قد تعطل البيروقراطية وسوء التنسيق بين الإدارات مصالح الكثيرين ولكن قد تصبح المسألة جد خطيرة إذ تجاوزت مجرد "التعطيل" لتطال مصير الأشخاص وتتلاعب بمصدر قوتهم وبالتالي تهدد مستقبلهم ووضعهم الإجتماعي ، ولأننا في زمن إنقلبت فيه المفاهيم فإن هذه السابقة قد تكون صورة مصغرة لمساهمة الإدارة التونسية في خلق "البطالة" عوض حلها . ولئن كانت "الميزانية" هي تعلة البعض في عدم التشغيل فإنه وفي هذه الحكاية بالذات الميزانية مرصودة وعمال حضائر الغابات بولاية بنزرت عاطلون عن العمل و هم في انتظار "ورقة "من المعتمدية تتضمن أسماء العمال الذين يجب إعتمادهم في الأشغال المزمع إنجازها ، ففي حين تتمسك الولاية بعدم تحديد قائمة "عمال الحضائر" لأن ذلك ليس من مشمولاتها 'يتمسك رئيس المندوبية الجهوية للفلاحة بضرورة تحديد المعتمدية للقائمة. بداية الأزمة إنطلقت بمناشير أرسلها والي بنزرت للمعتمدين ينبههم إلى ضرورة عدم تحديد قائمات عمال الحضائر التابعين لإدارة الغابات وقد دأبت جل المعتمديات في السابق على إعداد قائمات العمال من طالبي الشغل ويتم مراعاة عدة نقاط في الإختيار وهي الوضع الإجتماعي ومدى أحقية الشخص للعمل. والغريب في الأمر أن المندوبية الجهوية للفلاحة في بنزرت جهزت البرنامج الشهري للعمال ومناطق تدخلهم وطلبت من المعتمدين تحديد قائمات "العمال" الذين سيتم إعتمادهم في الأشغال 'مع العلم أن "ميزانية" هؤلاء العملة مرصودة وجاهزة والإشكال الوحيد هو تحديد "الأسماء " وكانت المفاجأة بأن الوالي تمسك بعدم تحديد القائمات خلافا لما هو معمول به في كل ولايات الجمهورية . يقول السيد محمد مختار رئيس المندوبية الجهوية للفلاحة ببنزرت :"هذه الطريقة معمول بها في كامل ولايات الشمال و الجنوب وليست حكرا على ولاية بنزرت ، و ضبط القائمات يتم عن طريق السلطة المحلية أي الولاية وتحديدا المعتمدية 'فالمندوبية مجرد إدارة فنية وليس من مشمولاتها إختيار الأشخاص 'وأضاف:" إذا كان أمامي 100 عامل كيف سأختار 50 عاملا فليس لدينا مقاييس لنختار على ضوئها العمال وبالتالي المعتمدية هي الجهة الوحيدة المخول لها ضبط هذه القائمات لأنهم يعرفون "الوضعيات الإجتماعية" وقائمات طالبي الشغل'فنحن كمندوبية لدينا أشغال بالولاية نحددها شهريا ونرسل جدول عمل للمعتمدية ترسلها بدورها للولاية لأنها السلطة المحلية و تضبط القائمة ونحن نعتمدها". وقال:" لقد نتج عن هذا الأمر عدة أضرار فالبعض عمد إلى قطع الأشجار بالغابات وقد رفعنا تقريرا لوزارة الفلاحة لأن هناك حالة غضب من العمال وأغلبهم أصحاب وضعيات إجتماعية صعبة ' والمسألة بسيطة ولا تحتاج المزيد من التعقيد 'وهناك معتمديات لم تطبق مناشير الوالي وأرسلت لنا قائمات العمال اعتمدناها والعمال الان يعملون ولم تحدث إشكاليات مثل سجنان و جومين وماطر ورأس الجبل ...والمعتمديات التي تمسكت بالتعليمات بقي عمال حضائر الغابات فيها بلا عمل ولأول مرة أشاهد ولاية ترفض إتخاذ إجراءات لتشغيل الناس وكأن "البطالة" شأن لا يعنيها ' وأتساءل هل أن الأمر "بدعة" وحكرا على والي بنزرت دون باقي الجهات ؟ و حسب إعتقادي ما حصل مؤشر خطير وتنصل من المسؤولية وأؤكد مرة أخرى أننا في انتظار القائمات للبدء في الأشغال ." وبإتصالنا بولاية بنزرت أفاد مكتب الإعلام أن الولاية والمعتمديات غير معنية بتحديد قائمات عمال حضائر الغابات 'وأن هذا الصنف من العمال يتبعون وزارة الفلاحة وليس تحت إشراف وزارة الداخلية فقبل الثورة كانت المعتمديات هي التي تحدد قائمات هذا الصنف من العمال لكن الوالي إتخذ إجراء بعدم التدخل وأرسل مناشير للمعتمدين تنص على عدم ضبط القائمات '" وأضاف المصدر:" العمال المنضوون تحت إشرافنا هم عمال حضائر الولاية وحضائر المعتمديات وليس عمال حضائر الغابات وعلى كل إدارة تحمل مسؤولياتها ." واضاف ذات المصدر :"مندوبية الفلاحة لا تريد تحمل مسؤولياتها لأن العمال أصبحوا يطالبون بالترسيم و يريدون الحصول على حقوقهم كاملة لذلك يتم إرسالهم للولاية والمعتمديات وهي مسائل تتجاوزنا لأنهم يتبعون وزارة الفلاحة ." يبقى إذن ملف عمال حضائر الغابات بولاية بنزرت محل جدل 'ويبدو أن الخلاف بين وزارة الداخلية والفلاحة متواصل وإن لم يتم التوصل لحل فإن المتضررالوحيد في النهاية هو "العامل" البسيط الذي يريد لقمة العيش لا غير.