في الرياض: وزير السياحة يجدّد التزام تونس بتطوير القطاع ودعم الابتكار السياحي    أستاذ يثير الإعجاب بدعوة تلاميذه للتمسك بالعلم    عاجل: الزّبدة مفقودة في تونس...الأسباب    صالون التقنيات الزراعية الحديثة والتكنولوجيات المائية من 12 الى 15 نوفمبر 2025 بالمعرض الدولي بقابس    سليانة: تقدم موسم البذر بنسبة 30 بالمائة في ما يتعلق بالحبوب و79 بالمائة في الأعلاف    عاجل: هبوط اضطراري لتسع طائرات بهذا المطار    ''واتساب'' يُطلق ميزة جديدة للتحكم بالرسائل الواردة من جهات مجهولة    عاجل/ طائرات حربية تشن غارات على خان يونس ورفح وغزة..    تنمرو عليه: تلميذ يفجر معهده ويتسبب في اصابة 96 من زملائه..ما القصة..؟!    31 قتيلا في أعمال عنف داخل سجن في الإكوادور    الأهلي بطل للسوبر المصري للمرة ال16 في تاريخه    كميات الأمطار المسجّلة خلال ال24 ساعة الماضية    الرابطة الثانية: برنامج مباريات الجولة التاسعة    نهاية موسم لاعب المنتخب الوطني    بطولة فرنسا: باريس سان جرمان يتغلب على ليون وينفرد بالصدارة    تصريحات مثيرة داخل النادي الإفريقي ...هذا شنوا صاير    بنزرت: وفاة توأم في حادث مرور    عاجل-التواريخ الهامة القادمة في تونس: ماذا ينتظرنا؟    فتح باب الترشح لمسابقة ''أفضل خباز في تونس 2025''    البرلمان يناقش اليوم ميزانية الداخلية والعدل والتربية والصناعة    ما خلصّتش الكراء... شنوّة الإجراءات الى يعملها صاحب الدّار ضدك ؟    عاجل: غلق 3 مطاعم بالقيروان...والسبب صادم    إنتر يتقدم نحو قمة البطولة الإيطالية بفوز واثق على لاتسيو    بطولة اسبايا : ثلاثية ليفاندوفسكي تقود برشلونة للفوز 4-2 على سيلتا فيغو    تونس: 60% من نوايا الاستثمار ماشية للجهات الداخلية    تأجيل محاكمة رئيس هلال الشابة توفيق المكشر    عاجل/ نشرة تحذيرية للرصد الجوي..وهذه التفاصيل..    عاجل: عودة الأمطار تدريجياً نحو تونس والجزائر بعد هذا التاريخ    حسين الرحيلي: حلول أزمة قابس ممكنة تقنياً لكن القرار سياسي    علاش فضل شاكر غايب في مهرجانات تونس الصيفية؟    أضواء الشوارع وعلاقتها بالاكتئاب الشتوي: دراسة تكشف الرابط    لن تتوقعها: مفاجأة عن مسكنات الصداع..!    دواء كثيرون يستخدمونه لتحسين النوم.. فهل يرتبط تناوله لفترات طويلة بزيادة خطر فشل القلب؟    أفضل 10 طرق طبيعية لتجاوز خمول فصل الخريف    شنيا الحاجات الي لازمك تعملهم بعد ال 40    أمطار صبحية متفرقة لكن.. الطقس في استقرار الأيام الجاية    زيلينسكي: لا نخاف أميركا.. وهذا ما جرى خلال لقائي مع ترامب    عاجل/ فاجعة تهز هذه المعتمدية..    محمد صبحي يتعرض لوعكة صحية مفاجئة ويُنقل للمستشفى    رواج لافت للمسلسلات المنتجة بالذكاء الاصطناعي في الصين    مجلس الشيوخ الأمريكي يصوت لصالح إنهاء الإغلاق الحكومي    الشرع أول رئيس سوري يزور البيت الأبيض    السينما التونسية حاضرة بفيلمين في الدورة التأسيسية للمهرجان الدولي للفيلم القصير بمدينة تيميمون الجزائرية    بنزرت ...مؤثرون وناشطون وروّاد أعمال .. وفد سياحي متعدّد الجنسيات... في بنزرت    حجز أكثر من 14 طنًا من المواد الغذائية الفاسدة خلال الأسبوع الأول من نوفمبر    توزر: العمل الفلاحي في الواحات.. مخاطر بالجملة في ظلّ غياب وسائل الحماية ومواصلة الاعتماد على العمل اليدوي    أيام قرطاج المسرحية 2025: تنظيم منتدى مسرحي دولي لمناقشة "الفنان المسرحي: زمنه وأعماله"    أمطار متفرقة ليل الأحد    رئيس الجمهورية: "ستكون تونس في كل شبر منها خضراء من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب"    رحيل رائد ''الإعجاز العلمي'' في القرآن الشيخ زغلول النجار    احتفاءً بالعيد الوطني للشجرة: حملة وطنية للتشجير وبرمجة غراسة 8 ملايين شتلة    ظافر العابدين في الشارقة للكتاب: يجب أن نحس بالآخرين وأن نكتب حكايات قادرة على تجاوز المحلية والظرفية لتحلق عاليا في أقصى بلدان العالم    عفاف الهمامي: كبار السن الذين يحافظون بانتظام على التعلمات يكتسبون قدرات ادراكية على المدى الطويل تقيهم من أمراض الخرف والزهايمر    طقس اليوم: أمطار غزيرة ببعض المناطق مع تساقط البرد    المسرح الوطني يحصد أغلب جوائز المهرجان الوطني للمسرح التونسي    أولا وأخيرا .. قصة الهدهد والبقر    من أعطي حظه من الرفق فقد أعطي حظّه من الخير    خطبة الجمعة ... مكانة الشجرة في الإسلام الشجرة الطيبة... كالكلمة الطيبة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عقوق الأبناء في عصر المخدّرات والإنترنات:هل تبرّر الأسباب الانفلاتات؟
نشر في التونسية يوم 07 - 03 - 2016


الدين: من أكبر الكبائر
يلقي بأمّه في القمامة إرضاء لزوجته !!
واحدة اتهمت والدها باغتصابها لأنه طلّق أمّها
القانون:صرامة
تحقيق: أسماء وهاجر
«مدوا الأكف وطأطئوا الهامات واركعوا في صلوات خاشعة وقولوا لتحيى الأم في عليائها» هكذا عبّر عن قداسة الأمومة وبر الوالدين «داروين» اكبر الفلاسفة الماديين باعتباره «الحب الذي لا يشيخ» والحب القديم المتجدد .لكن ككل قيمة نبيلة لسلطان الواقع أحكامه عليها وللوثة العقوق صولات وجولات طالت محراب هذه القداسة بعد أن اتسعت رقعته وأصبحنا نتحدث عن «فيزياء العقوق» في انتظار أن يحسم ذلك تسامح الوالدين وما فطرا عليه من حب لأبنائهما مصداقا لمقولة «قلبي على ابني انفطر وقلب ابني عليّ حجر». البعض في تشريحه لظاهرة العقوق يلقي بالمسؤولية على العولمة التي تآكلت بسببها عدة مفاهيم كنّا نخالها ثوابت مستقرة مثل برّ الوالدين وصلة الرحم. فأغلب القيم الإنسانية اليوم تسلعت وأصبحت مجرد تغريدة في «تويتر» أو تدوينة على جدار «الفايسبوك» أو إرسالية قصيرة. فيما يعتبر البعض الآخر أن العقوق هو ثمرة تراكمات من الأخطاء وان الوالدين ليسا ملائكة والأبناء ليسوا شياطين كما تكشفه العديد من الحالات في الواقع ,وان كان كل من القانون والقضاء والدين حاسما في هذه المسألة وهو إجماع استثنائي على أن العقوق كبيرة من الكبائر يجرّمها القانون والأخلاق.
«التونسية» خاضت غمار هذا الموضوع عبر شهادات لأمهات وآباء عاشوا جحيم عقوق أبنائهم وعبر قضايا عرضت على القضاء الى جانب رأي الدين وعلم الاجتماع والقانون في الظاهرة .
«عقوق صامت».. هكذا قالت لنا احدى الأمهات التي أكدت أنها كثيرا ما أصغت لأساطير جحود الأبناء وخاصة الذكور مشيرة الى أن والدتها كانت تذكرها وهي تستقبل ابنها البكر بكل سعادة وكأنها منحت تاج الوجود بما يقوله أهل زمان «الي من تالى النساء للدفا والي من تالى الرجال للعرا». ظنتها احدى أساطير الأولين الى أن عاشت كل تفاصيلها مؤكدة ان علاقتها بابنها بعد زواجه باهتة لا روح فيها ولا طعم لها. فهي مجرد آلة مطيعة تنظف وتنظم وتطبخ وتطيع وتربي أبناءه. هو لم يشتمها يوما ولم يعتد عليها بالعنف لكنه استثمر حبها له في مشروع خادمة أو بالتعبيرات الجديدة مديرة منزل برتبة أم. والأمومة بالنسبة له هي مجرد قوس في آخر احد من شهر ماي حيث يقدم لها قارورة عطر ثم يغلق القوس .فابنها لا يجالسها ولا يسمع أنينها ولا يقبلها ولا يجاملها في حين تراه يجتهد ويثابر من أجل ارضاء زوجته ووالدتها وكل عزيز عليها.كانت دائما توجه السؤال الحائر لنفسها لكنه دائما بلا جواب: «لم كل هذه القساوة؟» هي لا تواجهه بذلك ليس خوفا منه ولكن حتى تحفظ ماء وجهها ولا تهدر ما تبقى من كرامتها فقد تتهم بالغيرة من زوجة ابنها وقد تحرمها نعمة النظر الى وجهه وهي تجتر معاناة عقوق صامت لا تستحقه بعد أن أهدته كل حياتها ومع ذلك فمصابها يهون وهي تطلع يوميا على مآسي لعقوق أبناء تجرؤوا على طرد آبائهم وتعنيفهم ووضعوهم تحت عجلة الزمن وآخرون أخذتهم العزة بالإثم الى حد النيل الفاحش من قداسة هذه العلاقة.
تغدر بوالدها من أجل عشيقها !
هذه الحادثة كانت من أقسى وانذل صور العقوق حيث تجرّأت فتاة وفق ما جاء في قضية عرضت على المحاكم التونسية على اتهام والدها بأنه قام باغتصابها اثر عودته من العمل وقد تمسكت بذلك طيلة فترة التحقيق فأودع السجن وكاد أن يمر الى المحاكمة لولا شهادة بعض الشهود الذين أدلوا بحقيقة العلاقة التي تربطها بعشيقها الذي كان يعمل حارسا بأحد المصانع. ولولا ذلك لقبع الوالد الملكوم خلف القضبان. لكن ولئن انقلب السحر على الساحر وتم القبض على الفاعل الحقيقي فإن تداعيات الاتهام لم تمر دون آثار حيث مات الأب حسرة متأثرا بألم فضيحة الاتهام.
وفي قضية أخرى اتهمت أيضا فتاة والدها بالتحرش بها أثناء اصطحابها في آخر الأسبوع لجولة ذاكرة تفاصيل حساسة نتحفظ عن ذكرها وقد أكد والدها الذي تم إيقافه ثم أفرج عنه بعد أن فند تقرير الطبيب الشرعي مزاعمها ان الاتهام كان من باب الانتقام منه لأنه طلق والدتها. لكن تبقى هذه القضية على مرارتها اقل بشاعة من حالة هذه العجوز التسعينية وكأننا بها تحيلنا إلى المثل القائل بأن الشر ليس له قاع.
بمباركة منه تلقي بوالدته في القمامة ...
هي مأساة عجوز تسعينية أنهكها المرض والعجز وكانت تعيش في كفالة ابنها الذي التزم بالعناية بها لكن كان لزوجته وجهة نظر أخرى حيث اعتبرت ذلك عبئا لم يفرضه عليها عقد الزواج وفعلت كل ما يلزم من اجل إقناع زوجها بتسليم والدته لابنتها إي شقيقته ويبقي لنفسه فقط حق صرف جرايتها ولما أعلن عن رفضه ساومته بأبنائه وخيّرته بينها وبين والدته. وحتى يرضيها منحها حق التصرف حتى تخرج والدته من مسؤوليته فاستغلت عجزها وألقت بها ليلا في القمامة ثم أعلمت السلط الأمنية باختفائها وادعت أنها خرجت دون علمها وطلبت مساعدة العائلة في البحث عنها إلى أن كانت المفاجأة إذ انه أثناء قيام عون البلدية بعمله المعتاد المتمثل في رفع القمامة سمع أنين عجوز فأبلغ السلط الأمنية وتم نقل المتضررة إلى احد المستشفيات لتلقي الإسعافات اللازمة. وبحكم حالتها الصحية الحرجة احتفظ بها تحت العناية الطبية المركزة وعندما تعافت كشفت عن الحقيقة المرة فتم إيقاف ابنها الذي بارك تصرف زوجته والمتهمة الرئيسية –إي زوجته - غير ان الأم عفت عنهما وأسقطت كل تتبع في شأنهما رأفة بحالهما وحتى لا يضيع أبناؤهما .
لكن ابلغ مآسي العقوق تلك التي تسفر عن وفاة المعتدى عليه إذ نظرت المحاكم في عدة قضايا مشابهة، ففي إحدى القضايا عمد ابن إلى جش رأس والدته بمطرقة بعدما رفضت تمكينه من المال من اجل شراء المخدرات. وقد ثبت من الأبحاث أن المجني عليها تعرضت في السابق إلى اعتداءات مماثلة وتقدمت بشكايات ضدّ ابنها الاّ أنها كانت في كلّ مرّة تتراجع لأن مشاعر الأمومة تمنعها من أن تلقي بفلذة كبدها في السجن. وفي سياق متصل وفي واقعة تدمى لها القلوب عمد ابن مستغلا مرض والدته بالزهايمير وبعد أن ملت زوجته الاعتناء بها إلى نقلها على متن سيارته إلى مكان معزول وتركها هناك حتى يتخلص من عبئها إلى الأبد ارضاء لزوجته وقد عثر عليها مهملة وتم إيداعها بدار المسنين وكانت في حالة يرثى لها لا تعرف هويتها ليبقى السؤال الازلي والأصعب دائما وأبدا هو سر كل هذا الجحود: لماذا يقابل بعض الآباء والأمهات بكل هذه القسوة والجحود ؟
سبب العلّة
في تحليلهم لهذه الظاهرة يعتبر علماء الاجتماع انه مهما كان حجم الأمثلة فإنها تبقى استثناءات وانه لا يمكن تعميم العقوق وأنَّه من غير المنطقي أن نتحدث عن ظاهرة باعتبار أن الواقع يُشير إلى وجود حالات شاذة ظهرت على السطح عبر تسليط الضوء عليها من خلال قضايا مطروحة تناولتها وسائل الإعلام وأنها في النهاية لا تتعدّى كونها حالات فردية، إذ أنَّه في المقابل توجد حالات برّ كثيرة من أبناء تجاه آبائهم، وقد لا يُسلط الضوء عليها وحسب علماء الاجتماع فإن أسباب العقوق في مجتمعنا تعود إلى تأثير التغيرات الاجتماعية على البناء الأسري نتيجة الانفتاح على الثقافات المتعددة والتحوّلات الحضارية والاقتصادية، إلى جانب انتشار وسائل الاتصال الحديثة وتعاطي الأطفال مع الألعاب الالكترونية التي تحتوي على بعض الأفكار السلبية قد ينشأ عنه انفصام عن قيم المجتمع ، وكذلك تنوّع مصادر التربية والتوجيه، الأمر الذي أوجد خللاً في طبيعة العلاقة بين الوالدين وأبنائهم فضلا عن أنَّ نشوء العقوق يعود لضعف التنشئة الاجتماعية لدى الأسرة وهذه المشكلة تبدأ في مراحل مبكرة، وذلك حينما يتم الاعتماد على غير الوالدين في تربية ورعاية الأبناء نتيجة الانشغال بأمور الحياة تارة والتهرُّب من المسؤولية تارةً أخرى، الى جانب أن قلَّة مشاركة الأبناء في تحمل المسؤولية الأسرية وإعطائهم بعض الأدوار وتدريبهم على أدائها منذ الصغر تجعلهم يشعرون بعدم الاهتمام بالأسرة. كما أنَّه يتولَّد لديهم شعور بضعف الانتماء الأسري والجفاف العاطفي تجاه أفراد الأسرة بما فيهم الوالدين ومع طفرة الشباب ينشأ التمرد والخروج عن هذه القيم وتقع المواجهة ويتجلى بوضوح الخلل في التنشئة. وفي سياق متصل يؤكد علماء الاجتماع أن ظهور الأبوين بمظهر القدوة والنموذج الحسن في التعامل يُعدّ من الأمور المهمة في وقتنا الحاضر وأنه على الآباء والأمهات توعية أنفسهم بمراحل نمو أبنائهم واحتياجات ومتطلبات كل مرحلة والاقتراب منهم ومنحهم الثقة، باعتبار أن ربط الأبناء بمدارس ونماذج ايجابية جيدة هو من الأمور المهمة جداً، وأنه كلما كان ذلك في سنوات عمر الطفل الأولى كلَّما كان أفضل وأنه على الآباء إدراك أنَّ أبناءهم خُلقوا لزمن غير زمنهم، اضافة الى انه على مؤسسات المجتمع المعنية تعزيز هذا الجانب وبث روح القيم الأصيلة التي تضمن احترام الكبير وتوقيره وان القدرة والتنشئة السليمة هما السبيل الوحيد لكي يُخرج لنا جيلاً متزناً نفسياً.
أخطاء الآباء... والمخدرات جزء من المأساة
يعتبر علماء النفس أن من أسباب العقوق استخدام المواد المؤثرة عقلياً أو تعاطي المخدرات والمسكرات، حيث أنَّه قد يحدث خلالها نوبات عنف مفاجئة، إلى جانب أنَّ هناك من يعانون من اضطرابات نفسية وعصبية، كما يوجد عقوق ناتج عن عدم التوافق بين المراهقين بشكل خاص وبين أسرهم، وذلك نتيجة وجود بعض الأسباب النفسية والاجتماعية وضعف الوازع الديني، ، إلى جانب التفكك الأسري. كما أن غياب القدوة يعد من الأسباب الهامة التي قد تؤدي إلى انزلاق الطفل إلى العقوق ذلك انه يُولد لديه عندما يشاهد والده يعنف والدته أو يشتمها شعور بالنقمة وعدم احترام لوالديه. زيادة على ذلك فإن دخول التقنية الحديثة التي عزلت أفراد الأسرة عن بعضهم البعض، إضافةً إلى وجود رفقاء السوء والقنوات الفضائية والانترنت، كل هذه الأسباب جعلت البعض غير مبال بواجباته تجاه والديه لذلك على الوالدين متابعة أبنائهم متابعة دقيقة في مراحلهم العمرية كافة، والعمل على رصد سلوكاتهم وتحليلها تحليلا دقيقا وضرورة متابعة ردود أفعالهم نحو كل ما يحدث من أفعال تجاههم. وأشار علماء النفس في هذا الإطار إلى أهمية إيجاد صياغة للثواب والعقاب واستخدامها استخداما تدريجيا وفقا لأعمار الأبناء مع عدم استخدام العقاب البدني والحد من مشاهدتهم أفلام العنف التي تعرض على شاشات التليفزيون وتدريب الأطفال على ممارسة ردود أفعال غير عنيفة لتفريغ الشحنات السلبية التي تولدت لديهم نتيجة العنف الذي شاهدوه أو مورس عليهم. لذا فإن تعليم الأطفال سلوكات إيجابية تمكنهم من التحكم في موجبات الغضب والمشاعر السلبية من شأنها أن تحقق التوازن النفسي للطفل وتجنبه الوقوع في أتون الخطيئة في عصر كثرت فيه الملهيات والمشتتات لكن ومهما كانت المبررات ومهما تفاقم جدل الأسباب والمسببات في علم التشريح الاجتماعي والنفسي للظاهرة فإن الدين الاسلامي شرعا وشريعة وسنة يجمع على أن العقوق كبيرة الكبائر لا تبرر ولو بخطإ الاباء والأمهات.
إفك عظيم ومن أكبر الموبقات
اجمع كل فقهاء الدين على أن عقوق الوالدين من أكبر الكبائر في الإسلام. كما وردت عن النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - أحاديث تدلّ على تعجيل معاقبة من كان عاقّاً لوالديه في الدّنيا، وذلك كما في الحديث الذي رواه البخاري في التاريخ، والطبراني، وصحّحه الألباني مرفوعاً:«اثنان يعجّلهما الله في الدّنيا: البغي وعقوق الوالدين»، وورد عند الحاكم بسند صحيح مرفوعاً:«بابان معجّلان عقوبتهما في الدّنيا: البغي والعقوق»، وجاء عن قطيعة الرّحم في سنن أبي داود مرفوعاً:« مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ أَنْ يُعَجِّلَ اللَّهُ تَعَالَى لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا مَعَ مَا يَدَّخِرُ لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِثْلُ الْبَغْيِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ »، كما ورد عند الحاكم مرفوعاً:«كلّ الذّنوب يؤخّر الله منها ما شاء إلى يوم القيامة، إلا عقوق الوالدين فإنّ الله يعجّله لصاحبه في الحياة قبل الممات». وإنّ حقّ الوالدين على ولدهما لهو من اوكد الحقوق في الإسلام بعد حقّ الله عزّ وجلّ، ويكون ذلك من خلال طاعتهما، واحترامهما، وإكرامهما، والإنفاق عليهما حال حاجتهما، ورعايتهما إن كانا محتاجين إلى الرّعاية، وقد جاء حقّهما بعد حقّ الله عزّ وجلّ مباشرةً لأنّهما السّبب في وجود الإنسان بعد الله عزّ وجلّ، وقد بذلا نفسيهما لتربية ابنهما، ولقيا في ذلك التعب والمشقّة، فلذلك قال الله سبحانه وتعالى:«وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانا »، النساء/36، كما قال سبحانه وتعالى:« وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانا »، الإسراء/23. وحقّ الوالدين هو أمر يشعر به الإنسان عن طريق فطرته، ومن ذلك حقّ الأم التي تعبت في حمله، ورضاعه، وتربيته، وقاست في ذلك الكثير، قال الله سبحانه وتعالى:«وَوَصَّيْنَا الإنسان بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً»، الأحقاف/15، وقد جاء في الصّحيحين عن أبي هريرة : أنّ رجلاً جاء إلى النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - فقال:« يا رسول الله، من أحقّ النّاس بحسن صحابتي؟ قال: أمّك، قال: ثمّ من؟ قال: أمّك، قال:ثمّ من؟ قال: أمّك، قال: ثمّ من ؟ قال: أبوك». وقد شدّد النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - على كون عقوق الوالدين من أكبر الكبائر عند الله عزّ وجلّ، وجعل مرتبته تلي الشرّك بالله عزّ وجلّ مباشرةً، فقد ورد في الصّحيحين أنّ النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - قال:« ألا أُنبئنكم بأكبر الكبائر؟ ثلاثاً، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وكان متكئاً فجلس، فقال: ألا وقول الزّور وشهادة الزّور، فمازال يكرّرها حتّى قلنا: ليته سكت».
العقوق في القانون
القانون الوضعي بدوره لا يبتعد في أحكامه وروحه عما اقره الدين فالعقوق معاقب عليه وهو وان قبل إسقاط التتبع إذ اسقط السلف الأم أو الأب حقه إلا انه في حالات يبقى المبدأ هو التجريم ولو مع إسقاط الحق فكلما قسى عقوق الأبناء كان القانون صارما في شأنهم.
ويبدو من أول وهلة وبالاطلاع على النصوص الواردة بالمجلة الجزائية أن المشرع انتهج منحى التشدد في هذا النوع من الجرائم إذ نص الفصل 218 من المجلة الجزائية وإذا كان المعتدي خلفا للمعتدى عليه أو زوجا له يكون العقاب بالسجن مدة عامين وبخطية مالية قدرها ألفا دينار ويكون العقاب بالسجن مدة ثلاثة أعوام وبخطية قدرها ثلاثة آلاف دينار في صورة تقدم إضمار الفعل. وإسقاط السلف المعتدى عليه يوقف التتبعات أو المحاكمة أو تنفيذ العقاب والمحاولة موجبة للعقاب، غير أن العقوبة ترفع اذا تسبب عن أنواع العنف المقرّرة آنفا قطع عضو من البدن أو جزء منه أو انعدام النفع به أو تشويه بالوجه أو سقوط أو عجز مستمر ولم تتجاوز درجة السقوط أو العجز العشرين في المائة فالمجرم يعاقب بالسجن لمدة خمسة أعوام ويكون العقاب بالسجن مدة 6 اعوام إذا تجاوزت درجة السقوط أو العجز الناتج عن الاعتداءات المذكورة العشرين بالمائة ويرفع العقاب إلى 12سنة إذ كان المجرم خلفا للمعتدى عليه مهما كانت درجة السقوط ولو في صورة إسقاط الدعوى حسب ما ينص الفصل 219 من المجلة الجزائية .
ويستشف من خلال هذه الفصول أن المشرع شدّد في العقاب من ناحية إذا كان الجاني خلفا للمتضرر أي كان ابنا له أو حفيدا، ومن ناحية ثانية عند إضمار الفعل أي عندما تتوفر النية المسبقة في ارتكاب الاعتداء وذلك تطبيقا لمبادئ الأخلاق والسنة التي تدعو إلى البر بالوالدين واحترامهما في الكبر ورغم ذلك فإن أروقة المحاكم تشهد ارتفاعا مهولا في عدد قضايا العقوق، مما دفع القضاة إلى اعتماد الصرامة وعنصر التشديد في مثل هذه الملفات لكن المشرع وعيا منه بأهمية الحفاظ على الترابط الأسري مكن صلب الفصل 218 من المجلة الجزائية المتضرر من إسقاط حقه في أي طور من أطوار القضية سواء في مرحلة البحث أو حتى في مرحلة المحاكمة وحتى عند تنفيذ العقاب غير أن الإسقاط لا يسري إذا نجم عن الاعتداء سقوط أو عجز وذلك على معنى الفصل 219 من المجلة الجزائية. ويذكر أنه حسب إحصائية منشورة فإن عدد قضايا الاعتداء بالعنف الشديد من الخلف على السلف والتي تم الفصل فيها نهائيا على مستوى المحاكم الابتدائية بلغ 53 قضية في السنة القضائية 2011 2012 فيما كانت 24 قضية في 2012 2013 مع العلم أن هذه الأرقام لا تأخذ بعين الاعتبار القضايا التي تم سحبها بعد أن أسقط السلف دعواه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.