بعضهم متقاعدون حولهم قدرهم الى "خزانات خبرة مهملة" ;البعض الآخر منهم أعيته رحلة الخبز دون ان يظفر منها براتب محترم أثناء العمل ولا بجراية تقاعد في المستوى والبعض الأخير تجاهلته الحياة ونهشت جسده السنوات الطويلة وقدر له ان يكون عابرا فلم يحظ بعمل ولا بجراية ....هؤلاء التقوا جميعا ..مسنون ..منسيّون تناستهم البرامج الاجتماعية و التوجهات السياسية وبقي مستقبلهم مرهونا بجلسات قتل الوقت بلا فائدة. هذه هي الصورة التي استخلصتها "التونسية" عن وضعهم وذلك بعد رصد تجمعات المسنين في عدد من الأحياء الشعبية المتاخمة للعاصمة حيث تحلّق هؤلاء بعضهم يلعب "الخربقة " والبعض الآخر لعبة الورق في حين "تربّع " آخرون يتبادلون أطراف الحديث تجمعهم هموم الدنيا ومشاغلها التي لا تنتهي ..اختلفت آراؤهم حول بعض الأمور لكنهم اتفقوا جميعا حول أملهم في لفتة جادة إليهم كمسنين ومتقاعدين في إيجاد أماكن ترفيه خاصة بهم في الأحياء الشعبية ومختلف المدن تجنبهم "القعدات" المعفرة بالتراب . يقول العايش الخذري : تقاعدت منذ 2006 وها انا أداوم الجلوس في هذه "اللمّة " التي نفترش فيها الكران ونلعب فيها "الورق والخربقة " ولا حل ولا حيلة لي في غياب التهميش الذي نعاني منه سنوات ." ويشاطره الرأي بلقاسم الضاوي قائلا:" هذا هو الوضع الذي اصبحنا فيه بعد ان قطعنا أشواطاً طويلة في العمل، ... لقد كتبوا علينا نهاية أداء رسالتنا في الحياة عوض ان تتواصل بشكل جديد، ومن موقع جديد ." اما السيد علي الشلواطي متقاعد منذ 1997 فيقول: لقد لفظتنا المقاهي التي أصبح يرتادها الشباب والمراهقون ويتلفظون فيها بعبارات غير أخلاقية فلم يكم أمامنا غير زوايا وأركان ومساحات بيضاء تكون أحيانا قريبة من مصبات فضلات وفي مناظر غير حضارية بالمرة لكن اين المفر وهنا دور الحكومة القادمة في لفتة تعيد لنا اعتبارنا." وقد اجمعت الأغلبية على حاجة تلك المناطق للجمعيات والنوادي ومختلف الأنشطة الثقافية والترفيهية الأخرى التي من شأنها ان تُرجع أمثال هؤلاء الى حياة اضطروا لرهافة مشاعرهم ان يطردوا أنفسهم منها ,حيث يقول بشير الجويني :في غياب تلك النوادي افقدونا دورنا في هذا المجتمع وهمشونا وحولونا الى طبقة منسية لم تعد صالحة للمجتمع ." محمود الشابي ويقول:" خرجنا من معترك الحياة الى عالمنا الخاص وهو كما ترون عالم في قمة المهانة لكن لا بديل لدينا فقد حاولنا التغلب على الملل خاصة بعد مرورنا بأزمة كبيرة بعد ان وجدنا أنفسنا بلا نشاط ولا حركة ." واكد محمود الحباشي ان المتقاعدين والمسنين في تونس يعيشون واقعا مؤلما فلم تكفهم محنة أنهم فقدوا مكانتهم وقيمتهم في المجتمع هذه القيمة التي طالما استمدوها من عملهم ونشاطهم المهني بل زادهم تهميش المجتمع لهم إحساسا باليأس وهم يسعون لتخفيف الأمر بتلك اللمات العائلية التي يتقاسمون فيها هموم الحياة. وتساءل بشير الجميلي : اية حياة نعيشها واي احترام لنا في مجتمع يدعي تقدير كبير السن !؟ فكما ترون تحتضننا الجدران والمساحات البيضاء التي "استكثرت علينا" البلديات غراستها والعناية بها حتى نستمتع ونقضي فيها أوقات فراغنا المملة." وفي إطار حديثهم عن معاناتهم الاجتماعية برزت تشكيات من ضعف جرايات الشيخوخة التي باتت لا تكفي بعضهم لاقتناء الأدوية ومجابهة الأمراض التي أصابتهم معتبرين ان الأنظمة الاجتماعية ظلمتهم وهضمت حقوقهم .