الرابعة على التوالي: الدفاعات الجوية الإيرانية تدمر مقاتلة إسرائيلية من طراز إف 35    تجديد انتخاب ممثل تونس بالمجلس الاستشاري لاتفاقية حماية التراث الثقافي المغمور بالمياه لليونسكو    اتحاد الشغل يدعو النقابيين الليبيين الى التدخل لإطلاق سراح أفراد قافلة "الصمود"    نتنياهو: "إغتيال خامنئي سيُنهي الصراع".. #خبر_عاجل    عاجل/ وزير الخارجية يتلقّى إتّصالا من نظيره المصري    تونس تدعو إلى شراكة صحّية إفريقية قائمة على التمويل الذاتي والتصنيع المحلي    من تطاوين: وزير التربية يشرف على انطلاق مناظرة الدخول إلى المدارس الإعدادية النموذجية    نحو إحداث مرصد وطني لإزالة الكربون الصناعي    حالة الطقس هذه الليلة    "سيطرنا على سماء طهران".. نتنياهو يدعو سكان العاصمة الإيرانية للإخلاء    تظاهرة يوم الابواب المفتوحة بمعهد التكوين في مهن السياحة بجربة .. فرصة للتعريف ببرنامج التكوين للسنة التكوينية المقبلة وبمجالات التشغيل    تعيين التونسية مها الزاوي مديرة عامة للاتحاد الافريقي للرقبي    جندوبة: اجلاء نحو 30 ألف قنطار من الحبوب منذ انطلاق موسم الحصاد    عاجل/ إضراب جديد ب3 أيام في قطاع النقل    الشيوخ الباكستاني يصادق على "دعم إيران في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية"    "مذكّرات تُسهم في التعريف بتاريخ تونس منذ سنة 1684": إصدار جديد لمجمع بيت الحكمة    الدورة الأولى من مهرجان الأصالة والإبداع بالقلال من 18 الى 20 جوان    جندوبة: الادارة الجهوية للحماية المدنية تطلق برنامج العطلة الآمنة    عاجل/ هذا موقف وزارة العدل من مقترح توثيق الطلاق الرضائي لدى عدول الإشهاد..    الكأس الذهبية: المنتخب السعودي يتغلب على نظيره الهايتي    إجمالي رقم اعمال قطاع الاتصالات تراجع الى 325 مليون دينار في افريل 2025    في قضية ارتشاء وتدليس: تأجيل محاكمة الطيب راشد    منوبة: الاحتفاظ بمربيّي نحل بشبهة إضرام النار عمدا بغابة جبلية    القيروان: 2619 مترشحا ومترشحة يشرعون في اجتياز مناظرة "السيزيام" ب 15 مركزا    الكاف: فتح مركزين فرعيين بساقية سيدي يوسف وقلعة سنان لتجميع صابة الحبوب    كيف نختار الماء المعدني المناسب؟ خبيرة تونسية تكشف التفاصيل    منذ بداية السنة: تسجيل 187 حالة تسمّم غذائي جماعي في تونس    ابن أحمد السقا يتعرض لأزمة صحية مفاجئة    عاجل : عطلة رأس السنة الهجرية 2025 رسميًا للتونسيين (الموعد والتفاصيل)    كأس العالم للأندية: تشكيلة الترجي الرياضي في مواجهة فلامنغو البرازيلي    دورة المنستير للتنس: معز الشرقي يفوز على عزيز دوقاز ويحر اللقب    تأجيل محاكمة المحامية سنية الدهماني    الحماية المدنية: 536 تدخلا منها 189 لإطفاء حرائق خلال ال 24 ساعة الماضية    صاروخ إيراني يصيب مبنى السفارة الأمريكية في تل أبيب..    وفد من وزارة التربية العُمانية في تونس لانتداب مدرسين ومشرفين    خبر سارّ: تراجع حرارة الطقس مع عودة الامطار في هذا الموعد    10 سنوات سجناً لمروّجي مخدرات تورّطا في استهداف الوسط المدرسي بحلق الوادي    كأس العالم للأندية: برنامج مواجهات اليوم الإثنين 16 جوان    باريس سان جيرمان يقسو على أتليتيكو مدريد برباعية في كأس العالم للأندية    النادي الصفاقسي: الهيئة التسييرية تواصل المشوار .. والإدارة تعول على الجماهير    تعاون تونسي إيطالي لدعم جراحة قلب الأطفال    كأس المغرب 2023-2024: معين الشعباني يقود نهضة بركان الى الدور نصف النهائي    "صباح الخير يا تل أبيب"!.. الإعلام الإيراني يهلل لمشاهد الدمار بإسرائيل    صفاقس : الهيئة الجديدة ل"جمعية حرفيون بلا حدود تعتزم كسب رهان الحرف، وتثمين الحرف الجديدة والمعاصرة (رئيس الجمعية)    بعد ترميمه فيلم "كاميرا عربية" لفريد بوغدير يُعرض عالميا لأوّل مرّة في مهرجان "السينما المستعادة" ببولونيا    لطيفة العرفاوي تردّ على الشائعات بشأن ملابسات وفاة شقيقها    الإعلامية ريهام بن علية عبر ستوري على إنستغرام:''خوفي من الموت موش على خاطري على خاطر ولدي''    قابس: الاعلان عن جملة من الاجراءات لحماية الأبقار من مرض الجلد العقدي المعدي    باجة: سفرة تجارية ثانية تربط تونس بباجة بداية من الاثنين القادم    إطلاق خط جوي مباشر جديد بين مولدافيا وتونس    موسم واعد في الشمال الغربي: مؤشرات إيجابية ونمو ملحوظ في عدد الزوار    تحذير خطير: لماذا قد يكون الأرز المعاد تسخينه قاتلًا لصحتك؟    من قلب إنجلترا: نحلة تقتل مليارديرًا هنديًا وسط دهشة الحاضرين    المدير العام لمنظمة الصحة العالمية يؤكد دعم المنظمة لمقاربة الصحة الواحدة    قافلة الصمود فعل رمزي أربك الاحتلال وكشف هشاشة الأنظمة    خطبة الجمعة .. رأس الحكمة مخافة الله    ملف الأسبوع .. أحبُّ الناس إلى الله أنفعُهم للناس    طواف الوداع: وداعٌ مهيب للحجيج في ختام مناسك الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شيوخنا الحكماء: متقاعدون ينبضون خبرة وعطاء
نشر في الشروق يوم 01 - 10 - 2010

.. بياض يعلو الشعر... ونظّارات تصحح البصر الذي أرهقته السنون... سنين الدراسة والعلم والمعرفة.. والعمل...
يحمل ماضيه بين جنباته باتجاه مستقبل يُخيّل للبعض أنها من صنع الشباب فقط... انهم المتقاعدون من ذوي الكفاءات الذين مازالوا يحملون مشعل المستقبل... هم معلّمون وأساتذة وساسة منخرطون في الحركة الحزبية منذ عقود من الزمن... وموظّفون سامّون ومديرون بأعلى المراتب من كافة الاختصاصات... مختلفون في تكوينهم ونشأتهم، وفي زادهم الفكري والمعرفي... لا شيء يوحد بينهم الا سنوات التقاعد التي أخذت من طاقتهم الجسدية... لكنها لم تطل قدراتهم الفكرية ولا خبرتهم التي راكموها طوال عقود من الزمن.
حمل كل واحد منهم شبابه في صورة ميزها الاصفرار فهذا يتوسط كوكبة من التلاميذ بالصادقية وآخر تجاور بطاقة هويته الحاملة لتاريخ 1939 المملكة التونسية بطاقة التعريف الجديدة بفارق 71 عاما بين الصورة الأولى والثانية، فصارت جزءا من حاضرهم لا تفارق محافظهم ليذكروك ولو عن غير قصد أنهم كانوا في يوم ما في مثل سنّك.
كفاءاتنا التونسية المتقاعدة في سن 55 و60 عاما. أين هم اليوم من المجموعة الوطنية؟ وهل يمكن مواصلة مسيرة التنمية والتطور من دون تلك الخبرات التي سبقتنا في بناء الوطن؟
وهل يكفي السجل الوطني للكفاءات اليوم لجمع شتات تلك الكفاءات الوطنية من كبار السن ومن المتقاعدين الذين تطوعوا لتوظيف هذه الخبرات والكفاءات الفكرية والحرفية لفائدة المجموعة؟ وهل يمكن اخضاع صاحب الكفاءة «لعقد خبير» للاستفادة من تجربته دون المس من منظومة تشغيل الشباب؟
أسئلة كثيرة تطرح في مجتمع ستبلغ شريحة المسنين فيه نسبة 19.8 في المائة بحلول عام 2034.
يغادر فيه كفاءاتنا حياتهم العملية الى التقاعد في سن يرى فيه الكثير من المتقاعدين اليوم أنه سن للكهولة وليس للمسنين ما داموا قادرين على العطاء حتى لا تذهب تلك الخبرات أدراج الريح.
«مُت قاعدا»
... رغم العمليات الجراحية التي خضع لها.. الا انه بدا نشطا ومتحمّسا ناقدا سنواته العشر التي قضاها بعيدا عن مقاعد التدريس. ساسي الجربي.. معلّم سابقا قال عن نفسه انه «بطّال مترسم» ضاحكا مستهزئا ومستشهدا بمقولة الشاعر آدم فتحي «مُت قاعدا» مضيفا: «لماذا ننسى...خذوا من الشباب اندفاعه ومن الكهول جرأتهم ومن الشيوخ حكمتهم»... 38 سنة قضيتها في التعليم.. أمتلك من الخبرة الشيء الكثير وتكونت على يدي أجيال وأجيال... نعم انخرطت ضمن منظومة السجل الوطني للكفاءات وبنادي المتقاعدين والجمعية... لكن لماذا نتقاعد اداريا وفكريا... مازال بالامكان تقديم الافادة يمكننا كرجال تعليم المشاركة في لقاءات اصلاح التعليم وفي تكوين المعلّمين الشبان أنفسهم كما يمكننا تأطير مدرّسي تعليم الكبار... قد نتقاعد جسديا لكن فكرنا وخبرتنا لا تزال شابة... كيف يمكن ان تحدث القطيعة...تتقاعد الكفاءات لتفسح المجال للشبان... ولكن هناك حبلا خفيا وأسسا مضبوطة وجب دوما التقيد بها... لتتواصل المسيرة بنفس النسق... «مُتْ قاعدا» في سن الستّين... قد ينطبق علينا هذا القول حين نرى أنفسنا بين يوم وليلة مُبعدين تماما عن الحراك في الوطن.
التقاعد في سن الستين
قد لا تختلف رؤية التقاعد في الستين لكل من تحدثنا اليهم... حيث باتوا متفقين على نفس المبدإ متشبثين به «لماذا نُجبر معارفنا وأفكارنا وخبراتنا على التقاعد في سن الستين، تقول عنها السيدة منوبية قشعي معلمة متقاعدة منذ سنوات طويلة لجأت الى العمل التطوعي (الجمعية التونسية للمتقاعدين) إنها تحمل الكثير من تلك الحرفية، واختارت ان توظفها لفائدة المجموعة من خلال هذا النشاط، حيث يلتقون جميعهم بكل التناقضات التي تجمع بين المتعلّم وصاحب الحرفة والمثقف والاطار لغاية واحدة أن الكفاءة لا تتقاعد وأن الفكر الحقيقي يبقى نشيطا الى الوفاة».
الساسة لا يتقاعدون
بعض المتقاعدين من أهل الساسة لم يتقاعد من العمل السياسي بل واصل نشاطه وعمله بحيث عاد كل واحد منهم الى مهنته الأصلية تلك المهن الخاصة التي لا يخضعها القانون الى سن معين لا 55 عاما ولا الستين... حيث تكون هذه السن هي السن الحقيقي للعمل... محامون وأطباء وبعضهم خبراء ومستشارون قانونيون في حين تبقى بعض المهن الاولى رهينة العمل الحكومي او الخاص... لجأ البعض من ذوي الكفاءات لعرض خبراتهم على المحاضن المدرسية بغية تأطير تلك الكوادر الشابة لكن عرضهم قوبل بالرفض باعتبار عدم حصولهم على ترخيص من مصالح تفقدية الشغل لهذا العمل. هكذا علّقت مجموعة المتحدثين مع الشروق على الأمر من بينهم السيد منجي بن حسن المتقاعد من العمل الحكومي حيث استشهد باحدى الوقائع التي تطلبت جلب خبراء من الخارج كادت أن تكون تكلفتهم على المؤسسة تقارب 300 ألف دينار... لكنه فوجئ في ما بعد بجلب خبراء متقاعدين من ذوي الخبرة، قاموا بتأطيرهم مقابل تكاليف السفر والاقامة المريحة ببلادنا» وهو مثال طرح ولمَ لا يكون طريقا أخرى لهذه الخبرات والكفاءات التي حين تبلغ سن التقاعد في الستين تكون قد امتلكت زبدة النضج والخبرة».
الماضي هو المستقبل
نفس الموقف أخذه السيد علي العلوي وعبد العزيز لحمر معتبرين أن الكفاءات وفي تونس خاصة لا يمكن أن تأخذ بسن الستين في ظل تقدم مؤشر الحياة والمنظومة اليومية والحياتية للمواطن وأنه لا يمكن للماضي أن يمرّ الى المستقبل دون ذاك الحبل السري للحاضر.
يقول «فتحي بحر» لمَ لا يطالب المواطن صاحب الكفاءة بأن يكون لمدة عامين على الأقل بعد سن التقاعد القانوني فكريا على ذمة المشغل؟.. حتى لا تذهب تلك الخبرة من العمومي الى الخاص أو حتى الى الغير فبعض المهن لا يمكن للفكر فيها أن يتقاعد... والتقاعد منها يساوي الموت ليس الا.
شبابنا والارشيف
عبد العزيز صاحب الخبرة في العمل الاجتماعي وظّف سنوات خبرته في خدمة المتقاعدين والمسنين باعداد ملفات تقاعدهم ونقل ملفاتهم واعدادها بالتنسيق مع الادارة الجهوية للتأمين على المرض بباردو الا أنه اعتبر ما يقومون به غير كاف بالمرة معلقا: «لا يمكن مثلا للمريض الحصول على ملف طبي ثان دون العثور على الملف الاول... موظفو الارشيف مثلا من الشباب يحتاجون الى خبرات من سبقوهم ليتعلموا منها، فلم لا تمنح لنا هذه الفرصة... حين يبلغ الواحد منا سن الستين وحتى 55 عاما ينقطع كل حبل بين أجسادنا وأفكارنا بين يوم وليلة».
الالتزام بالفكر مدى الحياة
من حكم بالسجن 20 عاما قضى منها 3 سنوات أشغال شاقة الى حكم بالاعدام زمن الاستعمار عاش عزالدين الفوراتي (84 عاما) حياته في تلك الذكريات الجميلة في تاريخ الحركة الوطنية من تاريخ انضمامه وهو في أولى سنوات شبابه مع الحزب الحر الدستوري الذي اعتبره بمثابة عقد لا وجود فيه للطلاق.
الى خطته كمعتمد في ولاية سيدي بوزيد إبان تحرير الوطن والنشاط الكشفي وبناء الدولة واجتماعاته السرية بالشهيد المنجي سليم رحمه ا&، تاريخ حافل بالنشاط لم ينغلق فيه السيد عزالدين على نفسه، متقبلا عنوان المتقاعد لكن جسديا أما فكريا فاعتبر أن الاطار والمفكر وصاحب الكفاءة هو ملتزم مدى الحياة تجاه الوطن لتقديم تلك الخبرات واستغلالها لفائدة المجموعة والمهم هنا كيفية تمرير الرسالة والطريقة المعتمدة، وأن من واكبوا مسيرة الوطنية يمكنهم أن يكونوا ليس مؤطرين فحسب بل شاهدين على مرحلة مهمة من تاريخ تونس لتكون على ذمة طلبة معهد الحركة الوطنية لمَ لا؟
محدثونا استشهدوا بالكثير من الامثلة التي تؤكد ما يطمحون اليه... أمثلة أوروبية وغيرها... وإن نهلت السنون من أجسادهم الا أنهم بدوا نشطين مقبلين جدا على الحياة ختمها السيد الشاذلي الحسومي 78 عاما الصادقي سابقا والسياسي أيام الاستعمار الهارب من حكم الاعدام والاشغال الشاقة يحمل معه وثيقة عضو المقاومين بتونس المدينة كشهادة شرف من تلك الحقبة من الزمن التي ولدنا بعد أن دفع أجدادنا دماءهم الطاهرة ثمنا لحريتنا بالقول: «نحن متقاعدون نعم... لكن لا تنسوا يا شباب متقاعدون من العمل وليس من التفكير ومستقبلكم هو حاضرنا وماضينا لنكون ذاك الحبل المتسلسل للوطن»...
... كان يوما مليئا بالحركة والابتسامة والنقد والانتقاد والاندفاع اندفاع شباب الفكر وجرأة الخبرة وحكمة الشيوخ... تجمعوا في خصال واحدة عند كفاءاتنا المتقاعدة... لم يقطع فيها خلوتنا الا النشيد الوطني الذي صمت فيه الجميع عن الكلام معا ودفعة واحدة وهم مرفوعو الرؤوس... منشدين «حماة الحمى»... هذا فقط ما يجمعنا... حبّ الوطن ليس إلا...!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.