24 «ابن آوى» يفاجئ الألمان بمعلومة سرّية عن صورايخ أمريكية جديدة كان كارلوس وما يزال شخصية عالمية مثيرة للجدل ومحاطة بالألغاز والأسرار. في كتابه «كارلوس» يُلقي اسكندر شاهين مجموعة معلومات هامّة وأسرارا مثيرة وصورا نادرة تنشر لأوّل مرّة عن الابن الرّوحي ل«شي غيفارا». ومن المؤكّد أن ما يسرده الكتاب من وقائع واستنتاجات يفوق في أهميته ودقّته ما ورد في كتب عربية وأنقليزية وفرنسية كان كارلوس محورها. «التونسية» تنشر على حلقات مقتطفات من الكتاب المذكور:سيدي الجنرال هناك أمر مريب معظم «العائلة» هنا. كان المتكلم على الهاتف العقيد لا جوس كوفاكس لقد وصلوا على دفعات وبجوازات سفر مزوّرة. استمع ريداي الى مخابرة كوفاكس وقال له: ماذا يقول أصدقاؤنا الفلسطينيون؟ رد كوفاكس: انني في انتظار جواب وكارلوس وصل البارحة كما أتوقع وبجواز سفر ديبلوماسي. إياك أن تغمض احدى عينيك واستعمل أذنيك جيدا أريد التفاصيل فأنت تعلم أن العجوز جانوس كادار لا ينسى وأغلق ريداي سماعة الهاتف. بدأ الليل يبعثر ألوانه في سماء بودابست، وفي ما الجنرال ريداي يتهيأ لمغادرة مكتبه وصل كوفاكس. كانت ملامحه تدل على أنه يحمل أسرارا لا يستطيع اخفاءها أكثر فقال له ريداي: إسرع بما عندك فأنا مدعوّ على العشاء، ووقف ينظم هندامه. أصدقاؤنا الفلسطينيون يتوقعون وصول احدى مجموعات كارلوس وغالبيتها من النساء اضافة الى التحاق «الأرمني» بهذه المجموعة ربما جاؤوا للاستعداد للمشاركة في استقبال مستشار ألمانيا الغربية هيلموت شميث، وأنهم لم يستطيعوا حتى الآن معرفة مكان كارلوس، فإما أن يكون هنا وباسم آخر، وإما أنّه لا يزال في النمسا ليقبض مبلغ نصف مليون دولار فرضها مع هاغوب هاغوبيان قائد الجيش السري الأرمني على تاجر نمساوي ثري جدا ومن أصل أرمني. وقد أغتيل هاغوبيان في أثينا عام 1988. كان ذلك في منتصف أوت 1979 ولم يطل الوقت. ففي تلك الليلة أبلغ الجنرال ريداي بوجود كارلوس في فندق «انتركونتيننتال» فطلب من أمن الفنادق السهر جيدا «على راحته». في أواخر أوت 1979 أبلغ كادار وزير الداخلية بالعمل على اخراج كارلوس وجماعته مؤقتا من المجر إلى حين انقضاء زيارة هيلموت شميت وبطريقة ودية لأنه لا يريد أن يربح عدوا خصوصا ان مشكلتهم مع الرئيس نيكولاي تشاوسيسكو لم تأخذ طريق الحلّ بشأن الأقلية المجرية في ترانسلفانيا. وأضاف كادار: على الرغم من عدم وجود تأكيدات حول نوايا كارلوس حيال شميت فإن السلطات الألمانية الغربية أبلغت سفارتنا في بون أنها على معرفة بوجود كارلوس في فندق «أنتركونتيننتال» ويجب اخراجه أي كارلوس وبشكل ودي. توجه العقيد كوفاكس الى فندق «أنتركونتيننتال« برفقة ضابط آخر ومترجم شاهدهم ستيف الذي كان يجلس في بهو الفندق ومعه زجاجة ويسكي. أدرك ستيف أن الأمور ستبلغ الأسوأ خصوصا وأن كارلوس لن يتقبل أية شروط ومن أية سلطة. توجه كوفاكس نحو ستيف الذي كان يدفع كأسه بيده اليسرى ويتحسس مسدسه باليمنى وقال لكوفاكس: «نعم ماذا تريد؟» وتولّى المترجم المرافق نقل الرسالة: جئنا لمقابلة كارلوس، وقف ستيف وقد استمهلهم واتصل هاتفيا بغرفة كارلوس مبلغا إياه الأمر وعاد ليقول لكوفاكس: لقد وافق القائد على استقبالك وصعد معهم الى غرفة كارلوس.لم يكد كوفاكس يبلغ كارلوس برغبة سلطات المجر في رحيله الفوري حتى ضرب ايليتش الطاولة بيده، وقال مهددا: قل لرئيسك ريداي أنا لا أحب المزاح وليأت بنفسه ويخرجني من هنا، وشهر مسدسه بسرعة أعادت الى ذاكرة كوفاكس حادثة شارع توييه في فرنسا. تلعثم المترجم وهو ينقل كلام كوفاكس: أيها الرفيق ايليتش إنه قرار الرفيق كادار الذي يكنّ لكم كل الود ولا علاقة للمخابرات المجرية بهذه القضية. ردّ كارلوس: لن أصدق ألاعيبكم، أريد اتصالا من وزير الداخلية وتفسيرا. بعد رحيل كوفاكس وقبيل منتصف ذلك الليل اتصل نائب وزير الداخلية المجري بكارلوس ناقلا اليه و«بمحبة» رغبة الرفيق «كادار» في خروجه المؤقت من المجر خصوصا ان المستشار شميت سيرافقه الكثيرون من عناصر جهاز الاستخبارات الألمانية الغربية ولا مصلحة لهم في حصول أية حادثة على أراضيهم. اقتنع كارلوس على مضض وغادر بودابست الى برلين، في ما غادر عناصر تنظيمه الى بعض عواصم أوروبا الشرقية في نهاية أوت. في 4 سبتمبر 1979 وصل المستشار الألماني هيلموت شميت الى بودابست ولقي استقبالا حاشدا وضيافة مميزة من جانب كادار الذي كان مكلفا من قبل الرئيس السوفياتي آنذاك «بريجنيف» بالقيام بدور الوسيط لفتح نافذة الحوار بين المعسكر الشرقي والغرب تمهيدا للخطوة الأولى في مسيرة انهاء الحرب الباردة. وصل كارلوس الى برلين رفقة ماغدالينا كوب وستيف ونزلوا جميعا في فندق «ستارت» ولم يكن لدى جهاز ستازي في تلك الفترة أية معلومات حول تحركات كارلوس وتنظيمه وكانت زيارة شميت الى بودابست هي الخطوة الأولى التي دفعت بجهاز ستازي الى الطلب من جميع أجهزة دول المعسكر الشرقي تزويدها بكافة المعلومات حول هذا التنظيم الذي أدرجوه في ملفاتهم تحت اسم «غروب سبارات». بعد عدة أيام من وصول كارلوس الى برلين أجرى اتصالا لمقابلة العقيد داهل رئيس الإدارة العامة للجهاز. وكان الألمان الشرقيون متحمسون لالقاء كاشفات الأضواء على شخصية «ابن آوى» وكان ظن العقيد داهل أن طلب هذه المقابلة لعرض المضايقات التي يتعرض لها تنظيم كارلوس في أوربا الشرقية. صافح داهل كارلوس، ورفيقه ستيف معلنا أن وقته لا يتسع لأكثر من نصف ساعة للاستماع الى مطالب «الرفيقين» وأردف بطريقة تختلط فيها الكبرياء بتصنع التواضع «لأن المهمات الملقاة على كاهلي ليست بالأمر البسيط». قال كارلوس: لم نطلب مقابلتك أيها الرفيق لعرض ما نعانيه من مشاكل في أوربا الشرقية فنحن قادرون على حلها، رد داهل بكثير من العجرفة: اذا ماذا تريد؟ أجاب كارلوس ببرودة مكابرة: جئت فقط لأبلغك بأن الولاياتالمتحدةالأمريكية تستعد لإطلاق مشروع لتطوير شبكة الصواريخ العابرة للقارات لديها وتزويدها برؤوس نيتروجينية لكي تضع الاتحاد السوفياتي أمام التحدي الكبير لما يكلف هذا المشروع من أرصدة مالية لا طاقة له عليها. إن هدف المشروع الأميركي ارهاق الاقتصاد في المعسكر الاشتراكي الذي سينهار حتما. كاد العقيد داهل يبلع لسانه دهشة لدقة التقرير الذي رفعه كارلوس وحاول عبثا اخفاء هذه الدهشة لأن أمرا كهذا يجب ألا يخفى على ضابط يحتل موقعا مماثلا في جهاز الاستخبارات. وختم بالقول: أنت على حق في ما يتعلق بالأمبرياليين ونواياهم ولكن ذلك لن يؤثر على مناعة المعسكر الاشتراكي. وأضاف داهل: علمت أنكم سترسخون قاعدة عندنا ونحن سندعمكم بكل قوانا شرط ألا تستخدموا أراضينا في عمليات ضد ألمانيا الغربية لأننا نعتبرها جزءا من أراضينا. غادر كارلوس الاجتماع مصدوما، أخرج من بودابست إكراما لشميت وفي برلين يضعون الأمن والاستقرار الألمانيين الغربيين في سلم أولوياتهم. ترى أي معسكر اشتراكي هذا؟ تساءل في نفسه. عاد كارلوس الى بودابيت في أكتوبر من ذلك العام ليجد الكثير من الحفاوة من السلطات المجرية. وقد عرف في ما بعد أن المخابرات المجرية كانت قد أرسلت الى جهاز ال كي.جي . بي تقريرا مفصّلا عن تحركاته قبل زيارة شميت طالبة من الرافق السوفياتيين وضعهم في صورة لغز ابن آوى وقد أبلغهم السوفيات الرد بعد زيارة شميت. انهم لا يعرفون حقيقة كارلوس وليس لديهم ملف عنه سوى أنه طرد من جامعة لومومبا في موسكو وفي نهاية البرقية وضع السوفيات ملاحظة تقول: المجر دولة مستقلة وعلى درجة عالية من النضوج السياسي، وعليها أن تتصرف وفق مصالحها. توقف المجريون كثيرا أمام هذه الملاحظة متسائلين: ماذا يريد كارلوس وأية قوة خفية تقف وراءه؟