6 3 رصاصات في رأس قيادي صهيوني كان كارلوس وما يزال شخصية عالمية مثيرة للجدل ومحاطة بالألغاز والأسرار. في كتابه «كارلوس» يُلقي اسكندر شاهين مجموعة معلومات هامّة وأسرارا مثيرة وصورا نادرة تنشر لأوّل مرّة عن الابن الرّوحي ل«شي غيفارا». ومن المؤكّد أن ما يسرده الكتاب من وقائع واستنتاجات يفوق في أهميّته ودقّته ما ورد في كتب عربية وأنقليزية وفرنسية كان كارلوس محورها. «التونسية» تنشر على حلقات مقتطفات من الكتاب المذكور: وجهان التصقا في ذاكرة كارلوس كالوشم: سونيا أوريولا الكوبية التي كانت حبه الوحيد واختفت في دهاليز اجهزة الاستخبارات حيث لا مكان للعواطف الشخصية، وكانت قد ولدت له ابنة كما اخبرته في رسالة يتيمة هذه الابنة التي لم يعثر عليها، والوجه الآخر هو محمد بوضيا الذي كان كارلوس يعتبره الجزء المكمّل لشخصيته لقد كان الاثنان أي كارلوس وبوضيا أكثر من رفيقين وكان واحدهما يضحّي بنفسه لانقاذ الآخر اذا حكم الظرف. واذا كانت سونيا اوريولا «طلقة قاتلة وفي القلب» فإنّ سقوط بوضيا طعنة خنجر في الصدغ، كما قال كارلوس ذات مرة لأحد المقربين منه. اتصال مرمّز من بيروت تلقاه «جوني» أي كارلوس في لندن. لملم اوراقه على عجل واستقل اول طائرة إلى بيروت يحمل معه وجه بوضيا وذكريات لا ينساها.. احدى المضيفات ضاقت ذرعا بالمسافر الانيق الذي منذ اخذت الطائرة مسارها بعد الاقلاع وحتى موعد الهبوط .. كان يفرغ كؤوس «الوسكي دوبل» الواحد بعد الآخر . كان يشرب بوحشية إلى حد قالت له المضيفة بلطف : يا سيدي عليك ألا تنسى أن تحتفظ برجليك وعليك أن تحتفظ بقليل من التوازن أيضا فردّ كارلوس عليها بسخرية:«الأهم من كل ذلك انك تحتفظين بساقين رائعتين ويؤسفني أنه وقت عملك». حدجته المضيفة بنظره سريعة دون تعليق على جوابه. كان كارلوس خزينا إلى حد أنه لم يتسطع ضبط عاطفته. مسح دمعة غادرة وشرب كأسه الاخيرة دفعة واحدة. لقد اقسم في نفسه أنه سيجعل من دم بوضيا بحيرة يغرق فيها اسرائيل والغرب. امضى كارلوس ليلتين في بيروت ، وفي 8 جويلية من ذلك العام أي 1973 أبلغ كارلوس بموعد الاجتماع الذي كان يشكل «محمية فلسطينية» كما يسميها كارلوس. طال اجتماع كارلوس مع وديع حداد، اجاب على كثير من الاسئلة وقدم تقريرا مفصلا عن نشاطه في العاصمة البريطانية وعن تعاونه مع بوضيا وكان تقريره على نسختين واحدة تسلمها والأخرى بقيت ارشيفه وتم الاتفاق على اجتماع آخر يبلغونه بموعده. غادر كارلوس حي الفاكهاني واتصل بصديق له وافاه إلى مطعم يلدزلار في الروشة تناولا العشاء سويا. أحس صديقه بأن ثمة اشياء تعكر صفو حياة كارلوس فسأله على حين غرة : هل هناك ما يزعجك، فأجاب بعد صمت طويل : لا شيء لا شيء هل استطيع قضاء الليل في منزلك فرد عليه بالطبع، بالطبع . وبات كارلوس ليلته في شقة في محيط بناية الاونيون. استيقظ متأخّرا تناول فنجان قهوة وعاد إلى الشقة التي وضعته تحت تصرّفه في الفاكهاني فوجد من ينتظره ليبلغه ان الاجتماع سيكون في نفس الوقت والمكان، ومجددا التقى حداد وأحد قياديي الجبهة الشعبية. بدأ الاجتماع بتقييم عمل خلية بوضيا واقترح حداد أن يبقى التكتيك على ما هو عليه ولكن من سيخلف بوضيا في قيادة الخلية؟ سؤال طرحه حداد واقترح الابقاء على التسلسل في الحلقات فيحل كارلوس مكان بوضيا ويبقى ميشال مكربل الحلقة الوسيطة فينقل تعليمات حداد إلى كارلوس وعلى الاخير القبض على مجمل التنظيمات بفولاذية والتنسيق بينهما وبين مختلف التنظيمات الثورية في الغرب. اعترض كارلوس مشككا في مكربل وقال: لا اتجانس معه وعملنا الدقيق يقتضي وجود مجموعة متجانسة، فرد حداد بلهجة يضيع فيها المزاج بالجد : مع العلم أنه ماركسي واضاف : لا عليك لقد ابلغني الشهيد بوضيا بشكوكه ومخاوفك من مكربل وقد تدارست الوضع مع القيادة. ثق به انه ثوري حقيقي ومناضل من الطراز الرفيع. وهنا باغت احد القياديين الذين حضر الاجتماع كارلوس بسؤال : هل تملك معلومات عن عملية اللد فتعجب كارلوس واجاب : ألم تتبّن الجبهة العملية ؟ انتهى ذلك الاجتماع وغادر كارلوس بصحبة صديق الى شقة في منطقة الحمراء ومنها إلى احد المطاعم ، ففوجئ كارلوس بصديقه الذي اعطاه مفتاح شقته في محيط بناية الاونيون ينتظرهما على العشاء . لقد كانت لفتة قام بها مرافق كارلوس وكانت جلسة العشاء تلك مزيجا من استراحة المحارب والعمل في آن. وكان كارلوس فخورا في قرارة نفسه لأنه لم يبد عليه الإحراج حين سئل عن عملية اللد. قضى كارلوس بضعة اشهر في بيروت بنتقل بين الفاكاهاني والجنوب والمخيمات الفلسطينية حتى وقعت حرب أكتوبر 1973 وكان القرار القاضي بالتحاق كارلوس بمهمّته الجديدة. زوده وديع حداد بمجموعة من التعليمات وبلائحة بأسماء كبار ممولي الحركة الصهيونية وكانت كلماته الاخيرة:«في أية عملية عليك أن تحمل مسدسين واحد مجهز بكاتم للصوت للاغتيال والثاني عادي للدفاع عن النفس في حال حدوث عرقلة ، القنبلة اليدوية انجع وسيلة لتعطية هروبك . صوب دائما في دائرة العينين والأنف واطلق ثلاث رصاصات». غادر كارلوس إلي لندن ليبدأ مهامه الجديدة كقائد لخلية بوضيا، أحس بأهمية مكانته لدى الجبهة الشعبية وما يعني ذلك من توافق بين عدة أجهزة استخباراتية للمعسكر الشرقي على قبول اسمه كخليفة لبوضيا. بعد اسبوع على وصوله عقد اجتماعا مع انطونيو بوفييه وماريا نيديا فوضعاه في اجواء العاصمة البرطانية التي لم تعد مريحة لأن اعين « الانتليجانسيا» اتسعت وبعد انتهاء الاجتماع غادرت ماريا نيديا فطلب كارلوس من بوفييه تأمين مسدس له. وصع كارلوس المسدس في جيبه وكان من طراز بيريتا عتيق وصدئ نظفه وانطلق إلى منزل جوزيف ادوارد سيف صاحب محلات مارك - اند سبانسر وهو الأخ الأصغر للورد سيف ووريثه السياسي وهو احد اهم ممولي ونافذي الحركة الصهيونية. اوقف كارلوس السيارة امام المنزل وقرع الباب. فتح له الخادم الذي بوغت برجل مثلم وقد وضع سكينا حادة حول عنقه وامره بقيادته لمقابلة اللورد. كان سيف في الحمام فتح كارلوس الباب واطلق ثلاث رصاصات على رأسه اصابته احداها في فمه وبسرعة فائقة غادر كارلوس المنزل وكان الخادم مغشيا عليه من الرعب ولكن سيف لم يمت لقد انقذه الاطباء على الرغم من اصابته القاتلة وكان في 20 ديسمبر 1973. نجاة سيف من الموت أغضبت كارلوس وتذكّر كلمات حداد الاخيرة فقال في نفسه : لقد كان على حق وفشلي هو نتيجة غروري وتسرّعي. طلب كارلوس من بوفييه تأمين العدة لأنه صمم على ألا يفشل ثانية والعدة وفق التعليمات : مسداسان كاتم وعاد ي وقنبلتان يدويتان .وامّن بوفييه الاسلحة بعد اسبوعين، ولكن سيف كان قد غادر لندن إلى جزيرة برمودا ولم يعد منها بعد ذلك. بعد محاولة اغتيال « سيف» ألقى كارلوس قنبلة على بنك« غابو أليم» وهو مصرف صهيوني وقد دمرت القنبلة جزاءا من الحائط بعدما انزلقت من امام موظف الصندوق الذي نجا بأعجوبة وجرح بعض الموطفين. تركت عملية «غابو أليم» ضجة اعلامية واسعة واستطاع كارلوس المغادرة بأمان وكان يملك جهازا التقط عليه اتصالات البوليس البريطاني وهذا ما مكنّه من المرور وتحاشي الدوريات والحواجز وذلك في 22 نوفمبر 1974. بعد يوم من الحادثة غادر كارلوس لندن إلى باريس ومنها إلى بيروت حيث اطلع حداد على الوضع وعمل الخلية في باريس الذي يمر بصعوبات جمة لأن جهاز ال« د. اس . ت» يقوم بمراقبة الشاردة والواردة وما يخشى منه كارلوس أن الاشخاص اصحاب السحنات الغربية اصبحو هدفا تتعقبه المخاربات الفرنسي . وكان عليه الانتظار لفترة قبل ان يسافر إلى اروربا لمتابعة نشاطه وقد وصلته رسالة من لندن تعلمه بأن البوليس البريطاني عثر على مخبئه وفيه بعض الأوراق التي تفضح جزءا من عمله. بقي كارلوس في بيروت عدة اشهر كثف فيها اتصالاته ب« الجيش الاحمر الياباني » و«الخلايا الثورية» وغادر بجواز سفر مزوّر إلى باريس وذلك في افريل 1974.