كلما ظهر الباجي قائد السبسي على الساحة إلا وأثار الجدل ولئن كان مجرد ظهوره يستقطب الأضواء ويثير فضول الملاحظين فإن عودته للساحة السياسية قد تربك بعض القوى السياسية وقد تكون مصدر ازعاج للكثيرين وربما أكثر من ذلك قد تثير هذه العودة مخاوف السياسيين وبالأخص رموز "الترويكا". فبعد انسحاب لم يدم طويلا عاد السبسي مجددا للساحة السياسية وللندوات الوطنية... عاد بخطاباته التي لا تخلو من ثقة في النفس ووعود تنادي بضرورة تحالف القوى السياسية والنهوض بالبلاد ربما تمهيدا للعودة من «الباب الكبير» بعد ان استقال كما وعد مع تشكيلته الحكومية إثر انتهاء انتخابات أكتوبر الفارط رغم قوله صراحة ان السياسي لا يموت وانه مستعد للعمل الى آخر لحظة. فهل تثير عودة السبسي وترؤسه لأكبرحزب هو الآن بصدد التشكل مخاوف السياسيين وخاصة الحكومة الحالية والتي يبدو أنها بدأت تستعمل ورقة «اليوسفيين» للي ذراع الرجل؟ وهل يعتبرالسبسي بثقله السياسي مصدر تهديد للقوى السياسية الحاكمة الحالية خاصة بعد الحراك السياسي الكبير الذي شهدناه مؤخرا؟ فبعد مجموعة التحالفات التي سبق وأعلنت عنها الأحزاب الوسطية بعد المؤتمر الائتلافي الذي جمع بين «الحزب الديمقراطي» و«الحزب التقدمي» و«آفاق تونس» و«الحزب الجمهوري "وبعد المبادرة التي جمعت «حركة التجديد» و«حزب العمل التونسي» ومستقلين عن «القطب الحداثي» ها إن الحديث عن الحزب الوسطي قد عاد من جديد ومن المنتظر أن تنصهر جميع هذه الأحزاب ضمن حزب واحد قد يكون الأضخم في تاريخ تونس. فهل بدأت الحكومة تحتاط من الأحزاب القادمة وبدأت تقود «حربا صامتة» يكون فيها رأس السبسي على لائحة المطلوبين ؟ إن إثارة قضية اليوسفيين في هذا الوقت بالذات تبدو في ظاهرها قضية ككل القضايا التي نسمع عنها من حين إلى آخر وتندرج في اطار ما يسمى بالمحاسبة ولكنها قد تحمل في ثناياها الكثير من نقاط الاستفهام خاصة بعد ان تولت لجنة الدفاع عن ضحايا تعذيب الحركة اليوسفية التي يرأسها مبروك كورشيد رفع قضية ضد الباجي قائد السبسي الوزير الأول السابق ومسؤولين عن تعذيب الضحايا في تلك الفترة. وكان المحامي «كورشيد» صرح أن رفع القضية ضد السبسي تعود لكونه المسؤول المباشر عن أعمال التعذيب التي تمت في حق اليوسفيين وأنه كان حينها يشغل منصب وزير الداخلية وقد وقع خلالها تعذيب وصف ب«الفظيع جدا» للمحكومين من الحركة اليوسفية وقال «كورشيد» إن «التعذيب» وقع من أشخاص تحت امرة السبسي وهو مسؤول عنه. ولئن نفى «كورشيد» أن يكون فتح هذه الملفات قد تم بدافع أو تحريض من «الترويكا» أو من رئيس الجمهورية مثلما تم التصريح به عبر عدد من وسائل الاعلام فإن لسائل ان يسأل: أين كانت هذه اللجنة عندما كان الباجي قائد السبسي على رأس الحكومة؟ ثم لماذا تمت إثارة هذه القضية في هذا الوقت بالذات أي عندما عاد السبسي لواجهة الأحداث خاصة اذا تذكرنا أن الحكومة الحالية كانت تكيل للرجل المديح والثناء وهو ما جاء على لسانه شخصيا عندما قال إن الحكومة كانت تمدحه عندما كان على رأس الحكومة ثم بعد أن خرج منها انقلبت الموازين وأصبح رأسه مطلوبا؟ والمتأمل للأحداث يرى أن حرب السبسي مع الحكومة انطلقت مباشرة بعد إصداره لذلك «البيان» الشهير والذي انتقد فيه أداء الحكومة وتباطؤ المجلس الوطني التأسيسي وقد بدأ الحديث عن مؤامرة تقودها شخصية وطنية وأن هناك اتصالات بالسفارات للحيلولة دون وصول القروض والدعم للحكومة ثم ظهرت القضية «الحدث» والتي ترأسها المحامي «كورشيد» وبدأ الحديث عن عدالة ومحاسبة وانطلق النبش في الملفات القديمة. فهل تحولت قضية «اليوسفيين» إلى سيف يهدد رقبة «السبسي» متى شاءت الحكومة تسليطه على الرجل ؟ وهل هي ورقتها الخفية التي تظهرها متى شعرت ب«الحرج» و«الخطر»؟ يبدو أن ثقل السبسي السياسي وخبرته الطويلة وتجربته مع الجمهورية الأولى زمن الزعيم بورقيبة وتأثره الكبير بالفكر البورقيبي والذي ورث عنه «القدرة» على الإقناع وفرض هيبة الدولة تزعج السلطة الحالية. فهل شعرت «الترويكا» بالخوف من أن يقلب الحزب الكبير بقيادة السبسي الموازين؟ وهل بدأت الحكومة تستشعر الخطر وترى أن عرشها بات مهددا خاصة وهي تحضر لاستحقاقات سياسية هامة؟ ربما انطلقت «معركة» الانتخابات باكرا وربما هي حرب صامتة بين «ترويكا» ضعيفة بدأت تحالفاتها تنهار و بين رجل دولة يمتاز بالدهاء وربما يكون الحديث عن ائتلافات وتحالفات قوية قد أربك الحكومة وجعلها تنبش في الملفات القديمة عساها تقطع بعض «الرؤوس» ممن يشكلون خطرا داهما وربما استشعرت الحكومة هذا الخطر منذ مدة فبدأت بإلغاء المرسوم 106 لتكون ورقتها التي تلوّح بها متى شعرت بالخطر. ثم لماذا عملت الحكومة على إلغاء هذا المرسوم بالذات ؟هل كانت تعرف في قرارة نفسها أن الرجل «عائد للسياسة» وللأضواء فأرادت تعزيز«سلاحها» ليكون ورقتها الخفية و لتمهيد الطريق لأنصارها ليقوموا بقطع الطريق على كل من تسول له نفسه «تحدي» الحكومة؟