29 - 6 محامين للدّفاع عن «ابن آوى» كان كارلوس ومازال شخصية عالمية مثيرة للجدل ومحاطة بالألغاز والأسرار. في كتابه «كارلوس» يُلقي اسكندر شاهين مجموعة معلومات هامّة وأسرارا مثيرة وصورا نادرة تنشر لأوّل مرّة عن الابن الرّوحي ل «شي غيفارا». ومن المؤكد أن ما يسرده الكتاب من وقائع واستنتاجات يفوق في أهميّته ودقته ما ورد في كتب عربية وأنقليزية وفرنسية كان كارلوس محورها. «التونسية» تنشر على حلقات مقتطفات من الكتاب المذكور: هناك قول مشهور لزعيم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الدكتور جورج حبش يوم سئل عن كارلوس فأجاب: ولد كارلوس ثائرا وإذا انكفأ في بعض الأحيان فغالبا ما يترك أمثاله من الرجال بصمة قوية يولد في أثرها التغيير. لقد كان الدكتور حبش على حق فكارلوس الذي ملأ العالم صخبا في أيام الحرب الباردة من خلال قبضته المدوية في عمليات دخلت التاريخ بلا شك وانتهى مخدرا بعد صفقة باسكوا الترابي في سجن «لاسنتيه» الباريسي وفي الغرفة التي تحمل الرقم 258187ب سيترك بصمة قوية خلال جلسات محاكمته في محكمة الجنايات بتهمة قتل عميلين من جهاز مكافحة الإرهاب في عام 1975 خصوصا إذا ما قرّر هدم الهيكل على من فيه وعلى طريقة «عليّ وعلى أصدقائي وأعدائي». وكان كارلوس قد استجوب أمام المحكمة الإدارية في باريس بتهمة تحقير حارس سجنه ونعته ب«الثور الوحشي». وتعود هذه الحادثة إلى 7 أكتوبر 1996. كان إيليتش راميريز سانشيز يستقبل محاميته دومينيك لارانيو لتسليمها رسالة ما، على أن تمر بنائب مدير السجن كما يقضي القانون. نادى الحارس لأجل ذلك ولكنه رفض تسلم الرسالة لمخالفتها مذكرة من وزارة العدل صادرة بهذا الخصوص. بعد ثلاثة أيّام على هذه الحادثة استدعي كارلوس للمثول أمام اللجنة التأديبية لسجن لاسنتيه والتي حكمت عليه بعشرة أيّام في السجن التأديبي مع وقف التنفيذ. من جهته رد كارلوس: بأن الحارس كان فظا عندما طرق نافذة الردهة ليعلن انتهاء المقابلة بينه وبين محاميته متجاهلا أصول اللياقة ومظهرا شيئا من العداء للمحامية لارانيو. على إثر تلك الحادثة قدم أحد المحامين المكلفّين بالدفاع عن كارلوس عريضة لإلغاء الحكم وذلك لأنّ الإجراءات التأديبية في السجن أصبحت منذ سنة 1995 قابلة للنقض.
منذ وقوعه في قبضة جهاز مكافحة الإرهاب الفرنسي وكارلوس يقسم تصرفاته بين العدائية كما تشير هذه الحادثة وبين المزاح والسخرية من جهة أخرى فكثير ما يقوم بممازحة القاضي جان لوي بروغيير، ففي مستهل أحد اللقاءات بين الاثنين بادره كارلوس بالقول: كيف حال القاضي المدرع؟ مشيرا إلى أن بروغيير ينتقل بسيارة مصفحة فأجابه بروغيير: بخير وأنت؟ فرد كارلوس: لازالت أمامي سنوات طويلة لأعيشها. وغالبا ما يمازح كارلوس حراسه من الشرطة أثناء نقله إلى جلسات الاستجواب ويتحدث معهم عن نوعية الأسلحة التي يحملونها وقد سخر منهم في إحدى المرّات لدى تناوله الحديث عن عملية اختطافه بالقول: لقد غطّى رفاقكم وجهي أثناء نقلي من الخرطوم إلى باريس فإذا كان الهدف من ذلك إغماض عيني لعدم التعرف على الأشخاص فأنا أعرفهم من أصواتهم لأني رصدتهم في الخرطوم منذ فترة. ويختم ضاحكا، وهو يشير إلى أسلحة الحراس: نحن أيضا في لبنان لدينا بنادق «فاماس» إنها فعلا جيّدة. وقال متهكما لدى مرور بروغيير: إني أواجه محترفا من «عياري».
يشير بعض وكلاء كارلوس من مُحاميي الدفاع إلى أنّ هذا الأخير كان يقضي معظم الأحيان في الردّ على الصحف التي تتناوله في بعض المواضيع مصححا لها بعض المعلومات حتى أنه عندما كتبت إحدى الصحف الباريسية بأن والده تاجر غني ردّ عليها كارلوس بمقال تصحيحي أشار فيه أن والده محام يحمل دكتورا في القانون الجنائي الدولي. بالإضافة إلى قراءاته النهمة لم تفارق صورة زوجته الأخيرة لانا مخيلته خصوصا أنها آخر وجه حبيب إليه شاهده قبل أن يعتقل ويسلم إلى الفرنسيين ولكن ما كان يزيد في مرارته ويدفعه أحيانا إلى حدود الهستيريا أنه في السجن. يشعر أنه منكسر الجناح بعد أن كان يتفوّق على النسور تحليقا ومخالب. فالسجن بالنسبة إليه واقع قد يتأقلم معه الرجل الذي أدمن فنادق الدرجة الأولى وليالي العلب الحمراء والسهر الذي لا ينتهي ولكنه لا يستطيع أن يتقبل وجود زوجته في المجهول دون أن يعرف عنها شيئا وغالبا ما كان يضغط على أسنانه ويقول: لو بقي يوم واحد من حياتي سأقضيه في تعقّب آثار من ألحق الأذى ب«لانا» هذا إذا حصل مثل هذا الأمر. عندما التقاه محاميه جاك فيرجيس كان طلبه الأول والأخير منه القيام بالبحث عن زوجته لانا وقد قام فيرجيس باتصالات لم تسفر عن نتيجة وكذلك كان الأمر مع محاميه الآخر مراد الصديق والمحامية في مكتب الصديق مارتين فيغران وقد طلب منهما رعاية مصالح زوجته والتفتيش عنها وهذا نصّ الرسالة التي بعثها إليهما من سجنه: السيد مراد الصديق الآنسة مارتين فيغران 22 بولفار سان جرمان 75005 باريس هاتف: 46338553 / 43262811 فاكس٬ 46346327 باريس: 29 / 10 / 94 أرغب في أن أطلب منكما أن تتوليا مصالح (فرنسا والخارج) زوجتي (طبقا للتقاليد الإسلامية) السيدة لانا عبد السلام أدهم جرّار المولودة في عمان (الأردن) وهي من رعايا المملكة الأردنية الهاشمية. أودّ أن أتوجه إليكما بالشكر مسبقا من أجل جهودكما للعثور على لانا والدفاع عن مصالحها. تحيا الثورة. التوقيع: إيليتش راميريز سانشيز وقام بدوره المحامي مراد الصديق بتوجيه رسالة إلى أحد الأشخاص في الأردن تتعلق أيضا بالطلب إليه بالبحث عن لانا التي لم تظهر أثارها منذ عملية اعتقال كارلوس في 15 أوت 1994 وهذا نص الرسالة: سيدي العزيز: أنا مكلف بالدفاع عن مصالح السيد راميريز سانشيز، المعروف ب«كارلوس» من جانب الأستاذ فيرجيس Verges. أن السيد راميريز سانشيز عينني أيضا كمحام عن زوجته، السيدة لانا عبد السلام أدهم جرار، بموجب رسالة هذه نسخة عنها. أن موكلي يتمنّي الحصول على أخبار تتعلق بزوجته. أنا أعلم أن زميلي، الأستاذ فيرجيس، قد اتصل بكم، لكن النتيجة لم تكن مثمرة. أسمح لنفسي بأن أتّصل بكم في خلال بضعة أيّام، راجيا منكم أن تقبلوا، سيدي، فائق الاحترام. التوقيع: مراد الصديق
والسؤال المطروح أين هي زوجة كارلوس لانا عبد السلام أدهم جرار ولماذا لا تزال في الظل مع العلم أنّها غير معرضة لأيّة تهمة تلحق بحقها فقد تزوّجت كارلوس في فترة تقاعده القسري عن خوض غمار معارك النضال الأممي بعد سقوط المعسكر الشرقي وانهيار القلعة السوفياتية.
وبلا شك ستكون جلسات محاكمة كارلوس إحدى أهمّ القضايا في التاريخ المعاصر وأكثرها ألقا لما قد يحدث خلالها من مفاجآت خصوصا إذا قرّر كارلوس الإفراج عن بعض الأسرار التي تطال الغربيين وأجهزة المخابرات في معظم دول العالم وقد يطغى عليها طابع المبارزة وإثبات الوجود خصوصا أنّ المحامي فيرجيس الذي وصفته إحدى وثائق «ستازي» بأنه مساعد الإرهاب قد يفجر قذائف من العيار الثقيل وقد هدّد سابقا بإفشاء اتصالات الحكم الاشتراكي الفرنسي ومفاوضاته مع كل الإرهابيين في العالم إذا ما قدّمت فرنسا كارلوس إلى المحاكمة وإذا حصل الأمر فسيكون عندئذ مضطرا إلى الكلام خصوصا كما أضاف فيرجيس أن الحملة المعادية لكارلوس جعلته في وضع من صدر الحكم بحقه على أساس أنه مذنب في الوقت الذي لم يقم فيه أيّ دليل على الأقل بالنسبة لأكثر من تهمة موجهة إليه. وقد علق كارلوس على صراع فيرجيس مع السلطة ساخرا بالقول: لقد بدأت أشعر بالقلق حيال مدى ما سينسب إليّ من التورّط في قضيّة فيرجيس. ويبدو أن فيرجيس كان يخبّئ الكثير من الكمائن التي قد تطيح برؤوس كثيرة، فلقد قال إبّان الحملة في فرنسا عليه: إذا وضعت في القفص أي في قفص الاتهام مع كارلوس فيمكنني التأكيد أنّني لن أظل ساكتا إنّني سأشترك في هذه القضية بأيّة صفة كانت محاميا أو متّهما وسوف أصرح بالحقائق التي لا يعرفها أحد غيري.جلسات المحاكمة على الأبواب وعقد المحامين الذين كلفهم كارلوس بالدّفاع عنه قد اكتمل فبالإضافة إلى فيرجيس والصديق ولارانيو لقد وكّل كارلوس ثلاثة محامين جدد هم: إيزابيل كوتامبير ومحام فنزويلي ومحام لبناني واللافت في الأمر كما قال هذا الأخير أوراق الدعوى التي سيحاكم بها كارلوس والتي وصلته عبر الفاكس من باريس لا تحمل أيّة ورقة منها تهمة القتل بل جميع التهم المساقة ضد موكّله كارلوس تتراوح بين تزوير العملات واستعمال المزوّر وتزوير جوازات سفر واستعمالها أيضا فهل فعلا أنّ هذه التهم تشكل ملف كارلوس أم أنّ الفرنسيين أرسلوا إليه ملفا ناقصا وماذا وراء ذلك؟والسؤال الأخير: ما هي استراتيجية الدفاع التي يعتبر فيرجيس مهندسها ورأس الحربة فيها؟