"اليوم14 جانفي 2012 نحتفل بذكرى أول ثورة شبابية نجحت في اسقاط نظام حكم لأول مرة في تاريخ الشعوب العربية" هكذا انطلق رشيد صفر في شهادته على منبر منتدى الذاكرة الوطنية مؤكدا على أن الوقت قد حان اليوم للعودة إلى استقراء تاريخ تونس قراءة جديدة دون تمجيد بل يجب أن نعود لنقد الذاكرة واعادة بناء ذاكرة جماعية نقية والكف عن التمجيد لان التاريخ اثبت أن شباب ثورة ديسمبر / جانفي 2011 كان الاشجع والاقدر على الاتيان بالتغيير، وان فترة الاستقلال الاولى لم تنجز للاسف وعود الحرية والكرامة. وهذا الجزم جعل رشيد صفر يؤكد على أن التاريخ اثبت نسبية انجازات دولة الاستقلال في مجالات الحرية والديمقراطية, وانه حان الوقت للعودة إلى قراءة موضوعية لتاريخ الدولة والاشخاص. وقال في نفس الإطار "لم تكن لي ولا لجيلي الجراة التي تحلّينا بها في شبابنا تحت جبروت المستعمر, رغم تنبئنا بالسير نحو الهاوية منذ احداث الحوض المنجمي سنة 2008 وكنت احد العاجزين حتى عن تخفيف وطاة هذا الجبروت. ثم عاد لتحية شباب الثورة بالقول "الشكر مجددا لشباب الثورة الذي نجح في ما فشلنا نحن فيه وشكرا للمؤسسة التي تعين الباحثين والمؤرخين على اعادة كتابة تاريخ تونس دون أي توظيف". ضرورة العودة لاستقراء تاريخنا دون تمجيد نفى رشيد صفر في بداية شهادته أن يكون احد دعاة بناة الدولة التونسية الحديثة وذكر بانه وبحكم صغر سنه اهتمامه بالدراسة لم يكن متفرغا للعمل السياسي قبل سنة 1956 وهذا ما جعله يعود للحديث عن والده الطاهر صفر في حيز هام من شهادته. واكد ذلك بالقول " مداخلتي اليوم هي محاولة لاستخلاص بعض الدروس والعبر من المحطات الهامة التي مرت بها بلادنا منذ الثلاثينات دون أن نغفل عن تقدير جهود عدد من زعمائنا ومناضلينا في صلب الحزب الذين قدموا الكثير في الفترات الصعبة." وذكر رشيد صفر في هذا الإطار بمحن الحزب الحر الدستوري سنوات 1934 و1938 ونوه بسيرة رموز الحزب ممن عرف عنهم تعففهم عن الحكم في اشارة ضمنية إلى كل من والده الطاهر صفر ومحمود الماطري اللذين اقدما على تقديم استقالتهما من الحزب عندما تأكدا من بداية هيمنة شخص الحبيب بورقيبة على الحزب. هفوات الحزب الحر الدستوري دعمت مسارا تراجيديا للديمقراطية وتساءل رشيد صفر "لماذا لم تتكرس ثقافة الدولة وحقوق الإنسان في تونس بعد 1956؟؟؟ و ذكر للإجابة أن "هناك عوامل عديدة كانت تؤكد سير بورقيبة نحو تجميع السلط وتكرس شعورا متناميا ب"الأنا" وتم الخلط بين الغاية والوسيلة وبقينا معتمدين على مبادئ مكيافلي التي تكرس مبدأ "الغاية تبرر الوسيلة". وحاول هنا رشيد صفر التذكير بجهود الحبيب بورقيبة واكد انه حذر منذ 1965 من أن "الغاية لا تطهر الا بطهارة الوسائل". تراكم هفوات الحزب وتضخم "الأنا" دعمت الزيغ عن المسار الديمقراطي وعن تطور المنحى الاستبدادي في فترة ما بعد 1987 أكد بالقول انه "لا يمكن أن نضع الفترتين في مقارنة لا وجه لها لان في ذلك اهانة للشعب وللزعيم بورقيبة. كما لا يمكن أن نحكم على الفترة البورقيبية دون وضعها في اطارها الزمني والجيوسياسي رغم انه لا يمكن نفي أن الفترة عرفت تضخما مبالغا فيه ل"الأنا" مما ادى إلى تضاعف المآزق السياسية والاجتماعية أدت إلى سرعة انهيار منظومة سياسية واقتصادية اجتماعية هشة". واكد رشيد صفر على العودة للاجابة بجدية على عدد من الأسئلة التي لا تزال معلقة والا فاننا "سنسقط مجددا في نكسة ثانية كما انه لا مناص من خوض وتوسيع رقعة الحوار لدعم شروط الديمقراطية والا سنعيد حتما نفس الأخطاء. " كما لم يغفل رشيد صفر عن طرح المسألة الاقتصادية في تاريخ الحزب الحر الدستوري واعتبر أن ضعف التنظيرات والبرامج الاقتصادية كانت أهم هفوات بورقيبة بل اصبح ثغرة أدت إلى عدة مآزق اجتماعية بدأت منذ الحكم بفشل تجربة التعاضد ومحاكمة أحمد بن صالح مرورا باحداث 1978 والثمانينات التي كرست انفجار الوضع الاجتماعي. هكذا غلب على شهادة رشيد صفر الجانب النقدي وحاول تحديد الهفوات التي أدت إلى مآزق البلاد الاجتماعية والاقتصادية وادت إلى ثورة ديسمبر/ جانفي 2011. وحاول صفر من خلال ذلك التنبيه الى مخاطر العودة للوقوع في نفس الهفوات. ولئن لم يغفل عن تثمين ثورة الشباب الذين اعتبرهم اشجع من مناضلي الحزب أواخر فترة الثمانينات, فانه صمت عن الحديث عن وزارته الاولى التي سبقت وزارة بن علي ولم يشأ ذكر تفاصيل اشرافه على الهيئة العليا للرقابة الادارية والمالية سنوات 1993-1996 وبرر ذلك بانه يخير العودة في ندوة ثانية تخصص لهذه المراحل من حياته السياسية. وهكذا خير رشيد صفر في شهادته التذكير بمآثر والده الطاهر صفر احد مؤسسي الحزب الحر الدستوري الجديد وأحد اهم المختصين في الاقتصاد السياسي, واعتبره ضحية احدى هفوات الحزب السياسية لسنة 1938 .