صياح وصراخ كاد أن يصل الى حدّ الشجار داخل قبة المجلس التأسيسي أفضى ولأول مرة في تاريخ تونس المستقلة الى طرد نائبين خارج القاعة... جدال عقيم وسجال واتهامات متبادلة حول ملف هو بالأهمية بمكان... ملف شهداء الثورة وجرحاها.. تلك كانت الأجواء التي سيطرت على أعمال الجلسة العامة للمجلس الوطني التأسيسي التي خصصت لمناقشة تقرير اللجنة الخاصة بهذا الموضوع في وقت بدأ أولياء الشهداء والجرحى ييأسون من الوعود المتكررة ومن التعهدات المتواترة للمسؤولين عن هذا الملف الشائك والحارق في نفس الوقت. غداة 14 جانفي 2011 تم تشكيل لجنة خاصة بتقصي الحقائق حول التجاوزات والانتهاكات خلال احداث الثورة وهي ما أصبحت تعرف بلجنة توفيق بودربالة. عملت هذه اللجنة على اعداد قائمة في شهداء الثورة وجرحاها وتوصلت حسب ما صرح به رئيسها خلال شهر أوت من السنة الماضية الى تحديد قائمة الشهداء التي بلغت 243 شهيدا في حين ناهز عدد الجرحى 1300 ولكن يبدو أنه تم التشكيك في هذه القائمة ونتذكر جميعا تلك الضجة التي أثيرت أثناء افتتاح أشغال المجلس الوطني التأسيسي لما بادر أحد اعضائه بتلاوة قائمة الشهداء دون إذن أو حتى تنسيق مسبق مع رئيس المجلس. ثم جاء لدى تشكيل الحكومة الجديدة احداث وزارة لحقوق الانسان والعدالة الانتقالية من بين مهامها اقتراح التدابير والإجراءات العاجلة المتعلقة بجرحى الثورة وبعائلات شهدائها وذلك بالتنسيق مع الوزارة والهياكل المعنية. ومن جهته قرر المجلس الوطني التأسيسي احداث لجنة خاصة صلبه تتكفل بمتابعة الملف وبإعداد تقرير في الغرض يعرض للنقاش خلال جلسة عامة بحضور كافة أعضائه ومن المضحكات المبكيات أنه خلال الجلسة المذكورة وفي كل آن وآونة يصدع نائب بخبر وفاة جريح ودخول آخر في حالة احتضار ليكذبه نائب آخر وبعدها يقال إن الإعلام يروج للدعايات المغرضة ويضلل الرأي العام. كما أن رئيس الجمهورية المؤقت الذي يتباهى بتعليق صورة أحد الشهداء بجمّازته قرر يوم 5 مارس الفارط تعيين مستشارة مكلفة بملف شهداء الثورة وجرحاها تتكفل بمتابعة هذا الملف وهي أي المستشارة التي كانت مقترحة من طرف حزبه لتولي حقيبة وزارية وقد يكون في الأمر ترضية أكثر منه اهتمام حقيقي بملف سبق وأن تكفلت به الحكومة. وبالتالي فقد أصبحنا امام ما لا يقل عن أربعة متدخلين أي رئاسة الجمهورية ووزارة حقوق الإنسان ولجنتان أي لجنة بودربالة ولجنة التأسيسي هذا دون احتساب الجمعيات المعنية. وفي هذا الخضم بدأت الأمور تتلاشى في ظل التجاذبات السياسية حيث ان كل جهة تريد الاستحواذ على الملف وتوظيفه لفائدتها وبدأت معها آمال العائلات تتضاءل وبدأ صبرها ينفد إن لم يكن قد نفد بعد فكثرة المتدخلين في نفس الملف واختلافهم حول التمشي والمقاربة وعدم قدرتهم على الاتفاق حول القائمات النهائية ساهم بشكل كبير في تعكير الأجواء وفي إطالة الآجال كل هذا على حساب أعصاب أولياء الشهداء والجرحى. ألم يكن من الأفضل تكليف الحكومة أي وزارة حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية بدراسة هذا الملف انطلاقا من تقرير لجنة تقصي الحقائق والعمل على فض كل الاشكاليات في حينها حتى لا تتفاقم الأمور وتتعقد الحلول وييأس أصحاب الحق من الحصول على حقوقهم.