التونسية (تونس) اعتبر الباحث في علم الإجتماع السياسي طارق الحاج محمد في دراسة أجراها حول تغير سلوك التونسيين بعد الثورة أن ارتفاع نسب زيارة عيادات الطب النفسي ومنسوب الجريمة والإدمان على المخدرات والمسكرات هي عرض جانبي من أعراض الاضطرابات النفسية التي يعاني منها التونسي اليوم. وتشير الدراسة إلى أن حجم المعاناة النفسية التي يعرفها التونسي تترجم حالة الضياع الشخصي والجماعي التي يعيش على وقعها طيف كبير من التونسيين. وأكد المختص في علم الإجتماع السياسي أن الثورات وحالات الانتقال الديمقراطي وما يرافقها من اضطرابات اجتماعية وأمنية عادة ما تمس بالثوابت القيمية والاجتماعية والحياتية قبل أن تؤسس لحقائق جديدة بعد أن تستقر الأمور وأن ذلك تقريبا ما حدث مع تونس والتونسيين في السنوات الأخيرة. وأفادت الدراسة التي وردت تحت عنوان «التونسي الكئيب» أن حجم الضغط النفسي والاجتماعي المسلط على الأفراد اخترق آخر وأهم حصن للتنشئة الاجتماعية السليمة والمتوازنة وهو مؤسسة العائلة وشمل جل الشرائح العمرية والاجتماعية وأن ذلك أدى إلى بروز ملامح التونسي المستنفر والمضطرب والقلق الذي ارتفع عنده منسوب العنف والعدوانية مما ولّد انفلاتا اجتماعيا منقطع النظير انطلاقا من الفضاء العام وصولا إلى الفضاء الخاص. مرحلة الإكتئاب العميق ووصف الباحث سلوك «التونسي الكئيب» بأنه سلوك يغلب عليه الطابع الانفعالي والعدواني، وفيه الكثير من الاندفاع والاستعراض والتكلف وأنه ناتج عن الخوف من الحاضر والمستقبل وغياب آفاق الحل والخلاص والرغبة في تفريغ شحنة كبيرة من الكبت والقهر المزمن زيادة على رغبة جماعية لإثبات الذات بموجب وبدون موجب.واعتبر الحاج محمد أن مجمل هذه السلوكات هي مظاهر لحالة من القلق والاكتئاب العميق الذي شمل الأفراد والجماعات أو ما عبّر عنها بحالة الضياع الاجتماعي التي يعيشها التونسي في ضل نخب سياسية متناحرة ومشهد إعلامي فيه الكثير من المضامين العدائية الى جانب عمليات إرهابية وغلاء في المعيشة. وتمثل مجمل العوامل الضاغطة على التونسي وعلى نفسيته حسب طارق الحاج محمد عناصر لبيئة عدائية لا يقدر الفرد على تحملها في أغلب الحالات معتبرا أن الشخص حين يكون ملاحقا بخيبات الماضي وآلامه، ومحاصرا بالإحساس بالعجز في الحاضر يفقد الأمل في المستقبل .ويفسر الباحث إقبال التونسيين المفرط على المشروبات الكحولية بأنه مؤشر لأزمة اجتماعية ونفسية جماعية وليس مؤشر لرخاء اقتصادي واجتماعي معتبرا أن استهلاك الكحول دليل على عمق الأزمة المزمنة القائمة التي يعيشها التونسيون والتي تمتد من الماضي لتعانق المستقبل. ولاحظ الحاج محمد أن صورة التونسي ابن الثورة الذي رأيناه في قمة عنفوانه باتت اليوم صورة مخالفة تماما بعد أن أصبحت صورة تعكس الضعف والقبح والهشاشة والإضطراب . فالتونسي اليوم وفق ما ورد في الدراسة «يأكل مع الذئب ويبكي مع الراعي» «ضيع الثوابت القديمة التي كانت تؤمن له الحد الأدنى من التوازن دون أن يؤسس بعد ثوابتا جديدة تمكنه من فهم حاضره والتطلع لمستقبله».