- أملنا إسكات طبول المواجهة مع السلفيين - أقول ل«السبسي» إن محاولة التضليل في التواريخ لن تفيده في شيء ضيفنا في عدد اليوم محام وسياسي وحقوقي وصاحب تجربة في النشاط الجمعياتي، يمتاز بنزعته القومية العروبية، حيث شغل خطة عضو مكتب سياسي بحركة الشعب القومية منذ تأسيسها وكذلك عند توحيدها مع الوحدويين التقدميين، انتهاء بانتخابه عضوا للمكتب السياسي لحركة الشعب المنبثقة عن أشغال المؤتمر التأسيسي الموحد للتيار القومي التقدمي الذي انعقد أيام 24 و25 و26 من شهر فيفري الماضي منجبا «حركة الشعب» نتاج انصهار حركة الشعب الوحدوية التقدميّة مع حركة الشعب... كان أحد أعضاء الوفد العربي الأول الذي زار بغداد سنة 2006 وأول محام يؤدي زيارة إلى قطاع غزة وأحد أعضاء هيئة الدفاع عن «البغدادي المحمودي»... أثار ضيفنا خلال الآونة الأخيرة شيئا من الجدل وردود الأفعال المتباينة داخل الأوساط السياسية والاجتماعية والإعلامية على اثر القضية التي رفعها مؤخرا على الوزير الأول في الحكومة السابقة السيد "الباجي قائد السبسي". إنه الأستاذ مبروك الكرشيد الذي جالسته «التونسية» فكان هذا الحوار: لو نبدأ بتقييمك للوضع السياسي الراهن؟ - لقد دخلت البلاد مرحلة حاسمة،ميزتها إشهار المعركة الحقيقية بين حزب حركة «النهضة» والسلفية، والمتمحّص في الشأن السياسي يدرك أن التصريحات الأخيرة التي أدلى بها وزير الداخلية «علي العريض» وتصريحات زعيم السلفية «أبو عياض» تؤكد احتمال قيام مواجهة ساخنة تدور أحداثها خلال هذه الصائفة تكون «النهضة» طرفها الأول والسلفية طرفها الثاني،هذا ولن يكون مسرح أحداثها بساحة الحبيب بورقيبة أو بساحة محمد الخامس أو أمام مقر المجلس التأسيسي... وإنما بكامل مناطق الجمهورية. إن انطلقت هذه المواجهات لا قدر الله فذلك يمثل حتما تهديدا للاقتصاد التونسي والسلم الاجتماعية... فالدولة لا تعوزها الإمكانيات والإحساس الطبيعي بالقوة المستلهمة من الشرعية كما أن السلفية الجهادية لا ينقصها السلاح أو الاستشهاديين...نأمل كل الأمل أن يسعى الطرفان إلى تجنب كل ما من شأنه أن يعكر صفو الأوضاع وأن نتجنب وقوع هذه المعركة التي بدأت تقرع طبولها حتى لا نزيد البلاد حملا على الحمل الذي يثقلها بعودة البورقيبية وتجميع قوى الردة داخل العربة الواحدة التي يقودها «الباجي قائد السبسي". ما سر العداء الذي تكنه ل«الباجي قائد السبسي» حتى تنزع إلى رفع قضية ضده؟ الأمر الذي دفع بالبعض إلى اتهامك بالانتماء لحركة «النهضة» ووصفك بأداتها الطيّعة لتصفية حساباتها مع الوزير الأول السابق؟ - أولا اختلف معك ومع كل من يعتقد انه ثمة مواجهة بين «النهضة» والباجي قائد السبسي،هذا غير صحيح فلا أساس لمثل هذه المواجهات خاصة ونحن نعلم ان حركة «النهضة» تريد أن تتخير مواقع الاصطفاف ولا ترغب في دخول مواجهة مع البورقيبيين وهذا بيّن من خلال تعاملها مع هذا الملف. أما بخصوص القضية التي رفعتها على «الباجي قائد السبسي» في شخصه فذلك يعود إلى تضافر ثلاثة أسباب رئيسية: أولها أن مرحلة العدالة الانتقالية التي تشملها إحاطة الحكومة الحالية تقتصر على فترة المخلوع، وهو ما يمثل خطيئة كبرى إذ أن الثورة اندلعت لتطيح بالنظام النوفمبري والبورقيبي في آن واحد، ودليلنا على ذلك أن مطلب ثوار القصبة كان إحداث مجلس تأسيسي جديد وليس ترميم الحكم التجمعي، وبذلك فإن لفت الانتباه إلى ضرورة تضمين الجرائم الكبرى التي مورست منذ الفترة الأولى(الحكم البورقيبي) ضمن أحكام العدالة الانتقالية،كان ضرورة ملحة،هذا السبب الأول الذي جعلني أثير الموضوع بمجرد أن تولت الحكومة الشرعية المنتخبة مقاليد الأمور. (مقاطعا) لكن لماذا لم ترفع هذه القضية حينما كان السيد «الباجي قائد السبسي» رئيسا للحكومة؟ ألم يكن لذلك أن يعكس حسن نواياك ويدفع عنك شبهات الانتماء إلى هذا أو ذاك كما هو اليوم؟ -هذا ينضوي ضمن السبب الثاني الذي حفزني على رفع القضية،حيث كان من غير الممكن رفع هذه الدعاوى عندما كان الباجي قائد السبسي رئيسا للحكومة،و ذلك باعتباره رئيس الضابطة العدلية التي تأمر بفتح الأبحاث أو حفظها ،كما أن وكلاء الجمهورية تابعون بمقتضى القانون لوزير العدل يأمرهم فيأتمرون وينهاهم فينتهون ووزير العدل رهين إرادة رئيسه الباجي... لذلك لم يكن ممكنا أن نطلب من السيد الباجي قائد السبسي أن يقوم بفتح بحث ضد نفسه وضد الفترة التي كان رمزا من رموزها، ولكن هذا لم يكن في حقيقة الأمر مانعا من إثارتنا لمسألة السبسي واليوسفية منذ تاريخ 25 أفريل 2011 أي بعد انتصار القصبة2، ولدينا المكاتيب التي تثبت صحة مزاعمنا في توجهنا للحكومة آنذاك بفتح هذا الملف. والسبب الثالث الذي حفزنا على رفع هذه الدعوى في هذا الوقت هو أنه بعد أن عرفنا بنزعتنا إلى فتح ملفات التاريخ القديم الذي مازال حيا،حضر لدينا كمحامين مجموعة من ضحايا التعذيب وطلبوا منّا رفع الدعوى، وأذكر من هؤلاء المناضل قدور بن يشرط وعبد المومن القفصي ابن المناضل علي القفصي وعائلة الصحبي فرحات... ولم نكن لنرفع القضية دون تكليف قبل ذلك التاريخ. ولكن هذه القضية أثارت من الجدل الكثير خلال الآونة الاخيرة حتى أن بعضهم اتهمك بالانتماء والانتصار إلى حركة «النهضة»،فما ردك على هؤلاء؟ - أريد أن أؤكد بأني لست على علاقة لا ب«النهضة» ولا ب«الترويكا» الحاكمة، أنا أنتمي الى خط يوسفي لا يحكم البلاد في الوقت الحالي وإن كان من حق اليوسفيين الطموح الى ذلك، ولا علاقة لي بما يريد أن يثيره الآخرون عني. إن السبسي هو الآخر كان قد سقط سقوطا خطيرا في برنامج تلفزي حينما شبه مناهضيه ب«الكلاب»، وهذا لا يليق به كرجل طاعن في السن وكصاحب مشروع حسب زعمه، فخلافنا معه هو خلاف على الأفعال التي اقترفها وليس على أقواله التي تبدي رغبة في التراشق اللفظي، فليجبنا هل بحث قدور بن يشرط في قضية المؤامرة؟ وهل كان ضالعا في أحداث برج الطويل؟ وكذلك أحداث الوردانين؟فليجبنا عن سبب وفاة الصحبي بن فرحات وعن تعذيب الرجال داخل السجون؟... أريد أن اعلمه بأن محاولة التضليل في التواريخ لن تفيده في شيء إذ أن مؤامرة 62 على سبيل المثال اكتشفت يوم 24 ديسمبر 63 وهو تولى إدارة الأمن يوم 5 جانفي 63 أي بعد 11 يوما فقط من مباشرته لمهامه،فليجبنا إذا لما وضع فيه الحبيب بورقيبة ثقته العمياء وعينه مديرا للأمن وهو الذي لا علاقة له بالمسائل الأمنية حيث نعرف انه محام؟ اللهم إلا إذا كان معلوما بخبرة خاصة يعرفها عنه من كلفه بالمهمة! برأيك هل خلصنا إلى حلّ المشاكل التي أثارها المخلوع حتى نعود لنفتح باب التاريخ القديم والتجاوزات البورقيبية؟ - ما لاحظناه ان فترة المخلوع أخذت نصيب الاسد من حجم القضايا المرفوعة،كما لاحظنا انه ثمة تغطية وتعتيم على المرحلة البورقيبية بل وحتى محاولات تلميع هذه المرحلة، لن أتوانى عن رفع اي قضية على المخلوع ولكني لن افرط في نبش التاريخ والسعي الى رد الاعتبار الى ضحايا الفترة البورقيبية. ما حقيقة الخبر الذي شاع مؤخرا ومفاده أنه تمّت إحالتك إلى النيابة العمومية بتهمة التهجّم على رجل أمن؟ -بموجب نيابتي عن البغدادي المحمودي وقع خلاف بسيط بيني وبين رجل أمن ولكن تمّ حلّه وتجاوزه. بمناسبة الحديث عن البغدادي المحمودي،ما جديد هذا الملف وما آخر تطوراته؟ وما فحوى تصريحاتك بأن قضاء ما بعد الثورة يتلقى تعليمات من وراء الحدود؟كيف ذلك وما دليل مزاعمك؟ - إن هذا الملف أثبت عدم استقلالية القضاء التونسي، لا أقول هذا لوحدي فكل المراكز الحقوقية التونسية تؤكد ان القضاء التونسي لم يحقق استقلاليته،إن إصدار النيابة العمومية لبطاقة إيداع بالسجن في حق موكلي بناء على وثيقة صادرة من جهة غير رسمية ومراسلة من فندق مغربي يثبت صحة ما أدعي. أرى أن البغدادي المحمودي يعتبر أول معتقل في تونس بعد ثورة 14 جانفي إذ يقبع داخل السجون دون وجه حق والأصل أن يكون حرا طليقا لا أن يكون رهين الإيقاف. وهنا أيضا أريد أن أقول انه على الباجي قائد السبسي أن يتحمّل مسؤوليته التاريخية في هذا الموضوع حيث أثبت ملف المحمودي الفساد الحاصل في أجهزة الدولة في فترة حكم السبسي، وإن لم يكن ذلك صحيحا فَلِمَ مُنع البغدادي من العبور إلى الجزائر في حين أن وثائقه سليمة؟اعتقد أنه يجب ان يساءل في هذا الموضوع أيضا ! ما حقيقة الأخبار التي تؤكد أن هيئة الدفاع عن البغدادي المحمودي تعاني من بعض المشاكل الداخلية حد تجريد البعض من عضويته...؟ - لست على دراية بأنه ثمّة من جرّد من عضويته أو لا،من ناحيتي فإنني مكلف من طرف عائلة البغدادي ولا زلت مكلفا،لا أدري بشأن الاخرين وان ثبتت بعض المشاكل فقط تكون في صف بعض متطوعي الهيئة...حقيقة لا ادري. أين وصلت القضية التي كنت تقدمت بها ضد بعض المدونين ومنهم مروان عثمانة ؟ واتهامك لهؤلاء بالانتماء لفلول «التجمّع»؟ - لقد كان خلافا بسيطا وتم حل المشكل بعد أن عرفت الاطراف التي تقف وراء تحريض هؤلاء. ما مردّ الاتهامات التي وجهت اليك بكونك راكبا على الثورة ولا صفة لك فيها؟ ومجلس حماية الثورة بمدنين الذي رفض انضمامك له؟ -هذه تهمة جاهزة من قبل البعض،أولا أريد أن أؤكد أن مجلس حماية الثورة كوّن في مكتبي يوم 15 جانفي وأول مهمة قام بها هذا المجلس هي افتكاك مراكز التجمعيين وقد عرضنا أنفسنا في ذلك للخطر من إطلاق نار ومداهمات، لقد كنّا نشطاء في الحراك منذ بدايته... لم تجبنا عن السبب الحقيقي وراء وابل هذه التهم الطاعنة في مسيرة نضالك؟ - حسنا، إن السبب في ذلك يعود إلى انه عندما طرح موضوع النيابات الخصوصية يوم 9 مارس 2011 ثمة من أراد الإبقاء على المجلس البلدي المنتخب في عهد بن علي وباعتبار العروشية التي كان يعتمدها الحزب الحاكم ناهضتني بعض الأطراف للإبقاء على المجلس القديم... وهذا هو أصل التهم التي كيلت لي. صرحت في أكثر من مناسبة أن توجهك السياسي معروف وأنك صاحب فكر قومي عروبي... ولكن ما نلحظه انك لست بارزا على الساحة السياسية بقدر بعض رفاق الحركة التي تجمعكم فحتى حضورك الاعلامي كان باهتا بعض الشيء لولا القضية التي رفعتها على السبسي؟ ألك أن توضّح لنا الأسباب؟ - إن كثرة الشواغل جعلتني أعزف عن ارتداء اكثر من قبعة، نحن في طور البناء التنظيمي لحركة الشعب المنبثقة عن التوحيد الاخير الذي جمع حركة الشعب الوحدوية التقدمية بحركة الشعب، نحن نعول في حركتنا على ان يكون مركز الاستقطاب حائما حول الاحزاب بقدر المواضيع الاجتماعية فنحن نبحث عما ينفع الناس ولا نبحث عن الشهرة او الاصطفاف المسبق. بمقتضى درايتك القانونية، ما هي الصياغة المثلى التي ترتئيها في سن الفصل الأول من الدستور الجديد؟ - ننادي بتغيير الفصل الاول على عكس ما ينادي به البقية، (تونس جزء من الأمة العربية،تعمل على وحدتها في نطاق المصلحة المشتركة)، الابقاء على الفصل الاول من الدستور قد يجنب البلاد آنيا معارك طاحنة امام شاشات التلفزة، لكنه لن يقتلع فتيل المعارك حيث ان المعارك ستخاض على الجزئيات داخل كل قانون وإن وصل الاتفاق على الابقاء على الفصل الاول كما هو عليه اذ ستطرح مشكلة الشرعية الاسلامية وداخل كل تشريع ستطرح هذه الشرعية،وأمام كل جمعية ستطرح هذه الشرعية... هو فصل على الفطرة. إني مع التنصيص على الشريعة في الفصل الاول من الدستور، ولكن على الا تكون المصدر الاساسي الوحيد لاصدار الاحكام، فالفصل القديم لم يمنع بورقيبة من اصدار قانون التبني ولكنه دفع قضاة محكمة التعقيب أن يقولوا إن الإسلام مصدر من مصادر التشريع، إبقاؤه ربح سياسي دولي لحركة «النهضة» وتأجيل للمعارك في الجزئيات، الشريعة مصدر من مصادر التشريع في القانون التونسي لكن ما ينقص الكليات في الشريعة الاسلامية لا يمكن أن تأتي به القوانين التونسية وهذا أصل المشكل. لدينا أيضا احتراز آخر بشأن الفصل الأول حول أن العربية لغتها، اذ استوجب لفت الانتباه ان نقول «تونس جزء من الامة العربية الاسلامية» وأنا على يقين أن من يرفض ذلك لا يتجاوز حلقة اليساريين الليبراليين وداعمي مشروع بورقيبة. ما سر استثمارك في قطاع الإعلام وفي هذا الوقت بالذات؟ - لم استثمر، الاعلام ليس استثمارا، الاستثمار يأتي بالاعتماد على الشركات الدعائية والحال أني محروم منها،حتى نوجد فضاء حرا دون ضغوط نستطيع ان نعبر فيه بكل حرية رغم تكاليفه الباهضة والضريبة الثقيلة... بعثنا صحيفتنا لتطرح المواضيع السياسية، ومن القضايا التي بلغت المواطن من خلال صحيفتنا هول الجرائم التي ارتكبها النظام البورقيبي. هذا يعني أن توجه صحيفتكم هو من توجه أصحابها؟ حولت من قضية شخصية إلى قضية رأي عام؟ - لا على العكس، يجب أن نلتزم بأن يظل أي منبر إعلامي حرّا بعيدا عن التوجهات وخدمة المصالح الشخصية الضيقة، ولكن الساكت عن الحق شيطان أخرس ايضا،صحيفتنا مستقلة ولك أن تسأل العاملين بها... حيث اني لا ألزم احدا بالخوض في هذا الموضوع أو ذاك كما لا أقيد حرية أي صحفي في أن يعبّر عن رأيه بكل جرأة وشجاعة ومصداقية وشفافية أيضا.