٭ التونسية (تونس) هو واحد من أبرز شعرائنا الغنائيين، ظهرت أعماله منذ ثمانينات القرن المنقضي، ولم يكفّ نبضه عن الغناء ولم يجف حبره من الكلمات، كثير الابتسامات رغم الأوجاع، ومحب للحياة ولمن يحب الحياة، وقد حققت قصائده الملحنة نجاحات كبرى، ويكفي أن نذكر منها «ريدي رفيق العمر» و«أنا عاشق يا مولاتي» و«آش لز رجلي للمداين زحمة» وغيرها من الأعمال الناجحة. ضيفنا في هذا العدد الشاعر الغنائي الجليدي العويني الذي استدرجناه وأحرجناه كما ينبغي في حوار نقرأ تفاصيله في المساحة التالية. ٭ أصعب الكلام بدايته... فكيف نبدأ هذا الحوار؟ نبدأ من حيث تشاء... وعموما أنا أشكرك لاهتمامك وسأسعى من جهتي إلى جعل هذا الحوار مهمّا و«انعمّل على أسئلتك»، وأعدك بأن تكون أجوبتي سليمة الصياغة لتمررها إلى الجريدة دون عناء إصلاح وهو ما لا تظفر به مع كثيرين في ساحتنا الفنيّة. ٭ وهل في ساحتنا الفنيّة شيء ترى أنه يستحق الذكر؟ الساحة الفنيّة والموسيقيّة الغنائيّة بالتحديد تحتاج كأي نشاط آخر للمراكمة وكثرة الإنتاج وفرص العرض، ونحن نشكو من قلّة الهياكل المنتجة والمنابر الباثة وضيق مجال العمل ومن منطلق تجربتي الخاصّة كصاحب مجموعة تضمّ عددا من المنشدين والعازفين ولها انتاجاتها أجد صعوبة في تسجيل هذه الأعمال ولا نقدم إلا عروضا قليلة خلال الفترة الصيفيّة في ظل غياب البرمجة الشتويّة ومن هذا المنطلق أقترح على وزارة الثقافة أن تضيف في مشروع الاصدارات بابا للعرض إلى جانب دعم التسجيل ولو بنفس الميزانية المرصودة، فأية جدوى من دعم أعمال تبقى سجينة العلب ولا تتاح لها فرصة العرض على مدى العام وفي كل دور الثقافة بالبلاد؟ ٭ على ذكر مجموعتك يقال إن الجليدي العويني ترك الشعر واتجه إلى التجارة فكيف تردّ على ذلك؟ لم أسمع هذه «التنبيرة» إلا منك... أنا لا أتاجر بالبضائع الصينيّة، وليس لي حانوتا في سوق المنصف باي... أنا أقدّم عروضا من تأليفي لإيصال ما أكتب إلى الناس، وأعتقد أنني قمت ببادرة ايجابية فقد فتحت للشعراء الغنائيين بابا يدخلون منه إلى الأركاح للوقوف بجانب كلماتهم. ٭ بماذا تفسّر شهرة أغانيك أكثر منك؟ لعلّ ذلك كان أحد دوافع تكوين مجموعة «لهجة» التي تقتصر على غناء الأغاني التي ألّفتها وتتم عروضها في حضوري ليربط الناس بيني وبين ما يعرفون من أغان، لا يعرفون لسبب أو لآخر أني مؤلفها، وعموما شهرة أغانيّ على حسابي لا تزعجني فالأب لا يقلقه أن يكون أبناؤه أشهر منه. ٭ أنت كاتب عام اتحاد الشعراء الشعبيين ومؤلفي الأغاني منذ سنوات، فماذا أضفت؟ لابد أن تضيف إلى «منذ سنوات» نعت «قليلة»، فأنا جئت إلى هذه الجمعيّة بعد جانفي 2011 باقتراح من الشاعر الراحل رضا الخويني والصديق الشاعر الطيب الهمامي على أساس تكوين هيئة مؤقتة جديدة بعد أن فقدت الهيئة القديمة عددا من أعضائها بسبب الوفاة أو الانسحاب، وكُلّفت بالكتابة العامة التي تقدّمت من خلالها بجملة من الاقتراحات والمبادرات منها تنظيم المهرجان الوطني للشعر الشعبي دورة 2011 في تونس العاصمة لأول مرة منذ عقود طويلة وإحياء وبعث فروع جهوية للاتحاد بكل من تطاوين ومدنين والقصرين والمنستير والمهدية والقيروان وقبلي وتوزر وقفصة والقيروان وصفاقس، وربطنا علاقات بالجمعيات المماثلة في المغرب والجزائر حيث حضرت تونس كضيف شرف في مهرجاني أزمور بالمغرب وقسنطينة بالجزائر، وقدمنا مقترحا لتنظيم مهرجان عربي لشعر اللهجة ارتأى وزير الثقافة المؤقت والسابق مهدي مبروك إهداءه إلى جهة أخرى لحل مشكل اعترضه، ولكن في غياب المنح والدعم اصبحت أنشطتنا قليلة وعجزنا عن توفير تكاليف مؤتمر يحضره كل المنخرطين (أكثر من خمس مائة منخرط)، وهو مؤتمر ضروري خاصة بعد وفاة رئيس الاتحاد المرحوم رضا الخويني. ٭ ألم تدعوكم أو تساعدكم وزيرة الثقافة الحاليّة؟ نحن نأمل ان تكون للدكتورة لطيفة لخضر نظرة شاملة وتدخلات عميقة في هذا المجال الذي يضم المئات من الناشطين فعلا بين شعراء شعبيين وغنائيين وقوّالة، فمنذ سنة 1996 تمّ إلغاء مصلحة الأدب الشعبي من إدارة الآداب وتم تقزيم المهرجان الوطني للشعر الشعبي إلى تظاهرة جهويّة سنويّة تبرمجها وتنجزها المندوبية الجهوية للثقافة والمحافظة على التراث بالقصرين في ظروف إقامة سيئة ودون زخم إعلامي بعد أن كان هذا المهرجان العريق (أسّس سنة 1963) يجول بين الولايات وبإشراف مباشر من الوزارة، ولذلك فإن الاتحاد كان ضحيّة هذا الاختيار في تهميش إبداعات ومبدعي اللهجة منذ أواسط التسعينات حيث غابت المنحة السنوية واحتجبت مجلة «المحفل» عن الصدور كما توقفت أنشطة أخرى عديدة لانعدام الإمكانيات، واستبشرنا خيرا بعد جانفي 2011 ولكن الأمر لم يكن يهمّ حكومات «الترويكا» والتكنوقراط متناسية أو جاهلة بأن شعر اللهجة أصدق تعبيرات المهجة. ٭ لو نعود إلى مسيرتك كيف تراها في المشهدين الشعري والغنائي؟ أنا بالأساس شاعر غنائي أقول في إحدى قصائدي «انحبْ انغنّي انحبْ... نقولْ في هالدّنيا عرض وطولْ... انحبْ انفوت حدود الصوت... وصوت الناس يعاود صوتي... اتّبّعني شوارع وبيوتْ... انحب نأجّل ساعة موتي... بكلمة منّك ولاّ منّي... انحبْ انغنّي»، واعتقد أني من جملة البارزين في هذا الباب وفي المقابل أخوض تجارب أخرى تبدو أقلّ إشعاعا. ففي ديواني «الأغاني المنسيّة» قدّمت نصوصا باللهجة وأخرى بالفصحى تمّ تحويل عدد منها إلى أغان رغم أني لم أطرحها لذلك الغرض، واعمل الآن على كتابة نصوص لهجة تخرج عن دائرة الشعبي التقليدي، وقد شاركت بهذه النصوص في مهرجانات عربية لشعر اللهجة ونالت بعض الاهتمام والإعجاب، والغاية المرجوّة باختزال هي إعطاء منحى آخر لشعر اللهجة في تونس يمكّن من التفات الآخرين إلى إبداعاتنا في هذا الجنس من الكتابة. ٭ درست ثمّ درست ثمّ درست فكانت الماجستير ثم ماذا بعد كل هذا؟ أنا من مواليد برج السلحفاة كل مسائلي تتمّ ببطء، نلت الباكالوريا في سن العشرين والإجازة في الأربعين والماجستير في الخمسين وأفكر في الدكتورا في الستين... الدراسة بالنسبة لي هواية وتحدّ لنفسي وتأجيل للشيخوخة ويبدو أني صدّقت معلمنا في السنة الثانية ابتدائي عندما طلب منّا في درس الخط أن نكتب على الكراس مقولة «اطلبوا العلم من المهد الى اللحد». ٭ وختامها شعر، فماذا تقول؟ «ما نحب حد يقولّي وفّيتْ لأنّ المدايح صالة القناعة وما نحب حد يقولّي ياليتْ لأن التمنّي يخسرك كم ساعة وما نحب حد يقولها ملّيتْ ما مَلْشِ سيزيف رغم أوجاعَه أصل الحيا شغل وعزيمة وصيت ومن غيرهم تبقى الحيا إشاعة»