائي .
المواصفة الرابعة هي أن يكون المنوال التنموي أقلّ تبذيرا، مثلا الماء، فنحن في وضعية تحت الضغط المائي. المياه المتاحة للتونسي دون 500 متر مكعب. نحن لدينا 380 متر مكعب من الماء لكن هذا المورد النادر بصدد الاهدار. مثلا الفلاحة تستهلك 83 بالمائة لأننا نستهلك بطرق تقليدية والحل ترشيد استهلاك المياه. نحن برامجنا تتوجه نحو تعبئة المياه التي بلغت 95 بالمائة بينما الحل الحقيقي هو الاقتصاد في الماء في حدود 20 بالمائة ولذلك اقول ان اكبر خزان للمياه هو الاقتصاد في استهلاكه.
لماذا تتجاهل الحكومات المتعاقبة الحقائق التي أشرت إليها ونسمع دائما عن إجراءات موجعة للخروج من الأزمة الاقتصادية؟
- منذ مدة تتحدث الحكومات المتعاقبة عن إجراءات موجعة وأليمة لكننا لم نر بداية لهذه الإجراءات والسؤال: ستكون موجعة لمن؟ هنا أريد أن أرجع الى تفسير الإصلاح، ما هو الإصلاح ولم وجوب الإصلاح؟ الإصلاح هو تغيير منظومة الانتاج والتوزيع حتى نقحم في المنظومة فئات وجهات كانت مقصية من الانتاج والتوزيع .انطلاقا من هنا سيغير الاصلاح قواعد توزيع الكعكة. من سيقف ضد الاصلاح؟ ولمن سيكون الاصلاح موجعا؟ كل من يتمتع به الآن دون غيره أو المقصي منه؟ مثلا اصلاح منظومة الدعم للخبز.. تكلفة الخبز اليوم تفوق بكثير السعر المباع به في السوق طبعا في صالح الفئات الفقيرة وضعيفة الحال. لكن في الحقيقة من يتمتع بالدعم على الخبز هو الغني الذي يستهلك اكثر خبزا من الفقير... المطاعم الخاصة التي لا تخضع الى تسعيرة تستهلك خبزا مدعوما... السائح الاجنبي لما كانت لنا سياحة كان يستهلك الخبز المدعوم لذلك أقول إنّ إصلاح منظومة الدعم يجب ان ترفع الدعم عن كل هذه الفئات التي كانت تتمتع به دون ان تكون في حاجة اليه .انطلاقا من هنا لن يكون هذا الاصلاح مؤلما الا لمن كان يتمتع بالمنظومة السابقة دون شرعية واذا توصلنا الى إعطاء الطبقات والفئات الضعيفة تعويضا يعادل أو يفوق استهلاكها للدعم فقد نكون توصلنا الى تقليص الدعم في حدود ٪80 على الاقل دون المساس بالقدرة الشرائية لضعاف الحال ولكن ترشيد الاستهلاك واقصاء كل من لا يحتاج الدعم من المنظومة يعني أنّ هذا الاصلاح سيكون مؤلما وموجعا لمن كان يتمتع بالوضعية السابقة بدون موجب.
بين رفض مبدإ المصالحة الاقتصادية وبين قبولها أيّهما أصلح للاقتصاد ؟
- تونس تحتاج الى مصالحة سياسية واقتصادية ومجتمعية. لكن في أية حال لا يمكن ان تكون المصالحة على حساب المبادئ. إنّ ما هو أهمّ من تعبئة أموال إضافية هو فهم ما حدث قبل الثورة وافضى الى تجاوزات هامة وظفت الصالح العام لفائدة الصالح الخاص. إنّ كل الدول التي مرت بمسار ديمقراطي عملت على فهم منظومات الفساد السابقة وعالجتها حتى تحمي البلاد والعباد من الرجوع إليها. فقبل ان نتحدث عن المصالحة وجب علينا ان نفهم متاهات الماضي ونعد انظمتنا وقوانيننا وثقافاتنا حتى نجعل تونس في مأمن من الرجوع الى مثل هذه التعاملات. يجب أيضا في نطاق هذه المصالحة ان نفرق بين الموظفين الذين امتثلوا لأوامر ولم يجنوا فوائد شخصية من التجاوزات وأولئك الذين اغتنموا فرصة الاوامر ونظام التوظيف واستغلوه لفائدتهم الشخصية وان نفرق بين رجال الاعمال الحقيقيين الذين استثمروا وخلقوا ثروات ومواطن شغل حتى لو انتفعوا بقربهم من السلطة في وقت معين وأولئك الذين لا يمتون الى المبادرة الاقتصادية بأية صلة وكل ما بنوه كان نتيجة الريع والاستغلال.
ما حكاية إدراج التعامل بالصكوك الاسلامية وما تأثير ذلك على الاقتصاد الوطني؟
- الصكوك الاسلامية هي مقابل السندات المالية في الاسواق التقليدية. وهي أسلمة السندات التقليدية .هي صيغة تم استنباطها لتمكن البنوك الاسلامية من تمويل الحكومات مع العلم ان المالية الاسلامية تتكئ على عمليات حقيقية فعوض ان يمول البنك الاسلامي شراء بيت عن طريق قرض فهو يموله عن طريق عملية مرابحة أي أنّه شكليا يشتري البيت من البنك عوضا عن الحريف ويبيعه لهذا الاخير بالتقسيط على مدة معينة وبربح متفق فيه. بالنسبة لتمويل ميزانيات الدول لا توجد عمليات حقيقية فتم استنباط هذه الصيغة لإيجاد أصول ويقع تركيب إسلامي يفضي الى الصكوك. مثلا تونس تقرر بيع ملعب رادس على الورق لبنوك اسلامية تقوم بسندات كل ورقة تمثل حصة ملكية من الملعب - جزء نظري من ملكية الملعب - وتعطيها حصصا تسمى سندات وكأنّها تملك مجموع الحصص في الملعب وتحدد سعر الملعب مليار مثلا ثم شكليا تقوم بكراء الملعب على عشر سنوات بسعر معين هذا السعر لو كان امام البنك التقليدي يصبح استرجاع الاصل مع جزء من الفائدة لكننا هنا امام تأجير ينتهي بالتمليك.
هناك من يعتبر الشركات المصدرة والمعفية من الجباية هي المصدر الأساسي لتفشي التجارة الموازية والتهرب الجبائي والمالي في بلادنا فضلا عن كونها لا تساهم في تمويل ميزانية الدولة... ما رأيك؟
- مصدر التجارة الموازية أساسا هو التهريب عن طريق الموانئ والحدود الترابية وتحتاج الى شبكات منظمة وأموال طائلة ولا أتصور ان هذه الشركات المصدرة مصدر للتجارة الموازية . فاغلبها شركات ميدانها الكهرباء والميكانيك وتشتغل لقطاعات السيارات والطيران في اوروبا والمواد التي تصنعها لا تستهلك في السوق التونسية.
عديد من المحللين السياسيين يتحدثون عن تدخل «لازار» في العديد من القطاعات الاخرى ممّا يوحي بأنّنا فقدنا السيادة الوطنيّة؟
- إعداد المخطط مسألة سيادية... هو استنباط مستقبل هذه البلاد ومستقبل أبنائها لا يمكن أن يُعهد به لا من الناحية العملية ولا من الناحية السياسية إلى مؤسّسة خارجية. ملاحظة ثانية في نطاق المال والاعمال بنك «لازار» لديه خبرة أقلّ في إعداد المخططات وهناك أطراف أخرى لديها كفاءات في ميدان التنمية. لكن من غير المعقول أن نعهد لأطراف أخرى إعداد مخطط يمكن ان نتشاور... يمكن أن نستأنس لكن لا يمكن أن نعهد لطرف أجنبيّ بنحت مستقبل البلاد.
هل يمكن أن تؤثّر أزمة «نداء تونس» سلبا على الوضع الاقتصادي ؟
- الازمة تعطي رسالة غير مطمئنة على كفاءة الطبقة السياسية وعلى وضعها. الصالح العام فوق كل اعتبار.
لو طلب منك أن تقيّم أداء رؤساء الحكومات عقب الثورة... ماذا تقول؟
- إلى حد الآن كنا في مراحل انتقالية وهذه الوضعية لم تُمكّن الحكومات المتداولة من اتخاذ قرارات جريئة واصلاحات هيكلية تحتاجها البلاد وعالجت في اكثر الحالات الشأن السياسي دون النفاذ الى الشأنيْن الاقتصادي والاجتماعي. بينما أهم أسباب الثورة اقتصادية واجتماعية. وأنا اعتدت أن أقول أن الحكومات المتداولة رمت ب«البطاطا الساخنة» من حكومة الى حكومة. كنا نتصور أنه بعد انتخابات السنة الفارطة ستكون لنا حكومة مؤقتة تهتم بالإصلاحات الهيكلية والجوهرية لكن نظرا لما افضى اليه النظام السياسي في الدستور ونتائج الانتخابات لم تكن هناك أغلبية واضحة قائمة على برنامج جلي جريء وطموح بل تم تكوين ائتلاف قائم على معادلات حسابية انعدمت فيها الرؤية الاستشرافية والوضوح التوجهي. والغريب في الامر ان الشخصية السياسية الوحيدة التي تتحدث اليوم عن وجوب اعتماد إصلاحات هيكلية وجوهرية لا ملاذ لنا منها وستكون مؤلمة وموجعة هو «رئيس الجمهورية» بالرغم من ان الدستور لم يعطه صلاحيات ادارة الشأن الاقتصادي لكن لم نر الى الان توجها حكوميا نحو هذه الاصلاحات مع العلم ان كل تأخير في اعتمادها سيجعلها أشد إيلاما.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.